هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

73 سنة وكل شبر في أرض مصر خط أحمر 
محمود البدوي
محمود البدوي

بقلم - محمود البدوي

٢٥ يناير 1952 سيظل ذكرى للوطنية المصرية بكل تجلياتها ، ويظل الاحتفال به احتفالاً بقيم التضحية والفداء والجدعنة المصرية ، وانتصارا للعدالة والحرية والاستقلال وكل القيم النبيلة التي آمنت بها مصر وناضلت من أجلها ، فلم يكن صمود جنود الشرطة المصريين في الإسماعيلية أمام جحافل جنود الاحتلال ، ودباباتهم ومدرعاتهم ، رافضين الاستسلام ومصممين على المقاومة ، مجرد وقفة اعتيادية لجنود اقسموا على حماية الوطن والزود عن آمن مواطنيه ، بل أنه كان معبرًا عن حقيقة معدنهم الصلد والأصيل أيضًا، لم يكن إلا تعبيرا عن ضمير مصر كلها وهي تقاوم الاحتلال وتطلب الاستقلال ، وتضحي بأرواح أغلى أبنائها في معركة الكرامة .


فالشهداء الذين إرتقوا في هذا اليوم كانوا يرسمون بالدم طريق جديد يثأر للشهداء ، ويحرر الوطن ، ولم يكن رجال الشرطة البواسل في ملحمة الإسماعيلية ليترددوا ولو للحظة واحده ، عندما قرروا أن يقدموا أرواحهم فداء لأمن الوطن ، فمصر تستحق ، ولا يمكن لمحتل أو عدو أن يكسرها ، أو تركع لأحد إنها قمة التضحية من أجل كرامة مصر ، ووقف الرجال مواقف العظماء لا ينحنون إلا لله ، قاوموا بأسلحتهم الشخصية في مواجهة أعتى الجيوش أنذاك ، صمد الرجال ببسالة منقطعة النظير في مواجهة الدبابات والمدرعات والمجنزرات والمدافع ، وسطروا بدمائهم الذكية ملحمة ستعيش مخلده ابد الدهر يتناقلها جيل من بعد جيل ، فكُتب الخلود لهم لأنهم نسوا انفسهم ، نسوا أهلهم وابنائهم وأزواجهم وأحبابهم، ووضعوا صورة مصر أمامهم ، فقط مصر واسمها وشرف العسكرية التي حملوا لوائها، والقسم على حماية الأرض والعرض ، وحتى بعد أن نفدت ذخيرة الفرسان ، لم يحققوا للعدو رغبته في استسلامهم ، فنالوا احترامه وتقديره وتحيته ، وحظوا باحترام العالم ، لذلك لم ينسى التاريخ حكايتهم رغم مرور 73 عام على ملحمة الإسماعيلية ، ومنحهم عيدًا خالدًا يحتفل فيه المصريون بالساهرين على أمن الوطن والمواطن ، وتخليدًا لأرواح وذكرى هؤلاء البواسل تم إقرار هذا اليوم كالإجازة رسمية لأول مرة بقرار من الرئيس المصري الأسبق / محمد حسني مبارك في فبراير من عام 2009م ، باعتبار هذا اليوم إجازة رسمية للحكومة والقطاع العام المصري، تقديرًا لجهود رجال الشرطة المصرية في حفظ الأمن والأمان واستقرار الوطن، واعترافًا بتضحياتهم في سبيل ذلك .

وها هي الذكري ال 73 تحل علينا وما زالت العقيدة الشرطية راسخة ولم تتغير ، مازالت تردد ترانيم التضحية والفداء والبذل والعطاء من أجل مصر ، ما زال الرجال ساهرين على أمن الوطن والمواطن ، ومازالوا يواجهون الموت والأخطار في كل لحظة من يومهم وهم يتصدون بفدائية لمجرمين وإرهابيين وأعداء للوطن في مواقع ومجالات متنوعه ومتعددة ، ما زالوا يقتلعون بدأب جذور الخوف والفزع ، لنشر ثمار الأمن والأمان والاستقرار ، وتقديم العديد من الملاحم والبطولات والمواقف المشرفة للوطن.
ونذكر انفسنا بتفاصيل تلك البطولة التي يجب أن لا نتوقف عن روايتها وتعليمها لأبنائنا جيل بعد جيل ، هذا التاريخ الي مثلت فيه معركة الإسماعيلية إحدى فصول النضال الوطني الذي ثار كالبركان إثر إلغاء معاهدة‏ 1936‏ التي كانت قد فرضت على مصر أن تتخذ من المحتل وليا لها ، ليُفرض عليها عبء الدفاع عن مصالح بريطانيا ، وتعاني غارات الجيش المحتل التي هدمت الموانئ وهجرت المدن .
وبعد إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ، حتى ثارت الحركة الوطنية مطالبة بإلغاء المعاهدة وتحقيق الاستقلال ، وما كان من حكومة الوفد إلا أن استجابت لهذا المطلب الشعبي‏ ،‏ وفي الثامن من أكتوبر ‏1951‏ أعلن رئيس الوزراء مصطفي النحاس إلغاء المعاهدة أمام مجلس النواب  .
وفي غضون أيام قليلة نهض شباب مصر إلى منطقة القناة لضرب المعسكرات البريطانية في مدن القناة ،‏ ودارت معارك ساخنة بين الفدائيين وبين جيوش الاحتلال ، وفي الوقت الذي ترك أكثر من 91572 عاملاً مصريًا معسكرات البريطانيين للمساهمة في حركة الكفاح الوطني ، كما امتنع التجار عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية ، الأمر الذي أزعج حكومة لندن فهددت باحتلال القاهرة إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين ، ولم يعبأ الشباب بهذه التهديدات ومضوا في خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربي البريطاني واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة‏.‏

وشهدت المعركة تحالف قوات الشرطة مع أهالي القناة ‏،‏ وأدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة ‏،‏ فعملوا علي تفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أي غطاء أمني‏ ،‏ ورفضت قوات الشرطة تسليم المحافظة ، رغم أن أسلحتهم وتدريبهم  لا يسمح لهم بمواجهة جيوش مسلحة بالمدافع‏.‏

وفى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952 قام القائد البريطاني بمنطقة القناة (البريجادير أكسهام) واستدعى ضابط الاتصال المصري ، وسلمه إنذارا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية ، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة ، وما كان من المحافظة إلا أن ترفض الإنذار البريطاني وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين ، وزير الداخلية في هذا الوقت ، والذي طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام ، فاشتد غضب القائد البريطاني في القناة وأفقده قرار الرفض أعصابه ، فأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية وأطلق البريطانيون نيران مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات ، في الوقت التي لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع .
وحاصر أكثر من 7 آلاف جندي بريطاني مبني محافظة الإسماعيلية ، والثكنات والذي كان يدافع عنهما 850 جنديا فقط ، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة ، التي دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة الضابط / مصطفى رفعت ، حتى سقط منهم خمسون شهيدًا ، والعديد من الجرحى الذين رفض العدو إسعافهم ، سقط الرجال بين قتيل وجريح بينما نهض العالم كله ليشيد ببطولتهم التي جعلتهم حديث العالم كله ، بل ومضرب الأمثال في الفداء والوطنية وبذل الروح في سبيل استقلال وحماية الوطن.
وختاماً أقول لرجال الأمن المصري البواسل : إن الطريق لم ينته بعد ، فمازالت أمامنا تحديات صعبة ، لعل أخطرها محاولات جماعات الظلام والشر إعاقة هذا الطريق الذي مشيناه وحققنا فيه نجاحات وإنجازات أقرب إلى المعجزات ، تلك الجماعات التي تسعى الي نشر الإرهاب وترويع مجتمعنا الآمن ، متوهمين بأنهم قادرون على تخويف المصريين ، او حتى تعطيل او إعاقة مسيرة تنمية وطنهم المنشودة ، إلا أنهم لا يدركون حقًا مدى قوة وصلابة معدن هذا الشعب ، فجميع ربوعه خط أحمر بجهود أبنائه المخلصين من شعب وشرطة وجيش ، فكلهم جنود بواسل في معركة تنمية وحماية وبناء مجد هذا الوطن العظيم مصر .





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق