مع تصاعد النقاشات حول مستقبل التعليم في مصر، تبرز إعادة هيكلة الثانوية العامة كخطوة حيوية تثير اهتمام أولياء الأمور والطلاب على حد سواء، وتلك الخطوة تأتي في وقت تواجه فيه المنظومة التعليمية تحديات عديدة، مثل الكثافات المرتفعة، ومشكلة الغياب، والنقص المستمر في عدد المعلمين.
في ظل هذه الأجواء المشحونة، يتساءل الكثيرون عن كيف يمكن للحلول المقترحة أن تُنفذ على أرض الواقع وتعيد الثقة في نظام التعليم.
حاورت بوابة "الجمهورية أون لاين" د. أيمن بهاء الدين البصال، نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، الذي سيكشف لنا عن استراتيجيات الوزارة للتغلب على هذه التحديات ودوره في صياغة مستقبل تعليمي أفضل لمصر.
أكد د. أيمن بهاء الدين، على أهمية الاستراتيجية التعليمية المعتمدة منذ فترة الدكتور طارق شوقي، مشيرًا إلى أن الوزارة لم تلغِ أي مواد دراسية نهائيًا، موضحًا أن هذه الاستراتيجية المعززة بوثيقة تطوير التعليم التي صدرت في 2019، ستستمر حتى عام 2030.
أشار إلى أن وزارة التعليم تعتبر من أقدم الوزارات في مصر، وأنها تلتزم بتطوير النظام التعليمي لمواكبة التغيرات العالمية، مؤكدًا أن التحديات الحالية تتطلب إعادة هيكلة نظام التعليم الثانوي والعام، بدءًا من رياض الأطفال وحتى المرحلة الثانوية، مشيرًا إلى ثلاث مشكلات رئيسية تُعاني منها المدارس: وهى الكثافة الطلابية العالية، ونقص الكوادر التعليمية، وارتفاع معدلات الغياب.
أضاف أنه يجب معالجة غياب الطلاب عن المدارس، لان ذلك هو السبب فى لجوءهم إلى الدروس الخصوصية، والتي تعاني بدورها من نقص في جودة التعليم حيث يفتقر العديد من المعلمين في هذه السناتر إلى التدريب التربوي المناسب.
أكد نائب وزير التربية والتعليم، أن المعلم المصري تبقى له مكانته عالمياً؛ فلطالما كانت الدول العربية تستعين بالمعلمين المصريين، حيث يتمتعون بخبرة عميقة في مجالاتهم، ومع ذلك أصبح التوجه الجديد يعتمد على التعليم عن بعد، حيث تقوم الدول العربية بتوظيف المعلمين المصريين عبر الإنترنت، مؤكدًا أن هذا يؤكد جودة التعليم في مصر وكفاءة المعلمين الذين تخرجوا من كليات التربية.
دعا د. أيمن بهاء الدين، إلى ضرورة العمل الجماعي والشفافية في معالجة مشكلات التعليم لضمان مستقبل أفضل للطلاب وتعزيز جودة التعليم في مصر.
أكد أن النظام التعليمي في المرحلة الثانوية في مصر يواجه مشكلات جسيمة نتيجة لعدد المواد الدراسية الكبيرة التي يتعين على الطلاب دراستها، حيث يدرس الطلاب في الصف الأول الثانوي 14 مادة دراسية، بالإضافة إلى التربية الرياضية والفنية، مما يضع ضغطًا هائلًا على أوقات المعلمين، ولن يقدر على الانتهاء من الحصص المقرر عليهم، وفي ظل وجود 35 حصة أسبوعيًا، يتعذر على الطلاب الحصول على الحصص الكافية لمختلف المواد، خاصةً فيما يتعلق بمادة الكيمياء، حيث يحصل الطلاب على حصة أو حصتين فقط في الأسبوع.
أشار نائب الوزير، إلى أن المشكلة لا تكمن في المحتوى التعليمي بحد ذاته، بل في الوقت الضيق المخصص لدراسة المناهج، وقد أصبح الوصول إلى المعرفة أكثر سهولة عبر الإنترنت، مثل اليوتيوب والذكاء الاصطناعي، مما يستدعي التفكير في كيفية تطوير طرق التدريس بحيث تركز على تنمية المهارات الضرورية للطلاب، بدلاً من التلقين والمعرفة المجردة.
كما أوضح أن التفكير النقدي والتفاعل العملي خلال الحصص يجب أن يكونا في صميم العملية التعليمية، حيث يُفضل إشراك الطلاب في تجارب عملية داخل المعامل بدلاً من الاقتصار على الشرح النظري.
وذكر د. ايمن بهاء الدين، أن النظام التعليمي في مصر يعد فريدًا في كونه يُلزِم الطلاب بدراسة 32 مادة في المرحلة الثانوية، بينما تُدرس الدول المتقدمة ما بين 8 إلى 9 مواد فقط، مؤكدًا أن هذا الوضع يستوجب إعادة هيكلة المناهج لتكون أكثر توافقًا مع احتياجات الطلاب ومتطلبات القرن الحادي والعشرين، ويواكب نظام التعليم العالمي.
أشار أيضًا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه المنظومة التعليمية، بما في ذلك نقص الكوادر المؤهلة، مما يؤثر على جودة التعليم ويعوق تحقيق الأهداف المرجوة من تطوير النظام التعليمي.
أكد د. أيمن بهاء الدين البصال، نائب وزير التربية والتعليم، أن نظام التعليم الحالي يعاني من نقص كبير في عدد المعلمين المؤهلين مما أدى إلى لجوء الطلاب إلى الدروس الخصوصية في السناتر التعليمية كحل بديل، موضحًا أن التحديات التي تواجه النظام التعليمي تتطلب إعادة التفكير في كيفية تنفيذ أهداف التعلم بشكل فعال على أرض الواقع.
أشار إلى أن الدراسة التي أجريت بالتعاون مع المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية وأساتذة في كليات التربية والمجلس الأعلى للجامعات ومع التعليم العالي، وجدنا اننا بين مجموعة مستهدفات التعليم يحتاج إلى تنفيذها على أرض الواقع وكل ما فعلناه هو اننا ركزنا عدد المواد، موضحًا أن التركيز على عدد المواد الدراسية كان مجحفًا، فبدلاً من توزيع المواد على مدار ثلاث سنوات بشكل متوازن، يُعطى الطلاب مواد تعليمية ضعيفة في الصف الأول الثانوي، ما يؤدي إلى عدم استيعابهم لمفاهيم أساسية.
استخدم نائب وزير التربية والتعليم، مادة الفلسفة كمثال، حيث أشار إلى أنها تُعتبر "أم العلوم"، انها لم تلغى ولكن اصبحت غير مضافة للمجموع وما كان يحدث اننى اعطى قشور فى الصف الاول الثانوى بمنهج ضعيف واستكمله بمعلومات أكثر فى الصف الثانى الثانوى لطالب أدبى وبعدها بشكل موسع فى الصف الثالث الثانوى، ما جعل الطلاب من شعبة العلوم لا يدرسونها بالشكل الكافي وهذا غير منطقى أن طالب علمى لا يدرس فلسفة، مؤكدًا أن الفلسفة تعزز أساليب التفكير والاستنباط، وهي مهارة ضرورية جدًّا بغض النظر عن المسار التعليمي الذي يختاره الطالب، سواء كان في الطب أو الهندسة أو في الفروع الأدبية.
وأوضح أن هناك حاجة ملحة لمراجعة المنهج التعليمي بحيث يُدرَس الفلسفة والمواد الأخرى مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والجغرافيا والتاريخ واللغتين العربية والإنجليزية والجيولوجيا بشكل موسع منذ الصف الأول الثانوي، مما يسمح للطلاب بتطوير مهارات التفكير النقدي المبكر والتي ستكون مفيدة لهم في مراحل التعليم المتقدمة.
وفيما يتعلق باللغة الأجنبية الثانية، قال نائب وزير التعليم، رغم أنها لن تضاف إلى المجموع، أصبحت مادة نجاح ورسوب، وبالتالى الطالب الذى لن ينجح فيها لن يتأهل إلى الصف الثالث الثانوى، مشيرًا إلى أن الصف الثالث الثانوى هو مستوى متقدم لما درسه الطالب فى الصفين الأول والثانى.
وتطرق إلى دمج مادتى «الفيزياء» و«الكيمياء» فى مادة «علوم متكاملة»، مشيرًا إلى أن ما حدث هو إعادة توزيع المادة العلمية بشكل أفضل كفاءة، فى ظل وجود تكرار بين مادتى الفيزياء والرياضة التطبيقية، وبالتالى الطالب كان يدرس نفس القوانين فى المادتين، لذا ما حدث هو تجميع المادة العلمية فى مادة واحدة بشكل متخصص يستفيد منه الطالب.
وشرح سبب تدريس مادة «الإحصاء» لطلاب الشعبة الأدبية، قائلًا: "أصبحنا أمام مجتمع قائم على علوم البيانات وتحليلها، بالإضافة إلى أن الدراسات التربوية كلها أصبحت قائمة على تلك العلوم، لذا كان لا بد أن يدرس طالب الثانوية العامة مادة الإحصاء وتحليل البيانات".
وعن دراسة مادة «التاريخ» لطلاب الشعبة العلمية بالصف الثانى الثانوى، قال نائب وزير التعليم أن مادة التاريخ جزء أساسى من بناء الشخصية، فالعلم كائن متفاعل مع بعضه البعض، والتاريخ جزء من بناء الهوية الوطنية للطالب.
وإذا ما كان سيدرس الطلاب مواد للبرمجة، كما تردد، قال "بهاء الدين" أننا ندرس إضافة مواد للبرمجة والذكاء الاصطناعى إلى بعض الصفوف الدراسية بالفعل، لكن ليس خلال العام الدراسى المرتقب، لأننا نحتاج إلى مدرسين متخصصين فى هذه المواد، وهذا يتم من خلال عقد بروتوكولات تعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
أشار إلى أن الهدف هو تحقيق توازن في المناهج التعليمية وإعداد الطلاب بشكل كافٍ لتحقيق النجاح الأكاديمي في جميع المسارات التعليمية.. موضحًا أن التركيز في النظام التعليمي يجب أن يتجه نحو المواد التي تسهم في بناء شخصية الطالب.
أضاف أن نتيجة الثانوية العامة تُعتبر المسابقة المركزية التي تُنظم في مصر لتحديد من يمكنه الالتحاق بالتعليم العالي، وفي أي نظام تعليمي في العالم، اللغة الأم "اللغة العربية" واللغة الإنجليزية والرياضيات من المواد الأساسية، ومعظم هذه الأنظمة لا يزيد عدد المواد التي يخضع الطالب للامتحان فيها عن 8 أو 9 مواد كحد أقصى.
أشار د. ايمن بهاء الدين، إلى أهمية إعادة هيكلة المناهج، حيث كان الوضع الحالي يتسم بعدم وضوح المعرفة لدى الطلاب بسبب نظام التعليم القائم الذي كان ينظر فقط إلى الانتهاء من المقررات، في حين يدفع الطلاب إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية، والتي كثيرًا ما تكون غير تربوية وغير قانونية.
أكد أن الهدف من الهيكلة الجديد هو إعادة ترتيب المحتوى التعليمي لتحسين جودة التعليم، وليس إلغاء المواد، بل إعادة توجيه الجهود نحو تعزيز الفهم المعرفي بدلاً من الاعتماد على الحفظ والتلقين فقط.
صرّح د. أيمن بهاء الدين، نائب وزير التربية والتعليم، بأنه سيتم تسليط الضوء على مشكلة الكثافات الطلابية العالية ففي محافظة القليوبية، حيث تعاني إدارتى شبرا الخيمة والخصوص من كثافات طلابية مرتفعة تصل إلى 240 طالبًا في الفصل الواحد، ويعود ذلك إلى نقص الفصول الدراسية والمعلمين.
أكد أنه تم زيادة ميزانية هيئة الأبنية التعليمية هذا العام بما يزيد على الضعف مقارنة بالعام الماضي، وذلك لتسريع تنفيذ وصيانة المدارس قبل بداية العام الدراسي، مضيفًا أن هناك مسابقة مركزية لتعيين 150,000 معلم، بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث تم زيادة عدد المعلمين المطلوب تعيينهم سنويًا من 30,000 إلى 50,000 معلم.
وأوضح أن الوزارة خلال تعيين المعلمين الجدد وبناء المدارس، قامت بطرح مجموعة من الحلول لمعالجة المشاكل التعليمية الحالية، حيث تم عقد اجتماعات مع مديري المديريات والإدارات التعليمية لتحديد الحلول المناسبة لكل مديرية وفقًا للواقع الحالي، مشيرًا إلى أن الكثافات العالية تعود إلى قلة الفصول الدراسية، ونقص المعلمين، مما أدى إلى استخدام بعض الفصول غير المستغلة كغرف للمعلمين أو كغرف كنترول، حيث قمنا بطرح عليهم عدد من الحلول وعلى كل إدارة تعليمية الإختيار منها بما يتناسب مع إدارته على أرض الواقع ويلح للتنفيذ.
أضاف أنهم قاموا بتوزيع الطلاب على الفصول بشكل يقلل من الكثافات، مما خفف العدد إلى 45 طالبًا في الفصل الواحد، بينما لم يتجاوز العدد في بعض فصول 55 طالبًا، ومع ذلك لا تزال هناك مشكلة نقص المعلمين.
وأوضح د. أيمن بهاء الدين، أنه تم زيادة مدة الدراسة من 23 أسبوعًا إلى 31 أسبوعًا هذا العام، حيث بدأت الدراسة في وقت مبكر وتأخرت مواعيد الامتحانات، مما ساعد في توزيع المنهج بشكل أفضل، كما تم تعديل مدة الحصة من 45 دقيقة إلى 50 دقيقة، مما زاد من كفاءة تناول المحتوى التعليمي.
أشار د. أيمن إلى أن النظام الجديد يسمح بتوزيع الطلاب بشكل أفضل عبر الفصول، حيث يتم تعليمهم في مجموعات بدلاً من وجود 240 طالبًا في فصل واحد، مما يسهل على المعلمين توصيل المعلومات بشكل أفضل.
أثنى د. أيمن على مدير إدارة الخصوص، الذي قدم حلولًا مبتكرة وفعّالة للتعامل مع مشكلة الكثافات، مما أدى إلى تحسين الوضع التعليمي في المنطقة.
ناقش نائب وزير التربية والتعليم، عدة استراتيجيات لتحسين البيئة التعليمية وتقليل الكثافات الطلابية في المدارس، منها التركيز على تنظيم الأنشطة الرياضية والدراسية بشكل متوازن، مما يتيح للطلاب المشاركة في أنشطة متنوعة داخل المدرسة، وبالتالي تفريغ الفصول من الأعداد الكبيرة، وعدم تجمعهم فى مكان واحد طوال اليوم وبذلك نقدر نوزعهم ما بين اليوم الرياضي واليوم الدراسي.
أشار إلى إمكانية استخدام المدارس الثانوية لاستيعاب طلاب المرحلة الإعدادية في حالات الكثافات العالية، نظراً لأن المدارس الثانوية غالباً ما تكون أقل كثافة ومجهزة تجهيزاً جيداً، وتشغيل المدارس الثانوية فتره مسائية لطلاب الثانوية، وقد وضعت الوزارة شروطاً لضمان أن يكون انتقال الطلاب بين المدارس ضمن مسافات معقولة، مؤكدًا أن عملية النقل إلى مدارس الثانوى ستتم فى 70 مدرسة فقط وليس كل مدارس مصر 25000 مدرسة، وكل هذا يجعلنا نخلخل الكثافات فى الفصول.
تم أيضًا بحث حلول من الإدارات التعليمية، حيث تم إجراء تحليلات دقيقة مع مديري المدارس والمعلمين لتحديد المدارس غير المستغلة، وإدخالها في العملية التعليمية، كما جرت صيانة الفصول الدراسية لضمان جاهزيتها لاستقبال الطلاب في بداية العام الدراسي، بمدارس التعليم الفنى.
كما اننا لدينا مدارس تحتاج إلى صيانة شاملة وتواصلنا مع هيئة التخطيط ووزارة المالية لكى يقوموا بصرف مستحقات هيئة الأبنية التعليمية حتى تقدر أن تنتهى من يانة المدارس قبل بداية العام الدراسي، مشيرًا إلى أن الأزهر وفر لنا عدد من المعاهد الأزهرية لنقل الطلاب إليها وذلك بجانب الخطة الأصلية لبناء المدارس.
أفاد بأن الوزارة تسعى لتقليل الكثافات داخل الفصول، مستهدفة أن لا يتجاوز عدد الطلاب 45 في كل فصل، وهو رقم تم تحقيقه في العديد من المديريات.
أشار إلى أن هناك تحديات في نظام التعليم الثانوي مرتبطة بمراكز الدروس الخصوصية، حيث تمثل هذه المراكز ضغوطًا على جهود تطوير التعليم، مؤكدًا على أهمية وجود حلول متكاملة تشمل معالجة مشكلة الكثافات وعجز المعلمين، مع الاعتراف بأن بعض المعلمين قد تركوا وظائفهم لأسباب عدة، مثل الالتحاق بوظائف إدارية بالإدارات التعليمية أو العمل في الدروس الخصوصية.
وذلك سبب عجز كبير داخل المدارس، وايضًا لانقدر أن نتحامل على المعلم لان المعلمين كانوا لايقدرون على الشرح داخل الفصول المدرسية بسبب الكثافات، ولكن الآن تم توفير الجو المناسب داخل المدرسة وسيتم تطبيق القانون على المعلمين الذين تجاوزوا المدة القانونية للغياب وسيتم مخاطبتهم أما الرجوع إلى الوظيفة أو الإستقالة منها بدلا من شاغلها وهذا وفقًا لمعايير وقوانين تحكمها وتنظمها.
أكد د. أيمن بهاء الدين، على ضرورة وجود تغييرات هيكلية في النظام التعليمي للقضاء على الاعتماد على الدروس الخصوصية، وضرورة توفير البدائل المناسبة داخل المدارس لجذب الطلاب بعيدًا عن هذه المراكز.
اترك تعليق