لم يكن ليمر اليوم دون أن نتذكر معا أحد أعمدة الكتابة والترجمة والنقد المسرحي فى مصر والذى شرفت جريدة الجمهورية لسنوات باضاءات حروفه على صفحاتها الفنية ، وهو المثقف البارز الراحل سامي خشبة والذى يعتبر من أبرز نقاد المسرح في العالم العربي، وقد تراوح إنجازه بين الترجمة والنقد، إذ ترجم أكثر من عمل ينتمي إلى مسرح العبث، كما عكف في أخريات حياته على ترجمة كتاب عنوانه "الغضب الناعم" تناول فيه الكتابات النسوية في العالم العربي وهو عبارة عن رسالة دكتوراه ل"العنود محمد الشارخ".
سامي خشبة الذى ولد عام 1939م بمحافظة الغربية ، وقد ورث عشق الكتابة والترجمة والنقد عن والده الكاتب المسرحي والمترجم ايضا الراحل "دريني خشبة" أحد الذين ترجموا الإلياذة والاوديسة عن الروسية لمكسيم جوركي وأنطون تشيكوف وليو تولستوي ، ومن بعد استمر سامي فى ترجة روائع الادب العالمي ومنها "شخصيات من أدب المقاوم"«تحديث مصر"، و"قضايا المسرح المعاصر"، الذي نًشر في الموسوعة الصغيرة في بغداد، وموسوعتان هما: "مفكرون من عصرنا" و"مصطلحات فكرية"، كما ترجم أعمالاً في النقد والأدب منها "معنى الفن" للبريطاني هربرت ريد ومسرحية "المنسي"» للايرلندي جيمس جويس و"المسرح في مفترق الطرق".
تعرض خشبة للسجن ضمن جماعات اليسار، التي اعتقلت في مطلع العام 1959 وبعد خروجه من المعتقل عمل في صحيفة الجمهورية ثم الاهرام التي أصبح نائباً لرئيس تحريرها، وفي الفترة الأخيرة كان يكتب فيها مقالاً أسبوعياً. كما كان رئيساً لتحرير مجلة الثقافة الجديدة.
كان سامي خشبة رجل هاديء لا يتحدث كثيرا بقدر ما يكتب ، فكانت وسيلة التعبير الاولي لديه هي الكتابة ، وربما كان يعرف ان الكتابة والترجمة هما سنده الحقيقي فيحكي انه اثناء استعداده للزواج من زميلة العمر الصديقة الناقدة الكبيرة خيرية البشلاوي قام بترجمة كل أعمال "كولن ويلسون ، فقد كانت المكافأة التى يحصل عليها نظير الترجمة هى " مائتا جنيهٍ مصرى" ، وهو مبلغ محترم وقتها ، أخلص خشبة لمشروعه الثقافي فى خدمة المسرح والفنون ، وكان لا يتوقف عن الترجمة حتي قبل اللحظات الاخيرة في حياته وفاته كان قد انتهي من كتابه "مصطلحات فكرية" .
مع الرحلة الثقافية الطويلة الذى عاشها سامي خشبة استطاع تكوين مكتبة مهمة بالاضافة لكتب والده ، حتي انها كانت تدهش كل من يزوره ، مكتبة من السقف للأرض بعرض الحائط واكبر وفى كل مكان فى البيت ، وكان قد اوصي باهداء كتبه الى مكتبة الاسكندرية ، وبالفعل قامت زوجته الناقدة خيرية البشلاوي باهداء مكتبة زوجها القيمة الي مكتبة الإسكندرية، فكانت أكثر من خمسة آلاف كتاب من الطبعات القديمة النادرة، وهى اليوم بين يدى القراء المترددين على المكتبة فى قاعة الكتب النادرة والمجموعات الخاصة.
كان يتمتع سامي خشبة بأمانة وضمير يقظ ، فلم يكن قلمه ابدا مثالا للنفاق او التملق او المجاملة على حساب جودة او قيمة فنية او اخلاقية ، بل ظل على وفائه لمبادئه وقيمه الخلقية الرفيعة حتي فى معاركه كان رجلا نبيل ولم يكن يستغل خصومته مع احد او يشخصن معاركه الثقافية ابدا ، رحم الله سامي خشبة الذى ظل وفيا للمسرح والقيم النبيلة والاخلاق الرفيعة حتي توفاه الله فية 25 يونية 2008 .
اترك تعليق