هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

"النيويورك تايمز" تفضح بالوثائق جرائم دولة الاحتلال

التطرف يحكم إسرائيل..!!

الحركة القومية المتطرفة انتقلت من الهامش
لصدارة المشهد السياسى فى تل أبيب

نتنياهو تحالف مع قادة اليمين الإرهابى لاستعادة السلطة المفقودة
غياب العدالة سمح بنمو سرطاني للاستيطان فى الضفة وغزة
المستوطنون استغلوا الحرب فى القطاع
لتطهير أجزاء كبيرة من الأراضى الفلسطينية

"سموتريتش" يسعى لتعطيل القانون..
وبن غفير مدان بدعم منظمات الإرهاب

الاحتلال انشأ محاكم عسكرية تعاقب الفلسطينيين
وتسمح باحتجازهم والتنصت عليهم

منظمة حقوقية إسرائيلية رصدت أكثر من 1600 حالة
عنف "مستوطنين" ضد الفلسطينيين
دولة الكيان تتجاهل العنف الممنهج والمتزايد ضد أصحاب الأرض

بعد 50 عاما من الفشل في وقف العنف والإرهاب ضد الفلسطينيين من قبل القوميين اليهود المتطرفين. أصبح الخروج علي القانون هو القانون.


تحت هذا العنوان عرض الكاتبان رونين بيرجمان ومارك مازيتي تقريرا مفصلا عن كيف يحكم التطرف إسرائيل الآن.

استفاض الكاتبان فى تفاصيل تغول المستوطينين على القرويين الفلسطينيين وكيف تحولت "خربة زنوتا" من مجتمع فلسطينى صغير يضم 150 شخصاً إلى تلة تعصف بها الرياح فى الضفة الغربية بالقرب من الخليل بعد تهديدات المستوطنين الذين حاصروا ومارسوا فيها ألواناً من التخريب والمضايقات بعد 7 أكتوبر 2023 تصاعدت إلى الضرب والتهديد بالقتل.

ورغم النداءات التى وجهها أهل "خربة زنوتا" للشرطة والجيش الإسرائيلى لكنها ذهبت أدراج الرياح ومع استمرار هجمات المستوطنين عليهم حزم القرويون ما فى وسعهم وحملوا عائلاتهم فى شاحنات واختفوا.

تحريض حكومى إسرائيلى على العنف

مثل هذا العنف على مدى عقود فى أماكن مثل خربة زنوتا موثق جيدا لكن حماية الأشخاص الذين يمارسون هذا العنف هى السر المظلم للعدالة الإسرائيلية، إن القوس الطويل من المضايقات والاعتداء والقتل للفلسطينيين من قبل المستوطنين اليهود يتزامن مع تاريخ الظل، تاريخ الصمت والتجنب والتحريض من قبل المسئولين الإسرائيليين.. وبالنسبة للعديد من هؤلاء المسئولين، فإن الإرهاب الفلسطينى هو أكثر ما يهدد إسرائيل.

 فى مقابلات لـ"النيويورك تايمز" مع أكثر من 100 شخص "ضباط حاليين وسابقين فى الجيش الإسرائيلى، والشرطة الوطنية الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلى الشاباك، مسئولين سياسيين إسرائيليين رفيعى المستوى، بمن فيهم أربعة رؤساء وزراء سابقين، القادة والنشطاء الفلسطينيين، محامي حقوق الإنسان الإسرائيليون، المسئولين الأمريكيين المكلفين بدعم الشراكة الإسرائيلية الفلسطينية يقول الكاتبان رونين بيرجمان ومارك مازيتي فى تقريرهما.. وجدنا تهديدا مختلفا وربما أكثر زعزعة للاستقرار، ويقول العديد من هؤلاء المسئولين الآن إن تاريخا طويلا من الجريمة دون عقاب لا يهدد الفلسطينيين الذين يعيشون فى الأراضى المحتلة فحسب، بل يهدد أيضا دولة إسرائيل نفسها.

العنف اليهودى

أضاف أن العديد من الأشخاص الذين قابلناهم، بعضهم تحدث دون الكشف عن هويته، والبعض الآخر تحدث علنا لأول مرة، قدموا رواية ليس فقط عن العنف اليهودى ضد الفلسطينيين الذى يعود تاريخه إلى عقود، ولكن أيضا عن الدولة الإسرائيلية التى تجاهلت هذا العنف بشكل منهجى ومتزايد، إنه سرد لحركة قومية إجرامية فى بعض الأحيان سمح لها بالعمل مع الإفلات من العقاب والانتقال تدريجيا من الهامش إلى التيار الرئيسى للمجتمع الإسرائيلى.

إنه سرد لكيفية إسكات الأصوات داخل الحكومة التى اعترضت على التغاضى عن عنف المستوطنين وتشويه سمعتها، وهى رواية فظة، رواها لأول مرة المسئولون الإسرائيليون أنفسهم، عن كيف أصبح الاحتلال يهدد سلامة الديمقراطية فى بلادهم.

تكشف المقابلات، إلى جانب وثائق سرية كتبت فى الأشهر الأخيرة، عن حكومة فى حالة حرب مع نفسها.

تصف إحدى الوثائق اجتماعا عقد فى شهر مارس، عندما قدم الميجور جنرال يهودا فوكس، قائد القيادة المركزية الإسرائيلية، المسئولة عن الضفة الغربية، وصفا لاذعا للجهود التى بذلها بتسلئيل سموتريتش - زعيم اليمين المتطرف والمسئول فى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الإشراف على الضفة الغربية - لتقويض إنفاذ القانون فى الأراضي المحتلة.

منذ تولى سموتريتش منصبه، كتب فوكس، تضاءلت الجهود المبذولة لتضييق الخناق على بناء المستوطنات غير القانونية "إلى النقطة التى اختفت فيها"، علاوة على ذلك، قال فوكس إن سموتريتش وحلفاءه يحبطون الإجراءات ذاتها لتطبيق القانون التى وعدت الحكومة المحاكم الإسرائيلية باتخاذها.

هذه قصة، تم تجميعها معا وسردها بالكامل لأول مرة، وتؤدي إلى قلب إسرائيل، لكنها تبدأ فى الضفة الغربية، فى أماكن مثل خربة زنوتا، من داخل أنقاض القرية الفارغة، هناك منظر واضح عبر الوادى إلى بؤرة استيطانية يهودية صغيرة تسمى مزرعة ميتاريم.

بنيت المزرعة فى عام 2021، وأصبحت قاعدة لعمليات هجمات المستوطنين بقيادة ينون ليفى، مالك المزرعة، مثل العديد من البؤر الاستيطانية الإسرائيلية التى أقيمت فى جميع أنحاء الضفة الغربية فى السنوات الأخيرة، فإن مزرعة ميتاريم غير قانونية، وهو غير قانونى بموجب القانون الدولى، الذي يقول معظم الخبراء إنه لا يعترف بالمستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة.

أما بالنسبة لضحايا ذلك العنف، فهم يواجهون نظاما مربكا ومهزوما، عندما يحاولون الحصول على الإغاثة، وعادة ما يضطر القرويون الذين يطلبون المساعدة من الشرطة إلى تقديم تقرير شخصيا فى مركز للشرطة الإسرائيلية، التى تقع فى الضفة الغربية بشكل حصرى تقريبا داخل المستوطنات نفسها.

ومع ذلك، فى نوفمبر وبدون حماية من الشرطة أو الجيش، اختار السكان السابقون فى خربة زنوتا وخمس قرى مجاورة اختبار ما إذا كانت العدالة لا تزال ممكنة من خلال الاستئناف مباشرة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية.

فى التماس، جادل محامو القرويين، من حقل وهى منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان، بأنه بعد أيام من هجوم حماس فى 7 أكتوبر، هاجمت مجموعة مداهمة تضم مستوطنين وجنودا إسرائيليين سكان القرية، وهددت بالقتل ودمرت الممتلكات في جميع أنحاء القرية.

وذكروا أن الغارة كانت جزءا من "نقل جماعى للمجتمعات الفلسطينية القديمة".. حيث يستغل المستوطنون الذين يعملون جنبا إلى جنب مع الجنود الحرب الحالية فى غزة لتحقيق الهدف طويل الأمد المتمثل فى تطهير أجزاء من الضفة الغربية، بمساعدة "التجاهل الشامل وغير المسبوق" للدولة و"موافقتها الفعلية على أعمال الترحيل الضخمة".

وافقت المحكمة العليا على النظر فى القضية، وقد يبدو التخفيف الذى يسعى إليه القرويون - أن يتم تطبيق القانون - متواضعا، لكن تقاريرنا تكشف عن الدرجة التى تكدس بها عقود من التاريخ ضدهم: بعد 50 عاما من الجريمة دون عقاب، أصبح المستوطنون العنيفون والدولة من نواح كثيرة واحدا.

إن هجمات حماس المدمرة فى إسرائيل فى 7 أكتوبر، والأزمة المستمرة للرهائن الإسرائيليين، والغزو والقصف الإسرائيلى الطاحن لقطاع غزة الذى أعقب ذلك، ربما أعادت تركيز انتباه العالم على عجز إسرائيل المستمر عن معالجة مسألة الحكم الذاتى الفلسطينى، ولكن فى الضفة الغربية تكون الآثار المدمرة طويلة الأجل للاحتلال على القانون الإسرائيلى والديمقراطية أكثر وضوحا.

تظهر عينة من ثلاثين حالة فى الأشهر التي تلت 7 أكتوبر الدرجة المذهلة التى تدهور بها النظام القانونى، وفى جميع الحالات، التى تنطوى على أفعال خاطئة متنوعة مثل سرقة الماشية والاعتداء والحرق العمد، لم يتهم أي مشتبه فيه بارتكاب جريمة.. فى إحدى الحالات، أطلق مستوطن النار على فلسطينى فى بطنه بينما كان جندى من الجيش الإسرائيلى ينظر إليه، ومع ذلك استجوبت الشرطة مطلق النار لمدة 20 دقيقة فقط، ولم يكن أبدا مشتبها به جنائيا، وفقا لمذكرة عسكرية إسرائيلية داخلية.

أضاف الكاتبان أنه خلال مراجعتنا للحالات، استمعنا إلى تسجيلات لنشطاء حقوق إنسان إسرائيليين يتصلون بالشرطة للإبلاغ عن جرائم مختلفة ضد الفلسطينيين.

فى بعض التسجيلات، رفضت الشرطة الحضور إلى مكان الحادث، مدعية أنها لا تعرف مكان القرى، فى إحدى الحالات، سخروا من النشطاء ووصفوهم بأنهم "فوضويون"، ورفض متحدث باسم الشرطة الوطنية الإسرائيلية الرد على الاستفسارات المتكررة حول النتائج التى توصلنا إليها.

العنف والإفلات من العقاب الذى تظهره هذه الحالات كان موجودا قبل وقت طويل من 7 أكتوبر، فى كل شهر تقريبا قبل، كان معدل حوادث العنف أعلي مما كان عليه خلال الشهر نفسه من العام السابق.

وجدت منظمة "يش دين"، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان، تنظر فى أكثر من 1600 حالة عنف للمستوطنين فى الضفة الغربية بين عامى 2005 و2023، أن 3 فى المائة فقط انتهت بالإدانة.

أما عامى أيالون، رئيس الشاباك من عام 1996 إلى عام 2000 فيتحدث الآن بسبب قلقه من فشل إسرائيل المنهجى فى تطبيق القانون -يقول إن هذا النقص الفريد فى العواقب يعكس لامبالاة القيادة الإسرائيلية التى تعود إلى سنوات.

ويقول: "مجلس الوزراء، رئيس الوزراء، يشيرون إلى الشاباك أنه إذا قتل يهودى، فهذا أمر فظيع، إذا قتل عربى، فهذا ليس جيدا، لكنها ليست نهاية العالم".

وقد ردد تقييم أيالون العديد من المسئولين الآخرين الذين قابلناهم، مارك شوارتز، جنرال أمريكى متقاعد من فئة ثلاث نجوم، كان أكبر مسئول عسكرى يعمل فى سفارة الولايات المتحدة فى القدس من 2019 إلى 2021.. حيث أشرف على جهود الدعم الدولية للشراكة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

لا توجد مساءلة، يقول الآن عن التاريخ الطويل لجرائم المستوطنين والعمليات الإسرائيلية القاسية فى الضفة الغربية، هذه الأشياء تقضي على الثقة وفى نهاية المطاف على استقرار وأمن إسرائيل والأراضي الفلسطينية، إنه أمر لا يمكن إنكاره.

كيف انقلبت أمة شابة بهذه السرعة علي مثلها الديمقراطية، وبأي ثمن؟ يجب أن تأخذ أي إجابة ذات مغزى على هذه الأسئلة فى الاعتبار كيف أن نصف قرن من السلوك الخارج عن القانون الذى مر دون عقاب إلى حد كبير دفع شكلا راديكاليا من القومية المتطرفة إلى مركز السياسة الإسرائيلية، هذا هو التاريخ الذى يروى هنا فى ثلاثة أجزاء.

في الجزء الأول، وصفنا أصول الحركة الدينية التي أنشأت المستوطنات اليهودية فى الأراضى التى تم الفوز بها حديثا فى غزة والضفة الغربية خلال سبعينيات القرن العشرين، فى الجزء الثاني، نسرد كيف بدأت العناصر الأكثر تطرفا فى حركة المستوطنين فى استهداف ليس فقط الفلسطينيين ولكن أيضا القادة الإسرائيليين الذين حاولوا صنع السلام معهم.

وفى الجزء الثالث، نبين كيف أن الأعضاء الأكثر رسوخا فى اليمين المتطرف فى إسرائيل، الذين أفلتوا من العقاب على جرائمهم، اكتسبوا السلطة السياسية فى إسرائيل، حتى عندما تعهد جيل أكثر راديكالية من المستوطنين بالقضاء على الدولة الإسرائيلية تماما.

كافح الكثيرون داخل الحكومة الإسرائيلية لتوسيع سيادة القانون فى المناطق، مع بعض النجاح، لكنهم واجهوا أيضا مقاومة قاسية، مع عواقب شخصية خطيرة فى بعض الأحيان، جهود رئيس الوزراء اسحق رابين في تسعينيات القرن العشرين، فى أعقاب الانتفاضة الأولي، لصنع السلام مع ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، أدت إلى ظهور جيل جديد من الإرهابيين اليهود، وكلفته حياته في نهاية المطاف.

أدى الخلاف حول كيفية التعامل مع الأراضى المحتلة وسكانها إلى خلق نظام معقد وغير شفاف فى بعض الأحيان لإنفاذ القانون، فى جوهرها نظامان منفصلان وغير متكافئين للعدالة: أحدهما لليهود والآخر للفلسطينيين.

تخضع الضفة الغربية لقيادة قوات الدفاع الإسرائيلية، مما يعنى أن الفلسطينيين يخضعون لقانون عسكري يمنح قوات الدفاع الإسرائيلية والشاباك سلطة كبيرة.. ويمكنهم احتجاز المشتبه بهم لفترات طويلة دون محاكمة أو السماح لهم بالاتصال بمحام أو بالأدلة ضدهم والتنصت على المكالمات الهاتفية وإجراء مراقبة سرية واختراق قواعد البيانات وجمع المعلومات الاستخباراتية عن أى عربى يعيش فى الأراضى المحتلة مع بعض القيود، ويخضع الفلسطينيون لمحاكم عسكرية -وليست مدنية- وهى محاكم عقابية أكثر بكثير عندما يتعلق الأمر باتهامات الإرهاب وأقل شفافية للتدقيق الخارجى.

ووفقا لمسئول دفاعى إسرائيلى كبير، منذ 7 أكتوبر، تم استدعاء حوالى 7000 من جنود الاحتياط المستوطنين من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، ووضعوا الزي العسكري والمسلحين وأمروا بحماية المستوطنات، وقد تلقوا أوامر محددة: لا تغادروا المستوطنات، ولا تغطوا وجوهكم، ولا تبادروا بإقامة حواجز غير مرخصة.

لكن فى الواقع غادر العديد منهم المستوطنات بالزى العسكرى، وارتدوا الأقنعة، وأقاموا حواجز على الطرق وضايقوا الفلسطينيين.

يخضع جميع المستوطنين فى الضفة الغربية نظريا لنفس القانون العسكرى الذى ينطبق على السكان الفلسطينيين، ولكن في الممارسة العملية، يتم التعامل معهم وفقا للقانون المدني لدولة إسرائيل، والذي ينطبق رسميا فقط على الأراضى داخل حدود الدولة، وهذا يعنى أن الشاباك قد يحقق فى عملين إرهابيين مماثلين فى الضفة الغربية أحدهما ارتكبه مستوطنون يهود والآخر ارتكبه فلسطينيون ويستخدم أدوات تحقيق مختلفة تماما.

فى هذا النظام، حتى مسألة السلوك الذى يتم التحقيق فيه كعمل إرهابى تختلف بالنسبة لليهود والعرب، بالنسبة لفلسطينى، فإن مجرد الاعتراف بالتماهى مع حماس يعتبر عملا إرهابيا يسمح للسلطات الإسرائيلية باستخدام أساليب استجواب قاسية واحتجاز طويل، علاوة على ذلك، يتم تصنيف معظم أعمال العنف التى يقوم بها العرب ضد اليهود على أنها هجوم "إرهابى" مما يمنح الشاباك والأجهزة الأخرى ترخيصا لاستخدام أقسى الأساليب المتاحة لهم.

تقع مهمة التحقيق في الإرهاب اليهودي على عاتق قسم من الشاباك يسمى قسم مكافحة التجسس ومنع التخريب فى القطاع اليهودي، المعروف أكثر باسم الإدارة اليهودية، وهى تتضاءل من حيث الحجم والهيبة من قبل الدائرة العربية فى الشاباك، وهى الشعبة المكلفة فى الغالب بمكافحة الإرهاب الفلسطينى.

وفي هذه الحالة، فإن معظم حوادث عنف المستوطنين -إحراق المركبات وقطع بساتين الزيتون- تقع ضمن اختصاص الشرطة، التي تميل إلي تجاهلها، عندما تحقق الإدارة اليهودية في تهديدات إرهابية أكثر خطورة، غالبا ما يتم إحباطها منذ البداية، وحتي نجاحاتها تم تقويضها في بعض الأحيان من قبل القضاة والسياسيين المتعاطفين مع قضية المستوطنين.

سمح هذا النظام، مع ثغراته وعوائقه، لمؤسسي الجماعات التي تدعو إلي العنف الشديد خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن العشرين بالتصرف دون عواقب، واليوم قام ببناء شرنقة واقية حول أحفادهم الأيديولوجيين.

بعض هؤلاء الناس يديرون إسرائيل الآن، في عام 2022. بعد 18 شهرا فقط من خسارته منصب رئيس الوزراء، استعاد بنيامين نتنياهو السلطة من خلال تشكيل تحالف مع قادة اليمين المتطرف لكل من حزب الصهيونية الدينية وحزب القوة اليهودية، لقد كان عملا يائسا سياسيا من جانب نتنياهو، وأدي إلي وصول بعض الشخصيات المتطرفة حقا إلي السلطة، أشخاص -مثل سموتريتش وإيتمار بن غفير- الذين أمضوا عقودا في التعهد بانتزاع الضفة الغربية وغزة من أيدي العرب.

قبل شهرين فقط. وفقا لتقارير إخبارية في ذلك الوقت، رفض نتنياهو مشاركة المنصة مع بن غفير، الذي أدين عدة مرات بدعم المنظمات الإرهابية، وأمام كاميرات التلفزيون في عام 1995، هدد حياة رابين، الذي قتل بعد أسابيع علي يد طالب إسرائيلي يدعي إيغال عمير.

الآن بن غفير هو وزير الأمن القومي الإسرائيلي وسموتريتش هو وزير المالية الإسرائيلي، المكلف بالإضافة إلي الإشراف علي الكثير من أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، في ديسمبر 2022، قبل يوم واحد من أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، أصدر نتنياهو قائمة بالأهداف والأولويات لحكومته الجديدة، بما في ذلك بيان واضح بأن الأيديولوجية القومية لحلفائه الجدد أصبحت الآن النجم الهادي للحكومة.

للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أجزاء أرض إسرائيل.

قرية حوارة

وبعد شهرين من ذلك، قتل مستوطنان إسرائيليان في هجوم شنه مسلحون من حماس بالقرب من حوارة، وهي قرية في الضفة الغربية، الدعوات الواسعة النطاق للانتقام، الشائعة بعد الهجمات الفلسطينية، تأتي الآن من داخل حكومة نتنياهو الجديدة، أعلن سموتريتش أن "قرية حوارة يجب أن تمحي".. وأضاف: "أعتقد أن دولة إسرائيل بحاجة إلي القيام بذلك".

بعد 1967، ضاعفت إسرائيل مساحة الأراضي التي تسيطر عليها، واستولت علي أراض جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان والقدس الشرقية.

والآن تواجه خيارا: هل ستصبح الأرض الجديدة جزءا من إسرائيل أم يتم المساومة عليها كجزء من دولة فلسطينية مستقبلية؟ بالنسبة لكادر من الشباب الإسرائيليين المشبعين بالحماس المسيحي، كانت الإجابة واضحة، أدي الاستحواذ علي الأراضي إلي تحريك حركة سياسية دينية- غوش إيمونيم. أو "كتلة المؤمنين"- التي كانت مصممة علي استيطان الأراضي التي تم فتحها حديثا.

اعتقد أتباع غوش إيمونيم أن مجيء المسيح سيتم التعجيل به إذا قام اليهود، بدلا من دراسة الكتب المقدسة من الصباح إلي الليل، باستيطان الأراضي المحتلة حديثا، كانوا يعتقدون أن هذه كانت أرض "إسرائيل الكبري"، وكانت هناك روح رائدة بين المستوطنين الأوائل.

لقد رأوا أنفسهم أحفادا مباشرين للصهاينة الأوائل، الذين بنوا المزارع والكيبوتسات بالقرب من القري الفلسطينية خلال الجزء الأول من القرن 20، عندما كانت الأرض تحت السيطرة البريطانية، ولكن في حين أن الصهيونية في الفترة السابقة كانت علمانية واشتراكية إلي حد كبير، اعتقد المستوطنون الجدد أنهم كانوا يدفعون أجندة الله.

وكانت شرعية جدول الأعمال هذا مسألة مفتوحة، تحظر اتفاقيات جنيف، التي وقعت عليها إسرائيل، علي سلطات الاحتلال ترحيل أو نقل أجزاء من سكانها المدنيين إلي الأراضي التي تحتلها، لكن وضع المنطقة كان، في رأي الكثيرين داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها، أكثر تعقيدا، سعي المستوطنون إلي خلق ما أسماه بعضهم "حقائق علي الأرض.

وهذا يضعهم في صراع مع كل من الفلسطينيين، وعلي الأقل مع السلطات الإسرائيلية المسئولة عن منع انتشار المستوطنات غير القانونية.

دعم سياسي متزايد

بحلول أواخر سبعينيات القرن العشرين. كان المستوطنون، مدعومين جزئيا بالدعم السياسي المتزايد، يتوسعون في العدد،
يتذكر كرمي غيلون، الذي انضم إلي الشاباك في عام 1972 وارتفع بحلول منتصف تسعينيات القرن العشرين ليصبح مديرها، المناقشات الداخلية المتطورة.

علي من تقع مسئولية التعامل مع المستوطنين؟ هل يجب علي جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي المتبجح تطبيق القانون في مواجهة أعمال الاستيطان غير القانونية بشكل واضح؟ عندما أدركنا أن غوش إيمونيم تحظي بدعم الكثير من السياسيين، عرفنا أنه لا ينبغي لنا أن نلمسهم، قال في أول مقابلة له لهذا المقال في عام 2016.

ومع ذلك، سيكون من الصعب تجاهل أحد قادة الحركة اليمينية المتطرفة، وكان مئير كاهانا، وهو حاخام يميني متطرف من فلاتبوش في بروكلين، قد أسس رابطة الدفاع اليهودية المتشددة في عام 1968 في نيويورك.

لم يخف اعتقاده بأن العنف كان ضروريا في بعض الأحيان لتحقيق حلمه بإسرائيل الكبري، حتي أنه تحدث عن خطط لشراء بنادق من عيار 22 لليهود للدفاع عن أنفسهم.

وقال كاهانا إنه يريد إعادة كتابة الصورة النمطية لليهود كضحايا، وجادل، بعبارات حية في كثير من الأحيان، بأن الصهيونية والديمقراطية في توتر أساسي، "جاءت الصهيونية إلي حيز الوجود لإنشاء دولة يهودية"، قال كاهانا في مقابلة مع صحيفة التايمز في عام 1985، قبل خمس سنوات من اغتياله علي يد مسلح في نيويورك.

تعلن الصهيونية أنه ستكون هناك دولة يهودية ذات أغلبية من اليهود، مهما حدث، تقول الديمقراطية: "لا، إذا كان العرب هم الأغلبية، فلهم الحق في تقرير مصيرهم، لذا فإن الصهيونية والديمقراطية علي خلاف، أقول بوضوح إنني أقف مع الصهيونية".

تقرير مدفون

في عام 1977، قاد حزب الليكود ائتلافا حصل لأول مرة في تاريخ إسرائيل علي أغلبية يمينية في برلمان البلاد، الكنيست، ترأس الحزب مناحيم بيجن، وهو من قدامي المحاربين في منظمة الإرغون، وهي منظمة شبه عسكرية نفذت هجمات ضد العرب والسلطات البريطانية في فلسطين الانتدابية، الكيان الاستعماري البريطاني الذي سبق إنشاء إسرائيل.

كان الليكود "العبرية لـ "التحالف"- في حد ذاته مزيجا من عدة أحزاب سياسية، كانت كاخ نفسها لا تزال في الخارج وستظل كذلك دائما، لكن أفكارها وطموحاتها الراديكالية كانت تقترب من التيار الرئيسي.

وجاء انتصار الليكود بعد 10 سنوات من الحرب التي جلبت لإسرائيل مساحات شاسعة من الأراضي الجديدة، ولكن مسألة ما يجب القيام به مع الأراضي المحتلة لم تحل بعد، كرئيس وزراء جديد، كان بيجن يعلم أن معالجة هذه المسألة تعني معالجة المستوطنات، هل يمكن أن يكون هناك أساس قانوني للاستيلاء علي الأرض؟ شيء من شأنه أن يسمح للمستوطنات بالتوسع بدعم كامل من الدولة؟.

حلت الدولة الإسرائيلية محل السلطان، لكن التأثير كان هو نفسه، أدي تفسير ألبيك القانوني الإبداعي إلي إنشاء أكثر من 100 مستوطنة يهودية جديدة. والتي أشارت إليها باسم "أطفالي".

في الوقت نفسه، كان بيجن يتوسط بهدوء في اتفاق سلام مع الرئيس المصري أنور السادات في الولايات المتحدة في كامب ديفيد، الاتفاق الذي تفاوضوا عليه في نهاية المطاف أعاد شبه جزيرة سيناء إلي مصر ووعد بمزيد من الحكم الذاتي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ومن شأنه أن يفوز في نهاية المطاف بالزعيمين بجائزة نوبل للسلام المشتركة، لكن جوش إيمونيم وجماعات يمينية أخري رأت في الاتفاقات انعكاسا صادما، من بئر الغضب هذا انبثقت حملة جديدة من الترهيب، أعلن الحاخام موشيه ليفينجر، أحد قادة غوش إيمونيم ومؤسس المستوطنة في قلب الخليل، أهداف الحركة علي التلفزيون الإسرائيلي، وقال إن العرب "يجب ألا يسمح لهم برفع رؤوسهم".

التهديد الذي تشكله الهجمات غير الخاضعة للرقابة علي مؤسسات وحواجز الديمقراطية اليهودية لم يغب عن بعض أعضاء النخبة الإسرائيلية، ومع انتشار العنف، أرسلت مجموعة من الأساتذة في جامعة تل أبيب والجامعة العبرية في القدس رسالة إلي اسحق زامير، المدعي العام الإسرائيلي، وكتبوا أنهم قلقون من أن "نشاط الشرطة الخاصة" غير القانوني ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة يمثل تهديدا لسيادة القانون في البلاد.

رأي الأساتذة تواطؤا محتملا بين المستوطنين والسلطات، وقال الموقعون علي الرسالة "هناك اشتباه في أن جرائم مماثلة لا يتم التعامل معها بنفس الطريقة وأن بعض المجرمين يتلقون معاملة تفضيلية علي الآخرين"، هذا الاشتباه يتطلب فحصا جوهريا.

هزت الرسالة زامير، الذي كان يعرف بعض الأساتذة جيدا، كما أنه يدرك جيدا أن الأدلة علي تطبيق القانون الانتقائي -قانون للفلسطينيين وآخر للمستوطنين- من شأنه أن يدحض ادعاء الحكومة الإسرائيلية بأن القانون يطبق بالتساوي ويمكن أن يصبح فضيحة محلية ودولية علي حد سواء.

وطلب زامير من جوديث كارب. نائبة المدعي العام الإسرائيلي للواجبات الخاصة آنذاك. أن تقود لجنة تبحث في القضية، كان كارب مسئولا عن التعامل مع القضايا الأكثر حساسية التي تواجه وزارة العدل، لكن هذا يتطلب قدرا أكبر من السلطة التقديرية أكثر من المعتاد.

وتقول كارب إنه أثناء التحقيق الذي توصل إليه فريقها: "سرعان ما اتضح لي أن ما تم وصفه في الرسالة لم يكن شيئا مقارنة بالواقع الفعلي علي الأرض"، وجدت هي ولجنة التحقيق التابعة لها حالة تلو الأخري من التعدي علي ممتلكات الغير والابتزاز والاعتداء والقتل. حتي عندما لم تفعل السلطات العسكرية والشرطة شيئا أو أجرت تحقيقات افتراضية لم تسفر عن أي نتيجة.

الشرطة وقوات الدفاع الإسرائيلية في كل من العمل والتقاعس عن العمل كانت تتعاون حقا مع المخربين المستوطنين، يقول كارب: لقد تصرفوا كما لو أنهم لا يهتمون بالتحقيق عندما تكون هناك شكاوي، وفعلوا عموما كل ما في وسعهم لردع الفلسطينيين عن تقديمها.

في مايو 1982، قدمت كارب ولجنتها تقريرا من 33 صفحة، قررت فيه أن عشرات الجرائم لم يتم التحقيق فيها بشكل كاف، كما لاحظت اللجنة أن الشرطة زودتهم في أبحاثهم بمعلومات غير كاملة ومتناقضة وخاطئة جزئيا، وخلصوا إلي أن ما يقرب من نصف التحقيقات التي فتحت ضد المستوطنين أغلقت دون أن تجري الشرطة حتي تحقيقا بدائيا.

فى الحالات القليلة التى حققوا فيها، وجدت اللجنة "عيوبا عميقة" فى بعض الحالات، شهدت الشرطة الجرائم ولم تفعل شيئيا، وفى حالات أخرى، كان الجنود على استعداد للشهادة ضد المستوطنين، ولكن تم دفن شهاداتهم وأدلة أخرى.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق