كانت قريته علي موعد مع قدري مشرق.. سيأتيها الله بطفلي كفيف.. وسيملأ بصيرته بالقرآن ويحبوهُ بالصوت الجميل.. ليصبح قارئاً عظيماً يتلو آيات الله آناء الليل وأطراف النهار.. ومعلماً من معالم شهر رمضان.. سجل اسمه بأحرف من نور بين قراء القرن العشرين.. ميزه ربه بموهبة قرآنية ماسية.. جمع بين القوة الصوتية والخشوع في التلاوة.. فكان لا يقرأ بمقامي واحد كما يفعل العديد من القراء.. بل كان يتنقل بين مقامي وآخر في رقةي ودقةَ أداء.. اشتهر بين العارفين بأستاذ الوقف والابتداء الجليل.. فضياع أحكام القرآن والتلاوة عنده جدُ مستحيل.
وُلِدَ الشيخ "عبد العزيز علي فرج" يوم السبت الموافق 22 من يناير 1927 داخل بيت والده بقرية ميت الوسطي التابعة لمركز الباجور بمحافظة المنوفية. ذو إعاقة بصرية. ومع هذا لم تمنعه هذه الإعاقة من حفظ القرآن الكريم وتعلم أصول التجويد وعلوم القراءات. حيث كانت إعاقته محفزاً ودافعاً قوياً لوالده بأن يرسم لصغيره الكفيف طريقاً يضئ له مستقبله أثناء وبعد حياته. وبفطرة الوالد الذي كان يعمل مزارعاً بسيطاً أيقن أن الطريق هو القرآن. به سيهتدي "عبدالعزيز" إلي النور في عتمة الحياة. فدفعه والده في سني مبكرة إلي كُتَّاب الشيخ "أحمد الأشموني" وهو أحد أبرز وأشهر مشايخ القراءات في المنوفية في ذلك الوقت. فلقَّنَ الصبي "عبدالعزيز" القرآن الكريم حتي أيقنه وحفظه كاملاً مجوداً بأحكامه. كما تعلم أصول القراءات السبع.
بدأ الشيخ الصغير يقرأ القرآن بصوت ندي لا مثيل له. وعرفه الناس. وشجعه من حوله من أهل قريته علي خوض مضمار القراءة في المناسبات. فبدأ في إحياء السرادقات في قريته. حتي ذاع صيته. وبدأ يتلقي الدعوات من القري المجاورة. لكن طموحه كان أكبر وأشمل. فقد أراد أن يعوض عدم رؤيته لبعض الناس وأشكالهم منذ ولادته بأن يُشْخِصَ له الأبصار ويُشَنِّفُ الآذان لإبداعاته القرآنية في أرجاء مصر والدنيا بأثرها. فأيقن أن بداية الإنطلاق تأتي من المحروسة. فانتقل الشيخ "عبدالعزيز" بأسرته من قريته بمركز الباجور. للعيش في منطقة حكر أبودومة. في منطقة شبرا بالقرب من موقف أتوبيس الأقاليم. حتي يسهل عليهم السفر إلي بلدتهم كلما أرادوا.. ثم تزوج الشيخ وانتقل إلي شارع الجسر بحي روض الفرج.
جمع الشيخ "عبدالعزيز" بين عدة مدارس في القراءة. وتميز صوته الجهوري بالقوة والخشوع. وطول النفس الذي لا يخل بالمعني أو الأحكام. وكان يتعامل مع المقامات الموسيقية بشكلي دقيق وتنويع متناغم. ما يمكنه من أن يُلْبِسَ كل آية حلتها. ونظراً لقوة صوته لم يكن يبدأ القراءة من القرار. لكنه كان يحلق دائماً في سماء المقام أي الجواب وجواب الجواب. لدرجة أنه يستطيع أن يسمع جمهور المستمعين في أطراف وجنبات المساجد بدون استخدام مكبرات صوتية. فصوته خليطاً مابين المسحة الصوفية. والوقفات القوية.
ذاع صيت الشيخ وملأ الدنيا بصوته. وطاف ربوع مصر لتلاوة القرآن الكريم وتعليم أحكامه في المناسبات العامة والدينية وفي المأتم. ودروس العلم. وكان لا يتاجر بكتاب الله تعالي فكان يقرأ القرآن الكريم لوجه الله ولا يشترط أجر علي تلاوته في أي مكان يذهب إليه. وكان يرضي بالقليل من الأجر وفي أوقات كثيرة لا كان بتصدق بوقته في القراءة ولا يتقاضي أي أجر من الأساس.
كان يعلن دائماً في مجالسه الخاصة والعامة أن تلاوة القرآن الكريم يجب أن تكون بعيدة عن التربح وجمع الأموال. يقول: ¢القرآن الكريم ليس سبوبة للثراء والغني وإنما هو كتاب هداية وتلاوة وإصلاح للبشرية ومرضاة الله تعالي في الدنيا والآخرة". ويري أن فعل المعروف يقي الناس من مصارع السوء في الدنيا ويرفع الناس أعلي المنازل والدرجات في الآخرة.
كما كان يذهب بصفة يومية للقاء الفقهاء والقارئين والمبتهلين في مقهي الفقهاء في شارع أبو العلا في القاهرة. وكان لهم الناصح الأمين. ثم تقدم بعدها إلي الإذاعة المصرية عام 1962. وكان عدد المتقدمين وقتها 170 قارئاً. لم يقبل منهم إلا أربعة يتقدمهم الشيخ عليه رحمة الله.
قرأ القرآن الكريم في أول صلاة فجر تنقلها الإذاعة المصرية من مسجد الحسين بالقاهرة. وشارك في إحياء المناسبات الإسلامية وليالي شهر رمضان المبارك. كما شارك في إحياء المناسبات الإسلامية وليالي شهر رمضان المبارك. وترك للمكتبة الإذاعية الكثير من التسجيلات.
أصيب الشيخ وهو في سن صغيرة بمرض السكري الذي كان سببًا في وفاة الكثير من القراء. ليرحل عنا الشيخ عبد العزيز إلي جوار ربه يوم الخميس الموافق 17 مارس لسنة 1977. وهو في قمة تألقه وكان وقتها لم يتجاوز الخمسين عامًا.. رحم الله شيخنا الجليل رحمةً واسعة.
اترك تعليق