قالت الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين، إن التراث الإسلامي هو ميراثنا العلمي الذي ورثناه عن نبينا الكريم محمد ﷺ وصحابته الكرام وعلماء المسلمين، والذي يجب علينا أن نفخر به ونبذل كل الجهود الممكنة في سبيل الحفاظ عليه وصونه وإبراز قيمته وأهميته؛ فمنه الوحي الإلهي ممثلا في أعظم الكتب السماوية "القرآن الكريم"، والسنة النبوية المطهرة؛ ذلك الميراث الغالي على قلب كل مسلم، بجانب المئات من أمهات الكتب العلمية الرصينة التي وصلت إلينا جيلا بعد جيل، حاملة خلاصة الفكر والاجتهاد والعلم لكبار علمائنا في شتى العلوم الدينية والدنيوية.
وأوضحت مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين خلال كلمتها بالمؤتمر الدولي "حول التراث الإسلامي وتحدياته في عالم الملايو: الأزهر منهجا ومرجعا"، أن قضية المحافظة على التراث الإسلامي وصونه هي دائما من القضايا التي تشغل بال الكثيرين في وقتنا المعاصر، وقد عقد لأجلها كثير من المؤتمرات العلمية والفكرية التي هدفت إلى وضع التوصيات والآليات التي تسهم في حفظ تراثنا وصونه من عبث العابثين.
وأكدت الدكتورة نهلة الصعيدي أن قضية إحياء التراث الإسلامي وتجليته وحفظه، دائما وأبدا، على رأس أولوياتنا في الأزهر الشريف، بتوجيهات ومتابعة مستمرة ودؤوب من فضيلة الإمام الأكبر، الذي يقود بنفسه تلك الجهود، انطلاقا من إيمانه الكامل بأن التراث بثوابته ومتغيراته يمثل شرطا أساسيا لنهضة العرب والمسلمين، مع استمرار جهود التجديد فيه، بما يجعله مناسبا لتغيرات العصر ولواقعنا المعيش؛ مراعاة لكل المستجدات حول أحوال الناس وأفكارهم وعاداتهم ومعايشهم، مع الالتزام التام بالمحافظة على الثوابت المجمع عليها وعدم المساس بها.
وأردفت رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين أن الأزهر بكل هيئاته وقطاعاته العلمية يبذل جهودا كبيرة في سبيل المحافظة على التراث الإسلامي، عبر تحقيقه ونشره متقنا مصححا مضبوطا، وهي من الوظائف المهمة التي يوليها الأزهر أهمية كبرى، خاصة في عهد فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي سخر جميع جهود الأزهر في الدفاع عن التراث وصونه، كما خاض بنفسه معارك شرسة دفاعا عن التراث الإسلامي ضد المشككين فيه، وكان من أشهر مقولات فضيلته في ذلك: "إن تراث الأمة الإسلامية لم يكن عائقا لها عن التقدم والتألق، والأخذ بأسباب القوة والعزة"، كما أنشأ إدارة كاملة مختصة بإحياء التراث الإسلامي بمشيخة الأزهر، أسهمت في سنوات قليلة في تحقيق العشرات من الكتب العلمية التراثية الرصينة، وتجليتها بما يواكب مستجدات الواقع المعاصر، وبما يراعي تطور الزمان ويتناسب مع أحوال الناس، كما قدم النموذج العملي في إحياء كثير من الفتاوى التراثية، وكان آخرها دعوته لحفظ حق المرأة في ثروة زوجها، المعروف ب"حق الكد والسعاية".
واستعرضت مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين جهود قطاعات الأزهر في حفظ التراث وصيانته، مبينة أنه كان للعديد من القطاعات الأزهرية الأخرى، وعلى رأسها جامعة الأزهر الشريف، جهود كبيرة في إحياء التراث الإسلامي وتجليته والحفاظ عليه، عبر تسخير إمكاناتها العلمية الهائلة بما لديها من عشرات الكليات الإسلامية الزاخرة بالأساتذة والباحثين والمتخصصين، وبما لديها من نتاج علمي ضخم يشمل المئات من رسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث العلمية الرصينة التي تناولت تلك القضية المهمة لعالمنا الإسلامي، بالتحليل والنقد وتقديم التوصيات والمقترحات التي كان لها أثر عظيم في إحياء تراثنا الإسلامي وتجليته وحفظه.
وأضافت الدكتورة الصعيدي أنه كذلك كان لمجمع البحوث الإسلامية إسهاماته المهمة والقوية في إحياء التراث الإسلامي والذود عنه، عبر تعاونه الفعال والمثمر مع مختلف الهيئات المعنية بحفظ التراث في الداخل والخارج؛ لما يمتلكه المجمع من مجموعة نادرة من كتب التراث والمخطوطات التراثية النادرة، كما نظم العديد من ورش العمل والدورات التدريبية المتخصصة في إحياء التراث وحفظه؛ بغية تمكين باحثيه ووعاظه من أداء مهمتهم في نشر التراث الإسلامي بما يتناسب مع العصر على النحو الأكمل، بجانب نتاجه العلمي المتميز لكبار علمائه، الذي كان له دور مهم في إحياء تراثنا الإسلامي وتجليته.
وبينت رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين أن التراث هو الجامع لكل أتباع الدين الإسلامي؛ نخبا ومفكرين وطلاب علم، بكل ما فيه من علوم دينية ودنيوية، وبما يمكن الاعتماد عليه في رأب أي صدع قد ينشأ بينهم جميعا؛ اعتمادا على التراث الإسلامي، وقد كان لعلماء الأزهر، عبر تاريخه، جهودهم الكبيرة في مواجهة الخلافات وتوحيد الرؤى اعتمادا على تراثنا العريق، كما كان دائما - ولا يزال - حائط الصد ضد كل محاولات النيل منه والهجوم عليه، من جماعات ناصبته العداء الشديد، وحاولت النيل من رموزه، وكان آخرها بعض محاولات من مجموعة من مدعي الحداثة ممن هاجموا صحيح البخاري، وحاولوا التشكيك فيه، فوقف لهم الأزهر وشيخه بالمرصاد، مفندين كل دعاواهم الباطلة ومزاعمهم الواهية.
وشددت مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين أننا في الوقت الحالي، وفي ظل ما شهده العالم من ثورة تكنولوجية هائلة، نواجه تحديات مضاعفة في سبيل المحافظة على تراثنا الإسلامي من التشويه والتحريف، ونحن لذلك في أمس الحاجة إلى مضاعفة الجهود وتجميعها، للوقوف صفا واحدا في مواجهة هجمات شرسة تحاول النيل من التراث الإسلامي، والتشكيك فيه، ولذا فإنني أطالب من مكاني هذا بضرورة مسارعة المؤسسات العلمية في أنحاء العالم الإسلامي إلى مد يد العون للأزهر ومساعدته في جهوده البناءة الرامية لإحياء التراث الإسلامي وتجليته والحفاظ عليه؛ تلك المهمة السامية التي تقع مسؤوليتها على عاتقنا جميعا، انطلاقا من إيماننا القوي بأنه "من لا ماضي له فلا حاضر له ولا مستقبل"، وأن تراثنا هو ماضينا الذي نفخر به ونتباهى به بين الأمم.
واختتمت الدكتورة نهلة الصعيدي كلمتها بالدعوة إلى إنشاء موقع وتطبيق إلكتروني يتضمن مكتبة صوتية كبرى؛ خدمة للتراث الإسلامي وأرشفة لما أنتجته الحضارة الإسلامية من كتب ومؤلفات، للوصول إلى أكبر شريحة من المثقفين، وذوي الهمم من المكفوفين، عن طريق توفير العديد من الكتب الصوتية، عبر وسائط الاتصال الحديث، فضلا عن التيسير على الباحثين وطلاب العلم، وخلق وسائل حديثة تساعدهم على الوصول إلى المادة العلمية بشكل بسيط وسهل.
اترك تعليق