ربما تكون ضغوط الحياة سبباً مهماً لقلة تواصل الاصدقاء والأقارب والمعارف وجهاً لوجه والاكتفاء برسالة نصية أو صورة لصيغة تهنئة بمناسبة معينة أو تعليق على منشور لأحدنا على وسائل التواصل ، دون أن يحمل كل ذلك المشاعر والأحاسيس التى نلمسها من بعضنا عند اللقاءات الحية المباشرة، ومع ذلك فإن هناك نوعاً من البشر لا يجمعهم بك سوى قضاء مصلحة أو خدمة لهم ن وبعد انقضاء المصلحة لا ترى وجوههم إلا عند احتياجهم لمصلحة اخرى منك.
"علاقات المصلحة" لا تدوم، وتضع الانسان فى خانة الأنانية وحب الذات وعدم تقدير أو احترام الطرف الآخر إلا لطلب خدمة أو وجود مصلحة، لذلك ينصح خبراء الاجتماع وعلم النفس بالابتعاد عن الشخص طالب المصلحة إلا إذا تأكدت أنه فعلاً رقيق الحال ولا يستطيع قضاء مصلحته أو تأدية المطلوب منه ، ففى هذه الحال تجب مساعدته والوقوف بجانبه عملاً بقول الرسول الكريم "كان الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه".
تلون القلوب
د. هبه الطحان "اخصائي صحة نفسية وإرشاد أسرى وتربية خاصة" تقول: اصبحنا في زمان لا يربط الناس فيه إلا المصالح، ويبحث الجميع عن نفسه ومصالحه الشخصية، ولا يضع أي من الناس اعتباراً للحب والمشاعر الصادقة، فالمبدأ الأساسي هو "نفسى ثم نفسى وأصبح من العجيب أن تجد في الحياة من يحبك دون مصلح، فالحب في هذا الزمان مرهون بالمصالح وحتى القلوب باتت تتلون وفقا للمصالح ومن أجل الحصول على اشياء تدل علي خبث القلوب، وللأسف الرغبات رخيصة جداً وأقل من أن يفعل الناس من أجلها كل هذا، فالمصالح لا تساوى شيئاً بجانب الحفاظ على العلاقات الاجتماعية بين البشر لأن البعض أصبح يحب الآخر ويكرهه في نفس التوقيت وفقا لحاجته ومصالحه الشخصية فمن تحركه المصالح يمكن أن يرتكب كل الحماقات.
فمعارف المصالح الزئبق يختفون فور حصولهم على حاجاتهم، فالبعض كان يبدوا جيداً إلى أن يحصل على ما يريده .فاصحاب المصالح لا يروا سوى مصالحهم حتى لو على حساب رصيدهم في قلبك.
توضح أن الحب والمودة بين البشر من الأخلاق الحميدة والعظيمة ولكن لا يدرك أصحاب المصالح ذلك، فلابد أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه ومع الجميع حتى مع هؤلاء الذي تعلم نواياهم، والذين يتحركون بدافع المصالح فقط، والذين تملؤهم الغيرة والحقد والكراهية، الأشخاص الأنذال ذوى القلوب الرديئة والمبادئ الباهتة، فمن أحب مصلحته أكثر منك لا يستحقك، فلابد أن يكون الإنسان وقورا وحافظاً لكرامته وان يبتعد عن أصحاب المصالح، فالحياة أصبحت قاسيه ولا نتحمل قسوتنا علي بعضنا البعض وعلي أنفسنا، فلابد أن يعي الشخص جيدا أنه حين يختلف معي فلا يعنى ذلك نهاية الكون ولكن يمكن لأحدنا أن يتنازل مرة والآخر مرة أخرى، فنحن لم نخلق في الحياة للحصول على أكبر حصة فيها، بل لنعمر الأرض بالمحبة والإخلاص والود.
أكدت أن أصحاب المصالح لا يحبون سوى أنفسهم، وهذه قاعدة واضحة فلابد أن نحذر أصحاب المصالح فقلوبهم محملة بغبار حب الذات، ومن العجيب أن أصحاب المصالح لا يحصدون سوى المكر، وعمر مصالحهم قصير، فمن الضروري أن تكون لنفسك كل شيء وان تبتعد قدر المستطاع عن أصحاب المصالح، فكل الذين ابتعدوا حين انتهت مصالحهم سيأتون إليك مرة أخرى لمصلحة الجديده ولكن لابد أن نبتعد عنه لان من يحب نفسه فقط، لا يمكن أن يحصل على قلوب الآخرين ولا يمكن أن يصل لأي شيء طيب، فالقلوب المريضة ينفر الجميع منها وتكشفهم الأيام، فمهما حاول أصحاب النوايا السيئة أخفاء ذلك قلوبهم تفضحهم.
قالت: إذا أردت أن تعرف معدن أحدهم انتظر تعارض مصالحه معك، فمعادن الناس تظهر وقت الشدة، والسعادة في الحياة أن تجد شخصاً يحبك دون مصالح، دون غرض ولا مصلحة أو خدمة منك، ولولا الأغراض ما رأينا وجوههم أبدا، وهناك أناس لا تدرك قيمة المعارف والأقارب ولا تدرك قيمة السند والحب الصادق، كل ما تعرفه هو لغة المال والأرقام والمصالح، فأطماعهم تفوق كل شئ، والشخصية التي تبحث عن مصالحها على حساب الآخرين شخصية لا تعاشر، وابتعد عن كل المدعين، الذين يبتسمون في وجهك من اجل مصالحهم ويعرفونك لتلبية حاجتهم، فلابد أن تكون شخصاً وفياً مع من يستحق الوفاء، أما أصحاب المصالح فابتعد عنهم.
أما الشخصية الحقودة فلا تحبك ولو وفيت لها كل مصالحها، فلا تبحث عن الخلق الرفيع في صاحب المصلحة، فهو لا تحركه سوى مصالحه، فلابد أن تكون قريباً لمن يحبك فقط، وابتعد قدر المستطاع عن كل من يؤذيك، فصدق المشاعر أعظم من الحصول على المصالح وللأسف هناك أشخاص بارعون في التمثيل، وكل هذا فقط كان من أجل المصلحة فمتصنع الود في قلبه مرض وأصحاب المصالح يأتونك فقط إن احتاجوا إليك، فلا تأمن لشخص لا يعرفك إلا لمصلحته.
حفظ الجميل
يقول د. أحمد علام "استشاري العلاقات الاجتماعية والأسرية": بعض الناس يبحث عن مصلحته التى تحكمه فقط فى العلاقات، وهناك اشخاص يبتعدون عن الطرف الاخر بمجرد الانتهاء من قضاء مصالحهم معه، وهذا سببه المادية البحتة التى اصبح يتعامل بها الكثيرون من الناس، ونشاهد كثيرا أناسا يقللون من شأن انفسهم على وسائل التواصل والتطبيقات المختلفة على شبكة الانترنت لمجرد الحصول على المال، واصبحت المادة والاستفادة من الآخرين هو كل ما يشغل بالهم.
أضاف: نسينا ان ديننا الحنيف حثنا على مساعدة بعضنا البعض وحفظ الجميل لمن أدى لى خدمة وعدم معرفة الناس لمجرد قضاء المصالح وأن الانسان له حقوق عند غيره من الناس، كالمساعدة عند الاحتياج وزيارته عند مرضه والوقوف بجواره فى شدته وفى الوقت نفسه اوصتنا الأديان السماوية بنسب الفضل لأهله وعدم نكران الجميل لمن أدى لى معروفاً، فقد قال الرسول الكريم" كان الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه".
ومع الأسف يحاول الناس الهروب من بعض حتى لا يطلب أحد منهم قضاء مصلحة وهناك بيت شعر شائع يتحدث عن الشدة ووجود من يمثل سنداً وظهرا حيث قال الشاعر (جزى الله الشدائد كل خير .. عرفتنى عدوى من حبيبى).
قدوة للأبناء
تساءل: كيف نعيد حساباتنا مع أنفسنا؟ ونقيم تعاملنا مع الآخرين؟ أجاب قائلاً: عندما اجد شخصاً لا يتصل بى إلا عند طلب خدمة أو مصلحة يجب أن اتجنبه وابتعد عنه، وبالمثل إذا وجدت شخصاً لم يقف بجانبى عندما واجهت مأزقا يجب ان ابتعد عنه، وهناك الكثير من الشدائد نواجهها مثل فقد عزيز لدينا أو حدوث خسائر مادية كبيرة أو حدوث شئ مكروه ووصلت هذه الأنباء إلى الأشخاص ولم يتواصلوا معنا أو يواسونا فى مصابنا فإن هؤلاء نطلق عليهم "بتوع مصلحتهم" ويجب الابتعاد عنهم فوراً، وإذا وجدنا اشخاصا لا يتواصلون معنا إلا عند طلب مصلحة او خدمة فهؤلاء لا يستحقون صداقتنا أو تواصلنا معهم من الأساس.
أشار إلى أنه يجب تربية ابنائنا على الأخلاقيات الكريمة والمثل العليا والقيم الاصيلة من خلال زياراتنا لأهلنا بلا سبب والخروزج مع الاصدقاء بلا سبب ومن خلال تعاملاتى غير المشروطة التى تعبر عن الحب والود طوال الوقت ومن خلال العلاقة التى يملؤها الود والاحترام بين الوالدين وعدم تربيتهم على مبدا المنفعة ومعرفة الناس لمجرد قضاء مصلحة وبعدها ينقطع التواصل لحين الاحتياج لمصلحة أخرى.
علاقات سطحية
د. تامر شوقي "استاذ علم النفس التربوى" يقول: هناك أسباب أدت إلي ضعف العلاقات الاجتماعية بين البشر فلا شك أن العلاقات بين الأفراد هي من أهم مسببات الحياة وهي التي تجعل الإنسان يعيش علي وجه الأرض، والعلاقات الاجتماعية بينهم هي التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى ،لكن احيانا تتأثر العلاقات الاجتماعية بالعديد من العوامل التي تجعلها علاقات سطحية، وتشمل بعض المسببات عدة عوامل مثل ضغوط الحياة اليومية والتى جعلت كل انسان مهتماً بالسعى وراء كسب المال ليستطيع تلبية احتياجاته اليومية هو وأسرته.
أضاف إن ضيق الوقت يمنعنا من إجراء مجاملات اجتماعية وزيارات الآخرين، وظهور وسائل الاتصال الحديثة خفضت من التواجد المباشر بين الأفراد ، وأصبح الاتصال الوحيد بين الناس في المناسبات والاعياد فقط أو برسائل نصية الكترونية أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك والواتس آب وغيره، وبالطبع هذه الرسائل لا تؤدي الغرض الطبيعي للود بين البشر ولا تغني عن التواجد المباشر بينهم والذي يحمل كل معاني التواصل المعرفي والوجداني والعاطفي ويزيد من محبة الأشخاص.
عدم التعميم
أشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي استحوذت علي قدر كبير من اهتمامات الناس ووقتهم، فمعظم الأسر لديها أبناء في سن التعليم وبالتالي أصبح التركيز الأكبر مع الاولاد والمذاكرة وعلي النقيض الآخر كثير من الافراد يودون الآخرين بعيدا عن المصلحة ولكن هؤلاء الذين يغلبون مصلحتهم على مصلحة الآخرين موجودون ولكن هذا لا ينبغي تعميمه علي العلاقات الإنسانية ككل، فالذين يغلبون مصلحتهم يكون لديهم انانية وعدم الامتناع وعدم الاعتراف بفضل الآخرين عليهم وهدفهم الوحيد هو الحصول علي ما يريدونه من الآخر ثم نكران الجميل فيما بعد، وهذا يعد جزءاً من طبيعه الأشخاص.
أكد على أنه حتي نعيد العلاقات كما كانت من قبل اولا تربيه أبنائنا علي حب الآخرين والتعامل معهم وعلي أداء اي خدمة بدون مصلحة أو بدون مقابل ،وتعليم الاولاد الامتنان وحب الخير والعرفان وان يكون الوالدان قدوة لأبنائهما في الاعتراف بالجميل للآخرين ذوي الفضل عليهم، فعندما يجد الابن أباه يعترف بالجميل للآخر يتعلم منه فلابد أن نعلم اولادنا صلة الرحم والعطاء دون مقابل وان المقابل والجزاء دائما يأتي من عند الله عز وجل.
قال: يمكن أن نعيد علاقاتنا بالآخرين عن طريق تقليل التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومحاولة أن تكون اللقاءات وجهاً لوجه، ولابد أن نعلم ابناءنا أيضا العطاء أكثر من الأخذ وأن ذلك نعمة يشعر معها الإنسان بالسعادة أكثر من الآخرين عكس الأشخاص ناكرى الجميل.
اترك تعليق