في ظل التطور التكنولوجي الضخم الذي يشهده العالم حاليًا، حرصت المملكة العربية السعودية على أن تكون في طليعة الدول التي تواكب هذا التطور بما يتوافق مع رؤية 2030، ولذلك طبقت الحكومة السعودية التحول الرقمي في كافة مؤسساتها، فلم يعد هناك أي وجود لتعاملات ورقية في أي جهة حكومية، كما أطلقت العديد من البرامج التي تساعد الشركات الناشئة على الإندماج في عملية التحول هذه، وفي سطور هذا المقال نوضح كيف تم التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية السعودية وما هي مظاهره.

التحول الرقمي في السعودية:

في البداية، يشير مصطلح التحول الرقمي إلى العملية التي تقوم بها المؤسسات باستخدام التقنيات الرقمية لإنشاء خدمات أو عمليات جديدة، أو لتحويل العمليات والخدمات التجارية التقليدية وغير الرقمية الحالية، بما يواكب السوق المتطورة ويلبي توقعات العملاء.

وفي الفترة الحالية، وبعد تبني الحكومة السعودية استراتيجية التحول الرقمي، تحولت جميع الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية إلى رقمية، وأصبح الوصول إليها أمرًا سهلًا، وكل ذلك تنفيذًا لرؤية 2030 والتي تهدف إلى استفادة المملكة من التكنولوجيا قدر الإمكان، بما يحسن من جودة الحياة، ويجعل المجتمع السعودي رقمي متقدم.

وكانت أولى خطوات المملكة العربية السعودية في رحلة التحول الرقمي هي إطلاق برنامج التحول الوطني عام 2016، والذي يهدف إلى تسريع التحول الرقمي في الخدمات التي يقدمها القطاع العام.

مظاهر التحول الرقمي في السعودية:

وقد أنفقت المملكة ما يقرب من 12 مليار ريال سنويًا على الحكومة الرقمية، وهو ما ظهر آثاره في العديد من الخدمات الرقمية التي يحصل عليها الشعب السعودي، والتي تتمثل فيما يلي:

1- الخدمات الحكومية الرقمية والدورات المعتمدة

أصدرت الجهات الحكومية السعودية بوابات إلكترونية خاصة بها، تمكّن جميع المواطنين والمقيمين من الحصول على مختلف الخدمات بشكل إلكتروني.

ومن أبرز تلك الخدمات إصدار بطاقة الهوية الإلكترونية عن طريق التسجيل في خدمة النفاذ الوطني الموحد، وهي البطاقة التي يمكن لحاملها استخدامها في الحصول على الخدمات الحكومية الإلكترونية.

ومن الخدمات الأخرى التوقيعات الإلكترونية، إذ أصدر مجلس الوزراء نظام التعاملات الإلكترونية من أجل تنظيم المعاملات الإلكترونية للتجار الإلكترونيين سواء كانوا ممثلين عن الحكومة أو من المواطنين أو ممثلي الشركات.

كما تتولى الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) مهمة تشغيل قناة التكامل الحكومية والتي تُعد من أبرز مشاريع البنية التحتية الوطنية وتُستخدم في تحقيق الدقة والسرعة والأمان فيما يخص تبادل البيانات الحكومية المشتركة بين الجهات المنوطة.

وعملت الحكومة السعودية على تسهيل سداد المدفوعات الحكومية، فأطلقت قنوات الدفع الإلكتروني، والتي تنوعت ما بين الخدمات المصرفية الإلكترونية والمكالمات الهاتفية وأجهزة الصراف الآلي.

وكل ذلك بخلاف مبادرة العطاء الرقمي التي أطلقتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والتي تقدم من خلالها دورات معتمدة في أمن المعلومات والتحول الرقمي، من أجل نشر الوعي الرقمي بين أفراد المجتمع السعودي.

2- تبني التقنيات الناشئة

إدراكًا من الحكومة السعودية بأهمية الذكاء الاصطناعي، تم إنشاء العديد من الهيئات الحكومية التي تدير جدول الأعمال الوطني للذكاء الاصطناعي، ومنها: الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، مركز الذكاء الاصطناعي للطاقة، المركز الوطني للذكاء الاصطناعي.

وفي هذا الشأن، تم تنفيذ العديد من المشاريع وهي: مركز الابتكار، واحة الذكاء الاصطناعي، معالج الذكاء الاصطناعي، التعاطف الاصطناعي.

3- مشاريع التحول الرقمي

نفذت الحكومة السعودية العديد من المشاريع الكبرى التي تعتمد على الاستفادة من خدمات إنترنت الأشياء، ومن أبرز تلك المشاريع: مشروع نيوم، نظام النقل الذكي، قطار الرياض، مشروع القدية، مشروع أمالا، مشروع البحر الأحمر.

4- زيادة سرعة الإنترنت

بعد تنفيذ برنامج التحوّل الرقمي، احتلت المملكة العربية السعودية المركز الرابع على مستوى العالم في نشر شبكة الجيل الخامس وزيادة سرعة الإنترنت بأكثر من 400%، مما أدى إلى تحسن جودة خدمات الاتصالات والإنترنت التي يحصل عليها المواطنين، وزيادة فرص تنفيذ مجموعة من الابتكارات التي لم تستطع تقنية الجيل الرابع دعمها.

5- نشر ثقافة التحول الرقمي ودورات الحاسب المعتمدة

حرصًا على نشر ثقافة التحول الرقمي، قدمت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مجموعة دورات حاسب معتمدة عن بعد وذلك من خلال برنامج تنمية القدرات البشرية، بهدف تأهيل العاملين في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات على استخدام أحدث التقنيات في المجالات الرقمية.

6- تطوير التعليم والدورات عن بعد

يُعد التعليم عن بُعد من أبرز مظاهر التحول الرقمي في مجال التعليم بالمملكة العربية السعودية، إذ لجأت المؤسسات التعليمية خاصة بعد انتشار جائحة كورونا إلى استخدام أحدث التقنيات والوسائل الرقمية من أجل خلق بيئة تعليمية متطورة تساهم في تعزيز تحسين عملية التدريس، فاستعانت بالأجهزة الذكية والتطبيقات التعليمية في توفير الدورات عن بُعد للطلبة.

7- تبني نهج التطوير والتشغيل DevOps

توجهت المؤسسات الحكومية السعودية إلى تطبيق مبادئ منهجية تطوير وتشغيل البرمجيات DevOps، من أجل تطوير الأداء الرقمي داخلها وتحسين جودة الخدمات الرقمية المُقدمة للمستفيدين، إذ يتم اتباع نهج مشترك تقوم من خلاله فرق تطوير التطبيقات بتأدية مهامها، وفي نفس الوقت تقوم الجهة الحكومية بتشغيل تقنية المعلومات.

وقد تم استخدام هذه المنهجية في المشاريع واسعة النطاق من أجل زيادة كفاءة تنفيذ وتسليم تلك المشاريع، كما استُخدمت في تطوير الواجهة الأمامية للبرمجيات، إلى جانب التشغيل المرن حتى لا تتأثر عمليات المنتج بالتغييرات.

توفر منصة بكه التعليمية مجموعة من الدورات التدريبية المُعتمدة في حوكمة تكنولوجيا المعلومات وإدارة الخدمات، يمكن الالتحاق بها لتعزيز المهارات في هذا المجال.

التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية:

هناك مجموعة من الأسس التي اتبعتها حكومة المملكة العربية السعودية من أجل تطبيق التحول الرقمي في جميع قطاعاتها، وهي كما يلي:

1- الشراكات الوطنية

من أجل تسريع عملية التطوير، عقدت هيئة الحكومة الرقمية السعودية عدة شراكات وطنية مع الوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية بهدف تعزيز التعاون بينهم.

وجاءت شراكات الهيئة مع القطاع الخاص والقطاع المدني والقطاع الصحي، وكذلك شراكات تجارية إلكترونية.

وتمثلت الأهداف الرئيسية لتلك الشراكات في تقديم خدمات رقمية شاملة للمستفيدين، وزيادة مشاركة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وتوافق الأجندة الرقمية للجهات الحكومية مع الأهداف الوطنية والعالمية.

2- المجتمع الرقمي

حرصت الحكومة السعودية على تطوير المجتمع الرقمي، وذلك من خلال نشر ثقافة التحول الرقمي في المجتمع السعودي، من أجل حدوث تحولات نوعية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

ويُعد قطاع التعليم من أبرز القطاعات التي استفادت من التحول الرقمي، يليه قطاع التنمية الاقتصادية، وذلك منذ بدأ تلك الجهود في عام 2018، والتي سعت لنشر المعرفة والتفاعل الاجتماعي وتمكين بيئة العمل.

3- إدارة التحول الرقمي

في إطار عمل الحكومة السعودية على إدارة التحول الرقمي، تم إنشاء هيئة الحكومة الرقمية لإدارة أعمال الحكومة الرقمية في الجهات الحكومية.

وفي هذا السياق، قدمت الحكومة الرقمية مجموعة من البرامج لدعم الخدمات الحكومية مثل: برنامج قدراتك، برنامج إيداع البرمجيات الحكومية، برنامج الاستشارات الرقمية.

وفي الختام، فإن حرص المملكة العربية السعودية على تعزيز التحول الرقمي، هو من أبرز العوامل التي تساعد على تحقيق رؤية 2030 فيما يخص تنويع مصادر الدخل الوطني، وتسهيل حصول المواطنين والمقيمين على الخدمات.