"الأطلال، ولد الهدي، رباعيات الخيام، قارئة الفنجان، لا تكذبي، يا جارة الوادي" قصائد لكبار الشعراء، وقام بغنائها عمالقة الزمن الجميل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة، ومثلها الكثير والكثير من القصائد التي مازالت تسكن وجدان الكثيرين وتتوارثها الأجيال لتثبت أنها فن عابر للأزمان وله مستمعوه في كل وقت..
لكن لم يعد هناك إنتاج جديد لمثل تلك الأغاني، ورغم وجود النصوص والأصوات القادرة على غنائها، إلا أن أحداً لم يعد يقبل على تقديمها وسط ضجيج المهرجانات وأغاني التوك توك، فلماذا لم تعد هناك محاولات لتقديم المزيد من قصائد الفصحي، وما سر هذا الاختفاء الطويل؟!.
المشكلة لا تكمن في القصائد، إنما المشكلة أنه لا أحد يغني باللغة العربية وليس كل من يغني يعرف ينطق الحروف صح، للأسف قلائل من يهتم بقصائد اللغة العربية مثل كاظم الساهر ولكنه حالياً اختفي واتجه لبرامج المسابقات، لكن نأمل بوجود أغاني كهذه، وحقيقة هناك مطربون يستطيعون تقديم لغة عربية فصحي ونطقها بشكل صحيح لكن للأسف يستسهلون، وحقيقة أنا عملت قصيدة للكبيرة ماجدة الرومي كلمات الشاعر أحمد بخيت ومنذ سنتين لم نستطع تسجيلها.
النوع ده انتهي من التسعينيات، وقبل كده كمان وحتي حاليا لما تيجي تعمل غنوة عادية متلاقيش لها أي قبول يعني حتي الكلام العادي الجميل بقي مفيش منه وليس له قبول وفنانين محترمين جداً صعبان عليهم الكلام الحلو لم يلاق قبولاً واتجهوا لعمل كلام شبه خفيف مش قادر أقول تافه ليس له معني، لأن الذوق العام بقي كده، خصوصاً بعد الثورة الاخيرة، بس "السميعة" زيي موجود وبيحبوا يسمعوا الاغاني الحلوة المحترمة.. أنا شخصياً مقدرش أشتغل في هذا الجو الصعب وبكتفي بما حققته من نجاحات مع عمالقة الفن وردة وميادة وحتي جيل التسعينيات كانت أغانيهم جميلة.
أغاني القصائد لها طابع خاص وجمال خاص.. فأنا مثلاً من عشاق أغنية نجاة الصغيرة "لا تكذبي" و"الأطلال" لأم كثوم وأغنيهم بكل حفلاتي.. أري أن الحاجة الحلوة تفرض نفسها ليس لها علاقة بأغنية ولا كلام عام، فأنا عندما أقدمها بأي حفلة أو برنامج تليفزيوني يكون صداها كبير جداً وحلوة جداً، وأنا قدمت أغنيتين خاصتين بي قصائد واحدة اسمها "قلب حزين" وقصيدة أخري "دعاء لرمضان" باللغة العربية الفصحي، لكن أري أن هناك توليفة خاصة لنجاح القصائد، وهي أن اللحن يقدم بسلاسة حتي الجمهور يشعر أنه يستمع لقصيدة لكن بشكل عام، فأنا قدمت قصيدة لكن بالسهل الممتنع وكل الآراء كانت ايجابية وانني قدمتها بطريقة سهلة ونغمات حلوة قريبة للقلب، فنحن بزمن لا مقيد بمهرجانات ولا أغاني تيك توك، لكن كل الحكاية طريقة تقديم الأغنية للجمهور، فلو قدمنا أغنية قصيدة بطريقة حلوة سلسلة بلحن يناسبها ستنجح أيضاً، فالآن فكرة النجاح والشهرة في الحاجات التي تتضمن فكر أو طرقعة وهذا يترتب عليه اللحن، فمثلاً هناك مطرب اسمه عبدالرحمن محمد قدم قصيدة "أصابك عشق" وقصائد أخري واشتهرت جداً والجمهور أحبها وناس كثيرة تسمعها وحافظة هذه الأغاني، وأري أيضاً أن كل وقت له أغانيه، ففي الفرح نشغل أغاني رقص وهيصة وفرحة، لكن لو مثلاً مسافر بليل وحابب تسمع حاجات هادية، فسنسمع هادي مثل أغاني عبدالرحمن محمد وأغاني فيروز والست بليل في السلطنة، فأنا أري أن هذه الأغاني موجودة لكن لها جمهورها وقتها.
اختفاء قصائد الفصحي، تعبير عما يحصل في المجتمع الغنائي والوسط الفني عموماً، فنحن في عصر الاستسهال وعصر السرعة، والقصائد تحتاج نوعية معينة من الشعراء والملحنين ومن مستمعيها وطبعاً لم ولن تنقرض لأن هناك أناس يستطيعون تقديم القصائد لكن طبيعة العصر وسيطرة الهرج والمرج علي المشهد الغنائي خلت القصائد تختفي، لكن كاظم الساهر كان يقدم قصائد ونجحت جداً وهاني شاكر أيضاً لغاية سنوات ماضية قليلة كان يقدم قصائد، وحقيقة ذات مرة كنت أنا طرف بين الكبار هاني شاكر وكاظم الساهر في حل مشكلة على قصيدة تأليف نزار قباني وتنازل عنها هاني شاكر بعد مفاوضات، أنا كنت وسيط بينهما والمشكلة انتهت، وكانت قصيدة بدأ يلحنها الموجي الصغير لصالح هاني شاكر، لكن أخذها كاظم. ولأنه كان هو من يلحن أعماله، فلحنها وغناها، فالقصائد موجودة والفنانين الذين يقدمون قصائد موجودة، لكن نحن في عصر يغلب عليه الغناء السريع، كما يغلب علي أغلب الفنون سواء في كتابتها أو إعدادها وأيضاً السرعة في نسيانها. فما يستقر ويعيش في أذهان الناس الحاجة الأصيلة المخدومة بشكل جيد التي تضمن مصداقية أياً كانت قصائد أو مونولوجات أي شكل من الأشكال المهم تكون بها مصداقية وقدر من الأصالة، ثانياً نحن بالقصائد ننصر اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم قبل أن تنقرض وقبل أن الأجيال الحالية تنصرف عن اللغة، فحتي الكتابة علي وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تأخذ شكل آخر وأبعد ما يكون عن اللغة، حتي بعض المتخصصين لا يفرقون بين "إن" وأخواتها و"كان" وأخواتها، لكن هذه ظروف عصر والأغاني موجودة وأيضاً نري حفلات الموسيقي العربية علي أعلي ما يمكن وبها قصائد تقدم وجمهور مستمع، وأري أننا نحن في عصر يجب أن نعرف الفرق بين الذهب بالجرام وقليل وأن النفايات بالطن وكثيرة جداً.
د.منال عفيفي حماد أستاذ بقسم الموسيقي العربية بكلية التربية الموسيقية: لا شك أن القصيدة الغنائية في فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت العمود الفقري للغناء والطرب في مصر، ما أكسبها قاعدة جماهيرية عريضة في مصر وفي الوطن العربي كله، فقد ساعدت القصيدة الغنائية علي تشكيل الذائقة الفنية رفيعة المستوي لدي المستمع العربي، لأنها كانت ترضي جميع الأذواق والطبقات لاختلاف المواضيع الشعرية التي كانت تتناولها هذه القصائد، حيث تنوعت معانيها بين القصائد الوطنية والاجتماعية والدينية والعاطفية رفيعة المستوي مما شجع الكثير من ملحني هذا الزمن الجميل على الإبداع في تلحينها ونذكر من هؤلاء الملحنين الموسيقار رياض السنباطي، ومحمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش. ومحمد الموجي وغيرهم من عباقرة التلحين في ذلك الوقت، ولكن مع بداية فترة الثمانينيات شهدت القصيدة الغنائية تراجعاً كبيراً أمام موجة جديدة من الأغاني القصيرة السريعة، التي لقبها الشباب في ذلك الوقت بالأغنية الشبابية، وبالطبع تراجع الكثير من الشعراء والملحنين عن كتابة وتلحين القصائد والأغاني الطويلة، خوفا من عدم نجاحها والإقبال عليها من قبل المستمعين الذين تغيرت أذواقهم واهتماماتهم الفنية كثيراً مع انتشار الأغنية الشبابية القصيرة، واستمر انتشار هذا اللون الغنائي حتي بداية الألفية الجديدة، التي شهدت موجة غنائية أسوأ من الأغاني الشبابية، وهي أغاني المهرجانات الشعبية،التي وجدت في البداية تجاوباً كبيراً من الطبقات الشعبية البسيطة، خاصة بين الشباب خاصة أنها كانت تتناول مشاكل الحياة اليومية والمعاناة التي يعيشها الشباب في هذه الطبقات الفقيرة بكلمات عامية دارجة وسرعان ما انتشرت هذه المهرجانات أيضا بين معظم الطبقات الاجتماعية المختلفة حتي أن بعض الناس من الطبقات الراقية كانوا يستعينون بمطربي المهرجانات لإحياء بعض المناسبات والأفراح الخاصة بهم، وللأسف أن هذا الانتشار كان بين معظم الأعمار المختلفة، خاصة بين الشباب والأطفال، ما ساعد علي انحدار الذوق الفني بشكل كبير لدي المستمع العربي وتهافت المنتجون علي مساندة مطربي المهرجانات وإنتاج ألبومات غنائية لهم بهدف التربح المادي دون النظر إلي أنهم يسهمون في تدمير أخلاق جيل كامل من الشباب والأطفال، خاصة بعد انتشار ظاهرة العنف والبلطجة بسبب ما تحتويه هذه المهرجانات من ألفاظ ركيكة ومواضيع تافهة تصل أحيانا إلي بعض الألفاظ الخارجة التي لا تليق أبداً بالمستمع العربي الذي تربي آباؤه وأجداده علي الأعمال الغنائية الهادفة لعمالقة الغناء والطرب المصري أمثال أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وغيرهم من فناني هذا الزمن الجميل، ومع ذلك مازال الأمل يراودنا في إمكانية القضاء على هذا التلوث السمعي وهذا الأمل يظهر من قبل بعض الشعراء والملحنين الذين يحاولون العودة للفن الراقي عن طريق انتاج بعض الأعمال الفنية الهادفة الراقية، على أمل النجاح فى التصدي للانحدار الذى أصاب الأغنية العربية والقصيدة الغنائية العربية في مقتل ونحن نأمل أن تنجح هذه المحاولات الفنية في القضاء علي موجة المهرجانات الشعبية حتى تختفي مع الوقت إلي غير رجعة إن شاء الله.
يعتبر الغناء بشكل عام انعكاساً عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدي المجتمعات، فهو المعبر عن الحالة الثقافية والحضارية لكل مجتمع أو أداة من ادوات قياس ثقافة وحضارة مجتمع ما مثله مثل المسرح والسينما والفن التشكيلي.. الخ، والغناء هو الناقل الأمين للغة كل مجتمع من المجتمعات، وقد رأينا كيف اهتم الخليفة العباسي هارون الرشيد بالغناء والمغنيين وأقام لهم في قصره مناظرات واحتفالات يتبادلون فيها الغناء ومن هذه المناظرات مناظرة إبراهيم الموصلي وابنه إسحق مع إبراهيم ابن المهدي شقيق هارون الرشيد وكان موسيقياً ومغنياً عذب الصوت كما اشار إلي ذلك أبوالفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، ويشير د.كمال النجمين في كتابه المهم "تراث الغناء العربي" أن المقامات الموسيقية التي وضعها إسحق الموصلي كالسيكا والبياتي والنهاوند استمرت إلي عصرنا هذا وهي نفسها التي تغني بها كبار المطربين.. وكان الملوك والحكام يهتمون بالغناء فيقيمون في قصورهم حفلات غنائية قد تمتد من المساء حتي صباح اليوم التالي وخير دليل علي ذلك تلك الحفلات الغنائية التي كان يقيمها الخديوي إسماعيل في قصره وبرز فيها مغنيون بلغوا من الشهرة والذيوع مبلغاً كبيراً مثل ألمظ وعبده الحامولي، وهنا نتحدث عن الغناء بشكل عام سواء كان باللهجة العامية أو قصائد بالفصحي، لكن بالطبع اعتاد المطربين ان يعطوا قصيدة الفصحي اهتماماً خاصاً لعدة أسباب، أولها ما تتميز به الفصحي من رصانة وتبجيل يتناسب مع المناسبات والمكان الذي تغني فيه سواء كان قصر الخليفة أو ميدان انتصار الجنود أو ساحات عامة في احتفالات رسمية.. ثانياً ان اللغة الفصحي تتميز بقدرتها علي التعبير وثباتها من جيل لجيل وعدم دخول ألفاظ غريبة عليها، وكان موضوع القصيدة الذي يتحكم في طول الأغنية أو قصرها.. ففي العصور القديمة كانت الحياة خالية من التفاصيل الكثيرة سواء كانت بيداء يتخيل فيها المحب محبوبته مثل مجنون ليلي مثلا فيمضي في وصف العيون والجفون والشفاة والشعر ويسقط عليها أشياء مما يراها حوله كالليل والجبال والرياح، أو قصيدة فخر أو حماسة أو هجاء أو رثاء. وكما اشرنا من قبل إلي أن المقامات الموسيقية استمرت من عصر الموصلي إلي العصر الحديث في وجود شعراء برعوا في كتابة القصيدة الفصيحة المغناة كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجي وغيرهم. مع زيادة التفاصيل تبعاً بتغيرات العصر فدخلت مصطلحات جديدة أنعشت القصيدة وجعلته قريبة من أذن المتلقي وستجاوب معها تجاوباً كبيراً.. حتي العامة الذين لا يجيدون القراءة والكتابة والعمال والفلاحون والطباعة الجائلون راحوا يرددون الأطلال ومصر تتحدث عن نفسها وسلو قلبي.. وهنا نتحدث عن ثقافة عصر تألقت فيه كل الفنون والآداب.. ففي الرواية نجيب محفوظ وفي القصة القصيرة يوسف إدريس وفي المسرح توفيق الحكيم وفي الغناء أم كلثوم وفي التلحين السنباطي وعبدالوهاب. حتي المجالات الأخري كانت الساحة مهيأة للإبداع وحدث تطورات مهمة على الأغنية المصرية، التطور الذي أحدثه سيد درويش وهو يتحدث في أغانيه عن المهمشين والعمال والفلاحين وأصحاب المهن، والتطور الثاني الذي أحدثه محمد فوزي فظهرت الأغنية الخفيفة التي لا تستغرق سوي دقائق وتصل من خلالها الرسالة إلي المستمع.. حتي الأغاني الفصحي القصيرة وجدت إلي المستمع طريقاً. فاستمعنا إلي فريد الأطرش في أغنيته الوطنية "شعبنا يوم الفداء" وأم كلثوم غنت "أصبح عندي الآن بندقية"، بالطبع كان هذا نتاجاً لظهور كوكبة من شعراء القصيدة العربية القصيرة كنزار قباني والرحبانية ومحمود حسن إسماعيل ومحمد فتحي وغيرهم. ومع تراجع ثقافة المجتمع تراجعت القيم والاخلاقيات ونتج نمطاً من الحياة مختلفاً يتسم بالسرعة، لكنها سرعة غير منضبطة حتي في أسلوب تناول الطعام والشراب، فظهرت الوجبات السريعة والتيك اوي والديليفري.. انعكس ذلك بالتالي على الغناء، فظهرت الأغنية السريعة التي لا تشبع ولا تقنع مع تراجع مستوي الشعراء وعدم اهتمام الملحنين بالقصيدة الفصيحة بحجة انها لا تناسب مستمعي هذه الأيام الذي ليس لديه وقت ليستمع إلي الأغنية الطويلة وليس لديه مزاج لتأمل كلماتها.. وبالتالي ضاعت المقامات الموسيقية والآلات الرصينة خلف الدق العشوائي والعزف الممجوج الرتيب، لكنني أومن بأن لدينا شعراء لديهم القدرة على كتابة قصائد أكثر روعة وملحنين جمعوا بين القديم والحديث واستوعبوا تراثنا الغنائي والموسيقي ويستطيعون تقديم ألحان رائعة.. المشكلة إذن في ثقافة عصر يلهث وراء لقمة العيش والتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السريعة. وبالتالي هبطت ثقافته وسادت ثقافة مطربي المهرجانات واغاني التوكتوك، ولا سبيل أمامنا سوي إعادة حصة الموسيقي في مدارسنا لتعليم التلاميذ دو ري مي فا صو لا سي.. وطافا طي في طا.. ومفتاح صول ومقامات الغناء.. ربما يكون الامل في الجيل القادم لظهور شعراء القصيدة وملحنيها ومطربين يرسمون لنا بأصواتهم غداً أفضل.
للأسف الشديد السبب الرئيسي وراء اختفاء أو عدم وجود أغاني قصائد اللغة العربية الفصحي، يرجع بالأساس الي أن عملية الاستسهال أصبحت العنصر الكبير السائد في المجتمع الفني بشكل عام سواء في صناعة الدراما أو السينما وكذلك الحال في صناعة الموسيقي والأغاني، فالاستسهال سيد الموقف سواء فيما يخص المهرجانات أو الأغاني عموماً حتي أنه وصل الاستسهال لدرجة أن المطربين الآن لم يقدمون ألبومات تتضمن مجموعة من الأغاني كالسابق بل الغالبية العظمي تقدم أغاني منفردة وبسيطة ويحاول مسايرة السوشيال ميديا والترند، والسبب الآخر وراء غياب أغاني القصائد الشعرية غياب الثقافة لدي كتّاب الأغاني أو الشعراء فعادة قصائد اللغة العربية الفصحي التي غناها كبار المطربين ولحنها كبار الملحنين علي مدار سنوات طويلة كانت بالأساس تعود الي شعراء كبار مثل قصائد أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وغيرهم، أما الآن فالشعراء ليست لديهم الثقافة الكبيرة ولا المخزون الثقافي واللغوي الكبير يمكنهم انتاج قصائد شعرية بلغة عربية فصحي صائبة وجيدة عكس السابق، وأري أن السبب الثالث التكلفة الغالية لانتاج أغاني الفصحي، حيث ان تلك الأغاني مثلها مثل المسلسلات التاريخية التي تحتاج لتكلفة انتاجية كبيرة وهو ما لا يقدم عليه منتجو الأغاني أو صناع الموسيقي في الوطن العربي، إذن المزاج العام في صناعة الموسيقي في مصر والمنطقة العربية لم يعد يقبل على انتاج أغاني باللغة العربية الفصحي أو قصائد شعرية لأن السائد ثقافة الاستسهال إلي جانب أن اللغة ذاتها أصبحت تعاني الاستسهال وانتشرت ظاهرة الفرانكو حتي في الأغاني العادية والمهرجانات.
طبعاً لدينا قصائد وشعراء وهناك قصائد ممكن تُغنى لكن هل لو المطربين غنوا الجمهور سيتقبلها؟!، لأن هناك فترة طويلة جداً بين زمن ملوك القصائد أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وفريد، لا أرى منذ ذلك الفترة إلى الآن أحد قدم قصيدة ونجحت نجاح قصائد هؤلاء الكبار، حتى وان وجدت التجارب لكنها تظل تجارب بسيطة وهذا ان دل على شئ فإنه يدل على أن زمن القصائد انتهى، وارى ان زمن القصائد الغنائية انتهى فى ظل عصر السوشيال ميديا والتيك توك واختفى مثل ما اختفت حاجات جميلة كثيرة اخرى من حياتينا لكنها تفضل فنحن للآن ونحن نستمع لهذه القصائد وأرى شباب يغنون "هذه ليلتى" و"غدا ألقاء" و"لو عينيكى" لفريد الأطرش و"قارئة الفنجان" و"رسالة من تحت الماء" لعبدالحليم وكثير جداً من القصائد تغنى وأعيد توزيع بعض الأغانى، لكننى أرى أننا فعلا نحتاج لمطربين يحببونا فى القصائد، لكن أن كان المطربين نفسهم لا يحبون يقدمون قصائد وغير مقبلين عليها، فقد كان يغنى القصائد أكبر مطربين الوطن العربي أقطاب الأغنية أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم، لكن أقطاب الاغنية العربية حالياً لا يحبون غناء القصائد، فالجمهور لم يقبلها، وأيضاً لدينا مطربين يعانون مخارج الألفاظ والحروف باللغة العربية الفصحى وأيضاّ لايوجد شعراء نوابغ مثل نزار قبانى وكامل الشناوى وغيرهما من شعراء وكلمات القصيدة وبين المطرب الذى ليس لديه استعداد تقديم القصائد وبين الجمهور الذى ينقسم لنصف يتمنى سماع قصائد ونصف ليس لديه الرغبة بسماعها وأنه متشبع بالقصائد القديمة وليس لدية استعداد لسماع أغانى قصائد أخرى، وهى فعلا مثلث مترابط مع بعض وهم ثلاثة أسباب رئيسية لإنعدام وغياب القصيدة فى الأغنية العربية.
اترك تعليق