عدة عوامل تقف وراء كارثة الفيضان المدمر الذي اجتاح مدينة درنة بشرق ليبيا. وجرف أحياء بأكملها في البحر. وأودي بحياة الآلاف- وفق ما ذكرت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية- في تقرير لها عن الكارثة الأسوأ فتكاً في أفريقيا.
قالت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان لها إن ما لا يقل عن 5000 شخص في ليبيا لقوا حتفهم بسبب الفيضانات. وذلك بعد مراجعة تقديراتها السابقة.
كان عدد سكان درنة يبلغ نحو 100 ألف نسمة قبل وقوع الكارثة. وتقول السلطات المحلية إن ما لا يقل عن 10 آلاف مازالوا في عداد المفقودين.
دمرت المباني والمنازل والبنية التحتية عندما ضربت موجة ارتفاعها 7 أمتار المدينة- بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر- التي قالت إن جثث الموتي تنجرف من جديد علي الشاطئ.
ولكن مع مقتل الآلاف ومازال كثيرون في عداد المفقودين. هناك تساؤلات حول لما العاصفة التي ضربت اليونان ودول أخري أيضا. تسببت في المزيد من الدمار في ليبيا؟!
حسب "سي. إن. إن". يقول الخبراء إنه بصرف النظر عن العاصفة القوية نفسها. فإن كارثة ليبيا تفاقمت إلي حد كبير بسبب مجموعة قاتلة من العوامل بما في ذلك عمر البنية التحتية المتهالكة. والتحذيرات غير الكافية. وتأثيرات أزمة المناخ المتسارعة.
هطول الأمطار الغزيرة التي ضربت ليبيا الأحد الماضي. كان سببها العاصفة "دانيال". فبعد أن اجتاحت اليونان وتركيا وبلغاريا وتسببت في فيضانات شديدة أدت إلي مقتل أكثر من 20 شخصاً. تحولت العاصفة إلي "عاصفة استوائية" فوق البحر الأبيض المتوسط. وهو نوع نادر نسبياً من العواصف يحمل خصائص مماثلة للأعاصير والأعاصير المدارية.
تصاعدت قوة العاصفة أثناء عبورها مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة. بشكل غير معتاد قبل هطول أمطار غزيرة علي ليبيا الأحد الماضي.
جلبت العاصفة "دانيال" أكثر من 16 بوصة "414 ملم" من الأمطار خلال 24 ساعة إلي البيضاء. وهي مدينة تقع غرب درنة. وهو رقم قياسي جديد.
يؤكد العلماء أن تغير المناخ يزيد من شدة الأحداث المناخية المتطرفة مثل العواصف. إذ توفر المحيطات الأكثر دفئاً الوقود اللازم لنمو العواصف. ويمكن للجو الأكثر دفئاً أن يحمل المزيد من الرطوبة. ما يعني هطول أمطار أكثر غزارة.
قالت هانا كلوك أستاذة الهيدرولوجيا في جامعة ريدينج في المملكة المتحدة إن العواصف أصبحت أكثر شراسة بسبب تغير المناخ.
درنة معرضة للفيضانات. وتسببت خزانات سدودها في خمسة فيضانات مميتة علي الأقل منذ عام 1942. كان آخرها في عام 2011. وفقاً لورقة بحثية نشرتها جامعة سبها الليبية العام الماضي.
السدان اللذان انفجرا الاثنين الماضي. تم بناؤهما قبل نحو نصف قرن بين عامي 1973 و1977. من قبل شركة إنشاءات يوغوسلافية.
يبلغ ارتفاع سد درنة 75 متراً "246 قدماً" وسعة تخزينية تبلغ 18 مليون متر مكعب "4.76 مليار جالون". أما سد المنصور الثاني فيبلغ ارتفاعه 45 متراً "148 قدماً" وسعة 1.5 مليون متر مكعب 396 مليون جالون.
قال نائب رئيس بلدية درنة أحمد مدرود إن تلك السدود لم تخضع للصيانة منذ عام 2002 لكن مشاكل السدود كانت معروفة. إذ حذرت ورقة جامعة سبها. من أن السدود في درنة لديها احتمال كبير لمخاطر الفيضانات. وأن هناك حاجة إلي صيانة دورية لتجنب الفيضانات الكارثية.
أوصت الورقة العام الماضي بأن "الوضع الحالي في خزان وادي درنة يتطلب من المسئولين اتخاذ إجراءات فورية لإجراء الصيانة الدورية للسدود القائمة.
حذرت الورقة أنه في حال حدوث فيضان كبير. ستكون النتيجة كارثية علي سكان الوادي والمدينة. ووجدت أيضاً أن المنطقة المحيطة تفتقر إلي الغطاء النباتي المناسب الذي يمكن أن يمنع تآكل التربة. ودعت سكان المنطقة إلي الوعي بمخاطر الفيضانات.
نقلت "سي. إن. إن" عن ليز ستيفنز. أستاذة المخاطر المناخية والقدرة علي الصمود في جامعة ريدينج في المملكة المتحدة. إن هناك أسئلة جدية يجب طرحها حول معيار تصميم السد. وما إذا كان خطر هطول الأمطار الغزيرة للغاية قد تم أخذه في الاعتبار بشكل كاف.
أضافت ليز: من الواضح جداً أنه لولا انهيار السد. لم نكن لنري العدد المأساوي للوفيات الذي حدث نتيجة لذلك.
تابعت: كان من الممكن أن تمنع السدود المياه في البداية. ومن المحتمل أن يؤدي فشلها إلي إطلاق كل المياه دفعة واحدة.. مضيفة أن الحطام العالق في مياه الفيضانات كان سيزيد من القوة التدميرية.
أما بيتريتالاس رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة. قال إن التحذيرات الأفضل كان من الممكن أن تتجنب وقوع معظم الضحايا في درنة.
أضاف تالاس في مؤتمر صحفي الخميس الماضي: لو كانت هناك خدمة أرصاد جوية تعمل بشكل طبيعي. لأصدروا التحذيرات. ولكانت إدارة الطوارئ أيضاً قادرة علي تنفيذ عمليات إجلاء للناس. وكنا قد تجنبنا معظم الخسائر البشرية.
مع ذلك. حتي أنظمة الإنذار المبكر القوية لا تضمن إمكانية إنقاذ جميع الأرواح- وفق ما قالت كلوك أستاذة الهيدرولوجيا- مضيفة إنه قد يكون من الصعب للغاية التنبؤ بانهيار السدود. كما أنها سريعة وشرسة.. مشيرة إلي الحجم الهائل من المياه الذي اجتاح المدينة بالكامل.. إنها واحدة من أسوأ أنواع الفيضانات التي تحدث علي الإطلاق.
قالت كلوك إنه في حين أن السدود مصممة عادة لتحمل الأحداث المتطرفة نسبياً. إلا أن ذلك لا يكون كافياً في كثير من الأحيان.. وأضافت: يجب أن نستعد لأحداث غير متوقعة. ثم نضع تغير المناخ علي رأس القائمة.
اترك تعليق