علي مدار سنوات طويلة لم يختف الصيف عن الخريطة الفنية، فعلي شواطيء البحر تم تصوير العديد من الأفلام وفي "المصايف" دارت أحداث أعمال فنية كاملة، كما ارتبط فصل الفسح والخروجات ارتباطا وثيقا بالاغاني ومنها "دقوا الشماسي" "ع الرملة"، "قاضي البلاج"، "طاير يا هوي"، "خدنا أجازة"، والتي اشترك في أدائها سعاد حسني وحسن يوسف، وثلاثي أضواء المسرح، "بحب اتنين سوا"، "أنا بعشق البحر"، "في البحر سمكة" و"حبيتك بالصيف" و"نزلتلي البحر" للمطرب كاظم الساهر وأغنية المطرب الكبير كارم محمود "علي شط بحر الهوي رسيت مراكبنا" وغني للبحر ايضا علي الحجار ومصطفي قمر كما غنت المطربة نجوي كرم للبحر اغنيتها الشهيرة "نزلت البحر".
والعديد من أغاني الصيف التي حفرت في أذهان الجمهور والتي تزال موجود بيننا حتي الأن، ولكن أختفت أغاني الصيف بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة دون سابق إنذار.
هناك تراجع في أغاني الصيف، منذ فترة طويلة خاصة بين النجوم الكبار ومفيش أغاني بتعيش زي زمن الفن الجميل مثل العندليب دقوا الشماسي التي صُوِّرت علي بلاج الإسكندرية، وكانت من كلمات مرسي جميل عزيز، وأغنيته "قاضي البلاج" الفنان محمد رشدي تغني للبحر بأغنيته الشهيرة "ع الرملة.. ع الرملة واغنية طاير يا هوي"، والعديد منها، ولكن الان يختلف الوقت والزمن وهناك اغاني قليلة جدا تحر للجمهور ولكن ليست مثل أغاني نجوم زمان تعيش لفترة طويلة وعلي سبيل المثال حسين الجسمي طرح أغنية للصيف إسمها بلبطة، كل عصر وله مفرداته.
كان الصيف دائمًا مليئًا بالمرح والفرحة، كانت الشواطئ تزدهر بالأغاني الجميلة وأصوات المطربين الموهوبين، كان الناس يستمتعون بالشمس الدافئة والرمال الناعمة والموسيقي الساحرة، لكن من فترة، بدأت الأغاني الجميلة تختفي تدريجياً، لم يعد هناك أي أغاني تنافس دقوا الشماسي للعندليب، ولم يعد هناك مطربين او مبدعيين يزينون الشاطئ بأصواتهم الرائعة والأغاني الجميلة الذي اتربينا عليها.
تساءل الناس عن سبب اختفاء الأغاني، كانوا يشعرون بالحزن والاشتياق للأوقات الجميلة التي كانوا يعيشونها في الصيف، كانوا يتساءلون: أين ذهب الجمال والسحر؟ أين ذهبت الأصوات الرائعة التي كانت تملأ الأفق؟ وعلي قد فهمي الأغاني لم تختفِي بل كانت مجرد مختبئة في أعماقنا، والان علينا أن نعيد إحياء هذا الجمال ونعيد الأغاني إلي الشواطئ ونشرها علي الإنترنت، حتي يتمكن الناس من الاستماع إلي هذه الأغاني الجميلة مرة أخري بدل ما بننشر اغاني المهرجانات، وبهذه الطريقة، ستعود أغاني الصيف للحياة، وستعود الأصوات الجميلة لتملأ الأفق وتضفي السحر والجمال.
في الحقيقة المطربين والشعراء والملحنون ومهندسي الصوت الجيدون حائرون ما بين المصنفات التي تأخرهم بالثلاث أسابيع حتي يحصلوا علي موافقة علي الأغاني وفي هذا الوقت يكون طُرح انجح الأغاني علي اليوتيوب وهي مهرجانات فهي تنزل من غير ترقيم أو تصنيف وتحقق ملايين، هذا غير أن الناس الجيدين المحترمين عندما تكون امورهم جيدة ويحصلون علي الموافقة تظهر لهم الضرائب ومبالغ كبيرة فأنا في العام الماضي دفعت 440 ألف جنيه وهذه السنة أيضاً جاءني تهديدات من الضرائب من دون أن أعرف المبلغ وهذا شيء متعب جداً وعندما تعرضت لأزمة قلبية ودخلت المستشفي عانيت كثيراً حتي أحصل من جمعية المؤلفين والملحنين علي عشرة آلاف جنيه وهم ربع ثمن العملية فقط.
أري ان التريند هو الطاغي والأكثر شهرة من أغنية مقدمة للصيف أو للبحر. فلم تعد فكرة أغاني الصيف موجودة مثل دقوا الشماسي، بل أصبح موجود تريند مشهور ويكون للصيف مثل أغنية مخصماك، اختياراتي مدمرة حياتي، اي أصبحت اغاني الصيف هي الاغاني التي تكون تريند سواء في الصيف او الشتاء، حسين الجسمي قدم أغنية بلبطة وفنانين آخرين مقدمين للصيف واشتهرت لكن أري أن التريند هو الطاغي أكثر من فكرة أغنية للبحر أو للشط أو للصيف.
عايز اقول جملتين من أغنية الست العظيمه أم كلثوم "عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان إرجع يازمان" بمعني فن زمان وناس زمان شيء والنهاردا شيئ تاني تماما، الفئة كلمة ولا فيه لحن ولا فيه مطرب للأسف النهاردا أصبحنا في زمن الفن إللي "عوك ولايس كله كويس" لان هوه دا إللي بينجح وإللي عيلية القوم وأولاد الذوات بيحبو يسماعوه وحفظينه للأسف.
بدليل إن فيه أصوات كتيرررر موجودااا بتغني حلو جدا لكن هما فين مدفونين ودا مش تقصير منهم بالعكس هما بيحاربوا علشان يوصلواااا صوتهم للجمهور ولكن بلا جادوا وبلا نتيجة لازم نقابة المهن الموسيقية والرقابة علي المصنفات الفنية ومباحث الإنترنت.
يتحداااا للوقوف أمام هذه النوعية للنهوض بفن مصر تاني ياكدااا يا شكراااا وعليه العوض علي تاريخ الفن في مصر.
لايوجد مصطلح أغاني الصيف والشواطئ، كل الأغاني التي نجحت فكل الأغاني التي تعبر عن الصيف والشواطئ كانت مرتبطة بمواقف درامية في السينما وهذا يقودنا لقول ان الأغنية الدرامية او التي بها فكرة أوقصة أو مرتبطة بأحداث معينة تعيش أكثر من الأغنية التي تكون مكونة من معاني مرصوصين جنب بعض لهم قافية ووزن، فأغنية دقوا الشماسي معمول لها استعراضات، ومن الأغاني الفردية دون استعراضات نري فيلم الخطايا عايشة للآن واغنية الناجح يرفع ايده هي الوحيدة التي تعبر عن النجاح رغم ان ناس كثيرة لم تعرف هي مرتبطة بأي فيلم لكن الأغنية المرتبطة بموقف تعيش اكثر، مقصوصة الجناح ومعمولة بشكل وصفي لايوجد له خط واضح يتكلم عنه ولو رجعنا لتاريخ الغناء سنري هذا ان اعظم الاغاني هي المرتبطة بموقف مثل سنتي يادكتور، بتلوموني ليه. أهواك. خلّي بالك من زوزو، ياواد ياتقيل، حتي استعراضات فريد الاطرش وسامية جمال، نعيمة عاكف ومحمد قنديل، كريمة محمود ومحمد فوزي وأغاني محرم فؤاد.... وهكذا، فلا يوجد أغاني صيفي واغاني شتوي هذا الكلام للقمصان والبلوفرات أما الأغنية تعبر عن حالة.
للأسف أغاني المصايف وبهجة الصيف انعدمت وهذه حقيقةً أزمة اننا نظل عايشين بذات الأغاني لعشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة وهذه ظاهرة ليست صحية أبدا فلكل عصر متطلباته ولازم نجاري الزمن، لكن بالنسبة للافلام السينمائية والغناء بها ككليبات من هذه النوعية، فنحن لانستطيع مقارنة فيلم أبي فوق الشجرة بفيلم غنائي موسيقي آخر لأنه ظاهرة لم تتكرر، وهناك افلام قُدمت علي نفس هذا النهج لكن يبقي هو المتصدر وصعب يُقدّم مثله الآن لأسباب كثيرة، أما كليبات دون أفلام فالمثل الأشهر لدينا حالياً هو أغنية بلبطة التي قدمها الفنان حسين الجسمي ولم يقدم هكذا أغاني مطربين مصريين فيكفي انه عبر عن صيف 2023، لكن بشكل عام الفيلم الاستعراضي الغنائي انقرض تماماً وأي محاولة لعمل هذا تكون فاشلة أو قريبة من الفشل لأنها تجارب فنية ضعيفة جداً فأتمني اننا نستطيع تقديم أفلام غنائية استعراضية مثل أبي فوق الشجرة وقلبي دليلي ومثل أفلام كثيرة شاركوا بها مطربين مثل محمد فوزي، محمد عبد الوهاب، فريد الاطرش، صباح، وشادية، كل هؤلاء قدموا لنا أفلام غنائية او أفلام استعراضية غنائية، أما الآن نسبة قليلة ممن يقدم هكذا أفلام منهم الفنان تامر حسني فهو لازال يقدم اغاني في الأفلام لكن الفيلم الاستعراضي نفسه مفقود ونبحث عنه، وذات الحكاية في أغاني البهجة والمصايف فقد انتهت مع عبد الحليم، وسعاد حسني ولم يعد هناك تجديد، أيضاً لازلنا نسمع في الأعياد أغنية صفاء ابو السعود وأم كلثوم، اذ حتي الجديد في المناسبات الرئيسية هو القديم فنحن نعيش عالقديم ولا يجب أن أحد يزعل عندما نقول أين أيام الزمن الجميل.
طبعاً حصل تغيير في الزمن وفي نمط الكلمات حتي في النغمة التي يتم تقديمها، الآن الأغاني بالنسبة للجيل الجديد هي المهرجانات والراب واختفت تماماً الأغنية التي كانت في فترات سابقة الا من حين الي آخر تُقدم ونمطها يكون حول البعد والهجر ومعاناة الحبيب والحبيبة، واختفت الأغاني المبهجة والأغاني التي تعبر عن الفصول مثل فصل الصيف والشتا والربيع كما كنا نستمع اليها، وبالتأكيد السبب في هذا هو أن تلك الأغاني غير مطلوبة فالجيل الحالي يعيش دائما علي معاني القهر والحزن وبعد الحبيب ومعاناته مع الحياة ولذلك نري كل ذلك في تلك الكلمات فالجيل الحالي هو المتسبب في مانراه علي وسائل التواصل الاجتماعي أو فيما نستمع اليهم ممن يقدمونه من أغان.
للأسف الشديد هناك حالة عامة من الغموض والاستسهال والسطحية تصيب الابداع عامة في مصر لاسيما في الجزئية الخاصة فيما يخص الأغاني والطرب، كما أن هناك سطحية في السينما وفي صناعة الدراما رغم ازدهارها وموضوعات مكررة لاتقدم ولا تنقاش قضايا مجتمعية حقيقية فكذلك فان الأغاني لا تناقش قضايا حقيقية ولم تعد تتلامس مع المشاعر الحقيقية للناس فلم تعد كالسابق وانتهت وتراجعت تماماً لما كان يعرف في الماضي للمناسبات وهي الأغاني التي تطلق في مناسبات معينة مثل بداية رمضان فحتي الآن ليس لدينا أغنية مهمة عن رمضان مثل وحوي يا وحوي واهو جه يا أولاد وغيرها من الأغاني التي كانت ومازالت محفورة في أذهان الجماهير، كذلك لم تعد هناك أغاني للأفراح مثل يادبلة الخطوبة ولا أغاني للنجاح مثل الأغنية الشهيرة ونجحنا أهو للفنانة شادية، وكذلك أغاني الصيف لم تعد موجودة مثل الاغاني القديمة دقوا الشماسي للعندليب عبد الحليم حافظ وهذا يرجع للسطحية الغالبة علي صناعة الأغاني حيث أن صناعة الأغاني تحديداً خاصة أصابها بعض الفيروسات الخطيرة التي جاءت عليها بتأثير مدمر وهو المهرجانات والتريند، كما ان الجميع يسعي وراء التريند ووراء اللايكات ويسعي لوصول الأغاني بسرعة الي اليوتيوب فان التريند متغير وهو حالة متغيرة قد تستقر ساعة وأقصي شيئ ليلة أو يوم ثم تنتهي فبالتاكيد أي أغنية ستظهر سعياً وراء التريند علي مجتمع السوشيال ميديا ستسقط وتنتهي وتنسي سريعاً ولن يكون لها بقاء فبالتالي المشكلة في عملية التسطيح والجري وراء التريند وعدم التعب وبذل مجهود في صناعة اغنية مهمة ممكن ان تعيش في أذهان الناس لسنوات وعقود طويلة لأن الشعراء لم يكتبون كما كانوا، لأنه أيضاً أصبح هناك شللية فنلاحظ أن هناك مجموعة من المطربين الكبار حوليهم مجموعة شعراء وموزعين محددين وهذه المجموعة تعمل سويا مع المطرب وتلبي أوامره وتسعي وراء مايراه هو فبالتالي الشللية هي ما تقتل الابداع.
اترك تعليق