هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

وسائل التواصل الاجتماعي آلة فوضى لعقولنا وعالمنا

يقول ماكس فيشر، الصحفي في نيويورك تايمز الأمريكية، في كتابه "آلة الفوضى: القصة الداخلية لكيفية تجديد وسائل التواصل الاجتماعي لعقولنا وعالمنا"، بأنه على الرغم من الإحساس العام لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالأضرار الناجمة عن هذه الوسائل، إلا أن حقيقة امتداد تأثيرها أعمق بكثير من هذه الإدراكات السائدة.


ويستند هذا الكتاب إلى مقابلات مع مئات الأشخاص الذين درسوا وسائل التواصل الاجتماعي أو تأثروا بها، وكذلك مع العمال والمديرين التنفيذيين في وادي السيليكون.

إن وسائل التواصل الاجتماعي تحرص على إبقاء المستخدمين لأطول فترة ممكنة على المنصة، من خلال عرض اختيارات أنظمة الذكاء الاصطناعي لكل منصة، اعتماداً على تمشيط كميات هائلة من المحتوى الموجود عبر الإنترنت، ومن ثم عرضها بطريقة فعَّالة وجاذبة.

يكشف الكتاب أن شون باركر، أول رئيس لشركة فيسبوك، كان يعمل كـ "هاكر"، إذ شارك بتأسيس "Napster"، وهو برنامج لمشاركة الملفات وزع مستخدموه الكثير من الموسيقى المقرصنة إلى درجة أنه بحلول الوقت الذي أغلقته الدعاوى القضائية بعد عامين من إطلاقه، كان قد ألحق أضراراً هائلة بأعمال الموسيقى. على المنوال ذاته، لم تكن استراتيجية الفيسبوك مختلفة كثيراً عن "Napster" من وجهة نظر الكتاب، ولكن بدلاً من استغلال نقاط الضعف في صناعة الموسيقى، فإنها تفعل ذلك للعقل البشري.

بحسب تقرير لمركز المستقبل أورد فيه أن هذه الاستراتيجية تركز بالأساس على استهلاك أكبر قدر ممكن من وقت المستخدمين واهتمامهم. وللقيام بذلك، تعمل منصة الفيسبوك على إعطائك القليل من الدوبامين مرة واحدة كل فترة، لأن شخصاً ما أعجب أو علق على صورة أو منشور أو أي شيء آخر، وهذا سيجعلك تسهم بمزيد من المحتوى، وبطبيعة الحال سيجلب لك المزيد من الإعجابات والتعليقات.

وقد أطلق باركر على تلك العملية "حلقة التحقق الاجتماعي" "Social Validation Feedback Loop"، لأنها تستغل نقطة ضعف في علم النفس البشري.

وفقا لذلك تقوم منصات التواصل الاجتماعي بتصميم أفعالنا، وعادة ما تغير سلوكنا اليومي، تماماً كما أراد مصمموها. وتعد ميزة "Like" على الفيسبوك، والتي توجد بعض إصداراتها الآن على كل المنصات، بمثابة المحرك الذي يعطي لهذه المنصات قوة هائلة على سلوكنا. إذ لا يقتصر الأمر على "الإعجابات"، لكنه يرتبط بتوفير القيمة الاجتماعية التي يسعى الجميع لتحقيقها بشكل حثيث، حيث تأتي جاذبية هذا الزر الصغير والكثير من قوة وسائل التواصل الاجتماعي من استغلال شيء يسمى "مقياس الاجتماع".

وبحسب تقرير المركز، فقد نشأ هذا المفهوم من سؤال طرحه عالم النفس مارك ليري، حول الغرض من احترام الذات، وتستند نظريته، في هذا الإطار، على فكرة أن احترام الذات هي في الواقع مقياس نفسي للدرجة التي يدرك فيها الناس أنهم يحظون بالتقدير والقبول اجتماعياً من قبل الآخرين.

ويلفت فيشر إلى أنه إذا ما تم إعطاء كافة المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي، كفيسبوك أو تويتر أو يوتيوب أو Reddit، وزناً متساوياً، فإن منشورات المتعصبين سيكون لها تأثير ضئيل، لذا تعمل هذه المنصات، سعياً وراء المكاسب المادية من الإعلانات، على الترويج للمواد التي تحصل على أكبر قدر من المشاركة، من خلال الخوارزميات التي تحدد ما نراه عندما نزور أحد هذه المواقع، حيث تم تصميم هذه الخوارزميات وفقاً لاهتماماتنا، ولتعرض لنا المزيد مما شاهدناه وأعجبنا.

كما تستخدم هذه الأنظمة الأساسية محركات التوصية التي تعرض لك محتوى آخر مرتبطاً باهتماماتك، وكذلك المحتوى الذي يحظى بقدر كبير من المشاركة، وغالباً ما يكون هذا مثيراً للشهوة ويولد الخوف أو الغضب، وهذا يمكن أن يقود الناس إلى مجموعات تشارك هذا الغضب، والانفصال عن المجتمع والعالم الحقيقي.

ونتيجة لذلك.. تشير التقديرات إلى تورط منصات وسائل التواصل الاجتماعي في موجات العنف والاضطرابات السياسية الأخيرة في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعمد مواقع مثل: فيسبوك أو تويتر أو يوتيوب أو Reddit إلى استقطاب الخطاب السياسي والترويج لنظريات المؤامرة، ونشر المحتوى المتطرف، كما سمحت هذه المواقع لـ "المجانين" المنعزلين بالعثور على بعضهم بعضاً. وتكمن جذور المشكلة في العقلية الموجهة نحو الربح وغير الأخلاقية لقادة وادي السيليكون الذين يعملون تحت مظلة "الحرية الكاملة للتعبير"، والخوارزميات المصممة بالأساس لزيادة مشاركة المستخدم إلى أقصى حد.

وعن الحلول.. أشارت بعض الدراسات إلى أن الحل لمواجهة التحديات الهائلة التي تشكلها منصات التواصل الاجتماعي ربما يتمثل في تشجيع الأفراد على عدم استخدام هذه المنصات والتخلي عنها.

ويبدو الوعي هو الآلية المثلى للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، فبخلاف أهمية العمل على تقليل وقت استخدامها، يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه المنصات تخفي تأثيرها في المستخدمين، من خلال اعتمادها على تزويد وتدريب هؤلاء المستخدمين على اتباع تفضيلاتها الخاصة، وتوجيههم نحو السياسات والمشاعر العاطفية التي تبتغيها، لكن يتم بث هذه التأثيرات من خلال الأقران والمجتمع المحيط لضمان الفاعلية في تحقيق الهدف. كذا، يجب فهم كيفية عمل عقولنا، حيث تأتي قوة وسائل التواصل الاجتماعي من استمالة آلياتنا العقلية، وأصبحت هذه المنصات متطورة بشكل كبير في فهم العناصر الأساسية لطبيعتنا واستغلالها، لذا يجب على المستخدم فهم طبيعتها والعيوب التي تصاحبها لحمايته ضد التأثير التكنولوجي.

 

[email protected]

 





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق