يتم تعريف التنمية المستدامة على إنها التنمية التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية إلى جانب الأبعاد الاقتصادية لحسن استغلال الموارد المتاحة من أجل تلبية الاحتياجات البشرية الحالية مع الاحتفاظ بحق الأجيال القادم.
على مدى العقود الأخيرة تم تقديم مفهوم التنمية المستدامة على إنه أداة سياسية. ولكن بعد سنوات من محاولة رفع مستوى المعيشة للأفراد من خلال تطوير قطاع الصناعة، أصبح من الواضح أنه يجب تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وحفظ الموارد الطبيعية والبيئة والتنمية الاجتماعية. في هذا السياق تم اعتماد اتفاقية باريس من قبل 196 طرفًا في الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في 12 ديسمبر 2015 في باريس.
في الرابع من شهر نوفمبر 2016 دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ. ومن بين الأمور الأخرى، تنص هذه الاتفاقية على إن جميع البلدان تتعهد بإتخاذ تدابير لضمان ألا تصل الزيادة في درجة الحرارة على كوكب الأرض إلى درجتين مئويتين، لا بل أكثر من ذلك نظراً لخطورة التهديدات الحالية، يجب بذل كل الجهود لضمان أن الزيادة في درجات الحرارة لن تصل إلى درجتين مئويتين، وإنما كأقصى حد 1.5 درجة مئوية. بالإضافة إلى المسائل الأخرى تنص الاتفاقية على أنه بحلول عام 2030 سيتم تحقيق انخفاض في انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بمستويات عام 1990.
الجدير بالذكر أن مصادر الطاقة المتجددة هي التي تحدد اتجاهات الطاقة على مدى السنوات القليلة الماضية. واستناداً لتقرير وكالة الطاقة الدولية فإنه بحلول عام 2027 ستصبح مصادر الطاقة المتجددة أكبر مصدر للكهرباء في العالم، وستزداد طاقتها بمقدار 2400 غيغاوات وستصل إلى 38% من ميزان الطاقة العالمي.
ومع ذلك من أجل توليد الكهرباء بشكل مستدام، فإنه من الضروري الجمع بين المصادر التي تتمتع بنسبة منخفضة من الكربون. أما فيما يخص طاقة الشمس والرياح فإنه في حال عدم وجود الشمس أو الرياح، يمكن لمزارع الطاقة ذات الصلة - على سبيل المثال - أن تفقد كفاءتها خلال النهار، مما يؤثر على حمولة شبكة الطاقة. وهنا يأتي بالفعل دور الطاقة النووية الذي يعتبر لا غنى عنه كمصدر للحمل الأساسي، باعتبار أن الذرّة توفر الطاقة النظيفة ليس فقط للمنازل، ولكن أيضًا للمنشآت الصناعية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
علاوة على ذلك وبمساعدة الطاقة النووية من الممكن زيادة كفاءة استخدام الموارد لإنتاج الكهرباء وزيادة الموارد البشرية دون الإخلال بالنظام البيئي. مع الاشارة إلى إن عامل الاستفادة من الاستطاعة المركبة - نسبة توليد الكهرباء الفعلي إلى الحد الأقصى الممكن، وأكبر عامل وأكثره استقرارًا لمحطات الطاقة النووية هو 0.7 - 0.8، في حين يبلغ لدى مزارع الرياح 0.2 - 0.3 فقط ويعتمد على ظروف الرياح.
حالياً تشهد الطاقة النووية نهضة، حيث يرى بعض الخبراء المستقلين في البرلمان الأوروبي إن "الطاقة النووية لا تسبب أي ضرر لصحة الإنسان أو البيئة أكثر من أي تقنية مستدامة أخرى لإنتاج الطاقة". إذ تعتمد العديد من الدول الأوروبية، في مواجهة أزمة طاقة غير مسبوقة، على محطات الطاقة النووية للمساعدة في تحقيق توازن في ارتفاع أسعار الكهرباء. فعلى سبيل المثال في سويسرا تم تحديث جميع المفاعلات العاملة، وتم زيادة الاستطاعة بنسبة 13%؛ في حين زادت فنلندا من استطاعة محطة أولكيلوتو النووية بنسبة 29ِ% لتصل إلى 1700 ميغاوات.
أما فرنسا، التي تعتبر أكبر مصدر للكهرباء، حيث تتلقى أكثر من 3 مليارات يورو سنويًا من بيع الكهرباء، تحصل على حوالي 70% من طاقتها الكهربائية من خلال تشغيل محطات الطاقة النووية. ففي شهر شباط/فبراير 2022 أعلنت الحكومة الفرنسية عن خطط لبناء ستة مفاعلات جديدة وتدرس بناء ثمانية مفاعلات أخرى بالإضافة إلى ذلك.
في المجر تقوم إحدى محطات الطاقة النووية "باكش" التي تحتوي على أربعة مفاعلات بتوليد ما يصل إلى نصف الكهرباء في البلاد. وهذه مجرد أمثلة عن القارة الأوروبية، إذ أنه يمكن رؤية الزيادة في الطلب على الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم.
يحدد قرار مؤتمر المناخ COP27، الذي عقد في شرم الشيخ عام 2022، أولوية الطاقة منخفضة الكربون، والتي هي أوسع من مجرد مناقشة دور الطاقة المتجددة فقط. ولهذا كان دور الطاقة النووية ولا يزال يُناقش على نطاق واسع. على الرغم من حقيقة أن حصة التوليد النووي في العالم هي 10%، فإن الطاقة النووية اليوم مسؤولة عن أكثر من 25% من توليد الكهرباء منخفض الكربون في العالم، مما يسمح بتوفير - وفقًا لتقديرات مختلفة - 1.3-2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهذه الكمية مشابهة لقدرة امتصاص جميع الغابات على هذا الكوكب.
كما إنه من الأهمية أن نشير إلى حقيقة أن محطات الطاقة النووية، باعتبارها منشأة رئيسية من منشآت البنية التحتية، تفتح آفاق التنمية في قطاعات الاقتصاد الأخرى، مما يضمن تنفيذ العديد من أهداف التنمية المستدامة في وقت واحد. على سبيل المثال محطة الضبعة النووية في مصر، والتي يتم تنفيذها من قبل القسم الهندسي في شركة روساتوم الحكومية، ستوفر فرص عمل لـ 25000 من موظفي البناء والتركيب في ذروة أعمال البناء. وفي نفس الوقت فإن 70% من العمال في مرحلة البناء سيكونون من المواطنين المصريين، في إشارة إلى إن الشركات المصرية مسؤولة فعلياً عن تنفيذ عدد من الأعمال الهامة في الموقع.
على أي حال سوف تزداد نسبة أعمال توطين المشروع وستبلغ - حسب نوع العمل - من 20 إلى 35%. هناك أيضًا عامل مؤثر غير مباشر وهو زيادة في الطلب على بعض المنتجات من الشركات العاملة في الصناعات ذات الصلة. فمن جراء بناء محطة للطاقة النووية يستفيد موردو المواد ومعدات البناء والمرافق والعديد من الخدمات الأخرى التي تقدمها الشركات المحلية لمقاولي المشاريع.
بعبارة أخرى يمكن وسطياً أن تخلق وظيفة واحدة أثناء إنشاء محطة للطاقة النووية أكثر من 10 وظائف إضافية، خاصة في قطاع الخدمات. وهذا الأمر له تأثير إيجابي على القوة الشرائية للسكان ويضمن في النهاية نمو نسبة الطلبات للصناعات التي تلبي طلب المستهلك.
وإذا ما تحدثنا بالأرقام فإننا سنرى أنه خلال فترة إنشاء محطة الطاقة النووية وحدها ستبلغ القيمة المضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي لجمهورية مصر العربية من تنفيذ المشروع حوالي 4 مليارات دولار أمريكي. دعونا لا ننسى أنه يمكن توفير الكهرباء النظيفة لحوالي 20% من سكان البلاد بفضل محطة الضبعة النووية. وبالتالي فإن محطات الطاقة النووية لا تحل مشاكل المناخ في البلاد فحسب، بل تحفز أيضًا تنمية عدد من قطاعات الاقتصاد مما يخلق احتياطيًا للنمو المستدام لعقود قادمة.
اترك تعليق