يمثل عنصر الليثيوم. المعروف أيضًا باسم الذهب الأبيض. أهمية بالغة لإنتاج البطاريات المستخدمة في تقنيات الطاقة النظيفة الأخري وأجهزة الكمبيوتر والمحمول. ووفقًا للبنك الدولي. من المتوقع أن يزداد الطلب علي الليثيوم في العقود القادمة. ويتوقع الاقتصاديون أن يزيد الإنتاج بأكثر من 450% بحلول عام 2050 لتلبية الاحتياجات المتزايدة الارتفاع. خصوصًا مع التوجه العالمي نحو استخدام الطاقة النظيفة حفاظًا علي المناخ والتوسع المنتظر في إنتاج السيارات الكهربائية.
في ظل هذه المعطيات ومع تحليق أهمية العنصر في أجواء الصناعات المتقدمة. بدا أن هناك ثروة من السماء ستهبط علي الدول الفقيرة في كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية. حيث شهدت هذه الدول صحوة كبيرة وبدأت السعي الجاد لتحقيق استفادة أكبر من مواردها الطبيعية ممثلة في هذا المعدن المتوافر لديها.
تحركت تشيلي لتولي سيطرة الدولة علي مشاريع الليثيوم الهامة في محاولة لتطوير مواردها الهائلة من المعدن اللازم لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية المهمة بعد عقود من سيطرة اثنين من قادة الصناعة علي الإنتاج. لكن بعض المديرين التنفيذيين والمحللين في مجال التعدين يعتقدون أن الاستراتيجية التي تم الكشف عنها الشهر الماضي سيكون لها تأثير معاكس. مما يزيد من تآكل جاذبية ثاني أكبر منتج لليثيوم في العالم كوجهة استثمارية. لصالح أستراليا والأرجنتين وعدد من الدول الأفريقية.
وقال أحد المسؤولين التنفيذيين للفاينانشيال تايمز إن هذه الخطوة تقرب تشيلي من زميلتيها بأمريكا اللاتينية. بوليفيا والمكسيك. في ردع المستثمرين التجاريين من خلال فرض سيطرة أكبر للدولة علي إنتاج المعدن الذي يدخل في صناعة بطاريات الليثيوم. رغم أن المجموعات الصينية قد لا تزال حريصة علي سد الفجوة. وحتي مجموعتي الليثيوم الموجودتين في تشيلي -ألبيمارل ومقرها الولايات المتحدة وشركة إس كيو إم في تشيلي. أكبر منتجين في العالم -يبدو أنهما ستواجهان مشهدًا استثماريًا مختلفًا جذريًا في الدولة التي تمتلك أكبر احتياطيات من الليثيوم علي مستوي العالم.
ماكسيمو باتشيكو. رئيس شركة النحاس الوطنية Codelco المكلفة بالتفاوض علي حصة للدولة في عمليات الشركتين. قال إن شركته "جادة" بشأن تفويضها لسيطرة تشيلي علي المعدن. بما يعني تأمين حصة قدرها 51% في اتحاد المنتجين الحاليين.
خطة المشاركة الجديدة للدولة التي أعلنها الرئيس اليساري جابرييل بوريك الشهر الماضي لم تصل إلي حد التأميم. وبدلاً من ذلك اقترحت شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير الموارد التي تملكها سانتياجو. وقالت حكومته إنه سيتم احترام مدة العقود الحالية. لكن هذا الاحتمال أثار مخاوف المستثمرين: فقد تراجعت قيمة شركتي الليثيوم في البلاد بمقدار 8.5 مليار دولار منذ الإعلان.
وفي أول رد فعل قال دانيال خيمينيز. الذي قضي 28 عامًا في شركة إس كيو إم پSQM الصينية: "لو أنها أموالي. كنت سأذهب للاستكشاف في الأرجنتين والبرازيل وأفريقيا. سوف يتم سرقتكم في تشيلي". خيمينيز هو الآن مستشار ومدير مستقل لمشروع جالان ليثيوم Galan Lithium الأرجنتيني.
وتوجد درة تاج الليثيوم في تشيلي. وهي مسطحات سالار دي أتاكاما وهي مسطحات مائية ملحية في الشمال. حيث يتم استخراج مادة تصنيع البطارية من المحلول الملحي باستخدام برك التبخر. لكن المجموعات العاملة هناك بدأت بالفعل في البحث عن أماكن أبعد. قدمت ألبيمارل. التي ظلت صامتة بشأن توسع أتاكاما لمدة عامين. عرضًا قيمته 3.7 مليار دولار في مارس للاستحواذ علي شركة پشركة أسترالية لإنتاج الليثيوم.
تعمل ألبيمارل Albemarle أيضًا في الولايات المتحدة وأستراليا والصين. وتقوم شركة إس كيو إمSQM. التي تمتلك شركة تيانكي ليثيوم Tianqi Lithium الصينية 22.16% منها. بتطوير مشروع لاستخراج الليثيوم من الصخور الصلبة بقيمة 1.4 مليار دولار في أستراليا بمشاركة مجموعة محلية. المطلعون علي الصناعة يتوقعون المزيد من التنوع. ومن المعتقد أن إس كيو إم ستتجه إلي إفريقيا. كما فعلت العديد من الشركات الصينية ".
والمسطحات الملحية "أقل الأصول تكلفة علي مستوي العالم. ويري بعض الخبراء. أن أي شركة ترغب في ترك البحيرة".
وهناك عدد كبير من الشركات" مهتمة بالليثيوم في تشيلي. لكن حالة عدم اليقين جعلت منتجين مهمين للمعدن الأبيض الفضي قلقين بشأن بناء خطط نموهم في تشيلي.
وتأتي خطوة تشيلي في الوقت الذي تطالب فيه الحكومات من جاكرتا إلي كينشاسا في الكونغو بالمزيد مقابل مواردها.
بعد أيام من إعلان الخطط. قالت تشيلي إن شركة BYD الصينية تخطط لبناء مصنع لمواد البطاريات بقيمة 290 مليون دولار في الشمال.
مع ازدهار الإمدادات البديلة في أستراليا وكندا والولايات المتحدة والأرجنتين. ومن المتوقع أن يكون المعدن نادرًا لمدة عشر سنواتي علي الأقل بسبب سرعة التحول لإنتاج السيارة الكهربائية ويلعب الغرب دورًا في اللحاق بالركب.
قالت باتريشيا فاسكيز. أخصائية الليثيوم في مركز ويلسون. وهو مؤسسة فكرية: "في المستقبل القريب. ليس لدي الغرب الكثير من الخيارات". "أمريكا اللاتينية تنتج الليثيوم الوحيد الذي يتم تكريره بالفعل خارج الصين. وهذه ميزة كبيرة".
جادل بوريك بأن احتياطيات البلاد من الليثيوم تمثل "فرصة للتنمية الاقتصادية من المحتمل ألا تتكرر علي المدي القصير" وأن تأميم الصناعة سيمكن الدولة من بناء "تشيلي التي توزع الثروة بطريقة أكثر عدلًا."
ويشير تقرير للفورين بوليسي إلي أن العالم متعطش لليثيوم الموجود في أمريكا اللاتينية. حيث يوجد 60% من احتياطيات العالم في "مثلث الليثيوم". الذي يضم تشيلي والأرجنتين وبوليفيا. زادت استثمارات مبادرة الحزام والطريق الصينية "BRI" في الليثيوم والنحاس بأمريكا اللاتينية علي مدي السنوات القليلة الماضية. مع انضمام تشيلي إلي المبادرة عام 2018. وأبرم الاتحاد الأوروبي صفقات تجارة الليثيوم والنحاس مع تشيلي في ديسمبر 2022. وزار المستشار الألماني أولاف شولتز تشيلي والأرجنتين في يناير لتعزيز العلاقات بخصوص الليثيوم حتي تصبح برلين أقل اعتمادًا علي بكين. ولتعزيز سيطرة أمريكا اللاتينية علي المورد. اقترحت كل من المكسيك وبوليفيا إنشاء أوبك الليثيوم. مع تشيلي والأرجنتين وبيرو كأعضاء آخرين. كما قامت المكسيك بتأميم رواسب الليثيوم الخاصة بها العام الماضي.
كان المستشار الألماني أولاف شولتز سافر لأمريكا اللاتينية أواخر يناير الماضي بحثًا عن شيء واحد. هو الليثيوم.. وفي لقائه مع قادة الأرجنتين وتشيلي والبرازيل. حاول زعيم أكبر اقتصاد في أوروبا التفاوض للاستثمار في بعض أكبر احتياطيات العالم من المعدن الثمين. والذي يعتبره ضروريًا لثورة الطاقة النظيفة في بلاده.
اتبعت الصين مؤخرًا استراتيجية نفوذ مماثلة في المنطقة. حيث أنفقت بقوة علي عقود الليثيوم في تلك البلدان الثلاثة نفسها لمواكبة الطلب المتزايد في قطاع التصنيع الخاص بها.
ألقي الرئيس الصيني شي جين بينج كلمة أمام قمة تجمُّع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في يناير أيضًا للتأكيد علي أهمية العلاقات الصينية في المنطقة وتعهد بمواصلة دعم الشراكات الصناعية.
لكن في هذه الأيام. يواجه قادة أقوي الدول. وقادة أقوي الشركات في العالم. مقاومة جديدة في أمريكا اللاتينية. التي تدرك تمامًا قيمة احتياطياتها من الليثيوم.
واستشهادًا بدعوات الرئيس جابرييل بوريك لزيادة تنظيم البيئة والعمل. أشار شولتز إلي المعايير العالية بألمانيا فيما يتعلق بالعمل. مشيرًا إلي أن بلاده ستكون شريكًا مثاليًا في أي عقود جديدة لتعدين الليثيوم.
إلي الشرق من صحراء أتاكاما الغنية بالمعادن في تشيلي. يضع رئيس بوليفيا اليساري. لويس آرس. أيضًا خططًا كبيرة لاحتياطيات بلاده من الليثيوم.
وبعد أن توصل إلي صفقة بمليار دولار مع شركة كومبريشن أمبيركس تكنولوجي -وهي شركة صينية كبري لتصنيع البطاريات -لبدء عملية تطوير القطاع المحلي لتصنيع البطاريات قال: "هذا المعدن الثمين ظل نائمًا لفترة طويلة جدًا". "واليوم يبدأ عصر تصنيع الليثيوم البوليفي."
هذا ليس استثمارًا أجنبيًا عاديًا. لأول مرة. تطالب بوليفيا بالمشاركة في طرفي العملية الصناعية وهما تعدين الليثيوم وإنتاج البطاريات التي تعتمد علي هذا المعدن. ولطالما كان تصنيع المنتجات من المواد الخام هو الخطوة المفقودة التي تمنع التنمية الاقتصادية في البلدان الغنية بالسلع الأساسية.
تمتلك بوليفيا أكبر احتياطي من الليثيوم في العالم. كما تمتلك ربع الإمدادات العالمية "39 مليون طن" في المسطحات الملحية المترامية الأطراف في البلاد. ومع ذلك. فهي أفقر دولة في أمريكا الجنوبية. حيث يعيش حوالي 40 % من سكانها في فقر.
لا تزال قدرة معالجة الليثيوم في بوليفيا الآن صغيرة. أنتجت 543 طنًا عام 2021 وهي كمية تافهة. مقارنة بأستراليا. أكبر مُصدِّر عالمي لليثيوم. بإنتاج سنوي يبلغ 550 ألف طن.
وتتطلع بوليفيا إلي التحكم التام في عملية إنتاج البطاريات للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر بأكملها وتحقيق الأرباح المحتملة داخل بوليفيا بدلًا من تصدير الليثيوم الخام.
علي الجانب الشرقي من المحيط الأطلنطي. تحاول الدول الأفريقية الغنية بالليثيوم. بما في ذلك زيمبابوي وناميبيا. تطوير صناعات المعالجة والتكرير لجني المزيد من أرباح الطلب العالمي علي مواد البطاريات.
ومع تحول صناعة السيارات نحو السيارات الكهربائية - بعد الحظر المقترح علي سيارات الوقود الأحفوري مع بداية العقد المقبل -ارتفعت أسعار الليثيوم والطلب عليه.
تهيمن الصين. أكبر دولة تقوم بتكرير الليثيوم في العالم وأحد المنتجين الرئيسيين. علي سلسلة التوريد. لكن الحكومات الغربية والشركات الدولية تحاول تحدي ذلك وتعتبر احتياطيات الليثيوم في إفريقيا فرصة.
من جانبها. تبدو الدول الأفريقية مصممة علي الاحتفاظ بقيمة أكبر لمواردها مقارنة بما كانت عليه في الماضي. مما يعني ليس فقط استخراجها ولكن معالجتها قبل التصدير. وهو ما يشار إليه اقتصاديًا باسم القيمة المضافة.
وكان وزير المناجم في ناميبيا توم ألويندو قد صرح لرويترز. خلال أكبر مؤتمر عالمي للاستثمار في التعدين الأفريقي عقد في كيب تاون. فبراير الماضي: "إذا كان لدينا المعادن التي يريدها الجميع الآن. فعلينا استخراجها بشكل مختلف وليس بالطريقة المعتادة. كل الليثيوم المستخرج في البلاد يجب معالجته بالداخل."
من المقرر أن يزداد إنتاج الليثيوم في إفريقيا بسرعة. تنتج القارة 40 ألف طن هذا العام. والمرجح أن تنتج 497 ألف طن عام 2030. وفقًا لتقديرات شركة ترافيجورا تاجر السلع الأساسية. ويأتي الجزء الأكبر من هذه الكمية من زيمبابوي.
زادت أسعار الليثيوم أكثر من الضعف العام الماضي حيث فاق الطلب علي صناعة السيارات الكهربائية العرض.
فرضت زيمبابوي في ديسمبر حظرًا علي صادرات الليثيوم الخام. وهو إجراء يهدف إلي وقف تهريب خام الليثيوم وتحفيز المناجم علي المعالجة داخل البلاد.
وقال وزير التعدين ونستون شيتاندو لرويترز: "وضعنا خططًا للسماح فقط بتصدير المركزات." "بسبب الحظر. جاء مستثمرون آخرون يريدون تكرير خامات الليثيوم ولمرحلة التركيز."
لم تكن الجهود الأخيرة التي بذلتها الحكومات الأفريقية هي المرة الأولي التي قررت فيها الاحتفاظ بقدر أكبر من قيمة ثروتها المعدنية. مما سيؤدي في النهاية إلي زيادة الإيرادات الضريبية وتشجيع الأعمال التجارية الجديدة وإضافة الوظائف.
قال لين كولف. الرئيس التنفيذي المؤقت في أتلانتيك ليثيوم. "هذه أوقات فريدة حقًا نعيشها. مع الانتقال الكامل لمستقبل الطاقة النظيفة. وقد تكون غانا جزءًا من هذه القصة".
ونقلت رويترز عن كولف: "الجميع يقتربون منا. مثل الصينيين والآن هم جميع المصنعين الغربيين.
اترك تعليق