شارك د. علي عبد النبي نائب رئيس هيئة المحطات النووية الأسبق رأيه في مراسم صب "الخرسانة الأولى" في البلاطة الخرسانية للمجموعة الثالثة في محطة الضبعة النووية.
إذاً وصلت الأخبار السارة عن صب" الخرسانة الأولى "في البلاطة الخرسانية للمجموعة الثالثة في محطة الضبعة النووية يوم الأربعاء 3 مايو 2023، حيث يؤكد هذا الحدث أن تنفيذ محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر مستمر في الموعد المحدد، حتى أنه يمكن القول بأن المشروع يتم تنفيذه قبل الموعد المحدد.
نحن في مصر نقدر تقديراً عالياً جهود روسيا الاتحادية والشركة الروسية التي تقوم بتنفيذ المشروع، سيما أنه على الرغم من الظروف التي تمر بها روسيا منذ عام بالفعل - والحديث يدور عن المشاركة في العملية الخاصة في أوكرانيا والعقوبات التي تم فرضها - فإن المشروع ما زال قيد التنفيذ.
مع بدء "صب الخرسانة الأولى" للمجموعة الثالثة، يمكن القول أن المشروع سيدخل مرحلة البناء الرئيسية، مع العلم أنه في 20 يوليو 2022 سبق وأن تم إنشاء المجموعة الأولى، في حين أن المجموعة الثانية فقد كانت في 19 نوفمبر 2022، وإن شاء الله سوف نسمع قريباً نبأ بدء "صب الخرسانة الأولى" للمجموعة الرابعة.
هنا لابد من الاشارة إلى إن المواطنين المصريين يدركون أنه يمكن حل مشاكل المناخ بمساعدة الطاقة النووية. إذ يساهم التطور السريع في التكنولوجيا على تقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري دون المساس بكمية الطاقة التي يمكننا الحصول عليها. وبالتالي هذا هو السبب في أن التركيز على الطاقة النووية وميزاتها قد يكون له معنى كبير للعالم بأسره.
استناداً إلى الخبرات المتراكمة يتبين لدينا بأن الطاقة النووية مصدر آمن، وما يدل على ذلك وجود مؤشر هام وهو أن معدل الوفيات لكل تريليون كيلوواط يتم إنتاجه هو الأدنى في العالم مقارنة بمصادر الوقود الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك نعلم أن الطاقة النووية تختلف عن المصادر الأحفورية في أنها لا تنتهي صلاحيتها. عندما نستهلك الوقود الأحفوري فإن المخلفات أو الرماد هي ليست مناسبة لأي استخدام آخر. في حين أن الوقود النووي مثل اليورانيوم -235، عند استهلاكه لإنتاج الطاقة، لا تنتهي صلاحيته ويمكن إعادة استخدامه. وفي هذا الاطار يمكن للتكنولوجيا المتطورة التي تسمح بإعادة معالجة الوقود النووي أن توسع هذه الميزة بشكل أكبر. وإذا ما عدنا إلى اليورانيوم فإننا نرى أنه متوفر بكثرة لتلبية احتياجات الطاقة الحالية لقرون قادمة.
من وجهة النظر الاقتصادية تعتبر الطاقة النووية منافسة من حيث التكلفة لكل كيلوواط/ساعة من بين جميع أشكال توليد الكهرباء الأخرى. ومع التطور الديناميكي لهذه التكنولوجيا يمكن للبلدان أن تضمن بعض الشروط الأساسية لتحقيق استقلالية الطاقة والنمو الاقتصادي المستقر والمستدام.
ناهيك عن أن محطات الطاقة النووية قادرة على توليد الطاقة لتوليد الكهرباء لمدة تصل إلى 36 شهرًا. هذا يعني أن هذا المصدر أكثر فعالية بمعدل 8000 مرة من الوقود الأحفوري التقليدي الذي نستهلكه كل يوم. بالاضافة إلى ذلك تعمل محطات الطاقة النووية ليلاً ونهاراً وفي أي وقت من أوقات اليوم، وهذا يعني أنها أكثر كفاءة من معظم مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك طاقة الرياح وطاقة الشمس.
إذاً يمكن القول بأن مزايا محطات الطاقة النووية كثيرة، ولذلك تولي جمهورية مصر العربية اهتمامًا خاصًا لإحياء المشروع النووي المصري بعد تعليقه منذ عام 1964 وحتى عام 2007. ودعونا لا ننسى مكانة روسيا المرموقة ودورها الكبير في دعمها لمصر في أصعب الأوقات وأكثر القضايا حساسية كما كان الحال عند بناء السد العالي.
تعتبر محطة الضبعة للطاقة النووية مشروعًا ضخمًا ومعقدًا للغاية، ويمكن تصنيفها على أنها مشروع ضخم يكون مؤشر التأخير هو السمة الرئيسية فيه. لذلك نرى أن مجرد تنفيذ العمل في الموعد المحدد هو بحد ذاته إنجاز كبير بالفعل. على كل حال يتكون المشروع من مجموعات متكاملة من الأنشطة، مثل المشتريات وصب الخرسانة وأعمال التركيب.
نحن نرى الآن كيف يشارك العمال المصريون في مشروع بناء محطة نووية عملاقة. هناك العديد من مجالات المشاركة المصرية في المشروع والتي ستوفر الآلاف من فرص العمل في قطاعات الأعمال المرتبطة بمحطة الطاقة النووية، وبالتالي فإن مشروع محطة الطاقة النووية مهم جدًا لتحقيق الازدهار في سوق العمل وخلق فرص عمل جديدة.
نعتقد أنه من أجل تلبية متطلبات التنمية المستدامة، فإن تشغيل محطة الضبعة النووية ستعطي دفعة كبيرة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية في مصر، وهذا الأمر بدوره سوف يحقق نهضة صناعية كبيرة.
في هذا السياق عبر عن رأيه الدكتور ماهر عزيز عضو مجلس الطاقة العالمي وكبير مستشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ قائلاً:
"يشهد المشروع القومي المصري لمحطة الطاقة النووية الأولى بالضبعة تقدمًا ملحوظاً في إطار الجهود المشتركة للعاملين، سواء من الجانب المصري من خلال وزارة الكهرباء وهيئة محطات الطاقة النووية ومن الجانب الروسي عبر شركة روساتوم الحكومية – المقاول الرئيسي للمشروع.
لقد تم بالفعل تنفيذ العديد من مراحل العمل في المجموعتين الأولى والثانية، في حين تم بالفعل صب "الخرسانة الأولى" في البلاطة الخرسانية للمجموعة الثالثة، على أن تستكمل الأعمال بشكل نهائي من خلال بناء أربع مجموعات طاقة في المحطة النووية.
إن المقاربة المصرية في تنفيذ مشروع الضبعة النووي الأول تتعزز الآن بالتوجه العالمي النهائي نحو استعادة دور القوى النووية في مستقبل الطاقة العالمية وفي عملية تحول الطاقة، وهذا الأمر بحد ذاته اتجاه عالمي.
حالياً يركز المجتمع العالمي، وعلى وجه الخصوص المجتمع الأوروبي، على الطاقة النووية "الخضراء"، أي من دون غازات الاحتباس الحراري وبدائل أخرى. يتم تسليط الضوء بشكل واضح على اهتمام مصر الحالي باستخدام الطاقة النووية كجزء من استراتيجيتها لتنوع آمن للطاقة على المدى المتوسط والطويل.
أياً كان الأمر فإن جمهورية مصر العربية تواكب مسيرة جميع الدول المتقدمة التي تتجه نحو عالم جديد خالٍ من الكربون، حيث تعتبر الطاقة النووية من أكثر مصادر الطاقة موثوقية ولا تساهم كبقية المصادر في تغير المناخ العالمي، نظرًا لخلوها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
هذا الاهتمام الواضح في القطاع النووي السلمي من قبل جمهورية مصر العربية لا يكمن فقط في تحقيق قفزة كبيرة في عالم التكنولوجيا، بل أيضًا في امتلاك مصدر ضخم للطاقة، وتأمل مصر أيضًا في أن تحتل مكانة رائدة بين الدول التي تبذل جهودًا حثيثة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
اترك تعليق