تمر البشرية بتجارب مأساوية ما زال التاريخ يدوّنها للجوء أو نزوح جماعي قسري هرباً من حروب ونزاعات، وحفاظاً على أرواح أناس أغلبيتهم من النساء والاطفال والشيوخ!!
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أفادت بأن عدد الأشخاص المجبرين على الفرار من ديارهم كل عام قد ارتفع على مدار العقد الماضي، ليبلغ أعلى مستوى له منذ بدء العمل بالسجلات، وهو منحى لا يمكن عكس اتجاهه إلا من خلال إعطاء دفعة جديدة ومنسقة نحو صنع السلام.
وذكرت أنه بحلول نهاية عام 2021، بلغ عدد المهجرين جراء الحروب والعنف والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان 89.3 مليون شخص، بزيادة تصل إلى 8 بالمائة عن العام الذي سبق وأكثر من ضعف الرقم الذي كان عليه قبل 10 سنوات، وذلك فقاً لتقرير "الاتجاهات العالمية" السنوي الذي تصدره المفوضية.
ويضيف التقرير أنه منذ ذلك الحين، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا - والذي تسبب في نشوء أسرع وأكبر أزمة نزوح قسري منذ الحرب العالمية الثانية – إضافة إلى حالات طوارئ أخرى من إفريقيا إلى أفغانستان وما أبعد من ذلك، إلى رفع الرقم ليتجاوز حاجز الـ 100 مليون شخص.
وفي الوقت نفسه، فإن ندرة الغذاء والتضخم وأزمة المناخ كلها أسباب تفاقم معاناة السكان، مما يفرض ضغوطاً على جهود الاستجابة الإنسانية في وقت تبدو فيه آفاق التمويل قاتمة في العديد من العمليات.
وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها العميق إزاء تصاعد العنف في السودان، مع وصول مجموعات اللاجئين الفارين من العنف إلى مصرو تشاد سعياً للأمان تقدرأعدادهم بعشرات الآلاف وتويد كلما استمرت الاشتباكات بي طرفي النزاع الجيش وقوات الدعم السريع.
وإذا كانت موجات النزوح واللجوء من السودان هي الأحدث، فقد كانت أقدم عمليات الإجلاء تعود إلى عام 480 قبل الميلاد في اليونان، حين أمر ثيميستوكليس قائد الدولة بإخلاء أثينا بسبب اقتراب الجيش الفارسي، وكانت هذه المرة الأولى التي يفطن فيها قائد أمة إلى مثل هذا الإجراء، إذ جرت العادة أن يواجه الشعب كله العدو الغازي لمنع السبي والاستعباد والذل الذي ينتج عنهما، لكن إجراء القائد اليوناني الفذ وباني الأسطول اليوناني الأول، الذي جعل من اليونان المسيطر الرئيس على البحر المتوسط من بعد تلك المعركة التي هزم فيها الفرس، أدى إلى إنقاذ حياة ما يزيد على ثلثي سكان أثينا، وفق تقريرلاندبندنت عربية للزميلة فيديل سبيتي.
أما عمليات الإجلاء الأخيرة التي شهدها العالم في السنوات الماضية، وما زالت أحداثها عالقة في الذاكرة، فنذكر منها العمليات التي تلت انسحاب الجيش الأميركي المفاجئ من أفغانستان عام 2021، حيث أدى استيلاء عناصر "طالبان" السريع على المدن الكبرى، بما في ذلك مبنى الحكومة والبرلمان في كابول، إلى اندفاع الحكومات الأجنبية والمواطنين الأفغان للخروج من أفغانستان بأية طريقة ممكنة ولو عبر التعلق بإطارات الطائرات، وقد قامت القيادة المركزية الأميركية مع حلفائها في "الناتو"، بمساعدة شركات النقل الجوي الخاصة، بإجلاء أكثر من 120 ألف شخص على مدار أسبوعين.
وفي العام نفسه حدثت جائحة طبيعية، إذ أجلي سبعة آلاف شخص بعد ثوران بركان "كومبرفيجا" في جزيرة لابالما الإسبانية، ثم بدأ عام 2022 مع أزمة اللاجئين الأوكرانيين الذين تم إجلاؤهم إلى بولندا وبلغاريا ورومانيا ودول أوروبية أخرى.
ومن أبرز عمليات الإجلاء في تاريخ الولايات المتحدة خلال 11 سبتمبر 2001 عندما تعرضت أبراج مركز التجارة العالمي للهجوم، وأجلي نحو نصف مليون شخص بالقوارب من وسط مدينة مانهاتن في نيويورك خلال تسع ساعات فقط.
أستاذة التاريخ الحديث في جامعة "أكسفورد" باتريشيا كلافن، اعتبرت في مقالتها المنشورة على موقع البنك الدولي أنه "في النصف الأول من القرن الـ20 ظل العالم يترنح تحت وطأة صدمات متلاحقة كلها أدت إلى عمليات إجلاء ضخمة، بدءاً من الحرب العالمية الأولى، ثم جائحة الإنفلونزا الإسبانية، ومن بعدها انطلاق الثورات الاشتراكية والشيوعية في مناطق مختلفة من العالم، وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية وما تلاها من حرب سميت باردة"، وحرب فيتنام، وعملية الإجلاء الإجبارية الأكثر إثارة للدهشة في العالم هي التي قام بها "الخمير الحمر" (الحزب السياسي الحاكم) في كمبوديا، وكان ذلك بين عامي 1975 و1979، حيث أخليت المدن من ثلاثة ملايين مدني نحو الريف ليشكلوا مجتمع "الخمير الحمر" الشيوعي الجديد.
وفي أبريل 1986، أدت كارثة "تشيرنوبيل" النووية في أوكرانيا إلى انتشار التلوث، ونزوح تسعة ملايين شخص. وخلال حرب الخليج الثانية عام 1990 دخلت شركة طيران الهند موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بعد نقلها أكبر عدد من الأشخاص بواسطة طائرات مدنية، حين أجلت الحكومة الهندية أكثر من 111 ألف هندي يعملون في الخليج العربي عبر مطار مسقط.
والحرب الأخيرة، بحسب كلافن، شهدت حروباً بالواسطة بين القطبين العالميين في أنحاء كثيرة من العالم، وأدت إلى تقسيم دول كثيرة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، وهي عمليات تقسيم قسرية أسفرت عن عمليات إجلاء ضخمة وتغييرات ديموغرافية ما زال بعضها مستمراً.
اترك تعليق