أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنه .. أحد صحابة رسول الله صلى لله عليه وسلم الأجلاء كان من السباقين الاولين في الايمان بالدين الحق. أسلم قبل دخول النبي عليه الصلاة والسلام دار الأرقم بن أبي الأرقم. وقيل أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانا. هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثم هاجر على المدينة وحرص على الجهاد في سبيل الله وشهد المشاهد كلها مع الرسول، وتمنى الشهادة حتى نالها في موقعة اليمامة، فارتسمت على وجهه ابتسامة رضى وسعادة بالفوز بالشهادة في سبيل الله عز وجل.
هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي. وقد اخُتلف في اسمه ه فقيل "مُهَشِّم"، وقيل "هُشيم"، وقيل "هاشم"، وقيل "قيس". وقد ولد في مكة المكرمة، ويعتبر واحداً من أصحاب المكانة والثراء، فأبوه هو عتبة ابن الربيع من سادة قريش في الجاهليّة وقد مات قبل أن يسلم، وأمّه هي فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني، وأخته هي هند زوجة أبو سفيان، وأخوه هو الوليد بن عتبة بن ربيعة. وكان أبو حذيفة رضي الله عنه طويلاً، حسن الوجه، أثعل، أحول. والأثعل هو: "من تراكبت أَسنانه بعضها فوق بعض".
وأخذت قريش تعذب المؤمنين فأذن النبي صلى الله عليه لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة فاستجاب أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنه مع زوجته سهلة بنت عمرو إلى الحبشة، وهناك أنجبت له ابنه محمد، ويشار إلى أنّه كان قد تبنّى في الجاهلية سالم بن أبي حذيفة، إلا أنّه بعدما أسلم وتمّ تحريم التبنّي، جعل من سالم أخاً له، وزوجه لفاطمة ابنة أخيه الوليد. وعاد أبو حذيفة من الحبشة إلى مكة المكرمة ليبقى إلى جوار نبي الله عليه الصلاة والسلام، ومن هناك انطلق معه إلى المدينة المنورة، وهناك آخى الرسول بينه وبين عباد بن بشر الأنصاري.
وفي المدينة المنورة لزم أبو حذيفة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءت غزوة بدر الكبرى فتقدم الصفوف وكان ابوه عتبة وأخوه الوليد، وعمّه شيبة بن ربيعة، يقفون في صفوف المشركين، واثبت أبو حذيفة ان حبه لله ورسوله اقوى من أي شيء حتى صلة الدم فقام ليطلب من ابيه عتبة بن ربيعة ان يبارزه مصمما على قتله نصرة لدين الله عز وجل فنهاه الرسول عن ذلك فامتنع، وقد هجته أخته هند بأبيات منها:
الأحول الأثعل المشؤوم طائره
أبو حذيفة شر الناس في الدين
أما شكرت أبًا ربَّاك من صِغَرٍ
حتى شَبَبْتَ شبابًا غير محجون
وبعد انتهاء غزوة بدر، أمر النبي بسحب القتلى المشركين؛ لتطرح جثثهم في القليب، ثم وقف على حافة البئر، وخاطب المشركين، وقال: “يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا؟ فقالوا: “يا رسول الله، تكلم قومًا موتى؟” قال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب. ورأى أبو حذيفة أباه يسحب ليرمي في البئر، فتغير لونه، وأصابه الحزن، وعرف النبي ذلك في وجهه، فقال له: كأنك كاره لما رأيت فقال: يا رسول الله، إن أبي كان رجلاً سيدًا، فرجوت أن يهديه ربه إلى الإسلام، فلما وقع الموقع الذي وقع أحزنني ذلك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي حذيفة رضي الله عنه بخير.
ويوم بدر انفعل أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنه وأخطأ بكلمة قالها ظل نادما عليها حتى استشهاده يوم اليمامة. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإصحابه يوم بدر: «إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخْرِجوا كَرْهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتري بن هاشم بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما خرج مُستكرَهاً». فقال أبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة رضي الله عنه: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لأَلحمنَّه بالسيف، قَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: وَاللَّهِ لا أَلْقَى رَجُلا مِنْهُمْ أَلا قَتَلْتُهُ.
فبلغ ذلك للنبي الكريم فحرص صلى الله عليه وسلم ان يوضح السبب ويؤكد انه ليس لأنهم أقاربه بل لسبب أخر ذكره الرسول بنفسه. حيث قال عليه الصلاة والسلام لعمر رضي الله عنه: «يا أبا حَفْص – قال عمر: والله إنَّه لأول يوم كَنَّاني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حَفْص – أيُضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟» فقال عمر: يا رسول الله دَعْني فَلأَضْرِب عنقه بالسيف، فقال رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأبي حذيفة: [أَنْتَ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. شَقَّ عَلَيَّ إِذَا رَأَيْتُ أَبِي وَعَمِّي وَأَخِي مُقَتَّلِينَ فَقُلْتُ الَّذِي قُلْتُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ أَبَاكَ وَعَمَّكَ وَأَخَاكَ خَرَجُوا جَادِّينَ فِي قِتَالِنَا طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَإِنَّ هَؤُلاءِ أُخْرِجُوا مُكْرَهِينَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِقِتَالِنَا".
ظل أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنه حريصاً على الجهاد وملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم طوال الوقت فشهد أحد، والخندق، وجميع المشاهد مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ومنه فتح مكة وله يومها موقف اظهر فيه عطفة ورحمته مع اختيه فاطمة وهند رضي الله عنهما.
وعن فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس – رضي الله عنها – أن أبا حُذَيفة بن عتبة رضي الله عنه أتى به وبهند ابنة عتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه. فقالت: أخذَ علينا فشرط علينا. قالت: قلت له: يا ابن عم، هل علمت في قومك من هذه العاهات أو الهَنات شيئاً؟ قال أبو حذيفة: إيهاً فبايعيه فإنَّ بهذا يُبايع وهكذا يشترط. فقالت هند: لا أُبايعك على السرقة، إِنِّي أسرق من مال زوجي، فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها، حتى أرسل إلى أبي سفيان فتحلَّل لها منه. فقال أبو سفيان: أما الرُّطَب فنعم، وأما اليابس فلا، ولا نعمة. قالت: فبايعناه. ثم قالت فاطمة: ما كانت قبةٌ أبغضَ إليَّ من قبتك ولا أحبَّ أن يبيحها الله وما فيها، والله ما من قبة أحبّ إِليَّ أن يعمرها الله ويبارك فيها من قبتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأيضاً – والله – لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده»
كان أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنه يتمنى دائماً أن يستشهد في سبيل الله سبحانه وتعالى، فظل يجاهد حتى توفي الرسول، وفي عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كان أبو حذيفة ومولاه سالم في أول صفوف الجيش المتجه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، ظل الصحابيان رضي الله عنهما يقاتلان بشجاعةٍ وبسالة وكان أبو حذيفة يشجع المسلمين على القتال ويقول: يا أهل القرآن زيّنوا القرآن بالفعال. وكان سالم يصيح: (بئس حامل القرآن أنا لو هوجم المسلمون من قِبَلِي) وجاهدا بكل قوة.
وتحقق لأبي حذيفة رضي الله عنه ما كان يتمناه من الشهادة في سبيل الله فوقع شهيدًا، وعلى وجهه ابتسامة لما رأى من منزلته عند ربه.وقد كان يبلغ من العمر وقتها أربعةً وخمسين سنة، وذلك في السنة الثانية عشر من الهجرة النبوية الشريفة رضي الله عن الصحابة أجمعين
اترك تعليق