أعادت الحرب في أوكرانيا تشكيل التحالفات العالمية وجددت المخاوف القديمة وبثت حياة جديدة في حلف شمال الأطلسي كما تأثرت العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة بين شد وجذب.
لقد قرّب الغزو موسكو من بكين وإيران وكوريا الشمالية. كما أثار تساؤلات واسعة حول السيادة والأمن واستخدام القوة العسكرية. مع تكثيف المخاوف حول مخططات الصين بشأن تايوان.
في نهاية زيارة دولة لروسيا. پفي الشهر الماضي. قال الزعيم الصيني شي جين بينج للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي: "هناك تغييرات تحدث. لم نشهد مثلها منذ 100 عام". "علينا أن نقود هذه التغييرات معًا." وأجاب الزعيم الروسي: "أنا موافق".
يقول ألكسندر جابوف في تحليل علي موقع فورين أفيرز: هذا المشهد. الذي يبدو مرتجلًا ولكنه مصمم بعناية. جاء نتيجة رحلة شي إلي روسيا والاتجاه الذي حدد فيه مع بوتين مسار العلاقات الصينية الروسية. كان هدف زيارة شي. في المقام الأول إظهار الدعم الشعبي للزعيم الروسي المحاصر. لكن التطورات المهمة فعلًا حدثت خلال المناقشات الشخصية المغلقة. والتي اتخذ فيها الزعيمان عدة قرارات مهمة حول مستقبل التعاون الدفاعي الصيني الروسي. ومن المرجح أنهما توصلا إلي شروط بشأن صفقات الأسلحة التي قد تكون علنية أو سرية.
تعمل الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد روسيا علي تقليص خيارات الكرملين ودفع اعتماد روسيا الاقتصادي والتكنولوجي علي الصين إلي مستويات غير مسبوقة. وتمنح هذه التغييرات الصين قدراً متزايداً من النفوذ علي روسيا. كما تجعل علاقة الصين المتوترة مع الولايات المتحدة من موسكو شريكًا لا غني عنه لبكين في صد الولايات المتحدة وحلفائها. الصين ليس لديها صديق آخر يمكنه جلب الكثير. بينما يقوم شي بإعداد الصين لفترة من المواجهة المطولة مع أقوي دولة علي الكوكب. فإنه يحتاج إلي كل مساعدة يمكنه الحصول عليها.
وفيما يبدو انه مؤشر علي ظهور فجوة في المواقف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تجاه التعامل مع الصين. تبرز زيارة ماكرون. الذي رافقه العشرات من مسئولي الأعمال. تركيز فرنسا للحفاظ علي العلاقات الاقتصادية مع الصين. إن لم يكن تعزيزها. حتي في الوقت الذي حذرت فيه واشنطن منذ شهور من أن بكين تفكر في إرسال أسلحة إلي روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا. حسبما يشير تقرير علي موقع ذا هيل. كتبه لورا كيلي وألكس جانجيتانو.
مسئولية أكبر
يقول المسئولون الفرنسيون إنهم لا يرون تضاربًا بين الحفاظ علي العلاقات التجارية مع الصين وسعيهم لإشراك شي في التصرف بمسؤولية أكبر. "هذا قد يعني منح الصين دورًا أكبر علي الساحة العالمية".
لكن النقاد يقولون إن زمرة رجال الأعمال التنفيذيين لماكرون تقوض أي جهد لدفع شي إلي اتخاذ موقف صارم مع روسيا.
قال رولاند فرودنشتاين. نائب الرئيس ورئيسGLOBSEC Brussels . وهي مؤسسة فكرية مقرها سلوفاكيا. "إنها إشارة خاطئة". " لقد أتيت ومعك جزرة. لكنك لم تأت بعصا."
رغم ذلك. قال خبراء آخرون إنه لا ينبغي النظر لماكرون علي أنه مغفل بسبب زيارته للصين. معتبرين أن أوروبا لديها مصالح تجارية مع الصين ويجب الحفاظ عليها.
ويقول المحللون إن أوروبا. رغم ذلك. أقل قلقًا من الولايات المتحدة بشأن تزويد الصين لروسيا بالأسلحة. ويرجع ذلك أساسًا إلي أن الصين تشتري بالفعل النفط والغاز الذي يساعد نظام بوتين في البقاء واقفًا علي قدميه.
لكن ليس كل الزعماء الأوروبيين يشاركون فرنسا وجهة نظرها تجاه الصين.
اتخذت رئيسة المفوضية الأوروبية. أورسولا فون دير لاين. التي رافقت ماكرون في رحلته. موقفًا أكثر تشددًا. وقالت في خطاب مهم عن الصين أواخر الشهر الماضي: "بعيدًا عن أنه كان يجب تأجيل زيارة شي لموسكو بسبب الغزو الوحشي وغير القانوني لأوكرانيا. يحافظ الرئيس الصيني علي" صداقته بلا حدود "مع بوتين".
وقالت: "إن كيفية استمرار التفاعل الصيني مع حرب بوتين ستكون عاملاً حاسماً في تقدم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين".
ويُنظر إلي نهجها المتشدد علي أنه أكثر انسجامًا مع دول أوروبا الوسطي والشرقية. التي انقسمت مع وجهات النظر السائدة من فرنسا وألمانيا بأن التعامل مع الصين يمكن أن يساعد في ردع العدوان.
ومع ذلك. لا يزال هناك قلق أيضًا بشأن مستقبل الولايات المتحدة. وإذا كانت الانتخابات الرئاسية لعام 2024 تبشر بإدارة جمهوري انعزالي. فإن ذلك سيؤدي إلي تراجع جهود إدارة بايدن في إعادة بناء العلاقات مع أوروبا التي كانت متوترة بشدة خلال رئاسة ترامب.
علي الجانب الآخر. يري هو شيجين المعلق بمجلة جلوبال تايمز الصينية. أن الأجواء الدافئة لزيارة ماكرون للصين أصابت واشنطن بالإحباط. حيث كانت تأمل أن تكون الزيارة. برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. أقل تعلقًا بالتعاون وأن تكون أكثر ضغطًا علي الصين.
لكن ماكرون غرد في ختام الزيارة بثلاث لغات هي الفرنسية والصينية والإنجليزية "تحيا الصداقة بين فرنسا والصين!" وهذه بلا شك ضربة لاستراتيجية الولايات المتحدة في استمالة الغرب لاحتواء التنين الأصفر.
ويمكن القول إن فرنسا أخذت زمام المبادرة في التراجع عن استراتيجية الاحتواء الأمريكية للصين وقول "لا" لإجراءات واشنطن.
يضيف "هو": ليس لدي فرنسا سبب لاعتبار الصين موضوعًا للاحتواء. كما تفعل الولايات المتحدة. بدلاً من اعتبار القيام بتعاون طبيعي مع الصين مصدرًا للقوة. من غير المرجح أن تكون فرنسا صديقة "من القلب إلي القلب" ومع ذلك. فإن المهمة الأكثر واقعية وإلحاحًا بالنسبة لفرنسا هي مواصلة ازدهارها والحفاظ علي مكانتها كقوة عظمي.
يختلف النظام السياسي في الصين عن النظام الفرنسي. لكن بكين صديقة لباريس. لا يوجد صراع جيوسياسي حقيقي بين الجانبين. ويرحب كلا البلدين بالعولمة وتعدد الأقطاب.
الهيمنة الأمريكية
يعرف ماكرون مدي أهمية الصين ومدي قوة الصين. كما يدرك أن جعل فرنسا تعمل كوقود لمدافع الولايات المتحدة للحفاظ علي الهيمنة الأمريكية هو إهانة لحكمة فرنسا الدبلوماسية كقوة غربية قديمة. ستتأرجح فرنسا والدول الأوروبية في الفراغ الواسع بين الصين والولايات المتحدة لفترة طويلة. مما يحافظ علي توازن معقد في المواقف تجاه الصين.
في خطاب ألقاه مؤخرًا بجامعة جونز هوبكنز. قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إنه عندما غزت القوات الروسية أوكرانيا يوم 24 فبراير. كان ذلك "إيذانا بنهاية كاملة لعالم ما بعد الحرب الباردة". "لقد تبين أن العولمة والاعتماد المتبادل وحدهما لا يضمنان تحقيق السلام والتنمية في أنحاء العالم."
قال كيشيدا إنه إذا سُمح لروسيا بالنجاح في أوكرانيا. فيمكن أن تزيد من جرأة دول مثل الصين. برؤيتها لنظام دولي "يختلف عن رؤيتنا ولا يمكننا قبوله أبدًا".
كوريا الشمالية. التي هددت باستخدام الأسلحة النووية بشكل استباقي. كانت بالفعل مصدر قلق إقليمي. لكن اقتراح روسيا بأنها قد تستخدم أسلحة نووية في أوكرانيا أثار مخاوف جديدة.
ويشير ديفيد رايزنج. في تقرير خاص للأسوشيتدبرس. إلي أن كوريا الجنوبية -التي تخضع لحماية "المظلة النووية" الأمريكية -قامت العام الماضي بتوسيع التدريبات مع القوات الأمريكية التي كان قد تم تقليص حجمها في ظل إدارة ترامب. كما تسعي كوريا الجنوبية للحصول علي تأكيدات أقوي بأن واشنطن ستستخدم قدراتها النووية بسرعة في مواجهة هجوم نووي كوري شمالي.
كانت كوريا الشمالية داعمة بقوة لروسيا المجاورة. وفي أواخر العام الماضي. اتهمت الولايات المتحدة بيونج يانج بتزويد روسيا بقذائف مدفعية.
كما ساعدت إيران روسيا عسكريًا. حيث زودتها بطائرات بدون طيار تحمل قنابل تستخدمها موسكو لضرب محطات الطاقة والمواقع المدنية في أوكرانيا.
وقد امتنعت الهند. التي تعتمد بشدة علي روسيا في المعدات العسكرية. عن التصويت لصالح قرار الأمم المتحدة وواصلت شراء النفط الروسي.
لكن مع التقارب بين الصين روسيا. انجرفت الهند بهدوء نحو الولايات المتحدة. لا سيما داخل التحالف الرباعي الذي يشمل أيضًا اليابان وأستراليا. كما قال فيراج سولانكي. الخبير بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجيةIISS ومقره لندن.
في أوروبا. أعاد الغزو تنشيط الناتو بعد وابل من الانتقادات من دونالد ترامب خلال فترة رئاسته التي دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقتها إلي إعلان أن الناتو شهد "موتًا دماغيًا".
دفعت الحرب أيضًا فنلندا والسويد إلي السعي للحصول علي عضوية الناتو. حيث انضمت فنلندا للحلف بالفعل. ويعتقد معظم الخبراء أنه ستتم الموافقة علي انضمام السويد.
الطموحات العسكرية
خص الناتو العام الماضي الصين لأول مرة علي أنها تمثل تحديًا استراتيجيًا. وإن لم تكن خصماً مباشراً. حذر الحلف من الطموحات العسكرية المتنامية للصين. وخطاب المواجهة الذي تتبناه. وعلاقاتها الوثيقة بشكل متزايد مع روسيا.
إلي جانب الناتو. أكدت الحرب أيضًا علي أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. والتي يقول المراقبون إنها كانت "حاسمة للغاية" بالنسبة للعقوبات وضوابط التصدير. كما عززت تحالف اوكوس. الذي يضم أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. إضافة إلي التحالف الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان تعزيزًا للوجود الأمريكي بمنطقة المحيطين الهندي والهادي.
من الصعب التنبؤ بالآثار طويلة المدي للحرب علي الدبلوماسية العالمية. لكن يري البعض أن مجموعة أساسية من الدول مثل سوريا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا "قد تميل إلي التمسك بروسيا".
ورغم أن المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا غالبًا ما يتم تقديمها علي أنها تحدي ذو جبهتين منفصلتين. فقد كتب لويس سيمون بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن العاصمة. ملخصًا لدراسة تجادل بأن المسارح الأوروبية -الأطلسية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ مرتبطان بشكل متزايد.
ويخلص سيمون إلي أن محاولة ربط التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة أوروبا والمحيط الأطلسي والمحيطين الهندي والهادئ من شأنه أن يساعد في تجاوز معضلة الحرب علي جبهتين والسماح للولايات المتحدة وحلفائها بتطوير استراتيجية جماعية مثالية لدعم الخطط الجيوستراتيجية. يصبح هذا مهمًا بشكل خاص عندما تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها منافسين استراتيجيين في منطقتين بعيدتين في وقت واحد وفي ضوء التعاون الاستراتيجي الصيني الروسي. وفي حالة انهيار أحد هذين المنافسين. أو في حالة حدوث انهيار في العلاقات الصينية الروسية. فإن الحاجة إلي بناء الجسور بين التحالف قد تصبح بالفعل أقل وضوحًا أو إلحاحًا.
ويشير تقرير آخر للأسوشيتدبرس. إلي سعي حكومة هندوراس لإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين. حيث أعلنت ذلك رئيسة البلاد. شيومارا كاسترو. الشهر الماضي. مما يعني قطع العلاقات مع تايوان.
الصين. التي تبني سدًا ضخمًا في هندوراس. تستخدم عمومًا التجارة والاستثمار كحوافز لتغيير العلاقات. كما فعلت بنجاح مع كوستاريكا وبنما والسلفادور ونيكاراجوا. ومؤخراً دول جزر جنوب المحيط الهادئ بما في ذلك جزر سليمان.
إن فقدان هندوراس من شأنه أن يسحب من رصيد حلفاء واشنطن ويترك تايوان بعلاقات دبلوماسية رسمية مع 13 دولة ذات سيادة فقط. بما في ذلك مدينة الفاتيكان. وفي أمريكا اللاتينية. لديها أيضًا علاقات مع بليز وباراجواي. مع كون معظم شركائها الباقين من الدول الجزرية الصغيرة والفقيرة في منطقة البحر الكاريبي وجنوب المحيط الهادئ.
اترك تعليق