الحديث في السيرة النبوية العطرة طيب جميل. عذب سلسبيل. تستروح النفوس في جنباتها الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة. وتستضئ العقول في إشراقاتها العبر والدروس القيمة. وتسر القلوب الطامحة لأنوار الحق بمواقف سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد.

وبمناسبة ذكري الإسراء والمعراج العطرة يقول د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إنه تأتي "آية" الإسراء"لنريه من آياتنا". و"آية" المعراج "لقد رأي من آيات ربه الكبري" لتقدم حقائق تتفجر من ينابيع "المعجزة الكبري" و"الآية العظمي" لتدفق إلي حدائق أزهار "السيرة النبوية".

وحول الرحلة الإيمانية يجيب د. كريمة علي بعض الأسئلة التي تشغل بال المسلمين:

* إلي ماذا تشير رحلة الإسراء والمعراج؟

** الإسراء بدأ من الحرم المكي بمكة المكرمة وانتهي إلي المسجد الأقصي بالقدس إشارة إلي انتهاء دور اليهود في الدعوة الإنسانية.

وانتقال هذا الدور الجامع لمركزيّ وسبطيّ الدعوة الإبراهيمية الحنيفية "إسحاق وإسماعيل" إلي الأمة الإسلامية التي تنسب من جهة رسولها محمد -عليهم السلام- إلي إسماعيل ومن جهة الإيمان العقائدي إلي إسحاق وإسماعيل -عليهما السلام- معاً. وانتقال الدور القيادي من اليهود بجرائم سطرتها كافة الكتب السماوية المنزلة إلي أمة الإسلام المؤمنة بالله -عز وجل- حق الإيمان المسلمة له صدق الإسلام فلا عجب أن يأتي التذكير عقب آية الإسراء مباشرة.

* الإسراء لا يكون إلا بالليل فما وجه ذكر الليل؟ 

** قال الله عز وجل: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ". "ليلاً" بلفظ التنكير تدل علي تقليل مدة الإسراء. وأنه أسري به في بعض الليل وذلك أن التنكير فيه قدر دل علي البعضية.

* ما المراد من "المسجد الحرام" و "المسجد الأقصي" في الآية الكريمة؟

** تعددت الأقوال في المراد من "المسجد الحرام" في الآية الكريمة: قيل هو المسجد الحرام بعينه وهو الذي يدل عليه ظاهر الآية. يعضده ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "بينما أنا في المسجد الحرام في الحجرة عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق ..." 

وقيل من دار أم هانئ بنت أبي طالب. والمراد علي هذا القول بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد. والحرم كله مسجد.

أما "المسجد الأقصي" فاتفق المسلمون علي أنه بيت المقدس بالقدس بفلسطين ووصف بالبركة حوله لأنه مقر الأنبياء ومجمع الرسل -عليهم السلام- ومهبط الملائكة. وما حوله من بركات الأرض بالأزهار والثمار.

* ما دلالة نهاية الإسراء وبداية المعراج من المسجد الأقصي؟ 

** قوله عز وجل "إِلَي الْمَسْجِدِ الأَقْصَي" يعني بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام وإيلياء معناه: بيت الله. وبيت المقدس بناه سليمان عليه السلام. وكان داود عليه السلام وفي الصحيح أنه وضع للناس بعد البيت الحرام بأربعين سنة. وهذا يدل علي أنه بني أيضاً في زمن إسحاق ويعقوب عليهما السلام لكن بنيانه علي التمام والكمال والهيئة كان علي عهد سليمان عليه السلام.. "وباركنا حوله" يعني الشام ومعناه بالسريانية: الطيب سميت بذلك لطيبها وخصبها وثمارها وزروعها.

وجعل الله تعالي نهاية "الإسراء" ومبدأ "المعراج" من "المسجد الأقصي" بالقدس دلالة علي أنه الإمام الأعظم والرئيس المقدم حيث صلي بالأنبياء والرسل عليهم السلام بمحلتهم ودارهم.

* يدعي بعض الكتابيين أنه لا يوجد دلالة في آية الإسراء علي أنه وقع للنبي محمد صلي الله عليه وسلم؟ 

** أجمع العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ومؤرخين علي أن المراد بقوله عز وجل "بعبده" محمد صلي الله عليه وسلم. وقد تضافرت الأخبار والآثار علي ذلك. ومن ذلك ما روي أنه "لما وصل محمد صلي الله عليه وسلم إلي الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعارج أوحي الله عز وجل إليه: يا محمد. بم أشِّرفك؟ قال يا رب بأن تنسبني إلي نفسك بالعبودية فأنزل الله فيه "سبحان الذي أسري بعبده" وعلي هذا فما يقال غثاء لا يلتفت إليه لأن من الأهداف جر أهل العلم إلي معارك جانبية وإشغال الأمة عن قضاياها المهمة. وإثارة شغب من غير مؤهلين للكتابة العلمية الصحيحة.

* هناك من يشكك في صحة أحاديث الإسراء والمعراج فما الرد؟ 

** تواترت الروايات في الإسراء والمعراج عن: عمر بن الخطاب. وعلي. وابن مسعود. وأبي ذر. ومالك بن صعصة. وأبي هريرة. وأبي سعيد. وابن عباس. وشداد بن أوس. وأبي بن كعب. وعبد الله بن عمرو. وجابر. وحذيفة. وأبي أيوب. وأبي أمامة. وسمرة بن جندب. وصهيب الرومي. وأم هانئ. وعائشة. وأسماء رضي الله عنهم أجمعين. منهم من ساقه بطوله. ومنهم من اختصره علي ما وقع في المسانيد. وأحاديث الإسراء والمعراج أجمع عليها العلماء والعقلاء وأعرض عنها الجهلاء والأغبياء.

* بعض الكتّاب سببوا بلبلة من أن الإسراء والمعراج مجرد رؤيا منامية يرجو الرد عليهم؟

** آية الإسراء فيها "سبحان" والتسبيح يكون عند الأمور العظام فلو كان مناماً لم يكن شيئاً كبيراً مستعظماً. "بعبده" يشمل الروح والجسد معا. وآيات المعراج فيها "ما زاغ البصر وما طغي" والبصر من آلات الذات لا الروح. وأحداث الإسراء والمعراج فيها: ركوبه صلي الله عليه وسلمالبراق وهذا للبدن لا للروح. وتكذيب كفار قريش وتشكك ضعاف الإيمان وارتدادهم. ألا يدل هذا علي أن الإسراء والمعراج بالجسد والروح معاً. 

* هل رأي رسول الله صلي الله عليه وسلمرب العزة جل جلاله رؤية بصرية حسية؟ 

** الرؤية بالعين أي البصرية الحسية لم تثبت أصلاَ لعدم ورود نص شرعي صحيح يعتمد عليه. ولم ينقل أي قول عن الصحابة رضي الله عنهم وحاصل ما قاله أو ما نسب لابن عباس رضي الله عنهما رؤيته بالفؤاد. ولا يشغب علي هذا الاستدلال بقوله عز وجل "ثم دنا فتدلي" في سورة النجم.. فذلك لجبريل عليه السلام كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما. وسياق الآيات يدل عليه. وحاصل ما في سورة النجم أن رسول الله صلي الله عليه وسلمرأي جبريل عليه السلام علي صورته مرتين: مرة في الأرض. ومرة عند سدرة المنتهي.