غضب الطبيعة يدق أجراس الخطر، حرائق غابات وأعاصير، موجات جفاف تهدد 47% من سكان أوروبا وهي الأسوأ منذ 500 عام، فللمرة الأولى تسجل فرنسا 42 درجة مئوية والمملكة المتحدة 40 ، الحرائق تجتاح إسبانيا، فيضانات وحرائق بالجزائر ، عواصف مرعبة وجفاف سد المسيرة بالمغرب، سيول جارفة بالإمارات هي الأكبر منذ 27 عاما، وهطول أمطار غير مسبوقة باليمن.
الرسائل التى يبعث بها الكوكب من تغييرات مناخية غير طبيعية تثير قلق الشعوب، فكان لزاما علينا أن نتواصل مع من يدرك أبعاد الأزمة ويجيب على الأسئلة المطروحة في الوضع الراهن، تواصلنا مع د. خالد فهمي وزير البيئة الأسبق، الذي كانت مشكلة التغير المناخي على رأس أولوياته عندما كان المسئول الأول عن الملف في مصر، ولا يزال حتى الآن كأحد أبرز المهتمين به، وعرضنا عليه أسئلة تشغل بال القراء، فكان الحوار التالي.. وإلى نص الحوار:
ما أسباب التغيرات المناخية؟
تدخل الإنسان بحرق طاقة كبيرة بداية من الثورة الصناعية في أوروبا باستخدام الوقود الأحفوري، بداية من الفحم ثم البترول، هذه المحروقات خلفت ارتفاعا كبيرا في الغازات الدفيئة، عجزت الطبيعة عن امتصاصها فتسربت إلى الغلاف الجوي ما أدى إلى احتجاز الحرارة داخل الغلاف الجوي فحدث الاحتباس الحرارى وتبعاته.
وما الاحتباس الحراري؟
الاحتباس الحرارى هو إطلاق كم هائل من الغازات الدفيئة أكبر من قدرة البحار والمحيطات والأشجار على امتصاصها، ما أسهم في رفع درجة حرارة الأرض من 15 درجة مئوية إلى 16.2، ومرشح ارتفاعها إلى 18 درجة.
وما الغازات الدفيئة؟
بعضها من صنع الخالق، وأخرى من نواتج الإنسان، الطبيعية منها مثل بخار الماء وينتج عن عمليات تبخر الماء، ثاني أكسيد الكربون وينتج من احتراق الوقود الأحفوري وأي مصدر للدخان مثل عوادم السيارات، وأكسيد النيتروز، والميثان وينتج من الثروة الحيوانية والعمليات الزراعية وكلها غازات طبيعية، بينما غاز الكلوروفلوركاربون والبيروفلوركاربون التي تستخدم في أجهزة التكييف، وثاني أكسيد الكبريت، فكلها من صنع الإنسان وهي الأكثر ضررا.
وما الضرر منها ؟
الغازات الكربونية ليست ضارة كما يعتقد البعض، فهي من صنع الخالق، وتسهم في التوازن البيئي، فنحن نتنفس ونخرج ثاني أكسيد الكربون ولا خطر منه على الصحة، ربنا خلق مجموعة من الغازات حول الكرة الأرضية تمتص الحرارة وتساعد على إبقاء درجة حرارة الأرض عند معدلات تسمح بوجود الحياة، بمعدلها الطبيعي عند 15 درجة ولولا هذه الغازات لوصلت درجة حرارة سطح الأرض إلى 18 درجة تحت الصفر وتوقفت الحياة أيضا، لكن عندما يزيد حجمها عن المعدل الطبيعي تعجز عن امتصاص الحرارة وتؤدى للإضرار بالمناخ، وبالتالي الإنسان.
متى بدأت ظاهرة الاحتباس الحراري؟
معدلات زيادة درجة حرارة الكرة الأرضية لم تتوقف، لكنها كانت طفيفة غير محسوسة عبر آلاف السنين، وهو شيء طبيعي يخلق توازنا بيئيا، لكن معدل التغييرات الضارة زاد في الستينات والسبعينات من العقد الماضي، وبدأ تأثيره على البشرية، وتسارع التغيير حتى ارتفعت حرارة الأرض 1.2 درجة عن مستواها قبل الثورة الصناعية لتصبح 16.2 درجة.
ماذا لو استمر معدل الارتفاع ؟
لو استمرينا بهذا الشكل سنصل إلى درجة حرارة تهدد الحياة نفسها على هذا الكوكب، وتشير الإحصاءات إلى وفاة 15 مليون نسمة سنويا بسبب المناخ، وحال ارتفاع حرارة الأرض 3 درجات يصبح ربع الكائنات الحية مهدد بالفناء، وإن زادت الحرارة عن ذلك تهدد الحياة على الكوكب.
من المتسبب فى انبعاث الغازات ؟
الدول الصناعية الكبرى وفي مقدمتها الصين، تليها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الاتحاد الأوروبي، والهند وروسيا والبرازيل واليابان والمكسيك، إذ تنتج مجتمعة 62% من إجمالي الانبعاثات العالمية المقدرة بنحو 50 جيجا طن مكافىء ثاني أكسيد الكربون.
ما معنى وأهمية مؤتمرات المناخ؟
مؤتمرات المناخ بدأت عندما أحس العالم بتأثير تغير المناخ على الإنسان، وتوافقت 197 دولة على هدف تقليل الانبعاثات بالحد من استخدام الوقود الأحفوري واستبداله بالطاقات المستدامة من هيدروجين وشمس ورياح، لتخفيض الانبعاثات والتكيف معها، وقد شرفت بقيادة الوفد المصري في موتمر «باريس 2015» كوزير للبيئة، وكنا مسئولين عن الوفود الأفريقية، وتوصلنا إلى اتفاق عادل بثبات معدل زيادة حرارة الأرض في نهاية القرن الحالي عند 1.5 درجة إلى 2 درجة على الأكثر، لكن بعد جائحة «كوفيد 19» تم التخفيض إلى 1.5 درجة.
هل النتائج التى توصلت لها مؤتمرات المناخ السابقة كافية؟
اتخذنا العديد من التوصيات لكنها ليست كافية، قال في ذلك جون كيري مبعوث الرئيس الأمريكي لشئون المناخ، إن كل ما اتفقنا عليه في مؤتمر جلاسكو لو نفذناه لن نصل إلى أكثر من 65% مما نريد، وطالب الدول بالمشاركة في نسبة الـ 35% المتبقية، خاصة أن مخطط تخفيف استخدام الوقود الأحفوري بنسبة 50% حتى 2030 غير محدد.
بينما تحقق الدول الكبرى المكاسب تدفع أفريقيا الثمن.. ما رأيك؟
من حصد الأرباح يجب أن يدفع التكاليف، على الدول الصناعية أن تدفع الثمن، وتدعم الأخرى النامية فى التخفيف والتكيف مع الانبعاثات الكربونية، وهذا ما طالبت به في «COP 20» الذى ترأست الوفد المصري به.
هل توفي الدول الكبرى بالتزاماتها تجاه الأزمة؟
العالم يتفاوض على تكلفة استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة الجديدة والمتجددة، وهي أعلى تكلفة من الطاقة القديمة، الكل يتهرب من المسئولية، تم الاتفاق من قبل على إلزام الدول الكبرى بدفع 100 مليار دولار لمساعدة الدول المتضررة على التخفيف والتكيف، لكنها لم تلتزم ، إذن من يتحمل هذه التكلفة الآن بعدما ارتفعت درجة الحرارة وأدت إلى فيضانات وسيول وأعاصير.
لماذا لا تتحمل الدول المتسببة في الأضرار تلك التكلفة ؟
اختلاف في المصالح بين الدول على من يتحمل تكلفة تخفيف الانبعاثات ومن يتحمل تكلفة الأضرار وتخطى أزمة المناخ، وهو ما يضع مسئولية كبيرة على «COP 27» التي تنعقد في شرم الشيخ نوفمبر المقبل، لا نتحدث عن أزمة مناخ، بل عن من يدفع التكلفة، التكنولوجيا الخضراء التي نتحدث عنها موجودة في الغرب وتكاليفها مرتفعة، المتضررون يطالبون، والمتسببون يتهربون.
هل هناك تعطيل متعمد للتوصيات؟
المشكلة أن هناك اقتصاديات قائمة على الوقود الأحفوري، ومن الصعب أن تتوقف عن استخدامه، فهو مصدر دخل لها.
ما أسباب عدم تنفيذ التوصيات ؟
الدول النامية والبازغة ترفض الانتقال للطاقة المتجددة الأكثر تكلفة وتريد تأجيل المطالبة بحقها في التنمية، بعدما بدأت تحقق مكاسب مؤخرا من التصنيع، معللة مواقفها بأن الدول الكبرى استفادت لنحو 100 عام من التصنيع، مطالبة بحقها في استخدام قدرات الطبيعة على امتصاص كربون صناعاتها، فعلى سبيل المثال الصين تقول أنا دولة بدأت تنمية من 50 عاما ورغم أنها أكبر مصدر انبعاثات في العالم، تقول حقي في التنمية مثل أوروبا، ليس ذلك فقط، فالصين تخطط لتصل إلى قمة انبعاثاتها من الغازات الدفينة بحلول عام 2030، من 13.2 إلى 13.8 جيجا طن مكافىء ثانى أكسيد الكربون، ثم تبدأ في الحياد الكربوني حتى تصل إلى «صفر كربون» عام 2060، والهند في عام 2070، وتعلل تلك الدول التأجيل بحقها في الاستفادة من الطبيعة كما فعلت الدول الصناعية.
ماذا ننتظر من «COP 27» فيما يتعلق بأزمة المناخ؟
المؤتمر سياسي اقتصادي بيئي، وليس لأزمة المناخ فقط كما يعتقد البعض، فالبيئة مرتبطة بالسياسة والاقتصاد، الدعم الاقتصادي الذي تقدمه الدول الكبرى للنامية يقوم على اعتبارات سياسية عن مدى استجابتها ودعمها، المشكلة ليست تقليل درجات الحرارة إلى 1.5 أو 2، المشكلة متى ومن سيتحمل التكلفة، ونحن ننتظر الانتقال من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ.
ماذا تحقق من توصيات «COP 26» غي جلاسكو ؟
ما تم الاتفاق علية فى جلاسكو العام الماضي لم يتحقق بنسبة 90% ، الاتفاقات التي تمت حول تثبيت درجة حرارة الأرض حتى 2030 مجرد إعلان تعهدات، مشيرا إلى أن الاتفاق بخفض الانبعاثات 50% حتى 2030، جاء دون أن يحدد نسبة سنوية لذلك، وبالتالي لا يوجد التزام حتى 2029، وبدءا من 2030 يبدأ تخفيض النصف المتبقي حتى نصل إلى «زيرو كربون» في 2050 ، كذلك دعم الدول المتضررة بـ 100 مليار دولار للتخفيف والتكيف.
وما أهداف «COP 27» في شرم الشيخ ؟
تسعى مصر ليصبح المؤتمر نقطة التحول من الحديث إلى التنفيذ، وذلك بعد الانتهاء من الاتفاق على غالبية النصوص التفاوضية وعلى رأسها ما يتعلق ببرنامج عمل «اتفاق باريس» والحفاظ على الكوكب ووضع معايير متوازنة لحل مشكلة التكلفة المنتظر أن تصل 300 مليار دولار للتخفيف والتكيف، في الوقت الذي لم تلتزم فيه الدول الكبرى بدفع الـ 100 مليار التي تم الاتفاق عليها فى «COP 26» ، كذلك توزيع الأعباء، والأهم هو الوصول إلى «إجماع» من الـ 197 دولة، فالتوصيات غير ملزمة.
هل توجد آلية ملزمة للدول ؟
الاتفاقيات ليست ملزمة و ليس لها مخالب أو آليات واضحة للتنفذ، لكن الـ 197 دولة قطعت تعهدات على نفسها، وتحاول مصر نقلها إلى مرحلة التنفيذ الفعلي.
هل يمكن وضع مخالب للاتفاقية أو آلية ملزمة لتنفيذها؟
حاولت بعض الدول من قبل، وتم رفعها إلى مجلس الأمن، لكن تم رفضها، إذ أن الدول تتخوف من القواعد الإلزامية بالتفتيش والتدخل في سياساتها، حتى لا تتدخل الدول الكبرى فى شئون الصغرى، ولنا في العراق المثل.
هل يمكن وضع غرامات أو قيود لإلزام الدول؟
التغريم يؤثر على الاقتصاد، والاقتصادات العالمية لم تعد تتحمل بسببب كورونا، وفي ظل إعلان البنك الدولي أننا في الموجة الخامسة من أزمة المديونيات فى العالم فكيف نطالب دول غارقة في الديون بالدفع.
ماذا جهزت مصر لـ «COP 27» ؟
يركز المؤتمر على تنفيذ ما جاء في اتفاق باريس لخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والوصول للهدف العالمي للتكيف والخسائر والأضرار، علاوة على نقل التكنولوجيا وبناء القدرات لضمان وفاء الدول بالتزاماتها إذ تقدم مصر برنامجا طموحا هو «نوفي» الذي يمزج أدوات التمويل بمشروعات موحدة بدلا من مزج التمويل بدمج المنح والهبات والقروض والإعانات الخارجية في مشروعات موحدة لمساعدة الدول النامية على إتمام مشروعات التنمية المستدامة بما يصل إلى 80 % من القيمة المطلوبة، وحددت المشروعات في 3 مجالات وهي الأمن الغذائي والطاقة والمياه، لتنسيق التمويل من مصادره المتعددة بحيث يخدم المشروعات الموجودة في الاستراتيجية.
ما الإجراءات التي تتخذها مصر للتصدي لقضية التغيرات المناخية ؟
على الرغم من أن مساهمة مصر في الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحرارى لا تتجاوز 0.6 %، إلا أنها اتخذت العديد من إجراءات خفض الانبعاثات، فنجد أن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ تتضمن هدفا عن تحقيق نمو اقتصادي مستدام ومنخفض الانبعاثات، وتسعى للوصول بمساهمة الطاقة المتجددة بنسبة 42% من الطاقة الكهربائية المولدة بحلول عام 2035، بخلاف تعديلات تشريعية مشجعة للقطاع الخاص للمشاركة في مشروعات الطاقة المتجددة مثل مزرعة بنبان للطاقة الشمسية بقدرة 1.4 جيجا وات.
ما استفادة مصر من «COP 27»؟
مصر لا تبحث عن مكاسب شخصية، بل تسعى لطرح عدد من المبادرات الجادة والمؤثرة القابلة للتنفيذ في مختلف جوانب قضية تغير المناخ، والتى تعود بالنفع على الدول وتساعد في التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ، ومن منطلق هذا الهدف سيجري توقيع 16 اتفاقية لتمويل مشروعات الهيدروجين الأخضر في «COP 27».
هل تتخلى الدول المستفيدة عن مكاسبها لإصلاح المناخ؟
العالم لن يسير بهذه المثالية، نحن نعلم جيدا أن هناك آثارا وخيمة للمناخ لكن يجب الاتفاق على ما إن كان القرار هو وقف النمو الاقتصادي أم إبطاؤه أم تأجيله، في ظل أزمة كساد عالمي، واستمرار أزمة كوفيد، وأزمة أمن غذائي، وأزمة طاقة، وتصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية التي أصبحت مرشحة لتكون حربا عالمية، فهل تتفق روسيا مع أمريكا والصين في ظل الخلافات المتصاعدة، وهم مسؤولون عن 60% من الاحتباس الحراري؟.
هل التغيرات المناخية غير العادية التي طالت أوروبا قد تدفعها لتغير مسارها تجاه الأزمة؟
أرى أن الظروف غير مواتية لتحقيق الأهداف التي ننشدها، لكننا على الأقل سنتفق على ما تتفق عليه المصالح، الكل متفق على استخدام الطاقة الجديدة لا خلاف، لكن الخلاف على مدة التنفيذ.
هل من آليات ملزمة للتمويل ؟
فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، طالبت مجموعة الدول الأفريقية بفرض ضريبة عالمية على كل طن انبعاثات على أن توضع بصندوق ينفق على الدول النامية، أو تخفيض المديونية وإعادة جدولة الديون، وبدلا من دفع الديون للدول الدائنة تحتسب مشاركة منها في مشروعات خضراء في الدول النامية، لكن هذا الطلب لم يحسم حتى الآن.
اترك تعليق