استقالت رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس. بعد 44 يوما من توليها المنصب. بعد فشلها في الوفاء بوعودها بإنعاش اقتصاد بلادها. ومواجهة معدلات التضخم المرتفعة. والغلاء الذي يرهق المواطنين.
تولت تراس رئاسة الحكومة البريطانية منذ 6 سبتمبر الماضي. وتعهدت آنذاك باعتماد إصلاحات راديكالية لإنعاش الاقتصاد البريطاني واجتذاب الاستثمارات الخارجية. بعد الفتور الذي سببته جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية.
غير أن تلك الإصلاحات صدمت الأسواق المالية وهبطت بقيمة الجنيه الاسترليني إلي مستويات غير مسبوقة أمام الدولار وفجرت أزمة في سوق العقار والسندات. ورفعت فوائد الاقتراض الحكومية.
أقرت تراس في بيان الاستقالة بأنها عجزت عن الوفاء بوعودها. خاصة خطة التخفيض الضريبي التي أحدثت اضطرابات في الأسواق البريطانية.. وفي أعقاب جلسة صاخبة بمجلس العموم. أدركت تراس التي تراجعت شعبيتها إلي أدني مستوي. أنها تواجه سهام النقد من داخل معسكرها "المحافظين" قبل أن تتلقي سهام حزب العمال المعارض. وبات ينظر لبقائها في منصبها علي أنه سوف يلحق ضررا أكبر بالمحافظين إذا قدر له الاستمرار في السلطة.
رغم ذلك. يأمل المحافظون في أن يتمكن رئيس الوزراء الجديد في إعادة ترميم صورة الحزب بعد الفوضي التي خلقتها "عشوائية" تراس الاقتصادية. بعد أن قدمت ميزانية لا تستقيم مع الإمكانيات. واضطرت للتراجع عنها لاحقا.
رأي محللون أن نواب حزب المحافظين واجهوا خيارين أحلاهما مر. فاختاروا الأقل ضرراً بدفعهم تراس إلي الاستقالة. لتكون رابع رئيس للوزراء يسقط في عهدهم. بعد ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون.
تفسح تراس بانسحابها الطريق مجدداً لمنافسها السابق علي المنصب ريشي سوناك وزير الخزانة في عهد حكومة جونسون. كما تضم بورصة التكهنات وزيرة الدفاع السابقة بيني موردونت ووزير الدفاع الحالي بن والاس. كما يدخل جونسون نفسه دائرة الترشيحات من بعيد.
لكن لا يبدو أن مهمة خليفة تراس ستكون سهلة. فالمراقبون يتوقعون أن تستمر الفوضي. نظرا لاستمرار الأزمة الاقتصادية حتي منتصف العام المقبل. بحسب تقديرات المصرف المركزي. مع ارتفاع معدلات التضخم لأعلي مستوي لها منذ أكثر من أربعة عقود.
تترجم أرقام استطلاعات للرأي تراجع شعبية حزب المحافظين. الأمر الذي يسعي حزب العمال لاستغلاله من أجل العودة إلي مقاعد السلطة. خاصة مع اعتماد الحزب وزعيمه كير ستارمر الدعوة إلي إجراء انتخابات عامة مبكرة لوضع برنامج اقتصادي جديد بدلا من محاولة ترميم الوضع القائم.
اعتبرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن حكومة تراس غرقت في حالة من الفوضي. بعد موجة استقالات كان آخرها استقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان.. ووصفت ما جري خلال الأيام الماضية بأنه "انهيار للانضباط الحزبي" في مجلس العموم. مستشهدة بـ"تمرد" نواب في الحزب الحاكم علانية علي خطط للحكومة.
تحت عنوان "استقالة تراس". قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن المحافظين في بريطانيا يواجهون قائمة قصيرة من الخيارات السيئة. وأضافت أنهم لا يحظون بشعبية كبيرة. حيث تظهر بعض التوقعات أن الحزب يمكن أن يُمحي تقريبا إذا أجريت انتخابات اليوم.. ورغم الصورة المظلمة التي رسمتها "واشنطن بوست". أعربت عن تقديرها أن استبدال تراس هو الخيار الأكثر منطقية.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تناولت أيضا ما وصفته بالانهيار السياسي السريع. مشيرة إلي أن خليفة تراس سيكون ثاني قائد للبلاد لم تأت به انتخابات يدلي فيها جموع البريطانيين بأصواتهم لاختياره.
ألقت الصحيفة الضوء علي موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2025. مستبعدة أن يدعو إليها رئيس حكومة من معسكر المحافظين في ظل تراجع شعبيتهم وإدراكهم أن الفوز سيكون حتما من نصيب حزب العمال.
من جهتها. تطرقت صحيفة "الجارديان" البريطانية إلي مخاوف مجتمع الأعمال البريطاني.. وكتبت تحت عنوان "كفي سيرك" أن قادة الأعمال في المملكة المتحدة يدعون إلي الاستقرار الاقتصادي بعد استقالة تراس.
ركزت الصحيفة علي حالة الغضب والاستياء من "الفوضي السياسية" التي تهيمن علي قادة الأعمال في المملكة المتحدة. ودعوتهم لمن سيحل محل تراس للعمل سريعا علي تحقيق الاستقرار في الاقتصاد المتضرر من الأزمة.
ونقلت "الجارديان" عن توني دانكر. المدير العام لاتحاد الصناعات البريطانية. وهو أكبر مجموعة ضغط للأعمال في المملكة المتحدة. قوله إنه يعتقد أن نصف الشركات التي تفكر في الاستثمار ستنتظر حتي يستقر الوضع.. واعتبر دانكر أن سياسات الأسابيع الأخيرة قوضت ثقة الناس والشركات والأسواق والمستثمرين الدوليين في بريطانيا.. يجب أن ينتهي هذا الآن إذا أردنا تجنب المزيد من الضرر للأسر والشركات.
اترك تعليق