كان يوم السادس من أكتوبر 1973، يوم النصر بمعناه الشامل للقوات المسلحة المصرية على إسرائيل، ففي هذا اليوم سجل الجيش المصري العظيم العلامة الكاملة في تحقيق المفاجأة واختيار التوقيت المناسب لبدء القتال، وإدارة العمليات العسكرية، متجاوزا بذلك اصعب ثلاثة معوقات عرفتها الحروب في العالم "قناة السويس، والساتر الترابي، وخط بارليف الحصين"، مسجلا بخطته الفريدة أروع معارك الأسلحة المشتركة والتي دخلت ضمن أهم نظريات الحروب التقليدية بالمعاهد العسكرية في العالم.
بدأت المعارك في تمام الساعة الثانية يوم السادس من أكتوبر بتنفيذ 220 طائرة مقاتلة مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية شرقي القناة، بعدما عبرت الطائرات على ارتفاعاتي منخفضة للغاية لا تزيد على 30 مترا لتفادي الرادارات الإسرائيلية، وقد استهدفت المطارات الإسرائيلية ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصافي البترول ومخازن الذخيرة، وقد حققت القوات الجوية بهذه الضربات نحو 95% من أهدافها وفتحت الباب على مصراعيه لاستكمال بقية المهام الخططية.
بعد عبور الطائرات المصرية بخمس دقائقَ بدأتِ المدفعية المصرية قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكلي مكثفي تحضيراً لعبور المشاة. فيما تسللت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلي الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل إلي سطح المياه، وبعد نحو 20 دقيقة من بدء عملية الإطلاق، وجهت المدفعية نيرانها إلي النسق الأمامي لخط بارليف وقصفت العمق حيث مواقعُ النسق الثاني، كما قامت المدفعية بالضرب المباشر علي مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة من نيرانها. عقب عمليات التمهيد النيراني، نجح آلاف الضباط والجنود المصريين في عبور قناة السويس في قوارب مطاطية، ليعبروا إلي الضفة الشرقية للقناة وليبدأوا عملية تسلق الساتر الترابي، فيما تم بناء رءوس كباري وفتح الممرات أمامها في الساتر الترابي بالخراطيم المائية، وفي تمام الساعة السادسة والنصف كان نحو 31 ألف مقاتل مصري من خمس فرق مشاة قد عبروا القناة، واحتفظوا بخمسة رؤوس جسوري واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية، وذلك فيما عدا لواءي برمائي مكوني من عشرين دبابة برمائية وثمانين مركبة برمائية عبر البحيرات المرة في قطاع الجيش الثالث وبدأ يتعامل مع القوات الإسرائيلية، أيضا في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء اكتمل بناء أول جسري ثقيل وفي تمام الساعة العاشرة والنصف اكتمل بناء سبعة جسوري أخري وبدأت الدبابات والأسلحة الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمةً الجسورَ السبعةَ وإحدي وثلاثين معدية.
وحسب التقارير العسكرية فقد شهد أول قتال في حرب السادس من أكتوبر تحقيق المهمة الصعبة في عمليات العبور والاقتحام وأنجزت القوات المسلحة المصرية أولي مهامها بنجاح، وأصبح لدي القيادة العامة- في صبيحة اليوم التالي- خمس فرق مشاةي بكامل أسلحتها على الضفة الشرقية للقناة، بالإضافة إلي ألف دبابة، وتهاوي خط بارليف الدفاعي واستولي الجيش المصري على معظم تحصيناته، وليواصل في الأيام التالية أعظم المعارك والبطولات، مسجلا اعظم نصر في التاريخ.
المساعد أحمد محمد أحمد إدريس، الشهير بـ "أحمد إدريس"، أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، ابن القوات المسلحة، صاحب فكرة "الشفرة النوبية" أو اللغة النوبية التي استخدمت في الحرب، ووقف أمامها العدو الإسرائيلي عاجزاً بكل ما يمكنه من إمكانيات.
قصة المساعد أحمد إدريس، كما رواها قبل وفاته، بدأت عندما تطوع بالجيش المصري في سلاح حرس حدود في عام 1954 وحتي عام 1994، وأثناء فترة تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات الرئاسة، كانت توجد هناك بعض المشاكل من أهمها عملية فك الشفرات، فأمر القادة العسكريين لإيجاد حلول جذرية لتلك المشكلة، ومن حسن الحظ كان منتدباً مع رئيس الأركان "أحمد محمد أحمد تحسين شنن"، وفي أحد الأيام سمع ما دار بينه وبين العقيد "عادل سوكة" بخصوص ذلك الموضوع، فاقترح عليه استخدام اللغة النوبية كشفرة غير معروفة، لكونها في الأساس لغة تنطق ولا تكتب، ولن يستطيع أحد فك طلاسمها غير النوبيين فقط، فكان كلامه هذا أحد أسباب استدعائه إلي رئاسة الجمهورية لمقابلة الرئيس محمد أنور السادات، بعدما علم بمدي أهمية ما ذكره بطريقة قد تبدو عفويه، وبالفعل توجه إلي قصر الرئاسة وقابل الرئيس وشرح له بالتفصيل قصة هذه اللغة وكيفية توظيفها واستخدامها لتصبح شفرة غير مفهومة، وذكر له أيضاً النوبيين الذين يتحدثونها بطلاقة تامة على خلاف غيرهم من الذين تم تهجيرهم بعد عام 1964، وقد أعجب بالفكرة الرئيس.
وطلب منه عدم إخبار أي شخص بهذا السر مهما كان، وذلك نظراً لخطورته وأهميته القصوي في تلك الفترة، وبعدها حصل على إجازة لمدة 10 أيام، عاد للوحدة وفوجئ بخطاب من قيادة الجيش يتضمن إحضار الرقيب أحمد محمد أحمد إدريس بكامل مهماته الي القيادة، وعندما ذهب إلي قيادة الجيش وجد بالفعل العديد من الأفراد النوبيين، ثم تم وضعهم في معسكر مغلق، تدربوا خلاله على استخدام جهاز صغير مع معرفة كيفية إصلاحه، فكانت مهمتهم هي العبور خلف خطوط العدو عن طريق قوارب مطاطية والتمركز في أبيار "صهاريج المياه" التي تتجمع فيها مياه السيول، وذلك لمتابعة تحركات العدو من حيث أعدادهم وأماكن تنقلهم، وبدأوا العمل على نقل أخبارهم، فضلاً عن حصر عدد مركباتهم حيث كانوا لا يسيرون على أقدامهم، بل كانوا يستخدمون المدرعات أو الدبابات في السير، وبناءً على حصر أعدادها كان من الممكن معرفة أعداد هؤلاء الجنود الإسرائيليين الموجودين هناك.
وفي أحد الأيام وقت الظهيرة، سمعوا تحركات شديدة وأصوات الدبابات التي كانت تسير فوق الأبيار التي كنا نمكث فيها، ثم شعرنا بالهدوء فجأةً، فتسللوا لمعرفة ذلك عند الغروب، فوجدوا أكثر من 200 تريلا محملة بالكثير من الدبابات الإسرائيلية الجديدة وهي في طريقها إلي خط الأوسط، فقمنا على الفور بإبلاغ هذه المعلومة، فقام قائد الطيران آنذاك بإرسال طائرات قامت بضرب هذه التريلات حتي تحولت إلي كتل متهالكة لا تصلح لأي شيء، ونجحت هذه العملية بالفعل في تدميرها بالكامل، وفي مساء اليوم الخامس من شهر أكتوبر تم سحب كل الجنود الموجودين خلف خطوط العدو، وانضموا إلي الوحدات، لتبدأ المعركة بين القوات المصرية والإسرائيلية والتي انتهت بالنصر المبين.
جسدت حرب أكتوبر المجيدة وإسقاط الأسطورة الإسرائيلية عبقرية الشعب المصري الحر الأبي وقواته المسلحه التي غيرت مفاهيم الفكر العسكري في العالم حيث أصبحت معركة العبور مرجعًا يدرس في كل جيوش العالم، فقد كانت معجزة عسكرية بكل المقاييس.
بعد 67 وحالة الإنكسار التي خيمت على الشعب المصري قررت الدولة تجميع قوي الدولة الشاملة وتعبئة الجبهة الداخلية والالتفاف حول هدف واحد هو تحرير الأرض واسترداد الكرامة، وكان خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بداية تصحيح المسار.. حيث اعترف بالهزيمة وتحمله المسئولية معلنًا تنحيه عن الرئاسة ليخرج الملايين في مظاهرات شعبية حاشدة يرفضون التنحي يطالبون بالحرب واسترداد أرض الفيروز، لتبدأ مرحلة إعداد الدولة وتجهيزها للحرب والتي شملت عدة محاور من بينها تهيئة الشعب، وإعداد الأجهزة والمؤسسات، بالإضافة إلي الإعداد السياسي. والإقتصاد الوطني، وإعادة بناء القوات المسلحة، وتجهيز أرض الدولة كمسرح للعمليات، وجاء من بعدها مرحلة الصمود والاستنزاف.
الشعب
بدأ إعداد الشعب للحرب بإصدار القوانين المنظمة للعلاقة بين الشعب في جميع فئاته والقوات المسلحة والدولة، مثل إصدار قانون التجنيد وتعديل شروطه وقانون التعبئة العامة للأفراد والمعدات والمنشآت، وألزمت القوانين الأفراد الذين خرجوا من القوات المسلحة ويخضعون لخطة التعبئة والتدريب تم استدعاؤهم للجيش قبل الحرب، كما تم تعبئة الجيش بأفراد مدنيين يمتهنون مهن معينة مثل الأطباء والممرضين ومهندسين في بعض التخصصات، وكذلك فقد استدعت القوات المسلحة العديد من وسائل النقل المدنية للحرب، حيث تم تعبئة سيارات النقل والأتوبيسات العامة ووضعها ضمن خطة التعبئة الشعبية، وكذلك تم رفع الوعي الشعبي لدي المصريين قبل الحرب من خلال مناهج التعليم في المدارس والجامعات، ولعب الأزهر الشريف والكنيسة دورا وطنيا مهما في تعبئة الشعب ورفع روحهم المعنوية، وأيضا استخدمت الدولة وسائل الإعلام والتليفزيون في بث الروح الوطنية من خلال الأناشيد والأغاني الوطنية.
مكاسب دبلوماسية
فترة إعداد الدولة لحرب أكتوبر بدأت عقب نكسة 1967 مباشرة، من خلال سعي مصر السياسي والدبلوماسي الي المنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة، وقد حققت مكاسب دبلوماسية من هذه التحركات تمثلت في إدانة العدوان الإسرائيلي على مصر والأراضي العربية، وإصدار القرار رقم 242 من الأمم المتحدة الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، الا أن اسرائيل لم تنفذ القرار واستمرت في الاحتلال. كما استمر سعي مصر لقبول مبادرات السلام التي أعلنت في ذلك الوقت مثل مبادرتي "يارنج" و"روجرز"، بالإضافة الي مبادرات مصرية عديدة للسلام، إلا أن اسرائيل أعلنت من جانبها رفضها هذه المبادرات.
كما بدأت مصر في تجميع القوي العربية للضغط على المجتمع الدولي وتوصلت الي شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة" في توصيات مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، الذي عقد في 29 أغسطس 1967، بمشاركة رؤساء 11 دولة عربية، وكان للرئيس الراحل أنور السادات دور دبلوماسي كبير استطاع أن يوحد القوي العربية في تحالف واحد قوي والتنسيق معه على تنفيذ الحرب واستعادة الأرض في ظل تعنت إسرائيل ورفضها لكل سبل السلام، وتجلت تحركات السادات وعصمت عبدالمجيد في الأمم المتحدة وكواليسها للتغطية علي استعدادات مصر للحرب.
واستطاعت مصر أن تعيد بناء القوات المسلحة وتكوين قيادات ميدانية جديدة، كما تم استحداث الجيشين الثاني والثالث الميدانيين، وإعداد القيادات التعبوية الجديدة، وإعادة تشكيل القيادات في السلاح الجوي، وإدخال نظم تدريب على كل ما هو أساسي للحرب، والتدريب على مسارح مشابهة لمسرح عمليات الحرب، كما احتفظت القوات المسلحة بالقوة الرئيسية من المجندين، واستعدت للحرب بكل ما هو حديث في تكنولوجيا التسليح وقامت بتطوير أسلحة المشاه واستبدلت الدبابات القديمة وتم إحلال المدفعية القديمة بأخري متطورة وتم الدفع بطائرات حديثة في سلاح الدفاع الجوي وإدخال طرازات جديدة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة الي جانب الصواريخ طويلة المدي وكذلك تطوير معدات المهندسين العسكريين وأجهزة الكشف عن الألغام وإدخال أسلحة غير تقليدية ابتكرها مهندسون مصريون مثل قاذفات اللهب المحمولة علي الأكتاف ومسدسات المياه التي استخدمت في هدم خط برليف الرملي، وتم تدريب الجنود على أسلوب اقتحام الموانع المائية والنقاط القوية المشرفة علي حمايتها، وأسلوب الدفاع عن مناطق التمركز والوحدات والمعسكرات لمواجهة العناصرالمتمركزة خلف خطوط الدفاع الإسرائيلي، وكذلك إجراء المشروعات سواء علي مستوي القيادة التعبوية والإستراتيجية، أو المشروعات التكتيكية للجنود على موضوعات الهجمة المنتظرة من العدو، واستمرار وتكرار هذه المشروعات ضمن ما سمي بـ "خطة الخداع الاستراتيجي" التي وضعها المشير محمد عبدالغني الجمسي والتي أوحت للعدو وقتها بعدم جدية مصر في اتخاذ قرار الحرب.
اقتصاد حرب
أما الاقتصاد المصري فقد تحول قبل حرب أكتوبر الي "اقتصاد الحرب" وهذا يعني تعبئة جميع المصانع ومنتجاتها لاستيفاء احتياجات اللقوات المسلحة وكان للشعب المصري دور كبير في تلك المرحلة الفارقة من التاريخ حيث تحمل الكثير، كما كان لتحويل الاقتصاد الي الحرب أثر مباشر على الصناعة المدنية، ولجأت الدولة ضمن خطتها في خداع العدو الي توقيع تعاقدات دولية لتوريد السلع الاستراتيجية مثل القمح على مدد زمنية غير منتظمة حتي لا تلفت انتباه العدو الي أن الدولة تقوم بتخزينها وقد تم تحقيق الاحتياطي اللازم من هذه السلع ليكفي احتياجات الدولة لمدة 6 أشهر قبل الحرب مباشرة.
مسرح العمليات
وعن مسرح عمليات أكتوبر 73 فقد تم إعداد كل أراضي الدولة كمسرح حرب من خلال إنشاء الطرق اللازمة لتحرك القوات وقد اشتركت كل قطاعات الدولة المدنية والعسكرية في إنشاء هذه الطرق، وكان يتم وقتها الاعلان عن إنشاء شبكة الطرق طبقا للخطة الخمسية لوزارة النقل والمواصلات فتم إنشاء شبكة طرق كبيرة ومدقات لخدمة المناطق الجبلية في الضفة الغربية، كما تم إنشاء شبكات كباري صنعت خصيصا لتتحمل عبور المعدات الثقيلة مثل الدبابات والمدرعات وناقلات المعدات الحربية، وكذلك كباري حديدية مؤقتة لهذه المهمة وكذلك إنشاء التحصينات على أرض المعركة وزرع الألغام اللازمة لتأمين مسرح العمليات من العدو.
كما استعدت الدولة بإنشاء مطارات عسكرية جديدة وقريبة من الضفة وتحصينها بـ "الدشم" وإنشاء شبكات المواصلات السلكية واللاسلكية وخطوط الإمداد بالوقود والمياه في مسرح العمليات لتسهيل عملية العبور الي الضفة الشرقية، وإنشاء الملاجئ للمدنيين في المدن والقري لحمايتهم من تأثير نيران العدو حول الأهداف الحيوية التي قد يستهدفها في تلك المناطق.
أجهزة الدولة
دعا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلي إنشاء مجلس الدفاع الوطني عام 1968 والذي تكون من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء و5 وزارات أساسية هي (الدفاع، والداخلية، والخارجية، والإعلام، والمالية) بالإضافة الي باقي الوزارات وعدد من الجهات السيادية، وكان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو وجود تنسيق فعلي بين مؤسسات الدولة لتذليل العقبات في سبيل اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة والابتعاد عن الاجراءات الحكومية الروتينية المعروفة. وتسهيل كل العقبات التي تواجه أي خطوة في الحرب.
حرب 73 أكتوبر وتحرير سيناء نسيج متكامل من الإعداد والتخطيط والتنفيذ لأبطالنا من أبناء القوات المسلحة. وخطة الخداع الاستراتيجيپأحد أهم أسباب النصر العظيم.. حيث تم خداع دولًا كاملة علي رأسها إسرائيل التي لم تكن تتوقع أو تتخيل الهجوم المصري عليها.
في يوليو 1972 اجتمع الرئيس السادات مع قادة القوات المسلحة لوضع خطة خداع استراتيجي يسمح لمصر بالتفوق علي التقدم التكنولوجي والتسليحي الإسرائيلي عن طريق إخفاء أي علامات للاستعداد للحرب وحتي لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاضية للقوات المصرية في مرحلة الإعداد علي الجبهة. واشتملت الخطة علي ستة محاور رئيسية:
الجبهة الداخلية
المحور الأول يتعلق بالجبهة الداخلية، وتضمن عدة إجراءات منها استيراد مخزون استراتيجي من القمح، عن طريق تسريب معلومات بأن أمطار الشتاء قد غمرت صوامع القمح، وأفسدت ما بها، وتحوّل الأمر لفضيحة إعلامية استوردت مصر على أثرها الكميات المطلوبة، بالإضافة إلي إخلاء المستشفيات تحسباً لحالات الطوارئ، وذلك عن طريق تسريح ضابط طبيب من الخدمة وتعيينه بمستشفي الدمرداش، ليعلن عن اكتشافه تلوث المستشفي بميكروب، ووجوب إخلائها من المرضي لإجراء عمليات التطهير، وفي اليوم التالي نشرت "الأهرام" الخبر معربة عن مخاوفها من أن يكون التلوّث قد وصل إلي مستشفيات أخري، فصدر قرار بإجراء تفتيش على باقي المستشفيات، وأخليت جميعها.. كما تم استيراد مصادر بديلة للإضاءة أثناء تقييد الإضاءة خلال الغارات، عن طريق تنسيق أحد المندوبين مع مهرب قطع غيار سيارات لتهريب صفقة كبيرة من المصابيح مختلفة الأحجام، وبمجرد وصول الشحنة كان رجال حرس الحدود في الانتظار، واستولوا عليها كاملة وتم عرضها بالمجمعات الاستهلاكية، ومن أجل تقليل الانتباه العام دعا الفريق أول أحمد إسماعيل جميع وزراء الحكومة يوم 27 سبتمبر 1973 لزيارة هيئة الأركان العامة لإطلاعهم على الجديد من الأجهزة المكتبية والحاسبات الآلية.
نقل المعدات للجبهة
المحور الثاني تضمن إجراءات تتعلق بنقل المعدات الثقيلة للجبهة كالدبابات، عن طريق نقل ورش التصليح إلي الخطوط الأمامية، ودفع الدبابات إلي هناك في طوابير بحجة إصابتها بأعطال، كما تم نقل معدات العبور والقوارب المطاطية عن طريق تسريب المخابرات تقريراً يطلب فيه الخبراء استيراد كمية مضاعفة من معدات العبور مما أثار سخرية إسرائيل. وعندما وصلت الشحنة ميناء الإسكندرية، ظلّت ملقاة بإهمال على الرصيف حتي المساء وفي ظل إجراءات أمنية توحي بالاستهتار واللامبالاة، وأتت سيارات الجيش فنقلت نصف الكمية إلي منطقة صحراوية بضاحية "حلوان"، وتمّ تكديسها وتغطيتها على مرمي البصر فوق مصاطب لتبدو ضعف حجمها الأصلي، فيما قامت سيارات مقاولات مدنية بنقل الكمية الباقية للجبهة مباشرة.
خداع ميداني
المحور الثالث، خداع ميداني، وضمن إجراءات منها توفير معلومات حيوية سمحت ببناء نماذج لقطاعات خط بارليف في الصحراء الغربية لتدريب الجنود عليها وخداع الأقمار الصناعية لملء المعسكر بعدد من الخيام البالية والأكشاك الخشبية المتهالكة، ولافتات قديمة لشركات مدنية، وفي يوليو 1972 صدر قرار بتسريح 30 ألف من المجندين منذ عام 1967 وكان معظمهم خارج التشكيلات المقاتلة الفعلية. وفي مواقع خلفية.
التمويه برفع درجة الاستعداد القصوي للجيش وإعلان حالة التأهب في المطارات والقواعد الجوية من 22 إلي 25 سبتمبر، مما يضطر إسرائيل لرفع درجة استعداد قواتها تحسباً لأي هجوم، ثم يعلن بعد ذلك أنه كان مجرد تدريب روتيني حتي جاء يوم 6 أكتوبر فظنت المخابرات الإسرائيلية أنه مجرد تدريب آخر وبدأ القتال تحت ستار المناورة العسكرية المشتركة "تحرير 23"، ثم استبدلت خرائط التدريب بخرائط العملية "بدر" وكانت البرقيات والرسائل المصرية التي تعترضها المخابرات الإسرائيلية تؤكد أنباء تلك المناورة مما أدي إلي استبعاد إسرائيل لفكرة الحرب.
في أكتوبر 1973 تم الإعلان عن فتح باب رحلات العُمْرة لضباط القوات المسلحة والجنود، وكذا تنظيم دورات رياضية عسكرية مما يتنافي وفكرة الاستعداد للحرب، كما شوهد الجنود المصريون على الضفة الغربية للقناة صبيحة يوم الحرب وهم في حالة استرخاء وخمول، ويتظاهر بعضهم بأكل القصب وأكل البرتقال، ولإخفاء نية القوات البحرية في إغلاق مضيق باب المندب، نشر خبر صغير في شهر سبتمبر عام 1973، عن توجه 3 قطع بحرية مصرية إلي أحد الموانئ الباكستانية لإجراء العمرات وأعمال الصيانة الدورية لها، وبالفعل تحركت القطع الثلاث إلي ميناء عدن وهناك أمضت أسبوعاً ثم صدر لهم الأمر بالتوجه إلي أحد الموانئ الصومالية في زيارة رسمية استغرقت أسبوعاً آخر لزيارة بعض الموانئ الصومالية، ثم عادت القطع الثلاث من جديد إلي عدن وهناك جاءتهم الإشارة الكودية في مساء الخامس من أكتوبر 1973 بالتوجه إلي مواقع محددة لها عند مضيق باب المندب في سرية تامة عند نقط تسمح لها بمتابعة حركة جميع السفن العابرة في البحر الأحمر رادارياً وتفتيشها، ومنع السفن الإسرائيلية من عبور مضيق باب المندب طوال الحصار.
خداع سيادي
أما عن الخداع السيادي فقد تم اختيار موعد هجوم تحتفل فيه إسرائيل بعيد الغفران اليهودي، وتغلق خلاله المصالح الحكومية بما فيها الإذاعة والتليفزيون كما اختير على أساس الظروف المناخية والسياسية المواتية. كما كان المجتمع الإسرائيلي منشغل بالمعارك الانتخابية التشريعية، كما تم الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية اللواء حسني مبارك إلي ليبيا يوم 5 أكتوبر، ثم تقرر تأجيلها لعصر اليوم التالي 6 أكتوبر 1973.
وجه المشير أحمد إسماعيل الدعوة إلي وزير الدفاع الروماني لزيارة مصر في الاثنين 8 أكتوبر وأعلن رسمياً أنه سيكون في استقباله شخصياً لدي وصوله إلي مطار القاهرة، كما أعلن رسمياً عن الاستعداد لاستقبال الأميرة مارجريت صباح الأحد 7 أكتوبر.
استعدادات القوات المسلحة
وعن استعدادات القوات المسلحة فقد اشتملت الخطة على تحييد دور الملحقين العسكريين وضباط المخابرات بالسفارات بوضعهم تحت رقابة صارمة لمنع وصولهم إلي معلومات تمس سرية الاستعداد للحرب، حتي وصل الأمر إلي ترحيل الملحق العسكري الإسباني مصاباً خلال معركة بالأيدي على متن طائرة إسعاف. لنقله تحركات سلاح الطيران المصري دقيقة بدقيقة.
تضليل العدو
أما عن إجراءات تضليل العدو فتم عن طريق توفير المعلومات السرية عن العدو وتضليله عن طريق رجال جهاز المخابرات العامة ومنهم أشرف مروان، ورفعت الجمال "رأفت الهجان"، أحمد الهوان "جمعة الشوان"، كما استخدمت اللهجة النوبية لتشفير الرسائل الهامة بين القوات أثناء المعركة لتضليل معترضي تلك الرسائل.
أكتوبر 73.. ملحمة وطنية عظيمة عبر بها الشعب وجيشه خط المستحيل، وأثبت للعالم أجمع عظمة وعراقة المصريين وقدرتهم علي مواجهة التحديات وقهر الظروف الصعبة لاسترداد أرضه وكرامته.. ويحسب لمصر وقادتها الإدارة الحكيمة لمعركتها مع العدو الصهيوني وخداعها جميع أجهزة الاستخبارات العالمية واستباقها لدول الغرب في استخدام القوي الذكية والجمع بين القوتين الصلبة والناعمة، حيث فرضت سيادتها الكاملة على كل شبر من أرض الفيروز.
نجحت القوات المسلحة المصرية، في تغيير مفاهيم الفكر العسكري في العالم، بعد القضاء على أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وتدمير خط بارليف الذي أكد خبراء العالم أنه يحتاج إلي قنبلة نووية، وأصبحت معركة العبور مرجعًا يدرس في كل جيوش العالم. فقد كانت معجزة عسكرية بكل المقاييس. لنثبت للكون أن الجنود المصريين هم خير أجناد الأرض.. عقيدتهم "النصر أو الشهادة".. يضحون بالغالي والنفيس من أجل وطنهم.. فهم رجال وقت الشدة.. يعيشون درعا وسيفا للوطن.. ويموتون شهداء من أجل الشرف والكرامة.
ويعيش شعب مصر هذه الأيام وسط إنجازات تتحقق على كل شبر من أرض الوطن رغم كل الأزمات الاقتصادية والعالمية منتصرا على كل المؤامرات والمخططات التي تحاك ضد الوطن، مستلهما روح أكتوبر التي خلقت فيه إرادة فريدة، جعلته يتحدي المستحيل ويصنع المعجزات، فالإرادة كانت ولا تزال أقوي الأسلحة المصرية التي تدهس كل ما يقابلها بكل عزيمة وإصرار.
بانوراما أكتوبر أحد أهم المتاحف والمزارات العسكرية التي تجسد ذكري انتصار أكتوبر العظيم بأحدث الوسائل الفنية والتكنولوجية المتطورة حيث تحكي البانوراما بالصوت والصورة قصص معارك أكتوبر وأهم البطولات والانتصارات لجنود وشهداء 73 الذين حققوا هذا النصر الأعظم في العالم.
جاءت فكرة "البانوراما" عقب زيارة رئيس الجمهورية السابق لكوريا الديموقراطية عام 1983م وأنشئت علي يد فنيين كوريين بما يتناسب مع نصر أكتوبر وبطولاته التي حققها شعب مصر وأبناؤه علي مساحة 31 ألف متر مربع مع وجود منطقة انتظار سيارات بمسطح 6 آلاف متر مربع وقد تم افتتاحها في الاحتفال بأعياد أكتوبر يوم 5 أكتوبر عام 1989.
ساحة العرض المكشوف عبارة عن منصتين للعرض المكشوف أحدها لعرض نماذج من أسلحة قواتنا التي شاركت في حرب أكتوبر 1973. والأخري لنماذج من الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها.. المبني الرئيسي اسطواني قطره 44 م وارتفاعه 27 م. يعلوه برج من الحديد والنحاس. وارتفاعه 10.5 متر. ويحتوي علي لوحات جدارية وصور. تمثل أهم الحروب التي خاضها الجيش المصري علي مر العصور. بداية من الحروب التي خاضها القدماء المصريون. مثل معركة الملك نارمر لتوحيد القطرين. والحرب ضد الهكسوس. وانتهاءً بحرب السادس من أكتوبر.
كما يحتوي المبني علي قاعة عرض رئيسية بها مسرح دائري، يُعرض به أعمال ثلاثية الأبعاد تصور مراحل الحرب، وقاعة أخري تعرض مشاهد من أفلام حقيقية عن القتال في ميدان المعركة، بالاضافة الي قاعة تعرض معلومات ولوحات عن الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973، وقاعة أخري بها مكتبة تاريخية مزودة بقاعة للاطلاع.
تعتبر بانوراما حرب أكتوبر من أهم معالم القاهرة السياحية، والتي تشهد اقبالًا متزايدًا في ذكري نصر أكتوبر من كل عام، حيث يحرص الكثير من المواطنين على زيارتها، لتعزيز مشاعر الانتماء والفخر في نفوس أبنائهم، ولمشاهدة المعروضات واللوحات والأفلام التي تنقل الزائر لأجواء تلك الحرب المصيرية في تاريخ مصر.
اللواء ناجي شهود:
حررنا "أرض الفيروز" باستخدام قوي الدولة الشاملة
"67 - 73".. مرحلة فاصلة فجرت طاقات المصريين الحقيقية
أكد اللواء أركان حرب ناجي شهود المستشار الحالي بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة ان الفترة "1967 - 1973" هي مرحلة فاصلة وهامة في التاريخ المصري تفجرت خلالها طاقات الشعب المصري الذي أظهر قدراته الحقيقية وأبهر العالم أجمع بعبقريته في التخطيط والتنفيذ والخداع والمفاجأة حيث اجتمع علي تحقيق هدف واحد هو استرداد الأرض والكرامة وتخطي التحديات والصعاب مهما كانت الظروف والعوائق.
قال اللواء ناجي شهود على هامش احتفالات مصر وقواتها المسلحة بذكري تحرير سيناء ان ما تحقق في 25 ابريل 1982 هو انجاز حقيقي واعجاز يفتخر به جميع المصريين، فبعد شهر من حديث جولد مائير لوكالات الأنباء العالمية بأن الجيش الإسرائيلي دخل أفريقيا وأصبح على بعد 130 كيلو متراً من القاهرة، جاء هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك يوم 6 نوفمبر 1973 يطلب من مصر بالسماح للقوات الإسرائيلية بالعودة من غرب الي شرق القناة مرة أخري وتتعهد أمريكا بحل المشكلة واعادة أراضي سيناء كاملة لمصر، حيث بدأ من هنا العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني.
أضاف "شهود" استطعنا تحرير أرضنا الغالية باستخدام قوي الدولة الشاملة. حيث قامت القوات المسلحة بتنفيذ أوامر الشعب بتجاوز المانع المائي والساتر الترابي واقتحام خط بارليف ونقاطه الحصينة ورفع العلم على الضفة الشرقية، بينما قامت الدبلوماسية المصرية بدورها ودخلت وزارة الخارجية في صراع استمر 12 يومًا من 5 الي 17 سبتمبر 1978 للوصول الي بنود ومحددات تضمن حقوقنا كاملة، مشيرًا الي أنه نجاح متكامل الأركان شارك فيه جميع فئات الشعب المصري الفلاح والعامل والمدرس والكاتب والاعلامي والأديب والفنان والجندي والضابط والقائد، الجميع يرتدي "الأفارول" فان لم يكن فوق جسده فهو تحت جلده.
أوضح اللواء ناجي شهود ان محاولات تغيير هوية سيناء من أجل المصالح الإسرائيلية مستمرة، فما حدث في1967 هو استكمال لما حدث في 1956. وهو ما حدث بعد ذلك في مؤتمر الحسنة في 31 يناير، باعلان سيناء أرض دولية وهو ما رفضه البدو تماما أمام العالم، ثم محاولة الزواج من بدو سيناء لتغيير هوية الأرض ديانة وأرضًا. ثم أخيرًا محاولة اعلان سيناء امارة اسلامية، خارج سيطرة الدولة المصرية، وقد فشلت جميعها مع حكمة وفطنة الدولة المصرية وادراكها للألاعيب الحقيرة الخارجية، مؤكدًا أن الشعب المصري وجيشه العظيم لم ولن يفرط في حبة رمل واحدة من تراب الوطن مهما كانت الظروف والتضحيات.
أشار "شهود" الي أن ما تقوم به الدولة المصرية حاليا من أعمال تطهير لأراضي سيناء من الارهاب البغيض خطوة مهمة حققت نجاحات عديدة. بتدمير البنية التحتية للارهاب وقطع مصادر تمويله، مع البدء في أعمال التنمية علي أراضي سيناء الغالية مشيرًا الي أن أرض الفيروز تمتلك العديد من الامكانيات لتجعلها قبلة المستثمرين فلدينا أراضي كبيرة تصلح للزراعة والصناعة بالاضافة الي ما تضمه من ثروات تعدين فضلًا عن تمتعها بجميع مقومات السياحة بمختلف أنواعها الدينية والترفيهية والعلاجية والتاريخية.
أكد اللواء عادل العمدة، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن تكاتف الشعب المصري ووقوفه خلف قواته المسلحة وأبطالها أصحاب العقيدة الراسخة "النصر أو الشهادة"، كان السبب الرئيسي وراء نصر أكتوبر العظيم، واسترداد أرض سيناء وانهاء الأسطورة الإسرائيلية "الجيش الذي لا يقهر"، مشيرًا الي أن جيش مصر للمصريين، يحمي ويصون الأرض والعرض ويسعي دائما لتحقيق أمال وطموحات شعبه العظيم.
أضاف اللواء العمدة على هامش احتفالات المصريين بذكري نصر أكتوبر أن تلاحم الشعب والجيش، والاجتماع علي هدف واحد، هو استرداد الأرض والكرامة، والتفاف الجميع حول شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، كان سببًا رئيسيًا لهذا الانتصار الساحق، مشيرًا الي عبقرية التخطيط والتنفيذ لقواتنا المسلحة، التي تعد صمام الأمن والأمان لمصر والشرق الأوسط بأكمله، ووضح ذلك في مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي تحطم على أرض مصر بفضل وعي القوات المسلحة.
أشار "العمدة": علينا أن نذكر أن الشعب المصري وتلاحمه مع قواته المسلحة، لا يمكن لأي قوة مهما كانت أن تحطم ارادته، وأننا في هذه المرحلة الفارقة من التاريخ. نحتاج الي روح أكتوبر 73، والوقوف خلف القوات المسلحة في الحرب على الارهاب والتصدي لجميع المخططات الخارجية التي لا تريد لنا أمنًا ولا استقرارًا، لافتًا الي دور القوات المسلحة في البناء والتنمية رافعة شعار "يد تبني، ويد تحمل السلاح" حيث أشرفت على تنفيذ العديد من المشروعات القومية والتنموية والحيوية التي ساهمت في دفع عجلة الاقتصاد الوطنية وجذب الاستثمارات الخارجية.
أكد اللواء العمدة أننا نواجه عدوًا متخفيًا جبانًا مستتراً لا تستطيع أن تراه، وقد حققت قواتنا العديد من النجاحات على رأسها حصار الارهاب و"خفافيش الظلام"، والتأكيد لقوي الشر أن لمصر قوات مسلحة قوية قادرة على مواجهة التحديات وحماية الوطن أرضاً وشعباً، بالاضافة الي التنمية الاقتصادية والتأكيد على المستقبل الواعد لأرض الفيروز المقرر ان تكون قبلة المستثمرين في الداخل والخارج مشيرا الي أننا قطعنا شوطًا كبيرًا في هذا التحدي وان المرحلة القادمة هي مرحلة جني الثمار، وعلى المصريين المشاركة بالاجتهاد والاخلاص في العمل كل في مجاله والوقوف خلف القوات المسلحة التي لعبت دورا هاما في تحقيق التنمية في مصر في هذه الفترة الحرجة من عمر الوطن.
أحد رموز العطاء وحملة مشاعل التضحية والفداء، فخر الشعب المصري، الذين أسقطوا أسطورة الجيش الجيش الذي لا يقهر وأعطوا للعالم دروسًا في العسكرية والاقدام.. ولقنوا العدو دروسًا لن ينساها.. انه اللواء دكتور أركان حرب هشام الحلبي أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية.
قال الحلبي، ان مصر ورئيسها الراحل أنور السادات سبقت الغرب بسنوات طويلة في استخدام مفهوم القوة الذكية وهو المزج ما بين القوتين الصلبة والناعمة من أجل هدف واحد ويعد أحدث مفهوم لاستخدام القوة في العلوم السياسية والاستراتيجية توصل اليه الغرب حالياً.
أوضح الحلبي انه خلال حرب أكتوبر 73 استخدمنا القوة الصلبة لتحرير سيناء وكسرنا أنف العدو المتغطرس وأسطورة الجيش الذي لا يقهر. وبعد الحرب بدأت المفاوضات العسكرية وعملية السلام وهي القوة الناعمة حيث كان قرار الزعيم الراحل في منتهي الذكاء الاستراتيجي وهو يحسب له وللشعب المصري الذي وقف خلف قائده.
أضاف أننا كسرنا نظرية الأمن الإسرائيلية بتنفيذ 3 اقتحامات رئيسية هي قناة السويس والساتر الترابي وخط بارليف وقد كانت من الامور المستحيلة في ذلك الوقت وفقا لخبراء العالم الذين أكدوا أننا في حاجة للقنبلة النووية لاستعادة سيناء الغالية. خصوصا وأن هناك مانع مائي طبيعي محكم بخطة نيران محترفة وساتر ترابي بارتفاع 20 متراً وزاوية ميل 45 درجة ورماله ناعمة جدا وفي قاعدة الساتر أنابيب تصب الـ"نابالم" لاشعال سطح مياه قناة السويس وورائه خط بارليف المزود بنقاط دفاعية حصينة بها مخطط نيراني متكامل، مشيرًا الي أنه بعد تحرير الأرض ظلت طابا تحت الاحتلال حتي لجأت مصر للتحكيم الدولي وكان هذا الدور قانوني.
وأشار اللواء "الحلبي" الي أن ملحمة حرب أكتوبر هي انتصار ارادة شعب لم يقبل بهزيمة 67، وعلى الفور بدأت مرحلة بناء القوات المسلحة بسواعد أبنائها الشرفاء والتي استغرقت 6 سنوات في ظل صعوبات سياسية واقتصادية كبيرة وهو اعجاز لم يحدث من قبل، وكان أمامنا جهود مضنية لانشاء مطارات جديدة وممرات ودشم وتدريب الطيارين والفنيين وبرغم فارق التفوق العددي والنوعي بين الجانبين الا أن طيارينا ضربوا أروع الأمثلة في البطولة والجسارة، وكانت المعركة التي دارت فوق قاعدة المنصورة الجوية هي من أكبر وأطول المعارك الجوية في التاريخ الحديث حيث شاركت فيها 180 طائرة من الجانبين واستمرت 53 دقيقة وكانت نتيجة المعركة هي اسقاط 4 طائرات مصرية مقابل اسقاط 17 طائرة إسرائيلية وهي نتيجة رائعة بكل المقاييس العسكرية، ودخلنا حرب أكتوبر بتخطيط استراتيجي محترف مازال يتم تدريسه.
أكد الحلبي أن الأطماع في سيناء ما زالت مستمرة ولكن بأدوات مختلفة من بينها تصدير الارهاب والارهابيين ومحاولة فصلها عن الجسد المصري باعلانها امارة اسلامية وتواجه مصر تلك المؤامرات الخارجية بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية للقضاء علي الارهاب الأسود ثم المشروعات التنموية الجاري تنفيذها علي أرض الفيروز.
استطاع المصريون بالتحدي والصمود قلب موازين القوي العالمية بخطة أعتمدت على مفاجأة إسرائيل بهجوم من كلا الجبهتين المصرية والسورية، وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية الأمريكية لاسترداد الأرض التي احتلتها إسرائيل بالقوة، بهجوم موحد مفاجئ يوم 6 أكتوبر الموافق العاشر من رمضان، يوم عيد الغفران اليهودي.
بدأت مصر الحرب بضربة جوية تشكلت من 222 طائرة مقاتلة عبرت قناة السويس وخط الكشف الراداري للجيش الإسرائيلي مجتمعة في وقت واحد، استهدفت محطات الشوشرة والاعاقة في أم خشيب وأم مرجم ومطار المليز ومطارات أخري ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.
عقب الضربة الجوية بخمس دقائق قامت أكثر من 2000 قطعة مدفعية وهاون ولواء صواريخ تكتيكية ارض بقصف مركز لمدة 53 دقيقة صانعة عملية تمهيد نيراني من اقوي عمليات التمهيد النيراني في التاريخ، ثم بدأت عمليات عبور مجموعات اقتناص الدبابات قناة السويس، لتدمير دبابات العدو ومنعها من التدخل في عمليات عبور القوات الرئيسية وعدم استخدام مصاطبها بالساتر الترابي على الضفة الشرقية للقناة.
في الساعة الثانية وعشرين دقيقة أتمت المدفعية القصفة الأولي لمدة 15 دقيقة، وفي توقيت القصفة الثانية بدأت موجات العبور الأولي من المشاة في القوارب الخشبية والمطاطية وتدفقت موجات العبور بين كل موجة والاخري فاصل 15 دقيقة وصولا الي عبور 8 موجات من المشاة حتي الساعة الرابعة والنصف مساء حتي أصبح لدي القوات المصرية على الشاطئ الشرقي للقناة خمسة رؤوس كباري في الوقت الذي كانت قوات سلاح المهندسين تقوم بفتح ثغرات في الساتر الترابي لخط بارليف، وحين فتح الثغرات قامت وحدات الكباري بانزالها وتركيبها في خلال من 6-9 ساعات ومع حلول الظلام أتمت عملية العبور حتي أكملت 80 ألف مقاتل مشاة و 800 دبابة ومدرعة ومئات المدافع.
نجحت مصر وسوريا في تحقيق النصر وتم اختراق خط بارليف وتدميره حصونه خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة وأوقعت القوات المصرية خسائر كبيرة في القوة الجوية الإسرائيلية، ومنعت القوات الاسرائلية من استخدام انابيب النابالم، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر .
بدأ رجال الدفاع الجوي في الاعداد والتجهيز لحرب التحرير واستعادة الأرض والكرامة، مع وصول وحدات الصواريخ الحديثة وانضمامها لمنظومات الدفاع الجوي بنهاية عام 1970.
نجحت قوات الدفاع الجوي خلال فترة وقف اطلاق النار في حرمان العدو الجوي من استطلاع قواتنا غرب القناة باسقاط طائرة الاستطلاع الالكتروني صباح 17 سبتمبر 1971 وتم آنذاك ادخال منظومات حديثة من الصواريخ استعداداً لحرب التحرير، وكانت مهمة قوات الدفاع الجوي بالغة الصعوبة لأن مسرح العمليات لا يقتصر فقط على جبهة قناة السويس بل يشمل أرض مصر كلها بما فيها من أهداف حيوية سياسية واقتصادية وقواعد جوية ومطارات وقواعد بحرية وموانئ استراتيجية.
في اليوم الأول للقتال في السادس من أكتوبر 1973 هاجم العدو الإسرائيلي القوات المصرية القائمة بالعبور حتي أخر ضوء بعدد من الطائرات كرد فعل فوري توالي بعدها هجمات بأعداد صغيرة من الطائرات خلال ليلة 6/7 أكتوبر تصدت لها وحدات الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات ونجحت في اسقاط أكثر من 25 طائرة بالاضافة الي اصابة أعداد أخري وأسر عدد من الطيارين وعلى ضوء ذلك أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره للطيارين بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة أقل من 15 كم.
في صباح يوم 7 أكتوبر 1973 قام العدو بتنفيذ هجمات جوية علي القواعد الجوية والمطارات المتقدمة وكتائب الرادار ولكنها لم تجني سوي الفشل ومزيد من الخسائر في الطائرات والطيارين وخلال الثلاثة أيام الأولي من الحرب فقد العدو الجوي الإسرائيلي أكثر من ثلث طائراته وأكفأ طياريه الذي كان يتباهي بهم.
كانت الملحمة الكبري لقوات الدفاع الجوي خلال حرب أكتوبر مما جعل موشي ديان يعلن في رابع أيام القتال عن أنه عاجز عن اختراق شبكة الصواريخ المصرية وذكر في أحد الأحاديث التلفزيونية يوم 14 أكتوبر 73 "أن القوات الجوية الإسرائيلية تخوض معارك ثقيلة بأيامها.. ثقيلة بدمائها".
لعبت القوات البحرية المصرية، دوراً محورياً في تحقيق نصر أكتوبر العظيم، واستطاعت تحقيق جميع المهام المكلفة بها بنجاح وقامت بمعاونة الجيوش الميدانية في سيناء سواء بالنيران أو بحماية جانب القوات البرية المتقدمة بمحاذاة الساحل، كما قامت بالابرار البحري لعناصر القوات الخاصة على الساحل الشمالي لسيناء، وسيطرت علي مضيق باب المندب وباشرت حق الزيارة والتفتيش واعتراض السفن التجارية ومنعها من الوصول الي ميناء ايلات الإسرائيلي، مما أفقد الميناء قيمته وتم تعطيله عن العمل تماماً، ومن ثم عن طريق البحر الأحمر.
لعبت القوات البحرية دورًا مهمًا بالتعرض لخطوط المواصلات البحرية الإسرائيلية في البحرين المتوسط والأحمر بكفاءة تامة، وعلي أعماق بعيدة. مما أدي الي تحقيق آثار عسكرية واقتصادية ومعنوية علي إسرائيل وقواتها المسلحة.
كما نفذت القوات البحرية اغارة بالنيران على الموانئ والمراسي والأهداف الساحلية بإسرائيل وسددت ضربات بالصواريخ والمدفعية ضدها بأسلوب متطور اعتمد علي خفة الحركة وسرعة المناورة مع توفير قوة نيران عالية، فيما وفرت تأمين النطاق التعبوي للقواعد البحرية في البحرين الأحمر والمتوسط و كان له أكبر الأثر الفاعل في احباط جميع محاولات العدو للتدخل ضد قواتنا البحرية العاملة علي المحاور الساحلية، وساعد علي استمرار خطوط المواصلات البحرية، من والي الموانئ المصرية دون أي تأثير وطوال فترة العمليات.
فرضت خمسون قطعة بحرية مصرية سيطرتها على مياه البحرين المتوسط والأحمر اعتبارا من 27 سبتمبر 1973، كما وصلت مجموعة بحرية مكونة من المدمرات والفرقاطات والغواصات الي مضيق باب المندب بحجة مساندة اليمن الجنوبية. ومع بدأ العمليات في السادس من أكتوبر، وتم اعلان البحر الأحمر عند خط 21 شمالاً، منطقة عمليات و تمكنت البحرية المصرية خلال الفترة من 6 أكتوبر حتي 21 أكتوبر 1973 من اعتراض 200 سفينة محايدة ومعادية.
قامت وحدات بث الألغام البحرية باغلاق مدخل خليج السويس، كما هاجمت الضفادع البشرية منطقة بلاعيم و دمرت حفاراً ضخماً. فيما تم قصف منطقة رأس سدر علي خليج السويس بالصواريخ. لتصاب عمليات شحن البترول في خليج السويس الي ميناء ايلات بالشلل التام. حيث كان الهدف الاستراتيجي للقوات البحرية هو حرمان إسرائيل وقواتها المسلحة من البترول المسلوب من الآبار المصرية في خليج السويس والبترول المستورد من ايران و الذي يصل الي 18 مليون برميل سنوياً.
نجحت القوات البحرية في السيطرة علي مسرح العمليات البحرية بامتداد 1600 كيلو متر علي السواحل المصرية و400 كم علي سواحل فلسطين المحتلة وسيناء لتؤمن أجناب الجيش المصري الذي يخوض معركة التحرير في سيناء وتحيط به مساحات مائية هائلة من الشمال والجنوب.
لقن الجندي المصري بشجاعته وبسالته في حرب أكتوبر، الاسرائليين درسا لن ينسوه في فنون الحرب والقتال حتي اجبرهم على التخلي عن غرورهم، فجاءت شهاداتهم حول الحرب بمثابة توثيق تاريخي من قبل قوات العدو لمدي عظمة وعبقرية المقاتل المصري الذي استرد ارضه وكرامته بعد سنوات من تجرعه آلام الهزيمة.
اعترف وزير الحرب الإسرائيلي موشيه دايان في ديسمبر 1973 بأن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل، وان ماحدث في هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لهم مالم يروه من قبل وأدي كل ذلك الي تغير عقلية القادة الإسرائيليين.
كتب موشيه في مذكراته يقول "اننا لا نملك الآن القوة الكافية لاعادة المصريين للخلف مرة أخري، مشيدا بالدقة التي استخدم بها المصريون الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات وأن إسرائيل لو استمرت في دفع المصريين عبر القناة لوصلت قوتها العسكرية الي صفر.
أكد أن عليهم الاعتراف بأنهم ليسوا أقوي من المصريين وأن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهت الي الأبد وأن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب في ساعات اذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة. مؤكدًا انتهاء نظرية الأمن الإسرائيلي والقائمة على أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر.
شدد علي ضرورة ان يعوا أنهم ليسوا القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط وأن هناك حقائق جديدة لابد أن يتعايشوا معها.
وفي كتاب لها بعنوان ''حياتي''، أكدت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل انه لا شيء أقسي على نفسها من كتابة ما حدث في أكتوبر، موضحة أنه لم يكن مجرد حدث عسكري رهيب فقط وانما تخطاه الي كونه مأساة عاشت وستعيش معها حتي الموت، واضافت قائلة: "لقد وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ قيامها، وقد انهارت معتقدات أساسية كانت راسخة لدينا في ذلك اليوم ومنها ايماننا المطلق بقدرتنا على منع المصريين من عبور قناة السويس"، وأشارت الي أنها عندما تستعيد تلك الأيام فانها تذكر الأخبار المروعة التي تصلها من الجبهة والخسائر التي تمزق قلبها.
ذكرت مائير أنه في وقت حرب أكتوبر عبر المصريون القناة وضربوا بشدة قواتهم في سيناء، وتوغل السوريون حتي العمق في مرتفعات الجولان، وتكبدوا خسائر جسيمة على الجبهتين، وكان السؤال المؤلم لديهم انذاك "ما اذا كنا نطلع الأمة على حقيقة الموقف ام لا".
وفي مذكراته حول حرب أكتوبر، قال حايم هيرتزوج رئيس دولة إسرائيل الأسبق: "لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل السادس من أكتوبر وكان ذلك يمثل احدي مشكلاتنا، فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم، لقد كانوا صبورين كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا، كانوا يقولون ويعلنون الحقائق تماما حتي بدأ العالم الخارجي يتجه الي الثقة بأقوالهم وبياناتهم".
قال أهارون ياريف مدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق في ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس في 16 سبتمبر 1974: "لاشك أن العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين بينما نحن من ناحية الصورة والاحساس قد خرجنا ممزقين وضعفاء، وحينما سئل السادات هل انتصرت في الحرب أجاب انظروا الي مايجري في إسرائيل بعد الحرب وأنتم تعرفون الاجابة على هذا السؤال".
في نوفمبر 1973، قال وزير خارجية إسرائيل خلال حرب أكتوبر أبا البيان: "لقد طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر، لذلك ينبغي ألا نبالغ في مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي بل على العكس فان هناك شعورا طاغيا في إسرائيل الآن بضرورة اعادة النظر في علم البلاغة الوطنية، ان علينا أن نكون أكثر واقعية وأن نبتعد عن المبالغة".
لفت رئيس الوكالة اليهودية الأسبق ناحوم جولدمان في كتاب له بعنوان "الي أين تمضي إسرائيل" الي ان من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل في مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمناً باهظاً حوالي خمسة مليارات دولار.
وأحدثت تغيرا جذريا في الوضع الاقتصادي في الدولة الإسرائيلية التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل سنة، وأضاف أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت على الصعيد النفسي، حيث انتهت ثقة الإسرائيلين في تفوقهم الدائم.
ذكر زئيف شيف المعلق العسكري الإسرائيلي في كتاب له بعنوان "زلزال أكتوبر" أن حرب أكتوبر تعد أول حرب للجيش الإسرائيلي التي يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون الي علاج نفسي، موضحا أن هناك من الجنود من نسوا أسماءهم، وأكد أن نجاح العرب أذهل إسرائيل في حرب يوم عيد الغفران وفي تحقيق نجاحات عسكرية، وشدد شيف على أن هذه الحرب أثبتت أن إسرائيل عليها أن تعيد تقدير المحارب العربي خاصة وأنها دفعت ثمناً باهظاً اثناء هذه الحرب، وأضاف قائلا: "لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة الي القمة، وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت على السطح أسئلة: هل نعيش على دمارنا الي الأبد هل هناك احتمال للصمود في حروب أخري".
ألبرت سوادئي
كان ألبرت سوادئي من بين القلائل الذين كانوا على ثقة بأن القاهرة ودمشق تقومان بالتمويه وبأنهما ستقومان بتوجيه ضربة عسكرية لإسرائيل، وجاء في شهادته أمام لجنة اغرانات، من خلال وثيقة سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشرها للمرة الاولي، أنه كان له رأي مختلف بأن العرب سيشنون حربا، واستدل علي ذلك بالتغيير الحكومي الذي قامت به مصر في مارس من العام 1973، وأيضا بسبب تصريحات الرئيس أنور السادات أنذاك بأنه ذاهب للحرب، ولأنه تولي أيضا منصب رئاسة الحكومة،وهو ما يعني أنه سيقوم بأمر جدي وخطير.
أشار المسئول الإسرائيلي الي أن هناك عددًا من الدلائل والمؤشرات الاخري التي أكدت مخاوفه بدخول مصر المعركة، وعلى رأسها العتاد الخاص بتشييد الجسور الذي جلبه المصريون لمنطقة قناة السويس، وتسليح الوحدات البحرية، بالإضافة الي التعليمات بوقف صوم رمضان وغيرها.
لفت سوادئي الي أنه تلقي يوم الجمعة، 5 من أكتوبر، معلومة تفيد بأن رئيس "الموساد" في ذلك الوقت، تسفي زمير، سيقابل العميل المصري أشرف مروان، أحد رجال النخبة المصرية الحاكمة، وكان لديه شكوك كبري حول نواياه، كما أعرب عن تخوفاته من احتمال اختطاف رئيس جهاز الموساد، أوْ المس به، وقال أيضا ذهبت الي فردي عيني، مساعد رئيس الموساد، نقلت له شعوري عن قرب اشتعال الحرب، وعن علامات الاستفهام حول أشرف مروان وضرورة اتخاذ إجراءات احترازية.
ورداً علي سؤال اللجنة حول تقييم شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" للرئيس السادات، رد قائلاً انه بائع طماطم.. مشيرًا الي أن هذا التعبير يعني أن السادات رجلاً لكنه لا يساوي شيئًا، ولا موقف له، ولا يحترم، وتنقصه الخبرة في خبايا السياسة، ولا يمكنه أنْ يبقي في السلطة لمدة طويلة، ومع ذلك، استدرك المسؤول الإسرائيلي وقال للجنة انه بحسب تقديره الشخصي فان الرئيس المصري السادات كان رجلاً لا يتوقع ما هي خطوته المقبلة، وأنه بسبب قصر الوقت وشخصية السادات، كان لا يمكن توقع ماذا سيفعل، وأكد أن الاستخبارات العسكرية توصلت في نهاية المطاف الي استنتاج مفاده أن السادات كان ماكرًا ومدبرًا للمؤامرات، على حد قول المسؤول الإسرائيلي.
قائد سلاح الجو الأسبق
أكد اللواء بني بيلد قائد سلاح الجو الأسبق في إسرائيل أنه أبلغ جولدا مائير رئيسة الحكومة، والطاقم الأمني يوم 5 أكتوبر باحدي الجلسات، أن هناك احتمالاً كبيرًا في نشوب الحرب، خاصة مع تلقي المشرفين على الطائرات في مصر تعليمات بالتواجد في غرف العمليات صباح الجمعة 6 أكتوبر.
أضاف بيلد: "كان تقدير أن هجمة سورية ـ مصرية ستحدث في موعد مبكر وبالتحديد بين الساعة الثانية والثالثة ظهرًا، وليس في السادسة مساء كما توقعت رئاسة الأركان في تل أبيب"، وأكد أن سلاح الجو لم يُسمح له بالتقاط صور استخباراتية للأراضي المصرية في الأسبوع الذي سبق الحرب.
بني تلم قائد سلاح البحر الأسبق
ذكر قائد سلاح البحر الأسبق بني تلم أنه قبل أيام قليلة من الحرب تم تخفيض درجة التأهب في صفوف السلاح بعد توصيات من رئيس الاستخبارات الحربية ايلي زاعيرا"، مضيفًا "يوم 30 سبتمبر أو في بداية أكتوبر 73 وصلني ملخص لتقييم يشير الي أن الأسطول المصري في بداية مناورة كبيرة ذات مدي غير مسبوق، وأن الحديث يدور هنا عن رفع حالة التأهب للقيام بتدريب، أما امكانية التحول الي شن حرب من قبل مصر كانت منخفضة نسبيًا".
القي اللواء افراهام اذان، قائد المدرعات في حرب أكتوبر، بمسئولية الهزيمة على عدم تزويد الجيش الإسرائيلي بأسلحة متقدمة ومتطورة مثل نظيره المصري خلال الحرب، وتابع قائلاً: "لقد وجدنا أنفسنا أمام آلاف الجنود من المشاة المصريين، مزودين بالسلاح الأوتوماتيكي والمضاد للدبابات، كنا في وضع سخيف وغبي"، مضيفًا: "بشكل عام، لم يكن لدينا منظومة سلاح أكثر تطورا وتحديثا، ولو كنا كذلك، لكانت الأمور اختلفت"، وأشار الي انتشار حالة تهاون بقدرات المصريين العسكرية بين صفوف الجيش الإسرائيلي قبل الحرب، قائلا: "كانت حالة الاستخفاف والتهاون والازدراء موجودة، لقد قالوا أن المصريين غير مؤهلين لادارة المعارك، وأعتقد أن هذا كان خطأ كبيرًا".
في سياق شهادته أمام لجنة أغرنات الرسمية للتحقيق في اخفاقات حرب أكتوبر، حاول قائد اللواء الجنوبي في هذه الحرب، الجنرال شموئيل غونين والملقب بـ "غورديش"، والذي دفع أكبر ثمن في تقرير اللجنة، الدفاع عن نفسه وأكد انه -شخصيًا- تصرف علي أساس ان الحرب على الأبواب فطالب بمنحه أوامر لتوجيه ضربة مانعة، الا أنه تم رفض طلبه، وقال انه كان مقتنعا بأن مصر تنوي شن هجوم ولذا طلب قبيل الحرب امداده بقوات من الاحتياط لكن طلبه رفض ايضا.
لفت "غورديش" خلال شهادته بأن المشكلة لم تكن تكمن في مستوي الاداء الحربي والتحضيرات الإسرائيلية للحرب بل في النظرة الإسرائيلية تجاه العرب وتابع قائلا "كنا جميعا، وأنا أيضا، قد أقنعنا أنفسنا بأن العرب لن يجرؤوا على شن حرب علينا، وحسبنا انهم اذا حاربوا، فسيتراجعون من أول رد نقدمه"، مضيفاً: "كنا نعتقد بأننا سنصدهم حتي لو تقدموا 3 ـ 4 كيلومترات في سيناء، وتبين لنا ان نظرتنا الي العرب خاطئة ومبنية على مقاييس غير واقعية، مؤكدا أن المصريين نجحوا في مفاجأتهم وفي تضليلهم كما فاجأوهم بدقة خططهم العسكرية ودقة تنفيذها ومن ثم فلم يستطيعوا ردهم بعد تقدمهم لـ3 ـ 4 كيلومترات، بل انهم تقدموا 10 ـ 20 كيلومترا الي الأمام، وقال غورديش "أنا في أسوأ أحلامي لم أتوقع مثل هذه النجاعة في القوات المصرية".
ويحكي أروي بن أري مساعد قائد جبهة سيناء ما حدث في حرب أكتوبر قائلا: "في الساعات الأولي لهجوم الجيش المصري كان شعورنا مخيفا لأننا كنا نشعر أننا نزداد صغرا والجيش المصري يزداد كبرا والفشل سيفتح الطريق الي تل أبيب"، واستطرد: "في يوم 7 أكتوبر خيم علي إسرائيل ظل الكآبة ومنذ فجر ذلك اليوم وحتي غروب الشمس كان مصير إسرائيل متوقفا على قدرة صدها لهجوم مصر وسوريا، واكد أنه خلال الـ25 عاما منذ عام 1948 وحتي 1973 لم تتعرض إسرائيل لخطر الدمار بصورة ملموسة كما حدث في ذلك اليوم المصيري".
أكد العقيد "أمير رؤوبني" قائد الكتيبة 68 التي كان يتشكل معظم مقاتليها من قوات الاحتياط وتابعه للواء جولاني بالمنطقة الشمالية في هضبة الجولان المحتلة.
أن حالة من السخط كانت قد سادت بين صفوف قوات الاحتياط، وكانوا يطالبون بأن تكون اجازتهم 4 أيام في وقت كان هناك نقص في طواقم العمل بضباط المدفعية والتي تعد أحد ركائز الحرب الأساسية بأي جيش، وأوضح أن سيناريو اندلاع حرب أكتوبر عام 1973 لم يكن متوقعا، وأكد أنه حتي يوم 6 أكتوبر نفسه كانت التوقعات بأن الحرب ستبدأ في السادسة مساء وليست الثانية ظهرا.
قال رؤوبني: "تفاجأت في الثانية من ظهر يوم السادس أكتوبر من خلال اتصال لاسلكي يعلن عن بدء قصف الطائرات الحربية المصرية لبعض الأهداف الإسرائيلية في سيناء مع مشاهدة للقوات وهي تعبر قناة السويس، واستطرد قائلا "لقد صرخ أحد الأفراد من معقله علي الجهاز قائلا ،لقد جاؤوا الينا"سوف يذبحوننا"، بعدها انقطع الاتصال وبدأنا نواجه سيلا عارما لا يمكن وصفه من قوات الدفاع الجوي المصري.
أكد المقدم أمنون ريشف قائد الكتيبة 14 التي كانت تعمل بالمنطقة الجنوبية، أن التوقعات كانت تشير لاندلاع حرب أكتوبر في السادسة مساء. مضيفا أن خسائر الجيش الإسرائيلي في الدبابات كانت أكثر من القوات المصرية، موضحا أن الخسائر كانت أقوي خلال الساعة الخامسة والنصف مساء اليوم الأول.
وصف الجنرال شموائيل جونين قائد جيش إسرائيل في جبهة سيناء، هذه الحرب بأنها صعبة، ومعارك المدرعات بها كانت قاسية وأن معارك الجو فيها مريرة، موضحا أن الجندي المصري كان يتقدم في موجات تلو موجات رغم اطلاقهم النار عليه الا أنه يواصل تقدمه ويحيل ما حوله إلي جحيم ويظل يتقدم، ورغم أن القناة ايضا كانت بلون الدم الا أنه يزداد اصرارًا على التقدم.
قال جورج ليزلي رئيس المنظمة اليهودية قي ستراسبورج أن الجولة الرابعة من الحرب اسفرت عن كارثة كاملة بالنسبة لإسرائيل، موضحا أن نتائج المعارك انهت الشعور بالتفوق الإسرائيلي وجيشها.
تساءل عساف ياجوري أحد القادة العسكريين في الحرب والذي وقع في الأسر في الأيام الأولي للحرب "كيف حدث هذا لجيشنا الذي لا يقهر ؟ كيف أصبحنا في هذا الموقف المخجل ؟ وأين ذهبت سرعة الجيش الإسرائيلي وتأهبه.
أكد اسحق رابين أحد اهم الجنود الإسرائيلين في الحرب تدمير معظم المعدات التي تساعد علي استمرار القتال. موضحا أنه لولا الجسر الجوي الأمريكي لما استطاعوا الاستمرار في القتال والذي اعتبره أضخم جسر جوي في التاريخ.
المشير أحمد اسماعيل: وزير الحربية في الحرب والشريك الأول في رسم خطة التدريب للقوات المسلحة.
الفريق سعد الشاذلي: رئيس اركان حرب القوات المسلحة 1973 العقل المدبر للهجوم علي خط بارليف الحصين.
اللواء عبد الغني الجمسي: رئيس هيئة العمليات خلال الحرب قام باعداد دراسة عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية والتي تم بناء عليها اختيار يوم السادس من أكتوبر.
اللواء علي فهمي: قائد قوات الدفاع الجوي خلال الحرب ومنفذ حائط الصواريخ الذي كان أحد اسباب النصر.
اللواء محمد الماحي: قائد المدفعية في حرب أكتوبر حيث ادار معركة المدفعية بجدارة ووجه أكثر من 2000 بصورة فائقة أصابت اهدافها بدقة بالغة.
اللواء عبد المنعم واصل: قائد الجيش الثالث الميداني أمر الجنود أثناء حرب أكتوبر بمعاملة أسري إسرائيل معاملة إنسانية وفقا للقانون الدولي للحرب.
اللواء كمال حسن علي: قائد سلاح المدرعات.. قام باستلام العريش وتسليم العلم المصري الي الرئيس أنور السادات لرفعه فوق أول أرض مصرية تستردها مصر عقب الحرب.
اللواء سعد مأمون: قائد الجيش الثاني وقائد قوات الخطة شامل التي حاصرت الإسرائيليين في الدفرسوار.
اللواء محمد حسني مبارك: قائد القوات الجوية صاحب الضربة الجوية الاولي والتي كان لها أثر كبير في ضرب النقاط الحيوية للقوات الإسرائيلية في سيناء.
اللواء فؤاد ذكري: قائد القوات البحرية بحرب 1973 وهو الذي خطط للضربة البحرية التي تحدث عنها العالم كله وكانت اشارة النصر في حرب أكتوبر كما كان هو المخطط لعملية المدمرة إيلات.
اترك تعليق