الخصام صفة ذميمة تتملك الإنسان عندما يتشبث برأيه ويرفض التنازل حتي لا يخسر من يتخاصم معه. وقد تتدخل أطراف أخري لتزيد الأزمة اشتعالاً حتي يصل الأمر إلي عدم تحمل أي طرف أي كلمة أو حتي رؤية الطرف الآخر. وهناك أسباب كثيرة للخصام سواء بين الأزواج أو الأشقاء تؤدي إلي تفسخ العلاقات بين الاشقاء وتدميرها وتفسد الود بين الأزواج وتتقطع معها أواصر المودة والرحمة وصلة الرحم.
الخبراء أكدوا أن التمسك بالمنهج الإلهي في التعامل يقي كثيراً من مهالك الخصام وما قد يؤدي إليه من قطيعة وربما اللجوء للمحاكم سواء بين الأشقاء أو الأزواج بسبب الأنانية أو حب التملك والمصلحة الشخصية وعدم التنازل واختفاء دور كبير العيلة والحكماء في العائلات.
يقول د.أحمد زايد ـ أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ـ الخصام يدمر العلاقات الإنسانية بين البشر ويزرع الكراهيه فحين يسود يمزق العلاقات الاجتماعية ويدمر قيم التسامح ويخلق تواصلاً سلبياً بين أفراد المجتمع. فقيمة التسامح كبيرة ولكنها اختفت في ظل وجود الخلافات والمشاحنات والضغوط بين الإخوات أو الأزواج أو الجيران أو الأصدقاء أو الأحباب. فمن الطبيعي أن يزرع الآباء قيمة التسامح في نفوس الأبناء منذ الصغر لأنه يقي من الفتن ويمنع حدوث مشكلات ويؤلف بين القلوب ويزرع الحب في القلوب فلابد أن يعلم الآباء والأمهات أبناءهم أن التسامح فيما بينهم ليس ضعفاً وأنها قيمة لا يملكها إلا الشخص القوي الذي يتغلب علي نفسه وينهي أفكاره السلبية من الكراهية ليحل محلها الحب والمودة والرحمة.
المصلحة الشخصية
أضاف أن الخصام حين يسود بين الإخوات يدمر العلاقات ويقضي علي الطمأنينة والسعادة للأشخاص وقد تزايدت الخلافات بين الإخوات في الفترة الأخيرة بسبب البحث عن المادة فقط. فالكل يجري وراء تحقيق أحلامه وطموحاته وأهوائه الشخصية دون أن ينظر إلي مصلحة إخواته أو إعطائهم حقوقهم في الميراث مثلاً. فالخصام أو القطيعة من الصفات المدمرة للمجتمع ومن أكثر ما يبتلي به الناس علي مر العصور وهذا يرجع إلي سبب هام وهو سوء الظن بالآخرين الذي يؤدي إلي توتر العلاقات وبالتالي يخلق مشكلة خطيرة وهي انقطاع صلة الرحم فلابد أن يحسن الإنسان الظن بالآخرين وأن يبتعد عن الاندفاع والغضب وقت المشكلة وأن يحاول معالجة ما حدث بالتفاهم والرضا اللذين لهما مردود إيجابي لإنقاذ القيم المجتمعية والابتعاد عن القطيعة خاصة إذا كانوا أخوة تربطهم علاقات أسرية قوية.
قال: من الضروري أن نعترف أن لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً في نشر الخصام والمقاطعات بين الأصدقاء والأزواج والأشقاء فلابد أن نبتعد قليلاً عنها وأن نعود لثقافاتنا القديمة حتي تعود الراحة والطمأنينة في نفوس البشر.
المرحلة العمرية
ويقول د.أحمد جمال ماضي ـ استشاري الصحة النفسية ـ إن عدم الاستقرار النفسي لدي بعض الأشخاص قد يجعل ردود أفعالهم إزاء بعض المواقف أكثر حدة وعنفاً من غيرهم. وبالتالي يخسر هذا الطرف صديقه أو أخاه أو والده. فالتنشئة الأسرية لها دور مهم في تعامل الشخص مع الآخرين وكذلك التنشئة الدينية التي تجعل الأبناء أكثر قدرة علي التسامح وكظم الغيظ وعدم القطيعة. ولكننا نجد أن المرحلة العمرية التي يمر بها الفرد يمكن أن تؤثر علي ردود أفعاله فمرحلة المراهقة علي سبيل المثال يكون فيها الفرد أكثر عناداً وتشبثاً بآرائه وإن بدت خاطئة لذا فهو لا يتراجع عن موقفه في حالة الخصام ولا يفضل أن يكون الطرف الذي يعتذر للآخر حتي وإن علم في قرارة نفسه بأنه المخطئ في حقه.
يؤكد د.أحمد أن الخصام يؤدي إلي تآكل الشخص داخلياً ويجعله في أضعف حالاته المعنوية والعقلية أيضاً فالتحدث وتبادل الحوار يزيد من تدفق الدماء إلي المخ وبالتالي ينير مناطق جديدة في العقل ويجعله صاحب أفق واسع وقلب متفتح. والشخصية التي تجعل من الخصام منهجاً لها وطريقاً لا تحيد عنه شخصية غير سعيدة ومنعزلة عن الآخرين. ولديها مبالغة في تضخيم المشكلات.
اختفاء الحب
أضاف أن الخصام بين الأزواج أصبح أزمة تعاني منها 70% من البيوت نتيجة لعدم التفاهم وانعدام الانسجام واختفاء الحب فأمر طبيعي جداً أن تتولد الخلافات الزوجية مما يؤدي إلي عدم استقرار العلاقة وتهدد حياتهم الزوجية فمن أهم أسباب الخصام بين الأزواج رغبة كل منهما في السيطرة علي الآخر مما يؤدي إلي كثرة الخصام. بالإضافة إلي حب التملك الذي يخلق معظم الخلافات والمنازعات ويفسد مشاعر الحب ويحول البيت إلي تل من الأحزان. كما أن الشك والمبالغة في الغيرة للطرفين يدمر الحب ويشعل المشكلات ويتولد الخصام وتزداد حدة الابتعاد مما يصل أحياناً بالطرفين إلي طريق مسدود ويشعر أن هناك حاجزاً نفسياً يصعب إزالته ويتحول الأمر إلي أنهم يعيشون غرباء تحت سقف واحد ويصاب الأبناء بالاكتئاب.
كما أن اختلاف الطباع الشخصية بين الزوجين وعدم التنازل وكأنهم في حرب تولد لدي الشخص أنانية ويبتعد عن العطاء للآخر وبالتالي تهتز العلاقة فيما بينهم.
الكبار والحكماء
وتقول د.مني عادل ـ أستاذ علم الاجتماع ـ اختفي دور "الكبير" فزادت الخلافات التي ربما توصل الطرفين إلي المحاكم. اختفي "كبير العيلة" صاحب الكلمة المسموعة. الذي يحكم بالعدل بين الأشقاء والأبناء. والذي يهابه ويخشاه الجميع لقوة شخصيته ولصحة منطقه في الحكم علي الأمور. وكم من مشكلات تم إنهاؤها في مهدها قبل وصولها للمحاكم بعد تدخل "كبير العيلة". أيضاً كبار العائلات من عائلتي الزوجين الذين يتم اللجوء إليهم لحل أية خلافات تنشب بين الزوجين. وهذا ما أمرنا به الله عز وجل عندما قال في القرآن الكريم في سورة النساء: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً".
أضافت: أن نسيان الفضل بين الأشقاء والأزواج سبب معظم المشكلات التي تؤدي إلي الخصام وسيطرة الحزن علي البيوت وتهديدها بالخراب. فقد قال الله سبحانه وتعالي: "ولا تنسوا الفضل بينكم". فإذا تذكر كل طرف أفضال الطرف الآخر الذي وصل إلي مرحلة الخصام معه لانتهت حالات كثيرة من الخصام قبل أن تصل إلي طرف ثالث. وفي الحديث الطويل للرسول الكريم عن الخصام ينتهي بقوله: ".... فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". وهذا دليل علي أن صاحب الخلق القويم والنفس السوية هو الذي يبادر بالصلح سواء أكان بين الازواج أو الأشقاء.
اترك تعليق