أحدثت فعاليات الدورة الأخيرة "29" لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي تساؤلات كثيرة عن إمكانية هذا المهرجان في تعليم المسرحيين المصريين فنون التجريب ومشاهدة الرؤي الجديدة لفنون المسرح العالمي.
للإجابة علي هذه التساؤلات استطلعنا رأي مجموعة من أهل الإختصاص سواء من المثلين أو الكتاب أو المخرجين فماذا قالوا؟
في البداية يقول د.مصطفي سليم استاذ الدراما بأكاديمية الفنون: المهرجان التجريبي ليس فصلاً تدريبياً وليس أكاديمية فتحت أبوابها لتعليم مواد الفنون إنما يعد هذا المهرجان فرصة لفتح آفاق فنية جديدة أمام المبدعين سواء في مصر أو خارجها لأنه يسمح بالتعاون الثقافي بين قيادات التجريب وثقافات مختلفة لجميع الدول حيث يقدم هذا المهرجان مجموعة من الفعاليات والأنشطة الجديدة مثل نادي المسرح التجريبي وهو تعاون مع الثقافة الجماهيرية ومسابقات التأليف للنصوص القصيرة التي لا تزيد علي عشر أوراق كما يقدم ندوات طموحة لا يتوقف عند حدود المؤتمرات بل تتجاوز ذلك العمل بتنظيم ندوات لقراءة كتب جديدة وطرح موضوعات فرعية وموائد مستديرة.
يؤكد د.حسام عطا استاذ الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية.. أن هذا المهرجان منذ دورته الأولي في عام 1989 كان بمثابة نافذة يطل منها المسرحيون المصريون والعرب علي أحدث حالات التجريب والرؤي الجديدة في المسرح العالمي فعندما تولي الراحل د.فوزي فهمي رئاسة هذا المهرجان في دورته الثانية أضاف المحور الفكري المتمثل في ترجمة أحدث الإصدارات في جميع اللغات الحية المعاصرة مما غير من الفكرة المركزية في الترجمة من اللغة الإنجليزية والفرنسية فقط وعبر سنوات عديدة استطاع أن يكون مكتبة كبيرة من اللغة العربية الفصحي تتيح الفرصة لقراءة الافكار المسرحية الجادة في كل أنحاء العالم وقد حدث تراجع في فترة رئاسته للمهرجان في مجال الترجمة إلا أنه استطاع استعادتها بالتدريج خلال السنوات الماضية ولعل هذا العام شهد عودة واضحة بـ 26 كتاباً أتمني زيادتها والحفاظ علي هذه الفكرة المؤسسية الهامة.
واضاف لا شك أن هذا المهرجان قد أثري المشهد المسرحي المصري والعربي وساهم في تغيير شكل المشهد المسرحي في معظم العروض المسرحية ومن المدهش أن أثره الواضح يمكن أن نجده في عروض الهواه والمسرح المستقل أكثر من حضوره في العروض المحترفة كما أثر هذا المهرجان التجريبي علي لغة النقد المسرحي حيث ظهرت مصطلحات فنية جديدة مسرحياً وراء المناهج النقدية الحديثة مثل السميولوجيا.
أما الكاتب محمد أبوالعلا السلموني.. فيقول: إن المسرح التجريي منذ اقامته في فترة الثمانيات كان هدفه احداث نافذة للإطلاع علي التجارب الحديثة في المسرح العالمي وهذه هي فائدته الأولي التي استطاعت أن تقدم الصيحات الجديدة في عالم المسرح للمؤلفين والمخرجين المصريين والعرب وهذا أمر يستحق التقدير ولكن أن يتحول هذا المهرجان لمجرد تقليد الصيحات الحديثة فهو أمر لا يحقق الهدف الذي نسعي إليه وهو اقامة انتاج مسرحي قوي يعبر عن هوية المجتمع المصري والعربي فنحن نريد من هذا المسرح أن يساعدنا في تقديم رؤية قومية وشعبية في الفن المسرحي المصري لأننا معنيون في الأساس بقضية المسرح وهوية بلادنا لمعالجة قضايا الوطن ومواجهة التطرف والإرهاب بدلاً من الهروب إلي النزعات الشخصية والذاتية التي لا تعبر عن أهدافنا ومصالحنا القومية والوطنية ولذلك أتمني من مخرجينا ومؤلفينا أن يستفيدوا من تقنيات المسرح التجريبي لتقديم أعمال وطنية وليس للانغماس في أعمال بعيدة عن الواقع فالتجريب في رأيي لابد أن يكون فيما لدينا من تراث فني وأدبي وثقافي وينبغي أن نعمل به والجديد الذي يقدمه المهرجان التجريبي هو التقنيات الحديثة التي يجب أن نوظفها في تحقيق أهدافنا ومصالحنا.
ويقول الناقد أحمد خميس: المهرجان التجريبي له أثر كبير علي المسرحيين المصريين وخاصة الشباب منهم حيث أحدث تحولاً كبيرآً في طبيعة العرض المسرحي الجديد ودور العناصر الفنية المكونه له فقد شاهدنا كثيراً من عروض أوربية ساهمت في تطوير الأفكار خاصة المتعلق منها بالشكل ومكان العرض المسرحي وايضا في نوعية العروض التي تستند علي الارتجال وكفاءة الممثل وبعد عدة سنوات من هذا المهرجان التجريبي بزغ نجم العروض الراقصة علي سبيل المثال وشاهدنا مخرجاً مثل الراحل منصور محمد يخلق مزج ذلك النوع يغوص الواقع ومن ناحية ثانية فكر بعض المخرجين في كيفية الاستعانة بالموروث الشعبي بقديم حكاياته برؤية جمالية متطورة مثل عروض د.إنتصار عبدالفتاح وسعيد سليمان وناصر عبدالمنعم ومن ناحية ثالثة فكر كل من طارق الدويري وأحمد العطار وعمر المعتز بالله وهاني المكناوي في كيفية المزج. بين المسرح والآداب والشعر والموسيقي ويقدمون بعروضهم الجمالية المغايرة موضوعات مهمة للمسرح المصري مستفيدين بما يحدث في العالم من عروض جادة تشتبك مع الواقع الاجتماعي والسياسي والفني.
ويقول المخرج ياسر صادق ــ رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية والاستعراضية: بداية الفكرة التي نظمها المهرجان التجريبي العام الماضي في دورته 28 حققت فكرة نوادي المسرح التجرييية مع هيئة قصور الثقافة وهذا العام زادت الاعمال المسرحية المقدمة في المحافظات حيث كانت 8 مسرحيات العام الماضي أصبحت هذا العام 14 عرضاً مسرحياً وكانت "3" محافظات العام الماضي أصبحت هذا العام "6" محافظات بجانب تنظيم مسابقة موازية في العروض القصيرة التجريبية واعداد مجموعة من المسرحيين تقدموا بعروض مسرحية لهذه المسابقة مما أتاح الفرصة للمسرحيين أن يشاركوا في المهرجان بطريقة محترمة بالاضافة إلي انتقاء الورش المسرحية والحاجزين الذين يقدمون هذه الورش من الأجانب الذين لهم باع في التجريب مما ينمي قدرات المسرحيين الشباب.
يقول د.محمد زعيمة مدرس الدراما المسرحية بالمعهد العالي للنقد الفني: بصراحة المهرجان التجريبي له تأثير إيجابي كبير من حيث استحداث أشكال مغايرة للمسرح تتسم بعدم التقليدية وتقديم أشكال حديثة من المسرح غيرت من طبيعية المسرح المصري والعربي وأهم هذه التأثيرات هي ظهور اتجاهات فنية لم تكن موجودة من قبل مثل المسرح الراقص ومسرح الجسد وايضا كل ما يتعلق من اتجاهات ما بعد الحداثة وهو ما يظهر في أساليب الكتابة لنصوص المسرح التي لم تعد تعتمد علي الشكل التقليدي بل علي مشاهد متتالية لا يبدو فيها روابط واضحة علي مستوي العرض فقد أصبح مثال اهتمام بلغه الصورة ولم يعد العرض مجرد لغة واحدة هي اللغة المتطرفة بل اصبحت هناك لغات خشبة المسرح ومن ثم أصبحت كل عناصر العرض من ممثل وديكور وسيوغرافيا وموسيقي ومؤثرات فنية اخري سواء كانت عناصر مرئية ومسموعة تشكل مجموعة لغات الخشبة أؤ العرض المسرحي وهو ما أثري العروض المسرحية فأصبحت اكثر امتاعاً وفكراً.
وتقول المخرجة كريمة بدير مدير فرقة الفرسان للمسرح التجريبي بدار الأوبرا المصرية: مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي أتاح الفرصة للمسرحيين المصريين مشاهدة عروض تجريبية من دول العالم والاستفادة منها وأحداث تواصل بين الفنانين المشاركين في المهرجان مع بعضهم البعض كما أتاح هذا المهرجان مشاهدة عروض مختلفة من المسرح الراقص مثل العرض السوري "المنديل".
اخراج بسام فايز حميدي ويستعرض حياة زوجة مصابة بالعمي منذ الولادة حيث يعيشان معاً وفقاً لمجموعة من الأخيلة كوناها عن الحياة وعن علاقتها مع بعضهما البعض وتدور الأحداث لمدة 32 دقيقة بلغة الجسد فقط.
ويقول الفنان يوسف إسماعيل رئيس المهرجان القومي للمسرح المصري: نعم مؤكد أن شباب المسرحيين قد استفادوا من هذا المهرجان التجريبي والإطلاع علي أشكال مسرحية حديثة من خلال الدورات المختلفة للمهرجان.
بالإضافة إلي اختبار كل مبدع لهذه الاشكال المسرحية من خلال تعامله مع المسرح وإن هذه الاشكال المسرحية الجديدة توسع المدي وتفتح الأفق والخيال أمام المبدعين لاستلهام اشكال فنية جديدة ولكن الأهم من ذلك هل هذه الاشكال المسرحية الجديدة تتناسب مع الواقع المصري ومع الجمهور الذي تعود علي الفرجة من خلال اشكال مسرحية تقليدية وكلاسيكية وهنا يطرح السؤال نفسه هل كل ما نشاهده من اشكال مسرحية جديدة تتناسب مع واقعنا ومع جمهورنا وثقافتنا وعلي المستوي الشخصي شاهدت فعاليات هذا المهرجان منذ دورته الأولي وحتي الآن فكانت البدايات قوية جداً والعروض المسرحية تبشر بكل ما هو جديد إلا أن العروض بالتدريج أصبحت أقل قوة وجودة وإبداعاً عن عروض البدايات نظراً للظروف العالمية الراهنة والحروب التي تندلع في كل أنحاء العالم.
اترك تعليق