في تحرك يؤكد استمرار الأزمة السياسية في العراق. ويعزز المخاوف من انزلاق بلد الرشيد إلي مستنقع الحرب الأهلية. تجمع الآلاف من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدي الصدر من 4 محافظات. في المنطقة الخضراء وسط ساحة الاحتفالات. ويسعي التيار الصدري من خلال هذا التجمع للتأكيد علي مطالب الصدر. وكذلك إظهار القوة.
ومنذ أسبوع. يعتصم أنصار الصدر في مقر البرلمان العراقي. تعبيرا عن رفضهم لترشيح محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء. الذي يعتبرونه تابعاً لرئيس الحكومة الأسبق. نوري المالكي. خصم الصدر الرئيسي. وينظر للتحرك الشعبي الذي يدفع الصدر به في الأيام الأخيرة علي أنه محاولة للضغط علي خصومه السياسيين.
ويطالب مقتدي الصدر بحل البرلمان العراقي. وإجراء انتخابات مبكرة. معتبراً في الوقت نفسه أن لا فائدة ترتجي من الحوار من خصومه. فيما تعيش البلاد أزمة سياسية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
من جهته. عبر رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي عن تأييده للمضي قدما في إجراء انتخابات نيابية ومحلية خلال مدة زمنية متفق عليها بما ينسجم مع المصلحة الوطنية العليا للبلاد. وقال الحلبوسي عبر حسابه علي تويتر إنه لا يمكن إغفال إرادة الجماهير في انتخابات مبكرة دعا إليها مقتدي الصدر. كما جدد وزير التيار الصدري صالح محمد العراقي. دعوته لحل البرلمان العراقي وإجراء انتخابات مبكرة.
لكن الإطار التنسيقي وهو تكتل يضم الفصائل الموالين لإيران. خصوم الصدر. يرهنون دعمهم لأي مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب. بما في ذلك الانتخابات المبكرة. بعد تحقيق الإجماع الوطني حولها. وأضاف الإطار التنسيقي في بيان إنه يجب توفير الأجواء الآمنة لإجرائها. ويسبق كل ذلك العمل علي احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها.
وفي ظل هذا المشهد. يبدو أن الأزمة السياسية في العراق تزداد تعقيدا. فبعد 10 أشهر علي الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر 2021. تشهد البلاد شللاً سياسياً تاماً في ظل العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
كما يبدو العراق عاجزاً عن الخروج من الأزمة السياسية. إذ لم تفضِ إلي نتيجة المحاولات والمفاوضات للتوافق وتسمية رئيس للوزراء. وغالباً ما يكون المسار السياسي معقداً وطويلاً في العراق. بسبب الانقسامات الحادة والأزمات المتعددة وتأثير مجموعات مسلحة.
وحتي الآن. لا يبدو أن أيا من الجانبين مستعد للتراجع قيد أنملة في المواجهة المستمرة منذ عشرة أشهر والتي بدأت عندما خرج الصدر منتصرا في انتخابات أكتوبر وسعي بعدها لتشكيل حكومة وفقا لشروطه. بيد أن خصومه عرقلوا مساعيه.
وفي الوقت الحالي. يبدو أن الطرفين المدججين بالسلاح يعملان علي تجنب العنف انطلاقا من إدراكهما تأثير ذلك علي البلاد وعلي الأغلبية الشيعية التي صعدت إلي السلطة في إطار نظام سياسي أسسته الولايات المتحدة بعد الإطاحة بصدام السني. لكن في ظل الأحداث الدرامية التي تشهدها بغداد مع اجتياح أنصار الصدر المنطقة الخضراء شديدة التحصين والتي تضم العديد من مقرات الدولة والسفارات. يشعر العديد من العراقيين بالقلق انزلاق الوضع.
وقال دبلوماسي غربي إن أحد كبار القادة العسكريين الإيرانيين. وهو الجنرال إسماعيل قاآني. زار بغداد في الأيام الأخيرة في محاولة للحيلولة دون تصعيد التوتر. في مؤشر علي شعور إيران بالقلق. وأكد الزيارة مسئول عراقي في الإطار التنسيقي. وهو تكتل للفصائل المتحالفة مع إيران. لكنه قال إنها لم تُكلل بالنجاح فيما يبدو.
وواجه قاآني. الذي يرأس ذراع الحرس الثوري المسئول عن الفصائل المتحالفة مع إيران في الخارج. صعوبات في ممارسة نفس النفوذ الذي كان يتمتع به سلفه قاسم سليماني والذي قُتل في هجوم أمريكي في عام 2020.
وقال ريناد منصور من مؤسسة تشاتام هاوس للأبحاث "النفوذ الإيراني شهد تقلبات عديدة وهو آخذ في التراجع إلي حد ما". وأضاف "الانتخابات وعملية تشكيل الحكومة كشفت عن حجم الانقسام بين الأحزاب السياسية مما يجعل الأمر معقدا جدا بالنسبة لإيران". وتأتي الأزمة أيضا في لحظة صعبة بالنسبة لإيران في دولة أخري حيث خسرت جماعة حزب الله المسلحة وحلفاؤها الأغلبية البرلمانية في لبنان في مايو رغم أنهم ما زالوا يتمتعون بنفوذ كبير.
والصدرسليل عائلة رجال دين بارزين حارب القوات الأمريكية بعد الغزو. وقد عارض النفوذ الخارجي في بلاده طويلا. وزادت المخاطر في يونيو عندما وجّه النواب من كتلته النيابية إلي الانسحاب من البرلمان متنازلين بذلك عن عشرات المقاعد لتيارات متحالفة مع إيران. والخطوات التي اتخذتها تلك التيارات لاحقا صوب تشكيل حكومة دون الصدر هي ما دفعت أنصاره إلي اقتحام البرلمان.
ودعوة الصدر الأخيرة إلي إدخال تعديلات غير محددة علي الدستور قد تشير إلي أنه يريد قلب النظام القائم بأكمله رأسا علي عقب. لكن بعض المحللين يشككون في رغبته الحقيقية في تغيير نظام أتي ليخدمه جيدا إذ يهيمن الصدر وأتباعه علي أغلب مفاصل الدولة.
وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو ألفي جندي في العراق لمحاربة فلول داعش. وهو عدد أقل بكثير من ذلك الذي تم نشره هناك في ذروة الاحتلال وهو 170 ألف جندي. وبحسب مسئولين عراقيين. فإن المسئولين الأمريكيين الذين كانوا يشاركون في اتفاقات سرية متعلقة بتشكيل الحكومة في السابق. لم يتدخلوا إلي حد كبير في تلك الأمور في السنوات الأخيرة.
وقال فالي نصر. الخبير في شئون الشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن. إن العراق لا يبدو أولوية كبيرة للولايات المتحدة. وأضاف "لم يتم التعامل مع العراق علي أنه عامل يغير قواعد اللعبة بالنسبة للمنطقة. وقد ينتهي به الأمر عند هذه الحال إذا فقد قدر الاستقرار الضئيل الذي يتمتع به".
ومضي قائلا "من السابق لأوانه اعتبار ذلك خسارة لإيران. فقد ينتهي الأمر بخسارة للجميع. وبعد ذلك يصبح السؤال: من الذي سيعيد الأمور إلي نصابها بعد ذلك". وحثت السفارة الأمريكية في بغداد إلي التحلي بالهدوء ودعت الأحزاب العراقية إلي تجنب العنف والعمل سلميا لحل خلافاتها. وأشار حمدي مالك من معهد واشنطن للأبحاث إلي بوادر من الجانبين تدلل علي ضبط النفس. لكنه قال إن الصراع يحمل مخاطرة.
وتابع قائلا إن أي حرب أهلية بين الجماعات الشيعية سيكون لها تأثير عميق ليس فقط علي شعب العراق. ولكن علي المنطقة الأوسع بل وعلي أجزاء أخري من العالم. لأسباب ليس أقلها الانقطاع المحتمل في إمدادات النفط. إذ أن معظم ثروة العراق النفطية تقع في مناطق يغلب عليها الشيعة في البلاد.
اترك تعليق