في ظل ظروف سياسية واقتصادية شديدة التعقيد على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من آثار اقتصادية ومالية وخيمة، لجات مصر مرة أخري إلي صندوق النقد الدولي في محاولة لتغطية جزء من الفجوة التمويلية بالنقد الأجنبي التي ترتبت على خروج محافظ استثمار اجنبية من مصر قدرت بنحو 20 مليار دولار و ذلك في اعقاب قيام الاحتياط الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة مرتين فضلا عن توقعات برفع جديد في القريب.
بدات في مارس الماضي المفاوضات مع بعثة الصندوق في مصر حول القرض الجديد الذي لم يتم الاعلان بعد عن قيمته، وفيما قال طارق عامر محافظ البنك المركزي ان القرض سيكون محدودا توقع بنك "بي إن بي باربيا" في تقرير حديث له أن قيمة القرض تصل لـ 10 مليارات دولار أو أكثر، لدعم الاحتياجات التمويلية، فيما قدر خبراء اخرين القرض بما يتراوح بين 5 مليارات و20 مليار دولار.
ووفقا لـ "سي ان ان عربية "- فان المفاوضات بين مصر والصندوق وصلت إلي مرحلة متقدمة بعد انتهاء جولة المشاورات والمباحثات الفنية بين بعثة من الصندوق والحكومة المصرية، ويتبقي الاتفاق على مستوي الخبراء، ومن ثم موافقة المجلس التنفيذي للحصول على القرض.
وقال نادر سعد المتحدث باسم مجلس الوزراء، إن المباحثات سوف تستمر خلال الاسابيع القليلة المقبلة.
الاتفاق نهاية أغسطس
وتوقع بنك أوف أمريكا في تقرير له ان تتوصل مصر وصندوق النقد الدولي إلي اتفاق على مستوي خبراء الصندوق بشأن برنامج تسهيل الصندوق الممدد (EFF) بنهاية أغسطس مرجحا أن تتضمن الإجراءات المسبقة للحصول على موافقة المجلس التنفيذي للصندوق ان تكون هناك مرونة واضحة، ومستدامة في أسعار صرف الجنيه امام العملات الأجنبية، وأشار بنك أوف أميركا إلي احتمال مناقشة قرض جديد للقاهرة من صندوق النقد الدولي العام المقبل بخلاف التسهيل الممدد، وذلك ضمن تمويلات آلية جديدة لصندوق النقد هي "الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة"و التي من المتوقع أن يتم تفعيلها في نهاية العام المقبل.
ذكر التقرير أنه من المحتمل أن تكون مصر مؤهلة للحصول على تمويل بقيمة مليار من حقوق السحب الخاصة SDR أي نحو 1.32 مليار دولار لافتا الي أن البيانين الصادرين عن كل من صندوق النقد الدولي ومجلس الوزراء المصري بشأن مفاوضات البرنامج الجديد، يشيران إلي أن السلطات وخبراء الصندوق ما زالوا بحاجة إلي تضييق الاختلافات بشأن سياسة العملات الأجنبية - نظرًا إلي مخاوف التأثير الاجتماعي.
قدر التقرير إجمالي الاحتياجات التمويلية لمصر بقيمة 60 مليار دولار، أي ما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام المالي 2022/2023.. مشيرا إلي ضرورة ضبط الحساب الجاري وزيادة القدرة التنافسية الخارجية واستعادة الوصول للاسواق وتقليل الحاجة للاقتراض الخارجي لافتا الي ان هذه الإجراءات استقود لي الحد من استمرار ارتفاع معدلات الفائدة المحلية ودعم الانتقال إلي نموذج نمو اقتصادي أكثر استدامة.
مرونة سعر الصرف
ويري الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدي بنك أوف اميركا، جان ميشيل صليبا، في تصريحات لفوربس الشرق الاوسط أن سعر الصرف في مصر ينبغي أن يتسم بمزيد من المرونة خلال المرحلة المقبلة، داعيًا إلي ضرورة استمرار ضبط أوضاع المالية العامة وإصلاحات جانب العرض الخاصة بالنمو الهيكلي.. مشيرا الي أن حجم القرض الذي يتم التفاوض بشأنه بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي حاليًا يعتمد على الفجوة في التمويل الخارجي الذي تحتاج إليه القاهرة، مع الأخذ في الاعتبار حجم الاستثمارات الخليجية في مصر في الفترة المقبلة، إلي جانب المدفوعات الضخمة التي يجب أن تدفعها مصر للصندوق في السنوات المقبلة.
ويرجّج -صليبا "أن يتوقف وصول مصر إلي الأسواق العالمية "لطرح سندات جديدة" على تنفيذ برنامج طموح لصندوق النقد الدولي، لا سيما بالنظر إلي ظروف الاقتصاد العالمي الصعبة.
وفيما يدعو بنك اوف امريكا في تقريره الي ضرورة تخلي السلطات المصرية عن تحديد سعر صرف معين للجنيه مقابل الدولار على أن يتحلي سعر الصرف بالمرونة بهدف ضبط الحساب الجاري بمرور الوقت، حذر خبراء مصريون من هذه الخطوة لتاثيرها السلبي على الاسعار والدين العام مؤكدين ان الظروف العالمية الحالية مؤقتة، وحذرت الدكتورة سلوي العنتري الخبيرة المصرفية والمدير الاسبق البحوث الاقتصادية بالبنك الاهلي من قرار اجراء تخفيض حاد لقيمة الجنيه المصري في اطار اتفاق الصندوق الجديد نظرا لما لذلك من آثار كارثية على المستوي العام للأسعار وزيادة معدلات الفقر.. لافتة الي اهمية اتباع أسلوب التعويم المدار، وقالت العنتري ان الامر في النهاية يتوقف على مدي قوة المفاوض المصري الذي يتباحث مع الصندوق علما بان الاتفاق مع الصندوق والحصول على التمويل سيمثل في كل الاحوال استمرارا للمسار الحالي للسياسات الاقتصادية وحلا قصير الأجل للازمة مع ترحيلها في صورة اضخم إلي فترة قادمة حين يحل موعد سداد الديون الاضافية.
قرض كبير
وقال بنك بي إن باربيا إن مفاوضات مصر وصندوق النقد في النهاية ستكون على قرض بحجم لائق يبلغ 10 مليارات دولار أو اكثر ليكون تعويضا عن تقييد وصول مصر المتزايد إلي أسواق السندات الدولية.
وتوقع البنك في مذكرة بحثية أن تبلغ الفجوة التمويلية في موازنة العام المالي الجاري لمصر نحو 7.4 مليار دولار، وهو ما يتطلب تمويلًا من عدة جهات أبرزها الصندوق.
يقدر بنحو 15 مليار دولار
وكان البنك المركزي المصري قد سمح في مارس الماضي بخفض قيمة الجنيه بنسبة 18% فيما وصف بأنه خطوة استباقيية قبيل الإعلان عن بدء المفاوضات مع الصندوق، وقام في الوقت ذاته برفع سعر الفائدة بنسبة 1% واصدار شهادة ادخارية بعائد 18% في محاولة للسيطرة على التضخم الذي سجل مستويات مرتفعة على خلفية الازمة الروسية الأوكرانية.
كما تزامنت المفاوضات مع إعلان الحكومة عن تعهدات جديدة للتخارج من مجموعة من الصناعات، ومضاعفة حصة القطاع الخاص في الاقتصاد على مدي السنوات الثلاث المقبلة.
كانت سيلين آلار، رئيس بعثة الصندوق لمصر، قد اكدت ان التغير السريع في البيئة العالمية وتأثير التداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا يفرضان تحديات مهمة على البلدان في مختلف أنحاء العالم، ومنها مصر.. مشيرة إلي ان السلطات المصرية طلبت دعم صندوق النقد الدولي في تنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل.
لافتة الي ان اتخاذ مجموعة من الإجراءات على صعيد السياسات الاقتصادية الكلية والهيكلية من شانها ان تسهم في التخفيف من أثر هذه الصدمة على الاقتصاد المصري، وحماية الفئات الضعيفة، مرحبة بالخطوات التي اتخذتها الحكومة للحفاظ على صلابة مصر وآفاق نموها على المدي المتوسط، مؤكدة على ضرورة التوسع في الحماية الاجتماعية الموجهة لمستحقيها و استمرار مرونة سعر الصرف باعتباره عاملا ضروريا لامتصاص الصدمات الخارجية وحماية هوامش الأمان المالية أثناء هذه الفترة من عدم اليقين.
اترك تعليق