على الرغم من التحسن الطفيف الذي شهده سوق العملات المشفرة "الكريبتو" خلال الأيام الثلاثة الأخيرة لتسجل القيمة السوقية نحو تريليون دولار، إلا ان مستثمري هذا السوق لم يفيقوا من الضربة القاسية التي تلقوها على أثر الهبوط الكبير في أسعار العملات الافتراضية والذي يعد الأكبر من نوعه خلال الشهور الست الماضية لتتراجع القيمة السوقية بنحو 2 تريليون دولار مقارنة بما كانت عليه في نوفمبر الماضي.. حيث سجلت القيمة السوقية أعلي مستويات لها بقيمة 3,1 تريليون دولار، وقد خسرت "بتكوين" العملة الاكثر شهرة في هذا السوق وحدها نحو 600 مليار دولار بنسبة وصلت الي 30%، وكسرت "بتكوين" حاليا سقف الـ 21 الف دولار مقابل نحو 68 ألفا في نوفمبر الماضي.
وفقدت العملات الرقمية خلال الشهرين الماضيين فقط ما يقرب من 1.4 تريليون دولار نزولا من مستويات 2.2 تريليون دولار إلي المستويات الحالية.
وربما كانت الحرب الروسية - الاوكرانية وما خلفته من تداعيات على الاقتصاد العالمي سببا رئيسا في انهيار سوق العملات المشفرة، فقد كان قرار الاحتياط الفيدرالي الامريكي برفع سعر الفائدة المتكرر لمواجهة معدلات التضخم الكبيرة الناتجة عن الحرب، تأثيره السلبي على سوق العملات المشفرة فقد ادي القرار إلي خروج قطاع كبير من المستثمرين في سوق العملات المشفرة وأيضا سوق الأوراق المالية للاستثمار في أذون وسندات الخزانة الاكثر أمانا لتحقيق هامش مالي في صناديقهم الاستثمارية، ويري خبراء هذا السوق ان نية الاحتياط الفيدرالي برفع جديد للفائدة الشهر القادم قد يؤدي الي مزيد من تدهور السوق.
أسباب أخري
بحسب تقارير دولية فان هناك ثمة اسباب اخري وراء هذا التراجع الدرامي لسوق العملات الافتراضية من بينها اقتراح البنك المركزي الروسي حظر استخدام العملات المشفرةُ.
وكانت روسيا أحد المراكز الهامة لتعدين "بتكوين"، كما أعلن المركزي الصيني ان كل التحويلات بالعملات المشفرة غير قانونية وبالتالي تم منعها جميعا.
فضلا عن مناهضة الجمهوريين في الولايات المتحدة للعملات المشفرة وقد تم تداول أخبار عن تصفية محافظ استثمارية بالبتكوين بنحو 700 مليون دولار وذلك نتبجة فقدان الثقة في عملة البيتكوين كعملة تحوط آمنة في ظل الارتفاع القياسي في معدلات التضخم العالمية، ضريبة.
ضريبة هندية
وتدرس الهند فرض ضريبة السلع والخدمات على تعاملات العملات الرقمية وأوضحت تقارير هندية بأن اللجنة الضريبية لم تتخذ قرارا بشأن الضريبة المقترحة حتي الآن، ولكن قد يتم وضع العملات الرقمية تحت أعلي شريحة ضريبية وبنسبة تصل إلي 28%.. حيث ستتم وضع العملات الرقمية جنبا إلي جنب مع العناصر الأخري مثل السيارات الفاخرة والتبغ والمشروبات الغازية.
ووفقا لخبراء أسواق مال فان المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي والبنك الدولي، وغيرهم من المؤسسات إلي جانب البنوك المركزية قادوا حملات مناهضة للعملات المشفرة.
تغريدة "ماسك"
وكانت عملة بيتكوين التي تحتل القيمة السوقية الاكبر في سوق العملات الرقمية قد تراجعت مجدداً بعد تغريدة "مشفرة" من الملياردير إيلون ماسك صاحب شركة تسلا للسيارات الكهربائية ألمح فيها إلي احتمال حدوث "انفصال" لشركته عن أكبر عملة مشفرة، وهو ما ادي الي تأثيرات سلبية على العملة الأشهر التي انخفضت بنسبة 5.4 % في ذات اليوم خاصة بعد ان تراجع الملياردير عن قرار السماح بشراء سيارات تسلا الكهربائية باستخدام بيتكوين، على خلفية التداعيات البيئية للطاقة التي تتطلبها الخوادم التي تدعم تعدين العملة المشفرة.
وبحسب موقع "كوين ماركت كاب" "CoinMaeketCap" الأمريكي المتخصص في متابعة تطورات سوق العملات المشفرة فقد خسر السوق في يوم واحد هو 12 مايو الماضي نحو 200 مليار دولار من قيمة هذه العملات في السوق العالمية مشيرا الي ان هذه العملات تمر حالياً بمرحلة عصيبة في تاريخها وتشهد تراجعاً وخسائر مستمرة تبدو بلا نهاية.
أشار إلي ان قيمة البيتكوين، التي تتربع على عرش العملات المشفرة، انخفضت بشدة إلي النصف تقريبا، وبعد أن كانت قيمة الوحدة منها 60 ألف دولار نهاية العام 2021 هوت إلي نحو 30 ألف دولار قبل ان تواصل رحلة الهبوط لتصل الي نحو 21 الفا.
مستقبل العملات المشفرة
حول مستقبل العملات المشفرة في ظل الانهيار الحالي تقول ناتالي جانسون، الاقتصادية المتخصصة في شئون العملات المشفرة بكلية نيوما للأعمال بفرنسا انه من الواضح أن ثمة كارثة حقيقية يشهدها هذا القطاع.. "لكنها ليست المرة الأولي التي تهوي فيها أسعار هذه العملات قبل أن تشهد صعوداً مدوياً مرة أخري في سماء الأسواق المالية، وهو بالضبط ما حدث العام الماضي في الفترة نفسها عندما فقدت البيتكوين نصف قيمتها بعدما أعلنت الصين قرارها الحد من استخدام هذه العملة".
وتشدد جانسون في تصريحات لها علي إن هذه التقلبات الكبيرة في الأسعار كانت تقف وراءها دائما "أسباب منطقية لحدوثها"، سواء أكان يتعلق الأمر بقرار سياسي من بكين أو بتلاعب من كبار المضاربين في البورصة مثلما جري في- الشتاء الأول- لهذه العملات عام 2017.
وبالتالي فالسقوط المريع الذي تشهده أسعارها الآن لا يعد استثناءً من هذه القاعدة، لكن اللوم يقع اليوم على عاتق الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في الواقع، فالعملات المشفرة تتفاعل مثل بقية الأسهم التكنولوجية التي شهدت بداية كارثية هذا العام بسبب قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة.. مشيرة الي انه عندما ترتفع أسعار الفائدة، فإن المردود الأكبر يعود على الاستثمارات الأقل خطورة التي تعتمد على هذه المعدلات مثل السندات، وهو ما قد يدفع المستثمرين إلي التخلي عن الاستثمارات الأكثر خطورة مثل العملات المشفرة.
فترة اطول
رغم ذلك تري جانسون ان الهبوط الكبير لبيتكوين هو أيضا ليس خارجاً عن المألوف لهذه العملة، أولا، لأن الاحتياطي الفيدرالي لم يتوقف بعد عن رفع أسعار الفائدة، وسوف يستمر في القيام بذلك طالما أنه يري ذلك ضروريا لمكافحة التضخم، وخلافاً للأزمات السابقة، فإن هذه الأزمة ليست حدثاً عارضاً يحتاج المستثمرون ببساطة إلي التكيف معه ثم السماح لأسعار البيتكوين بالوصول مجدداً إلي قمم جديدة، فهبوط الأسعار يميل هذه المرة إلي البقاء في هذا الاتجاه لفترة أطول وبصورة أعمق.
ليس العشاء الاخير
وبحسب وكالة بلومبرج فان هبوط السوق الفترة الأخيرة ليس نهاية المطاف فبعض المستثمرين ينتظرون قاعا جديدا للعملات المشفرة، لإجراء عمليات شراء باسعارمنخفضة، على أمل تحقيق مكاسب كبيرة عندما يتلقي سوق العملات المشفرة الدعم.
ووفقا لتوقعات المؤسسات المالية العالمية والمستثمرين لمستقبل العملات المشفرة وفي المقدمة بيتكوين فان الزلزال الذي ضرب هذا السوق ليس "العشاء الأخير" للعملات الرقمية المشفرة ففي مطلع العام الجاري توقع بنك جولد مان ساكس في تقرير له حول مستقبل العملات المشفرة. أن يتخطي سعر عملة بيتكوين متوسط الـ100 ألف دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
وتوقع جيدو بويهلر الرئيس التنفيذي لبنك سيبا السويسري، ان تتراوح قيمة عملة بيتكوين بين 50 إلي 75 ألف دولار خلال العامين المقبلين لافتا الي ان اي تطور جديد تشهده الاسواق العالمية، لابد أن يواجه تحديات قوية، لافتا إلي ان عملة "بيتكوين" سبق ونجحت في اختبارات عدة سابقة واستطاعت الصمود والعودة إلي المعدلات القياسية حتي وصل سعرها إلي 68.9 ألف دولار في نوفمبرالماضي، ويعود ذلك إلي أن سوق العملات المشفرة "الكريبتو" هو التطور الطبيعي لمستقبل أسواق المال عالميا.
اترك تعليق