البعد القبائلي من العوامل المهمة، فبعض الدول تعيش تحت حكم قبائلي، فيه ثقافات مختلفة، فتعسُّر الدولة عن السيطرة على المجتمع يؤدى إلى صدام بين القبائل والأطياف كما هو الحال في ليبيا. وصرّح المفكر هيلمن بأن الدول الفاشلة هي التي لا تستطيع العمل ككيان مستقل، ومن هنا نستنتج أن الدول الفاشلة هي التي تتدخل دول وكيانات كثيرة في إدارتها، وهو ما يعيقها.
إنّ الدولة وفقاً لمفهوم المفكر ماركس فيبر هي أرض وشعب وسلطة تحتكر حق استخدام القوى، ومن ثمّ هي المنوط بها تنظيم حياة الأفراد. أين كان اختلاف المفكرين في طبيعة الدولة؟ إنّ هناك إجماعاً على أن يكون هناك سلطة منظمة، وهو ما يضع على عاتق الدولة مسؤولية كبيرة، وهي حماية الأفراد، والحفاظ على السلامة، واستخراج الموارد الاقتصادية.
لكن ماذا إذا غاب هذا الكيان أو شلّت حركته، وفقد حق استخدام القوة؟ هنا نصبح أمام دول فاشلة، كالتي نعرفها الآن. لماذا إذا تتحوّل دول إلى فاشلة؟
عدم السيطرة على سوق السلاح وانتشار الأسلحة هي أداة تسهّل العنف من قبل الجماعات الجهادية، وتؤدي إلى انتشار فوضى بين الدول. والعولمة تلعب دوراً سلبياً، فهي أدت إلى انتشار ثقافات ومعلومات مختلفة، ما أدّى إلى وجود جمعات جهادية عابرة للحدود. واندلاع ثورة بعد أن كان البلد يعيش في قبضة أمنية شديدة قد نقول إنها قبضة استبدادية. على سبيل المثال بعض الدول التي تعرّضت لموجات الربيع العربي كانت تعيش حكماً استبدادياً، لا يعرف وجود المؤسسات، ويعتمد على رئيس واحد، أو حزب واحد، يحتكر الحياة السياسية، فعندما انهار انهارت الدولة. فبعكس الدول المتقدمة تسلّم السلطة من رئيس إلى آخر في سلام، ومن دون مشكلات، وهذ ما يرجع إلى وجود مؤسسات قوية.
وحددت منظمة Fund for peace خصائص أساسية للدولة الفاشلة:
1- فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها، أو فقدان احتكار الاستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.
2- تآكل السلطة الشرعية، لدرجة العجز عن اتخاذ قرارات موحدة.
3- عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.
4- عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.
وقد تتحول دول إلى فاشلة بعد اندلاع ثورة فيها، وعدم قدرة الدولة على الاحتكام بالسلطة وفقدان الشرعية. فيختلط الأمر بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية، ومن ضمن هذه الأمثلة ليبيا.
ليبيا.. لماذا دولة فاشلة؟!
سبب رئيس في تحويل ليبيا إلى دولة فاشلة هو أنه لم يكن هناك دولة بالمفهوم المعترف عليه، فكانت الدولة تتمحور في شخص القذافي، فعندما انهار القذافي انهارت الدولة. فلم يؤسس لجيش نظامي، بل مجموعة من الميليشيات المقربين له، وجعل عقيدتهم متحورة في شخصه. خوفاً من حدوث انقلاب عسكري. وأما عن النخبة الحاكمة فمنهم من هاجر، ومنهم من اتبع نظامه، ومنهم من جرى إعدامهم.
وتمثل ليبيا وفقاً لمؤشر الدولة الفاشلة FSI لسنة 2020، ثالث أكثر دولة فاشلة. فبعد انهيار القذافي وحالة الفوضى التي عمّت شعرت القبائل أنه بإمكانها أن تدير نفسها دون دولة، وأن تلبي احتياجاتها فعاد المجتمع القبائلي. وبدأت هذه القبائل تضغط على الدولة لتعينهم في الحكومة. فالمؤتمر الوطني جرى الاعتداء عليه أكثر من 200 مرة، ولجنة الدستور أقيمت تحت تهديد السلاح، وغلقت الميليشيات الطريق. ففشلت ليبيا في تكوين حكومة موحدة وسلطة شرعية، وأصبحت تعاني انتشار الأسلحة، وزيادة نفوذ الميليشيات المسلحة، وانتشر «داعش» الذي احتل سرت من قبل.
إضعاف العملية الانتقالية، حيث أدار مصطفى عبد الجليل المرحلة الانتقالية عن طريق المؤتمر الوطني، وانتشر وجود الإسلاميين، مما ساعد على عدم الاستقرار الأمني. وأعلن مجلس النواب المنتخب تكوين حكومة، وأعلن حفتر انحيازه له، وأصبح هناك حكومتان، واحدة في طرابلس يؤيدها الإخوان والجماعات الإرهابية، والأخرى في طبرق يؤيدها الجيش الوطني.
وتبين من العرض، أن أول بند في مفهوم الدولة، هو حكومة تحتكر حق استخدام القوى، غائب في ليبيا، فلا يوجد شرعية واحدة، وانتشر السلاح بين الجماعات المسلحة. ما البدائل المطروحة لإنهاء حالة الفوضى: إقامة نظام شمولي يحكم قبضته على القبائل، أم ديمقراطية فيدرالية يجري تقسيم ليبيا فيها إلى عدة أقاليم؟!
بقلم- مصطفى بهيج أبو الذهب:
مدرس مساعد علوم سياسية جامعة بدر
اترك تعليق