يبدو واضحا أن أوروبا هى الخاسر الأكبر من الحرب الروسية فى أوكرانيا، حيث تعانى القارة العجوز من موجة غلاء غير مسبوقة، تضرب كافة الخدمات والسلع. ومع التحذيرات بأن الأسوأ قادم، بعد تقليص وحظر واردات النفط والغاز من موسكو، أشهر الأوروبيون سلاح "ترشيد الاستهلاك" فى وجه " الدب الروسى".
وكانت روسيا أكبر مورد للنفط إلى أوروبا، بتكلفة نقل قليلة عبر الأنابيب وموانئ البحر الأسود وبحر البلطيق.
واستحوذ الاتحاد الأوروبي على 45% من صادرات روسيا من الخام والمنتجات النفطية بنهاية عام 2021، قبل حربها على أوكرانيا، كما استورد الاتحاد الأوروبي 2.2 مليون برميل يوميًا، بما يعادل 29% من النفط الخام الروسي في 2021، وبذلك فإن الاتحاد الأوروبي كان الأكثر استيرادًا للنفط الروسي.
ومن المتوقع أن تدفع أوروبا ثمناً باهظاً جراء تقليص وحظر واردات الغاز والنفط الروسية، تكلفها المليارات بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة التي ستؤثر على النمو الاقتصادي والمستوى المعيشي للسكان. فالتخلي عن إمدادات الطاقة الروسية بشكل كامل يعني انكماشا في اقتصادات أوروبا بنسبة 1.2 بالمئة، ويزيد من خطر دخول كثير من الدول الأوروبية في ركود اقتصادى العام المقبل.
وأمام هذا الكابوس الاقتصادى، توجه الحكومات الأوروبية الدعوات للمواطنين لترشيد الاستهلاك، لتقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسى. في ألمانيا، توجه وزير الاقتصاد روبرت هابيك، لمواطني بلاده بالبدء في ترشيد الاستهلاك؛ ليصبحوا أكثر استقلالية عن الوقود الأحفوري الروسي.
قال هابيك: "كل كيلومتر لا يُقَاد هو مساهمة في تسهيل الابتعاد عن إمدادات الطاقة الروسية.. نحن نحمي المناخ أيضًا"، معتبرًا أن خفض 10% من استهلاك الطاقة الفردي أمر ممكن، وأصحاب العمل يمكن أن يسهموا في ذلك بمنح العاملين خيار العمل من المنزل.
وقد أظهر استطلاع رأي لصالح شبكة "ايه ار دي" العامة الألمانية أن نحو نصف الألمان، يعجزون عن تحمل نفقات المعيشة، بسبب التضخم الذي يرتفع من معدل قياسي إلى آخر. وحسب وكالة "بلومبرج" الإخبارية الأمريكية، أشار نحو 47 % إلى أنهم يقللون بقوة أو بقوة للغاية الإنفاق. وفي الأسر منخفضة الدخل ترتفع النسبة إلى أكثر من 3 أرباع. ووصل التضخم في أكبر اقتصاد في أوروبا إلى 8.7 % في مايو الماضي، مدفوعاً بتكاليف الطاقة والغذاء التي من المرجح أن ترتفع أكثر بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا.
وفى مدريد، أعلنت الحكومة الإسبانية موافقتها على خطة تشمل ضوابط درجة الحرارة في المكاتب العامة، وتركيب الألواح الشمسية على أسطح المباني العامة، وتشجيع الموظفين على العمل من المنازل. كما ستشجع خطة ترشيد الاستهلاك العاملين في القطاع العام على استخدام وسائل النقل العام والدراجات، وستطفئ الأنوار في وقت مبكر في المباني العامة.
ووفق وزيرة الميزانية، ماريا جيسوس مونتيرو، فإنه "على الرغم من أن إسبانيا من دول الاتحاد الأوروبي الأقل تعرضًا للطاقة الروسية، فمن الواضح أننا لسنا محصنين ضد ارتفاع أسعار الطاقة".
وفي أثينا، صرح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، بأن الحكومة ستعلن خطة شاملة لتوفير الطاقة، وأضاف: "في قمة الاتحاد الأوروبي الاستثنائية المقبلة في بروكسل، سأكرر مدى أهمية إنهاء اعتمادنا على الوقود الروسي".
وسبق أن أعلنت روما أنه سيتم ضبط أنظمة تكييف الهواء على درجة حرارة لا تقل عن 25-27 درجة مئوية خلال الأشهر الأكثر دفئًا في العام، وفقًا لتعديل مرسوم حكومي بشأن استخدام الطاقة، وأما في الشتاء، فلن يتم تسخين الغرف لأكثر من 19-21 درجة مئوية.
وتواجه بريطانيا أسوأ موجة ركود اقتصادي منذ السبعينيات نتيجة الحرب في أوكرانيا التي أوقفت خطط التعافي بعد فيروس كورونا وارتفاع أسعار الكهرباء والخدمات بعد حظر الغاز الروسي.
وأرغمت أزمة تكلفة المعيشة الآخذة في التصاعد في بريطانيا، المتسوقين على اختيار أولويات إنفاقهم، وكذلك التقشف في الانفاق على الطعام والتدفئة. قدرت مؤسسة الغذاء أن 2.6 مليون طفل في المملكة المتحدة يعيشون في عائلات تفوت وجبات أو تجد صعوبة في توفير الطعام لأفرادها.
ويرى الخبراء أن الهدف من دعوات الترشيد هو منح أوروبا الوقت للتعامل مع الأزمات التي ستحدث أثناء تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. ويلفت الخبراء إلى أن هذه الخطة ستقلل كميات استهلاك الطاقة، لكن الأمر لن يحل الأزمة بشكل جذري، فمصادر الطاقة الروسية تصل إلى الدول الأوروبية بتكلفة أقل من استيرادها من أى مكان، وارتفاع تكاليف الإنتاج يقلل الميزة التنافسية للدول الأوروبية.
ويشير الخبراء إلى أن ألمانيا لا يمكنها الاستغناء عن الطاقة الروسية، لأنها تعتمد على الغاز الروسي بنسبة كبيرة، ولا توجد بدائل تغطي الحاجة؛ فهي تُستخدم في الصناعة وتدفئة المنازل، وحتى لو متاح استيراد الغاز من دول أخرى، إلا أن نقل هذه الكميات يحتاج إلى بنية تحتية غير متوفرة فى ألمانيا الآن.
اترك تعليق