صوت الضمير، هو ذاك الشيء النابض بدواخلنا، يجعل للقلب حياة فوق الحياة ما دام أنه ينبض، فهو يحثنا دائما إلى فضائل الأمور، ويرشدنا إلى كل خير، ويوقظنا أحيانا من غفلتنا، ويحاسبنا أحيانا أخرى. يجعلنا نشعر بمن حولنا، أحاسيسهم، ومشاعرهم، واحتياجاتهم، ونشعر أيضا بالفقراء والمساكين والأيتام.
ويظهر هذا الصوت النابض الحيّ في كل الأوقات، فإذا أخفقنا في شيء نسمعه يصحح لنا، ويحثنا على الكمال في الأخلاق والمعاملات فيما بيننا، وذلك بين الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل أو الدراسة، وفي تأدية كل فرد لعمله في موقعه، ويظهر في تعاملنا مع الآخرين في أي مكان سواء في بيوتنا أو خارجها في الطرق والمواصلات والأسواق ...
وللناس معه أحوال بحسب هواها، وبحسب ضغوط الحياة وابتلاءتها، ومصالحها الشخصية إلا من رحم ربي. فيحدث تشويش على هذا الصوت، فأحيانا لا نسمعه أو نتغافل عنه، أو نسكته.
هذا الضمير النابض بداخلنا هو دائما على حق، والذي يسكته دائما ويهاجمه داخلك هو صوت آخر جميل خلاب ــ نظنه كذلك وهو غير ذلك ــ هو صوت نفسك وانتصارك لها وتلبيتك لكل ما تهواه وتريده، ومن منا لا يحب نفسه ويريد أن يرضيها وينتصر دائما لها! ولكنه والله هو المهلك والمردي؛ لأن هذا هو الكبر وعدم الخضوع للحق، فالنفس تميل دائما إلى هواها فهي لا تحب من يقيدها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمنُ أحدُكم حتى يكون هواه تبعا لما جئتُ به" الأربعون النووية، حسن صحيح.
فإصلاح النفسِ وتهذيبها اشتغال بالحق، وهو واجب علينا، فنحن دائما في مجاهدة مع النفس، فإن كنت تحب نفسك حقا فأنقذها من هواها بإلجامها بلجام التقوى وترويضها بالعلم والأدب. فأمام ضغوط الحياة والمصالح ليس من السهل اليسير أن نرتقي بالنفس من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة ثم إلى النفس المطمئنة؛ ولكن مع الإنصات لذلك الصوت النقيّ الخفيّ بداخلك صوت الضمير يصبح الأمر ممكنا بالتدرج، فإنه يوقظنا ويطهرنا شيئا فشيئا وينقذنا من مستنقع الرذائل.
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "البرُّ حسنُ الخلقِ، والإثمُ ما حاكَ في صدرِكَ، وكرهتَ أن يطلعَ عليه الناسُ". رواه مسلم. فهذا هو الوازع الداخلي لمن كان قلبه سليما، يرشدنا دائما ويصحح لنا ولا يخطئنا، فهو الرقيب القريب من النفس دون أن تسأله يدلك ولا يخطئك، يسمعه كل الناس ولا يصدقه ويمتثل له إلا المستنيرين، الذين دائما يشتاقون ويسعون إلى طهارة أنفسهم مهما غلب عليهم الهوى والمادية والمصالح الدنيوية.
والوقوف أمام كل ذلك يكون بقوة الإيمان والتصديق بأن رزقك لن يأخذه غيرك، وما كان لك سيأتيك، ونضع الآخرة نصب أعيننا. ولنعد إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كان همه الدنيا فرق الله أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له" رواه ابن ماجة، والطبراني في المعجم الأوسط.
إذن بالإيمان يعلو صوت الضمير داخلنا فنصدقه ونتبعه. فهنيئا لذوي الضمائر التي ما زالت تنبض بالحياة، الذين يستمعون لذلك الوازع الذي بدواخلهم ولا ينكرونه بل يتبعونه، وإن كان عكس ما تميل إليه نفوسهم، فهنا مجاهدة النفس الحقة.
أما الخطوات لذلك: فعليك أولا ألا تتكبر، واعترف بخطئك أمام نفسك وأصلحه وعد دائما إلى الصواب، وأصلح في موقعك مع كل من حولك، وأعط كل ذي حق حقه، وعد دائما إلى مولاك الخالق سبحانه، ففي ذلك إصلاح النفس وسمو الروح، لنكون النسخة الأفضل منا.
بقلم - عزة حجاج:
اترك تعليق