هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

ديوان الإنشاء في عصر المماليك

بقلم: د. يسري عبد الغني
 


ولقد عني المماليك عناية فائقة في تخيُّر كُتَّاب ديوان الإنشاء، فلم يكن يتولَّى ديوان الإنشاء إلا أجلُّ كُتَّاب البلاغة، ويُخاطَب بالشيخ الأجلِّ، فكان يُسلَّم المكاتبات الواردة، فيَعرضها على الخليفة من بعده، وهو الذي يأمر بالإجابة عنها للكُتَّاب، والخليفة يستشيره في أموره، ولا يُحجب عنه متى قصد المثول بين يديه، وهذا أمر لا يصل إليه غيره، وربما بات عند الخليفة ليالي، وكان راتبه مائة وعشرين دينارًا في الشهر، وهذا مبلغ كبير يُدلل على عظم هذه الرتبة عند السلطان؛ ولذلك كان كاتب الإنشاء أول أرباب الإقطاعات، وأرباب الكسوة والرسوم والملاطفات، ولا سبيل أن يَدْخُل إلى ديوانه بالقصر ولا يجتمع بكُتَّابه أحدٌ إلا الخواص، وله حاجب من الأمراء الشيوخ، وفرَّاشون، وله المرتبة الهائلة، والمخادُّ والمسند والدواة، ويحملها أُستاذ من أُستاذي الخليفة

ومن أشهر كتاب ديوان الإنشاء في هذا العصر يأتي القلقشندي، صاحب الموسوعة الجغرافية والتاريخية والإدارية "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"، الذي ذكر فيها أهمية ديوان الإنشاء وكاتبه، وأهم الشروط والصفات التي يجب أن يتحلَّى بها هذا الكاتب، فقال: "يجب أن يكون صبيح الوجه، فصيح الألفاظ، طلق اللسان، أصيلاً في قومه، رفيعًا في حيِّه، وقورًا حليمًا، مُؤْثِرًا للجدِّ على الهزل، كثير الأناة والرفق... ينحل الملك صائب الآراء، ولا ينتحلها عليه، ومهما حدث من المَلِك من رأي صائب، أو فعلٍ جميل، أو تدبير حميد، أشاعه وأذاعه، وعَظَّمه وفَخَّمه، وكَرَّر ذِكْره، وأوجب على الناس حمده عليه وشكره، وإذا قال للملك قولاً في مجلسه أو بحضرة جماعة ممن يخدمه، فلم يره موافقًا للصواب فلا يَجْبَهه بالردِّ عليه، واستهجان ما أتى به، فإن ذلك خطأ كبير، بل يصبر إلى حين الخلوة، ويُدْخِل في أثناء كلامه ما يُوَضِّح به نهج الصواب من غير تلقٍ برَدٍّ، ولا يَتَبَجَّح بما عنده، ويكون متابعًا للملك على أخلاقه الفاضلة، وطباعه الشريفة؛ من بَسْطِ الْـمَعْدَلَة، ومَدِّ رُوَاقِ الأَمَنَة، ونشر جناح الإنصاف، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم..."

لقد كان ديوان الإنشاء والرسائل يُحَقِّق أحد أبرز مظاهر التقدم الحضاري الإسلامي، بل كان دليلاً بَيِّنًا على رقي الحضارة الإسلامية، ونظامها المحكم في التيسير على الرعية، والتأكيد على الهوية الإسلامية.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق