أودعت محكمة جنايات المحلة برئاسة المستشار سامح عبد الله حيثيات حكمها بمعاقبة المتهم بقتل والدته بالحبس سنتين مع الشغل بعد تعديل قيد ووصف الاتهام من القتل العمد إلى قتل خطأ .
قالت المحكمة في حيثيات حكمها برئاسة المستشار سامح عبد الله وعضوية المستشارين محمد شاهين وعاصم الدسوقى ومحمد مرتضى إن واقعات هذه الدعوى حسبما استقرت فى يقين المحكمة واطمأن لها وجدانها مستخلصة من أوراقها وما تم بها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل فى أنه وبتاريخ ٢٨ / ٤/ ٢٠٢١ تبلغ لقسم شرطة ثالث المحلة الساعة العاشرة وعشرون دقيقة مساءً تقريباً من قِبل بعض الأهالى بقيام المتهم بالتعدى على والدته
وتسبب ذلك فى وفاتها وبالانتقال إلى محل البلاغ بمعرفة السيد مأمور القسم تبين وجود جثة المجنى عليها مسجاة بصالة الشقة التى تتكون من غرفتين وفوقها غطاء عبارة عن "كوفيرته" وتوجد آثار دماء على أرضية الصالة وكذلك توجد آثار دماء على أرضية الغرفة المقابلة للصالة حتى موضع الجثة وكذلك تبين وجود آثار دماء بحوض وأرضية الحمام وقد تبين وجود شقيق المجنى عليها المدعو/ حسن عبد النبى محمد الفار الذى قرر بأن ابنة المجنى عليها أخبرته أنها عندما اتصلت بوالدتها للإطمئنان عليها أجابها شقيقها (المتهم) وأخبرها أنها توفيت وأضاف بأن المتهم كان يعانى فى الفترة الأخيرة من حالة نفسية سيئة نتيجة خلافات مع زوجته.
وقد تبين من المعاينة التالية التى قام بها الرائد/ محمد نصر أبو العنين تواجد ابنة المجنى عليها المدعوة/ شيماء مصطفى محمد عبد الباقى وكذلك شقيقها سالف الذكر وتبين وجود جثة المجنى عليها على الحال التى وجُدت عليها فى المعاينة السابقة وكان بجانب الجثة سكينتين صغيرتى الحجم كما تبين تواجد المتهم وبه إصابات قطعية بمختلف أجزاء جسمه وقد تم التحفظ على مكان الواقعة لحين معاينة النيابة العامة
ونقل الجثة إلى مشرحة المستشفى العام بالمحلة واقتياد المتهم إلى المستشفى لتلقى العلاج وبسؤال المدعو/ حسن عبد النبى محمد الفار شقيق المجنى عليها بالتحقيقات قرر أن إصابة المجنى عليها نتجت بسبب أنها حاولت منع المتهم من الانتحار فضربها بالسكين التى كانت معه دون أن يقصد قتلها وأن المتهم كان قد حاول الانتحار من قبل لمروره بأزمة نفسية نتيجة خلافات مع زوجته وكذلك قررت شقيقتيه شيماء مصطفى محمد وهند مصطفى محمد مضمون هذه الأقوال.
وجاء بتحريات الشرطة وشهادة مجريها أن المتهم كان يمر بأزمة نفسية جعلته يقدم على قتل والدته وثبت من تقرير الصفة التشريحية أن إصابات المجنى عليها أسفل يمين العنق ذات طبيعة طعنية حدثت من نصل حاد ذو طرف مدبب وهى جائزة الحدوث من أى من السلاحين الأبيضين المصبوطين ،
كما ثبت من تقرير الأدلة الجنائية أنه بإجراء الفحص البيولوجى ثبت أن البصمة الوراثية المرفوعة من آثار التلوثات المرفوعة من محل الحادث تتطابق مع البصمة الوراثية للمجنى عليها وكذلك تتطابق مع البصمة الوراثية للمتهم. وثبت من تقرير المعمل الكيماوى أن عينتى الدم والبول الخاصتين بالمتهم لم يعثر بهما على أى من المواد المدرجة بجدول المخدرات. كما ثبت من نتيجة تقرير إدارة الطب النفسى الشرعى أن المتهم لا يعانى من أى اضطراب نفسى أو عقلى فى الوقت الحالى أو وقت ارتكاب الجريمة.
وحيث إن الواقعة على ذلك النحو قد استقام الدليل على صحتها وثبوتها فى حق المتهم وذلك أخذاً من شهادة الشهود والتقارير الفنية المودعة بالأوراق.
فقد شهد/ حسن عبد النبى محمد الفار (شقيق المجنى عليها) أن المتهم كان يقيم مع والدته المجنى عليها بشقتها وأن المتهم كان يعانى من بعض الاضطراب النفسى والعصبى بسبب خلافات زوجية وأنه سبق وأفراد أسرته أن استشاروا طبيبة أمراض نفسية بشأن حالته – دون أن يذهب معهم– ووصفت الطبيبة لهم العلاج الخاص به وأوصت فى حال امتناعه عن تناوله إدخاله إحدى مستشفيات الصحة النفسية والعصيية لكن المتهم رفض تناول العلاج وعند استشارة الطبيبة مرة أخرى قررت لهم بضرورة إخضاع المتهم للعلاج بإحدى المستشفيات المتخصصة وأنهم بالفعل كانوا يتأهبون لإدخال المتهم إحدى المستشفيات النفسية والعصيية إلا أن وقوع الحادث حال دون ذلك.
وأما عن كيفية اتصاله بالواقعة فقد شهد بأنه تلقى اتصالاً هاتفياً فى العاشرة وثلاث دقائق تحديداً من هاتف شقيقته المجنى عليها فقام بإنهاء المكالمة واتصل هو ظناً أنها شقيقته ففوجئ بأن المتهم هو الذى يجيبه وكان يبدو على صوته الإجهاد وطلب منه أن يحضر إليه وأنه حال تأهبه للذهاب إليه تلقى اتصالاً هاتفياً من شقيقة المتهم
وابنة شقيقته المدعوة شيماء مصطفى محمد عبد الباقى أخبرته فيه بأنها علمت عن طريق الاتصال بالمتهم أن والدتها توفيت فأسرع إلى شقة المجنى عليها على الفور وهناك شاهد شقيقته المجنى عليها طريحة الأرض وقد فارقت الحياة بينما جثتها مغطاة بغطاء وتحت رقبتها دماء كثيرة وأيضاً شاهد سكينتين صغيرتى الحجم بجوارها مما تستعمل فى المطبخ وأضاف بأن المتهم لم يكن متواجد آنذاك حيث تم القبض عليه وإدخاله المستشفى لعلاجه من الجروح التى أصابته فى رقبته وصدره وقدمه وعند سؤاله عن سبب قيام المتهم بارتكاب الواقعة قرر بأن المتهم حاول الانتحار وأن المجنى عليها حاولت منعه من ذلك فأحدث إصاباتها وأنه يستند فى أقواله هذه إلى أن المتهم قد حاول الانتحار من قبل وأن الإصابات التى به تدل على أنه حاول الانتحار هذه المرة أيضاً.
وشهدت/ شيماء مصطفى محمد عبد الباقى حمودة (ابنة المجنى عليها) بأن المتهم كان يمر بحالة اكتئاب نتيجة خلافات مع زوجته مما دعاه إلى ترك منزل الزوجية والابتعاد عن زوجته وأبنائه قبل الحادث بسبعة شهور ثم ازدادت حالته سوءاً بعد تعطله عن العمل وأنه لم يكن فى حالة طبيعية مما دعاه إلى الإقدام على الانتحار إلا أن السكين التى استعملها لم تكن حادة وتم إنقاذه وأنهم عرضوا حالته على طبيبة أمراض نفسية فقررت أنه يعانى من حالة اضطراب وجدانى بسبب اصابته بانهيار عصبى وأوصت بضرورة ادخاله مستشفى للعلاج النفسى وأن المتهم كان يحب والدته المجنى عليها حباً شديداً ولم تكن هناك أية خلافات سابقة بينهما كما أنه لم يكن يتعاطى أى نوع من أنواع المخدر ولا حتى يدخن ، وأما بشأن كيفية اتصالها بالواقعة فشهدت بأن شقيقتها اتصلت بها الساعة الخامسة مساءً وأخبرتها بأن المجنى عليها لا تجيب اتصالاتها فأخبرتها أنها تحدثت معها فى الصباح ووجدتها بخير فما كان منها إلا أن عاودت الاتصال بها فلم تجيب وعند الساعة العاشرة مساءً فوجئت بالمتهم يتصل بها ويطلب منها الحضور ولم تسمع صوت لوالدتها حال المكالمة وعندما وصلت إلى شقتها فتح لها المتهم وكان مصاباً فى رقبته وفى بطنه و قدمه ويده ثم شاهدت والدتها طريحة الأرض غارقة فى دمائها فقامت بالصراخ ثم حضرت قوة من الشرطة عقب ذلك وأضافت بأن المتهم جلس على السرير الخاص بالمجنى عليها وأخذ فى البكاء إلى أن تم اقتياده بمعرفة الشرطة وأن الإصابات التى كانت به هو الذى أحدثها بنفسه لأنه لم يكن أحد آخر متواجداً بالشقة سواه والمجنى عليها وأرجعت الحادث إلى أن المتهم كان يحاول الانتحار كما حاول ذلك من قبل وأن والدتها أرادت إنقاذه فقام بإصابتها دون أن يقصد قتلها فحدثت وفاتها ، ذلك لأن من المستحيل على حد قولها أن يكون المتهم قد قصد قتل والدته لحبه الشديد لها.
وشهدت/ هند مصطفى محمد عبد الباقى (ابنة المجنى عليها وشقيقة المتهم) أن شقيقها كان يعانى حالة اكتئاب بسبب تركه لزوجته وأبنائه ومروره بضائقة مالية وأنه كان يقضى أياماً كثيرة دون نوم مما دعا شقيتها وخالها إلى أن يستشيرا طبيبة أمراض نفسية وعصبية بشأن حالته دون أن يذهب معهما فقررت لهما أنه يعانى من اضطراب عصبى ووصفت له دواءً يجب الالتزام به وإلا سيكون من الضرورى إدخاله مستشفى متخصص للعلاج النفسى وهو ما لم يحدث وأضافت بأنه كان باراً بوالدته ولم يسئ معاملتها أبداً ولم يكن بينهما أية خلافات ولم يكن يتعاطى أى نوع من أنواع المخدر. وأما بشأن كيفية اتصالها بالواقعة فشهدت بأنها هاتفت والدتها الساعة الرابعة من مساء يوم الحادث فلم تجيبها فأخبرت شقيقتها شيماء فطمأنها الأخيرة وأخبرتها أنها تحدثت مع والدتها صباح اليوم وعند الساعة العاشرة مساءً أخبرتها شقيقتها شيماء أنها ستذهب إلى والدتها لأن المتهم طلب منها الحضور وبعد ذلك اتصلت بها شقيقتها سالفة الذكر وأخبرتها بأن والدتها توفيت فقامت بالاتجاه إلى منزل والدتها لكن قوات الشرطة حالت بينها وبين الصعود إلى الشقة والدتها وعلمت بأن الشرطة اقتادت المتهم إلى المستشفى لتلقى العلاج من الإصابات التى كانت به.
وشهد مقدم/ محمد نصر أبو العنين بأن تحرياته السرية توصلت إلى أن المتهم كان يمر بأزمة نفسية بسبب خلافات مع زوجته وأنه ترك على إثرها منزل الزوجية وانتقل للعيش مع والدته المجنى عليها وانقطع عن عمله وواجه أزمة مالية فقامت خلافات بينه وبين والدته وكان دائم طلب الأموال منها ثم تطور الأمر إلى التعدى عليها بالسب والضرب دون احداث إصابات وبتاريخ الواقعة عقد العزم على قتلها وإحداث إصابتها التى أودت بحياتها باستخدام سكين ثم قام بإحداث إصابته بنفسه باستخدام ذات السكين. وأضاف بأن المتهم عقد العزم على قتل المجنى عليها عصر يوم الواقعة وأنه عند الانتقال إلى محل الواقعة شاهد المجنى عليها مسجاه على بطنها بأرضية صالة شقتها مصابة بجرح بالرقبة من الناحية اليمنى وبجوارها سلاح أبيض ملطخ بالدماء وتوجد آثار دماء بمختلف غرف الشقة كما أن المتهم كان مصاباً بمختلف أجزاء جسده.
وثبت من تقرير التقارير الفنية الآتى:
أولا تقرير الطب الشرعى:
– تبين وجود إصابات حيوية بجثة المجنى عليها عبارة عن جرحين مستويين الحواف مستعرضى الوضع بطول حوالى ٥ ،٣ سم لكل بزيل سحجى من طرفيها الأنسيين يقعا بأسفل يمين مقدم العنق.
– الحالة الإصابية المشاهدة والموصوفة بأسفل يمين العنق ذات طبيعة طعنية حدثت كل منها من نصل حاد ذو طرف مدبب أياً كان وهى جائزة الحدوث من أى من السلاحين الأبيضين الواردين إلى مصلحة الطب الشرعى.
– تعزى الوفاة إلى اصابة المجنى عليها الطعنية بيمين العنق وما احدثتاه من قطوع بالأنسجة الرخوة والعضلات والأوعية الدموية الرئيسية بيمين العنق وما صاحب ذلك من نزف دموى أدى إلى فشل بالدورة الدموية والتنفسية انتهى بالوفاة.
ثانياً: تقرير الأدلة الجنائية:
بإجراء الفحوص البيولوجية وفحوص البصمة الوراثية على آثار التلوثات بالعينات المرفوعة من محل الحادث تبين الآتى:
١– تطابق البصمة الوراثية لآثار الدماء المرفوعة من على منتصف أرضية صالة الشقة مع البصمة الوراثية للمجنى عليها وسيلة عبد النبى محمد الفار.
٢– تطابق البصمة الوراثية لآثار الدماء بباقى العينات المرفوعة من محل الحادث مع البصمة الوراثية للمتهم طارق مصطفى عبد الباقى حمودة.
ثالثاً: تقرير قسم الفحصوص البيولوجية والبصمة الوراثية:
ثبت منع الآتى:
١– تطابق البصمة الوراثية لآثار الدماء المرفوعة من على منتصف أرضية صالة الشقة مع البصمة الوراثية للمجنى عليها.
٢– تطابق البصمة الوراثية لآثار الدماء بباقى العينات الواردة مع البصمة الوراثية للمتهم.
رابعاً: تقرير المعمل الكيماوى:
ثبت من فحص عينتى الدم والبول الخاصتين بالمتهم أنه لم يعثر بمستخلص كل منهما على أى من المواد المخدرة المدرجة بجدول المخدرات.
خامساً: ثبت من تقرير الطب النفسى والعقلى أن المتهم لا يعانى من أى اضطراب نفسى أو عقلى فى الوقت الحالى أو وقت ارتكاب الواقعة محل الاتهام وهو قادر على الإدراك والاختيار والحكم على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب مما يجعله مسئولاً عن أفعاله ، بيد أن التقرير تضمن أنه تعذر إجراء الاختبارات النفسية لعدم تعاون المتهم وتعمده المراوغة فى الرد على الأسئلة الموجهة إليه.
وحيث إنه باستجواب المتهم بتحقيقات النيابة العامة عن الاتهام الموجه إليه أجاب بعبارة: "معنديش كلام يتقال" ثم قرر بأن المجنى عليها أمه وأنه يقيم معها لوجود خلافات بينه وبين زوجته واضطراره ترك منزل الزوجية و كذلك ترك أولاده الثلاثة وأنه لا يعمل ولا يتعاطى المخدر وأنه يعانى من بعض المشاكل النفسية بسبب ضغوطات الحياة وأنه حاول أن يخرج من تلك الحالة لكنه لم يستطع وأنه لم تكن هناك خلافات مع المجنى عليها إلا فى وجهات النظر فحسب ثم إجاب على الأسئلة التى وجهت إليه بشأن ارتكاب الجريمة بعبارات هى كالتالى: "معنديش كلام يتقال بعد فقدان الأم" "مفيش حاجة أقولها"
"معنديش كلام"
وأما بشأن مُحدث إصابته فقرر بأنه هو الذى أحدثها بنفسه بسكين مطبخ لأنه كان يريد الانتحار.
حيث ردد حرفياً:
"أنا كنت عايز أموت نفسى"
وحيث إنه بجلسة المحاكمة حضر المتهم ومعه محام والمحكمة سألته عن التهمة المنسوبة إليه فلم يجب وظل واجماً طوال جلسة المرافعة والمحكمة استمعت إلى شهادة/ شيماء مصطفى محمد عبد الباقى (شقيقة المتهم وابنة المجنى عليها) فشهدت بمضمون أقوالها السابقة بتحقيقات النيابة العامة بأن المتهم كان يقيم مع والدتها منذ تركه منزل الزوجية وتعطله عن العمل وأنه كان يعانى من اضطراب نفسى وحاول الانتحار قبل ذلك بقطع شراينه وأنهم كانوا بصدد إدخاله مصحة نفسية وأنه تم تجهيز المبالغ التى كان تستلزمها نفقات علاجة لكن ذلك توقف بسبب الحادث.
وشهدت/ هند مصطفى محمد عبد الباقى (شقيقة المتهم وابنة المجنى عليها)
بمضمون أقوالها بتحقيقات النيابة العامة بأن المتهم كان يعانى من أزمة نفسية وأنه كان باراً بوالدته وأنها كانت تحاول منعه من الانتحار فأصابها دون قصد.
وشهد حسن عبد النبى محمد الفار (شقيق المجنى عليها) بمضمون ما شهد به أمام النيابة العامة بأن المتهم كان يعانى من حالة نفسية سيئة وأنه حاول الانتحار أكثر من مرة وأنه كان باراً بوالدته وعلى خلق. والدفاع الحاضر مع المتهم طلب اعادة إيداع المتهم إحدى المصحات النفسية لفحص حالته النفسية والعقلية والمحكمة بذات الجلسة أصدرت حكمها وقبل الفصل فى الموضوع بإيداع المتهم إحدى منشأت الصحة النفسية والعقلية الحكومية
لمدة خمسة وأربعون وندب خمسة من خبراء الطب النفسى والعقل لفحص حالته توصلاً إلى مدى سلامة قواه العقلية والنفسية على النحو الوارد بهذه القضاء.
وحيث إنه بجلسة المرافعة التالية ورد تقرير الصحة النفسية والعقلية على أن المتهم لا يعانى من أى اضطراب نفسى أو عقلى فى الوقت الحالى أو وقت ارتكاب الواقعة محل الاتهام يفقده أو ينقصه الإدراك والاختيار وهو قادر على الإدراك والاختيار والحكم على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب مما يجعله مسئولاً.
بيد أن التقرير أيضاً تضمن أنه تعذر إجراء الاختبارات النفسية لتعمد المتهم عدم التعاون والمراوغة.
والمحكمة بذات الجلسة استمعت إلى شهادة المدعو/ أحمد أحمد أبو النجا ( جار المجنى عايها) فشهد بأنه كان متواجداً بمحله الخاص أسفل العقار الذى كانت تقطن به المجنى عليها وأنه أسرع إلى شقتها حينما سمع صوت صراخ وأنه شاهد المجنى عليها ملقاة على جانبها الأيسر وبها جرح عند رقبتها وغارقة فى دمائها وكان يتواجد جوارها سكينتين صغيرتين وأن المتهم آنذاك كان متواجداً بغرفته حيث كان يجلس على أحد الأسرة لا يتكلم وجسده كله تنزف منه الدماء ثم حضرت بعد ذلك قوة من الشرطة واقتادته إلى المستشفى وأضاف بأن المتهم كان يحب والدته حباً شديداً وأنه علم قبل الحادث أنه كان يعانى من بعض الاضطرابات النفسية ولا ينتظر منه أن يكون قد تعمد قتل والدته.
وشهدت/ سامية عاشور أحمد رمضان (جارة المجنى عليها) أنها كانت فى زيارة إحدى قريباتها وعند عودتها إلى منزلها علمت بمقتل المجنى عليها لكن الشرطة حالت بينها وبين دخول شقة المجنى عليها لاستطلاع الأمر وأضافت بأن المتهم كانت علاقته طيبة بوالدته وكان باراً بها.
وشهد/ المدعو محمد رمزى حسن (زوج شقيقة المتهم) بأن المتهم كان بطبيعته انطوائى ولا يتحدث كثيراً وأنه نتيجة لحدوث خلافات بينه وبين زوجته ترك منزل الزوجية وأقام مع والدته مدة ستة أشهر وأنه رفض الذهاب إلى الطبيبة النفسية التى عرض عليها خاله حالته بعد ما أخبرها أنه حاول الانتحار ووصفت الطبيبة له العلاج وأخبرته بأن المتهم إذا رفض تلقى العلاج وأقدم على الانتحار ثانية ستكون المحاولة هذه المرة أشد.
وأما بشأن كيفية اتصال علمه بالواقعة فشهد بأن زوجته ( شقيقة المتهم) أخبرته هاتفياً بوفاة والدتها وأنه توجه إلى شقتها على الفور وصعد إلى الشقة فشاهد المجنى عليها طريحة الأرض على جنبها بينما كان ذراعها الأيسر ممدوداً وعند رقبتها نزيف دموى متجلط فوق السجادة وكان بجوارها سكينتين صغيرتين بينما كان المتهم آنذاك فى غرفته فوق سريره وجسده غارقاً بالدماء وأضاف بأن المتهم سبق وأن حاول الانتحار وأن والدته المجنى عليها ألقت نفسها عليه لتأخذ السكين منه ولتثنيه عن ذلك وأن زوجته حذرتها من تكرار ذلك لأنه من الممكن أن يصيبها لكن المجنى عليها أجابتها بأنها لا يمكن أن تتركه يفعل فى نفسه ذلك ورددت لها حرفيا:
(أمال هسيب ابنى يموت نفسه) وأن المتهم فى هذه المرة حاول الانتحار أيضاً وعند محاولة المجنى عليه إنقاذه أصابها دون أن يقصد ذلك وأنه بعد أن أصابها جلس بغرفته حوالى سبع ساعات حتى حضر إلى شقتها ومشاهدته على تلك الحال وأن المتهم لو أراد قتل المجنى عليها لاستعمل سكيناً كبيراً ولم يكتف بضربها ضربة واحدة وأن سلوكه كان طبيعياً مع والدته وباراً بها.
والدفاع الحاضر مع المتهم طلب أصلياً براءته مما أسند إليه من اتهام تأسيساً على انتفاء مسئوليته الجنائية
واحتياطياً طلب تعديل القيد والوصف باعتبار الواقعة تشكل جريمة القتل الخطأ لانتفاء القصد الجنائى العام والخاص فى جريمة القتل العمد وانعدام تحريات الشرطة وتناقضها مع أقوال الشهود وعدم معقولية تصوير الواقعة.
وحيث إنه عن الدفع بانتفاء المسئولية الجنائية للمتهم
فلما كان من المقرر بنص المادة -٦٢- من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون ٧١ لسنة ٢٠٠٩ أنه: "لا يسأل جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار .."
والمعنى الجلى من ذلك النص أنه لا يكفى لقيام المسؤولية الجنائية على عاتق مرتكب الفعل الجرمى أن يكون إنساناً وإنما يلزم أن يكون مرتكب الفعل وقت ارتكابه متمتعاً بالبلوغ والوعى وهما الدعامتان اللتان يقوم عليهما الوعى والإرادة، وهذا معناه أنه يلزم أن يكون مرتكب الفعل وقت ارتكابه متمتعاً بالملكات الذهنية والعقلية التى تسمح له بإدراك معنى الجريمة ومعنى العقوبة وتدفعه بالتالى إلى الاختيار بين الإقدام على الجرم وبين الإحجام عنه فلا يُعقل أن يُحكم على أحد بعقوبة ما لم يكن قد أقدم على الفعل بشعور واختيار عن وعى وإرادة وليس من مصلحة الجماعة أبداً أن يُحاكم من كان فاقد الوعى والإرادة وقت ارتكاب الجريمة وإلا كان منظورنا إلى العقوبة أنها مجرد تعبير عن إنزال الألم بمرتكبها حتى ولو كان فاقداً للإدراك والاختيار اللازمين لاستيعاب أن العقوبة هى ردة الفعل على الجريمة وباعتبار أن العقوبة هى أداة لإعادة التوازن بين الجريمة كشر وقع وبين العقوبة بما تتميز به من ردع وإصلاح وتهدئة لشعور العامة فإن تلك المعانى تذهب سدى عندما يدفع المجتمع بشخص فاقد الوعى والإدراك إلى العقاب مهما كان حجم الجرم الذى اقترفه.
ولقد أحسن المشرع صنعاً عندما استبدل المادة -٦٢- من قانون العقوبات بالقانون ٧١ لسنة ٢٠٠٩ وأضاف المرض النفسى إلى المرض العقلى كمانع من موانع المسؤولية.
ويشترط لتطبيق نص المادة -٦٢- فى فقرتها الأولى شرطيين أساسيين هما كالتالى:
أولاً: أن يكون مرتكب الفعل فى حالة إضطراب نفسى أو عقلى أفقده الشعور والاختيار ولا يقتصر ذلك على حالة " الجنون" بالمعنى الطبى وإنما يمتد ليشمل كذلك سائر صنوف المرض العقلى و النفسى الذى يكون من أثره افقاد المصاب به كلية شعوره واختياره ، وعلى ذلك فإن حالة الإضطراب العقلى هذه تشمل أى مرض يصيب المخ فيجعل صاحبه ينحرف فى نشاطه عن مسار الواقع ليعيش فى عالم من صنعه هو منبت الصلة بدنيا الواقع سواء كان هذا المرض عامًا مستغرقًا لكل الملكات الذهنية للمصاب أم جزئيًا متعلقًا بجانب فقط من جوانب ملكته الذهنية وسواء كان مؤبدًا أى مستغرقًا كل وقت المصاب به أم عرضيًا دوريًا تتخلله ساعات إفاقة يعود بعدها المصاب إلى رشده مثل هو الحال فى بعض صور الأمراض العصبية العقلية كالصرع والبلة الراجع إلى تخلف العقل عن النمو الطبيعى كما يدخل فى تلك الصور بعض الأمراض العصبية التى يكون لها نفس تأثير الاضطراب العقلى مثل نوم اليقظة وانقسام الشخصية وحالات الهيستيريا والنوراستانيا.
ويلاحظ أن حالة الإضطراب العقلى يكفى لتوافرها فقدان أى من الإدراك أو التمييز لكن لا يلزم فقدهما معًا كما جاء على ذلك قضاء محكمة النقض.
ثانيًا: أن تكون حالة الاضطراب العقلى أو النفسى قد لازمت مرتكب الفعل الاجرامى وقت ارتكابه.
فلا يكفى لامتناع المسئولية العقابية أن يكون مرتكب الفعل الاجرامى مضطربًا نفسيًا أو عقليًا وإنما يلزم أن تكون تلك الحالة قد لازمته وقت ارتكابه. فإذا ثبت أن المتهم كان فاقدًا لوعيه وإرادته وقت ارتكاب الفعل امتنعت مسئوليته مهما كانت سلامته العقلية والنفسية قبل ارتكابه ولو عادت إليه سلامته العقلية والنفسية كاملة بعد ارتكابه.
وأما عن أثر ثبوت حالة الضطراب النفسى والعقلى بشرطيها السابقين فهو امتناع المسئولية واستحالة توقيع العقاب على المصاب بهما أو بإحداهما.
وحيث إنه من المقرر أنه متى واجهت المحكمة مسألة فنية بحتة فإن عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها وهى غير ملزمة بندب خبير آخر ولا بإعادة المهمة إلى ذات الخبير أو بإعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأى التى استندت إليه استناداً سليماً لا يجافى العقل والقانون ، كما لها أن تأخذ برأى خبير دون آخر ، كما لها أن تفاضل بين تقارير الخبراء بغير معقب ، كما لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره ولها أن تأخذ بجزء من تقرير دون الآخر وشرط ذلك أنه إذا تعرضت المحكمة لرأى الخبير الفنى فى مسألة فنية بحتة يتعين عليها أن تستند فى تفنيده إلى أسباب فنية تحمله وهى لا تستطيع فى ذلك أن تحل محل الخبير فيها ، ويتعين على المحكمة عند الأخذ بتقرير أحد الخبراء أن تطرح ما ورد فيه لمناقشة الخصوم فإذا استندت عليه دون تمكين صاحب المصلحة من الرد على ماجاء فيه فإن ذلك يعيب حكمها.
وأن تقرير الخبير دليل كسائر الأدلة من حق المحكمة أن تجزئه فتأخذ بما تطمئن إليه منه وتطرح ما عداه مادام غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها.
وحيث إنه لما كان ذلك وكانت المحكمة وهى فى سبيلها للوقوف على مدى سلامة قوى المتهم العقلية والنفسية قد انتدبت لجنة خماسية من خبراء الطب النفسى لفحص حالته النفسية والعقلية وقد انتهت اللجنة المنتدبة إلى نتيجة مؤداها أن المتهم لا يعانى من أى اضطراب نفسى أو عقلى فى الوقت الحالى أو وقت ارتكاب الواقعة محل الاتهام يفقده أو ينقصه الإدراك والاختيار وهو قادر على الإدراك والاختيار والحكم على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب مما يجعله مسئولاً جنائياً إلا أن المتهم تعمد عدم التعاون والمراوغة رغم محاولات من قبل الباحث النفسى مما تعذر إجراء الاختبارات النفسية وهو ما انتهى إليه تقرير اللجنة الثلاثة التى طلبت النيابة العامة تشكيلها لفحص حالة المتهم العقلية والنفسية وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى النتيجة التى انتهى إليها تقرير لجنة الخبراء المودع بالأوراق والذى يستنتج منه سلامة قوى المتهم النفسية والعقلية وقدرته على الاختيار والاختيار والحكم على الأمور ومعرفة الخطأ من الصواب الأمر الذى يكون الدفع المبدى بشأن انتفاء مسئوليته الجنائية قد جاء على غير سند صحيح من الواقع والقانون والمحكمة ترفضه.
وحيث إنه عن الدفع بانتفاء قصد القتل العمد لانتفاء القصد العام و كذلك انتفاء الخاص المتمثل فى نية إزهاق الروح فلما كان من المقرر أن القصد الجنائى فى جريمة القتل العمد هو من قبيل القصد الخاص، وهذا معناه أن الركن المعنوى لهذه الجريمة لا يتحقق قانونًا إلا إذا ثبت إلى جانب -القصد العام - وهو انصراف إرادة الجانى إلى إتيان النشاط المادى مع العلم بكافة عناصر الركن المادى للجريمة كما رسمها القانون -القصد الخاص - وهو اتجاه نية مرتكب الجريمة إلى غرض يهدف إليه بنشاطه وهو " نية القتل"
وتُعبر محكمة النقض المصرية عن رأيها الذى تواترت عليه أحكامها باشتراط توافر القصد الخاص فى جريمة القتل العمد بقولها:
" تتميز جرائم القتل العمد والشروع فيه - قانونًا- بنية خاصة هى انتواء القتل وإزهاق الروح وهذه تختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم العمدية.
ولا بد أن يتعاصر القصد الجنائى مع الفعل المادى الذى أحدث الوفاة ، فإن توافر القصد عند اتخاذه كانت الجريمة عمدية ولو كان هذا القصد متخلفًا قبل اتخاذ الفعل أو تخلف بعد اتخاذه.
أما لو ندم الجانى وفقد نية القتل عند اتيان الفعل فلا تكون الجريمة عمدية"
والقصد الجنائى كركن من أركان جريمة القتل العمد لا تقوم بدونه ومن هنا يلزم بيانه والتدليل عليه حتى يتسنى لمحكمة النقض إنزال رقابتها على صحة تطبيق القانون، وليس هناك مظهر بذاته يقطع بقيام القصد على سبيل الحتم لأن هذه المظاهر ليست هى القصد ولا أدلة حتمية توجد كلما وجدت، وإنما هى أمارات تكشف عنه والأمر موكول لقاضى الموضوع فى كل حالة واقعة على حدة.
وفى هذا تقول محكمة النقض فى حكم متواتر عليه أيضًا:
أن "قصد القتل أمر خفى لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه"
وتقول أيضًا المحكمة العليا:
"وحيث إن جريمة القتل العمد تختلف عن غيرها من جرائم الاعتداء على النفس بعنصر خاص هو أن يتعمد الجانى من ارتكاب الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه وهذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائى العام الذى يتطلبه القانون فى سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجانى ويضمره فى نفسه، ومن ثم فإن المحكمة تستظهره من وقائع الدعوى وملابساتها"
"وأن الحكم الذى يقضى بإدانة المتهم فى هذه الجناية يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالًا واستظهاره بإيراد الأدلة التى تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجانى حين ارتكب الفعل المادى المُسند إليه كان فى الواقع يقصد إزهاق روح المجنى عليه وحتى تصلح تلك الأدلة أساسًا تُبنى عليه النتيجة التى يتطلب القانون مقتضاها يجب أن يبيِّنها الحكم بيانًا واضحًا ويرجعها إلى أصولها فى الدعوى وألا يكتفى بسرد أمور دون إسنادها إلى أصولها وأنه ليس ثمة ما يمنع من أن تتولد نية القتل فجأة عند أحد المتشاجرين أثناء المشاجرة.
وحيث إنه لما كان ذلك فإن المحكمة تستخلص من ذلك كله عدم توافر القصد الخاص لدى المتهم والمتمثل فى نية إزهاق روح المجنى عليها وذلك من الأمارات والشواهد الآتية:
أولاً: أن أوراق الدعوى لم تكشف من قريب أو بعيد عن توافر قصد القتل العمل بمعناه الذى فصلته المحكمة آنفاً والذى عماده القصد الخاص الذى يتمثل فى نية إزهاق الروح. فلم يثبت فى الأوراق ما يمكن للمحكمة أن تستخلص منه أن المتهم قد انتوى قتل المجنى عليها ولا يمكن أبداً أن يكون استخلاص المحكمة للقصد الخاص فى جريمة القتل العمد من مجرد مظاهر مادية دون أن تنبئ هذه المظاهر على ما يكون قد اختمر فى نفس الجانى وأضمره ثم نفذه ولعل ذلك ما عبرت عنه محكمة النقض بصورة قاطعة عندما قالت: أن قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه. ولقد جاءت الظروف المحيطة بالدعوى قاصرة عن إدراك توافر هذا القصد فى حق المتهم.
ثانياً: أن شهادة الشهود قد تواترت ومن بينهم ذوى المجنى عليها (ابنتاها وشقيقها وزوج ابنتها) منذ فجر التحقيقات وحتى التحقيق النهائى الذى أجرته المحكمة على أن المتهم سبق وأن حاول الانتحار وأن والدته قد استطاعت أن تثنيه عن ذلك وأنه لم يكن ثمة خلافات بينهما تدعوه إلى قتلها بل على العكس من ذلك فقد شهد جميع الشهود وسواء فى التحقيق الابتدائى أم فى التحقيق النهائى الذى أجرته المحكمة على حسن خلق المتهم وأنه كان باراً بوالدته ومن ثم فإن المظاهر الخارجية التى آتاها المتهم تدفع عنه توافر نية قتل المجنى عليها فى حقه.
ثالثاً: أن الظروف المحيطة بالدعوى لا تنبئ بأى حال من الأحوال عن أن المتهم قد انتوى قتل المجنى عليها. فلم يشهد أحد بخلفٍ نشب بينهما فتوعدها على إثره بقتلها ولم يثبت أنه قد أعد لذلك سلاحاً لم يكن بمتناول يده لتنفيذ جريمته ولم يثبت أن ثمة حواراً دار بينهما تستطيع معه المحكمة أن تستخلص منه قصد القتل.
رابعاً: لقد ثبت من أوراق الدعوى أن المعاينة الأولى التى أُجريت بمعرفة عميد هشام نوار مأمور قسم شرطة ثالث المحلة كانت عند الساعة العاشرة وعشرون دقيقة مساءً وأن المدعوة شيماء مصطفى محمد عبد الباقى ابنة المجنى عليها شهدت أمام المحكمة أن آخر اتصال بينها وبين المجنى عليها كان الساعة الثانية ظهرا حيث طلبت منها المجنى عليها بعض الحاجيات إلا أن الإتصال بينها وبين والدتها المجنى علبها قد انقطع منذ الساعة الثالثة والنصف مساءً رغم محاولاتها العديدة مما حملها ذلك على القلق إلى أن اتصل بها شقيقها وأخبرها بما وقع وهذا يعنى أن المتهم ظل ماكثاً بمحل الواقعة وإلى جوار والدته ما يقارب سبع ساعات دون أن يفر هارباً ودون أن يحاول اخفاء معالم جريمته وهو ما شهد له أيضاً المدعو/ محمد رمزى حسن زوج ابنة المجنى عليها سالفة الذكر حيث شهد بأن المتهم ظل طوال هذه الساعات قابعاً بمحل الواقعة إلى أن حضرت قوة الشرطة واقتادته إلى المستشفى.
فإن هذه المظاهر لا تنبئ أننا بصدد جريمة قتل عمد يهرع الجانى فيها إلى طمس الدليل والفرار بعيداً عن مسرح الجريمة.
خامساً: الإصابات الكثيرة التى ثبت حدوثها بالمتهم وقد تواترت أقوال الشهود على وصفها وكذلك ثبت ذلك من معاينة النيابة العامة لشقة المجنى عليها حيث ثبت وجود دماء بغرفتى النوم بالشقة المذكورة وكذلك فوق أرضية الصالة والسجاد المتواجد لها وكذلك لما ثبت من تقريرى قسم الأدلة الجنائية والفحوص البيولوجية من وجود دماء تتطابق مع البصمة الوراثية للمتهم وهو ما ينبئ أن المتهم قد أحدث هذه الإصابات فى نفسه وأنها كانت كثيرة إلى الحد الذى أغرقت جسده بالدماء على النحو الذى شهد به الشهود أمام المحكمة وأنه كان قاصداً من ذلك انهاء حياته.
فليس ما آتاه المتهم هنا ما يمكن يقال معه أنه أضمر فى نفسه قتل أمه المجنى عليها.
سادساً: أن إصابة المجنى عليها
كما هو ثابت بالكشف الظاهرى لتقربر الطب الشرعى تتمثل فى جرحين مستويين الحواف مستعرضى الوضع حوالى ٥،٣ سم بزيل سحجى من طرفيهما الأنسيين يقعا بأسفل يمين مقدم العنق وأما بشأن الصفة التشريحية فقد ثبت أن الجرحين أحدثا قطوعاً بالأنسجة الرخوة ولعضلات الأوعية الدموية الرئيسية يمين العنق واصلا لتجاويفهما بينما تبين أن باقى مفردات العنق العظم اللامى الغضروف الدرقى والغضاريف الحنجرية والفقرات العنقية والأوعية بيسار العنق بحالة سليمة كما أنه بالشق على القصبة الهوائية تبين خلوها من الأجسام الغريبة وعشاؤها المبطن باهت وهذا الوصف يتفق مع الحقائق العلمية بخصوص وصف الجرح القطعى الذى يكون طوله أكبر من عرضه وعمقه ويبدأ إما بهيئة متدرجة على هيئة خدوش سطحية متقطعة أو يبدأ مرة واحدة بعمق من بدايته لنهايته وزوايا الجرح حادة فى الجانين وحوافة حادة منتظمة خالية من أية معالم رضية أو تسحجية وهو الأمر الذى تستنتج منه المحكمة إمكانية حدوث الوفاة على النحو الذى الذى قرره شهود الواقعة بأن المتهم قد أحدث إصابة المجنى عليها بالسكين الصغير الذى كان معه دون أن يتعمد قتلها إذا لو كان الأمر غير ذلك لجاءت الجروح بالمجنى عليها على غير ذلك النحو الذى وصفه تقرير الطب الشرعى والذى بلغ طوله ٥،٣ سم بزيل سحجى.
فقد كان جسد المجنى عليها أمامه وكان بوسعه لو أراد قتلها أن يوسعها طعناً بخلاف الصورة التى جاء بها تقرير الصفة التشريحية صلباً ونتيجةً.
سابعاً: أن تقرير الطب النفسى والعقلى الذى وضعته اللجنة الخماسية التى باشرت عملية فحص المتهم العقلية والنفسية تعذر عليها إجراء الاختبارات النفسية للمتهم وهو المعول عليه وهو أمر يرجح معه أن المتهم كان يعانى من حالة نفسية دفعت به إلى محاولة الانتحار على النحو الذى جاء بشهادة الشهود ومن بينهم ذويه (شقيقتاه وخاله وزوج شقيقته)
ثامناً: أن المتهم وكما شهد شهود الواقعة أقام بمنزل والدته المجنى عليها عدة أشهر قبل الواقعة بعد أن ترك منزل الزوجية لخلافات مع زوجته وكان بوسعه لو أراد قتلها ألا ينتظر كل هذا الوقت من أجل إتمام جريمته لا سيما وأنه كان يقيم مع والدته دون أن يشاركه فى ذلك أحد.
• تاسعاُ: أن تحريات الشرطة التى جاءت على أن المتهم كان يمر بأزمة نفسية بسبب خلافات مع زوجته وترك منزل الزوجية ثم قامت خلافات بينه وبين والدته المجنى عليها لأنه كان دائم طلب المال منها وأنه تعدى عليها بالسب والقذف والضرب بدون إحداث اصابات وأنه بتاريخ الواقعة عقد العزم على قتلها وقام بإحداث اصابتها التى اودت بحياتها ثم قام بإحداث اصابة بنفسه بذات السكين الذى اعتدى به على المجنى عليها. إن ذلك كله لم يقم علية أى دليل أو حتى قرينة بالأوراق فلم تسانده شهادة شاهد واحد فى الأوراق وسواء الشهادة التى جاءت بالتحقيق الابتدائى أمام النيابة العامة أو تلك التى جاءت فى التحقيق النهائى الذى أجرته المحكمة ومن ثم جاءت شهادة مجرى التحريات مجملة لا تفصيل ولا تحديد فيها كما أنها جاءت قاصرة عن إدراك الصورة التى يمكن أن تقتنع معها المحكمة أنها تمثل وجه الحقيقة فى الدعوى.
فقد قرر الضابط مجرى التحريات أن تحرياته لم تتوصل لسبب حدوث تعدى المتهم على المجنى عليها وكل ما قرره أنه كان يمر بأزمة نفسية كما لم يتوصل لما إذا كانت المجنى عليها استغاثت أو قاومت اعتداء المتهم ولم تتوصل إلى عدد الضربات التى أصابت المجنى عليها كما أن مجرى التحريات يقرر أن المتهم عقد العزم على قتل المجنى عليها عصر يوم الواقعة دون أن يدلل على ذلك ولم يتوصل الى المدة الزمنية التى استغرقها للمتهم فى التعدى على المجنى عليها ولم يتوصل إلى ما إذا كان المتهم يتعاطى المواد المخدرة من عدمه وهو الأمر الذى ترى معه المحكمة أن الضابط مجرى التحريات لم يبد إلا اقوالاً مرسلة ولا تستشف منها المحكمة الجدية التى يمكن أن تعد منها قرينة معززة لدليل فى الأوراق ولا يمكن وقد جاءت التحريات على تلك الحال أن تستنتج منها أن القصد الخاص المتمثل فى نية ازهاق الروح قد توافر فى حق المتهم وهو الأمر الذى تعمل معه المحكمة سلطتها التقديرية بشأنها ولا تعدها أكثر من رأى لمجريها لا تطمئن إلى جديته.
الأمر الذى تخلص معه المحكمة ومن جماع ما تقدم أن نية القتل العمد والتى تتمثل فى قصد إزهاق الروح على النحو الذى فصلته المحكمة آنفاً وأخذاً بكل الملابسات التى عرضت لها المحكمة لم تتوافر فى حق المتهم.
وحيث إنه عن الوصف القانونى للواقعة فإن المحكمة تقدم لقضائها بالقول أن الوصف القانونى للوقائع المقامة بها الدعوى هو تكييفها القانونى.
والتكييف القانونى للوقائع يفترض ثبوتها وصحة نسبتها إلى المتهم وينتهى بمنح الوقائع إسمًا قانونيًا لجريمة وينطوى منح هذا الإسم فى القانون الجنائى على نتيجة ملازمة هى تطبيق العقوبة المنصوص عليها لتلك الجريمة.
فالوصف القانونى بهذا المعنى بلا شك هو عصب الحكم القضائى الصادر وتتوقف صحة هذا الوصف على الإمساك المنضبط للعلاقة التى تربط الوقائع بقانون العقوبات ، فإذا قدرت المحكمة أن الوقائع المذكورة بأمر الإحالة لا تدخل تحت وصف من الأوصاف القانونية الواردة على سبيل الحصر فى القانون الجنائى فإن على المحكمة أن تقضى بالبراءة كما لها تعديل وصف التهمة بشرط أن تكون الوقائع قد تناولها التحقيق الابتدائى وظهرت من التحقيق النهائى الذى أجرته المحكمة ودارت عليه المرافعة.
والقاضى لا يلتزم بالتكييف القانونى أو الوصف القانونى الذى تخلعه جهة التحقيق على الوقائع لأنه مقيد فقط بالوقائع نفسها فى حدها العينى والشخصى أما الوصف القانونى فله ، بل عليه أن يمحص الواقعة المطروحة عليه بجميع كيوفها وأوصافها لأنه ملتزم بتطبيق نصوص القانون عليها تطبيقًا صحيحًا وهو ما يسمى
بحق القضاء ذاته لأن الوصف القانونى للوقائع هو كما قلنا عصب الحكم الجنائى وجوهره.
وإنه من المقرر أن لمحكمة الجنايات أن تعدل وصف التهمة على ضوء ما تستظهره من واقعة الدعوى دون حاجة للفت نظر الدفاع مادام هذا التعديل لا يعدو وصف ذات الوقائع المسندة إلى المتهم وليس من شأنه إسناد تهمة عقوبتها أشد من تلك الواردة بأمر الأحالة لأن مثل هذا التغيير لا يكون من شأنه كما قررت محكمة النقض فى حكمٍ قديم لها "خدع المتهم أو الإضرار بدفاعه"
وحيث إنه لما كان ذلك وكانت المحكمة قد خلصت إلى عدم انطباق وصف القتل العمد على الواقعة وذلك أخذاً بواجبها الملقى عليها فى تمحيص الواقعة المطروحة بجميع كيوفها وأوصافها وصولاً إلى إنزال حكم القانون عليها ومن ثم فإنها تسبغ على الواقعة وصف جريمة القتل الخطأ المؤثمة بالمادة ٢٣٨/ ١ من قانون العقوبات.
وحيث إنه لما كان ذلك وكان من المقرر أن العبرة فيما يتعلق بالأدلة التى يدرك بها القاضى صورة الواقعة أو بالأدق مضمون اقتناعه فيها وكما تقول محكمة النقض هى باقتناع القاضى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه ، فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأى دليل يرتاح إليه من أى مصدر شاء سواء فى التحقيقات الأولية أو فى جلسة المحاكمة ولا تصح مصادرته فى شئ من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه بشرط أن يكون الحكم مبنياً على الجزم واليقين ولكن يجب أن نقول أن اليقين القضائى هنا ليس هو اليقين بالمعنى الفلسفى كحالة ذهنية تلتصق فيها حقيقة الشئ فى الذهن على نحو لا تثير شكاً ولا تحتمل جهلاً ولا غلطاً، بل هو يقين قائم على تسبيب وأدلة وضعية ولذلك فهو يقين تقريبى يوصف فى العلم بأنه "اقتناع" وهو حالة ذهنية يتوفر فيها لدى القاضى من الأدلة الوضعية ما يكفى لتسليمه بثبوت الواقعة كما أثبتها فى حكمه.
وتأسيساً على ذلك لا يجوز أن تؤسس الأحكام الجنائية على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة.
كما لا يجوز من ناحية أخرى أن تُؤسس الأحكام الجنائية على عبارة مرسلة لا يظهر منها إلمامها بالدليل.
ويترتب على ذلك وانطلاقاً من هذا التقديم، أن حسب القاضى إيراد الأدلة المنتجة فى الدعوى التى تحمل قضاءه وباعتبار أن الأدلة فى المواد الجنائية اقناعية ويكمل بعضها البعض ويكفى أن تكون فى مجموعها كوحدة واحدة مؤدية إلى ما قصد منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، أو بعبارة أخرى الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدته وله فى سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن يجزئ أقوال الشهود فيأخذ بما يطمئن إليه منها ويطرح ما عداه دون إلزام عليه ببيان العلة ، لكن ذلك مرهون بشرطين: فأما أولهما فهو أن يشتمل حكمه على ما يفيد أنه فحص الدعوى وأحاط بظروفها وأدلتها التى قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة. والثانى أنه متى أفصح عن الأسباب التى من أجلها أخذ بالدليل أو أطرحه فإنه يلزم أن يكون ما أورده واستدل به مؤدياً لما رتب عليه من نتائج من غير عسف فى الاستنتاج ولا تنافر فى حكم العقل والمنطق ويكون لمحكمة النقض مراقبته فى ذلك.
وتطبيقاً لذلك فإن القاضى لا يلزم فى تسبيب حكمه بإيراد كافة الأدلة التى سيقت فى مجلس القضاء بل يكفى أن يورد من مؤدى الأدلة ما كان منها منتجاً لقضائه أو ذا أثر فى تكوين عقيدته وذلك على أساس أن للقاضى الجنائى سلطة تقدير أدلة الدعوى ، فله أن يأخذ بها أو أن يطرحها دون أن يكون ملزماً ببيان العلة.
كما لا يلزم القاضى بإبداء الرأى فى كل الدفوع والأقوال التى سيقت أمامه فى مجلس القضاء لأنه لا يُكلف بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى كقاعدة عامة إذ القاعدة أن إطراح المحكمة لدفاع المتهم يعتبر دليلاً على أنها قد أطرحته اطمئناناً منها للأدلة التى عولت عليه ا، كما أن إيراد أدلة الثبوت يعتبر رداً كافياً على إثارة الشك فى أقوال الشهود وتلفيق التهمة إلا إذا كان الدفاع جوهرياً. كما أن القاضى لا يلزم فى تسبيب حكمه بإيراد المؤدى الكامل للأدلة التى تأسس عليها اقتناعه بل يكفى أن يورد من مؤدى هذه الأدلة ما يكفى لتبرير اقتناعه وذلك على أساس أن للقاضى فى سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن يُجزئ مؤدى الدليل ما دام ذلك جائزاً فى العقل والمنطق فيأخذ بما يطمئن إليه ويطرح ما عدا. وعلى هذا فلا يعيب اقتناعه أن يزن أقوال الشهود فيأخذ منها ما يطمئن إليه فى حق أحد المتهمين ويطرح ما لا يطمئن إليه منها فى حق متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب الحكم ما دام يصح فى العقل أن يكون الشاهد صادقاً فى ناحية من أقواله وغير صادق فى شطر منها.
كما من حق القاضى استكمال الدليل بالعقل والمنطق أو كما تقول محكمة النقض: " أنه بمقتضى القواعد العامة لا يجب أن يكون الدليل الذى بنى عليه الحكم مباشراً ، بل لمحكمة الموضوع - وهذا من أخص خصائص وظيفتها - أن تكمل الدليل مستعينة بالعقل والمنطق وتستخلص منه ما ترى أنه لابد مؤد إليه.
وحيث إنه لما كان ذلك وكانت المحكمة قد اقتنعت واطمأنت إلى ثبوت الجريمة التى انتهت أنها تمثل الوصف الصحيح للواقعة فى حق المتهم ثبوتاً قطعياً لم ينل منه ما أبدى من دفاع ودفاع.
فلما كان ذلك وبناءً عليه يكون قد وقر فى ضمير المحكمة واستقر فى وجدانها أن/
طارق مصطقى محمد عبد الباقى حمودة
لأنه فى يوم ٢٨/ ٤/ ٢٠٢١ بدائرة قسم شرطة ثالث المحلة الكبرى /محافظة الغربية
تسبب فى موت المجنى عليها وسيلة عبد النبى محمد الفار وكان ذلك ناشئاً عن إهماله ورعونته وعدم احترازه بأن دفعها حال قيامه بإصابة نفسه وحال محاولتها إثنائه عن ذلك فأصابها بالسكين الذى كان بيده بالجزء الأيمن من رقبتها فحدثت إصابتها الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى نتج عنها موتها على النحو المبين بالتحقيقات.
وحيث إن الجريمتين المسندتين إلى المتهم قد ارتبطتا برباط غير قابل للتجزئة الأمر الذى تقضى معه المحكمة بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد عملاً بالمادة ٣٢ / ١ من قانون العقوبات.
وحيث إنه عن المصاريف الجنائية فالمحكمة تلزم بها المتهم عملاً بالمادة ٣١٣ من قانون الإجراءات الجنائية.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة حضورياً بمعاقبة طارق مصطفى محمد عبد الباقى حمودة بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عما أسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية.
اترك تعليق