في الهند، عام 1983، نشرت صحيفة مغمورة صادرة بالإنجليزية اسمها «ذا باتريوت» خبرًا بانتشار مرض جديد صنعته الولايات المتحدة سرًا للقضاء على الأمريكيين من أصول إفريقية. انتشر خبر تخليق الفيروس عالميًا.
خبر الإيدز في الصحيفة الهندية (مركز النزاهة الديمقراطية(
يقول عميل المخابرات الروسية السابق أوليج كالوجين إن السوفييت دأبوا على نشر الأخبار الكاذبة في صحف العالم الثالث حيث يسهل خداع الصحفيين، ويصعب البحث عن مصدر الخبر برأيه. أي أن المخابرات الروسية سربت القصة إلى الصحيفة الهندية، ثم نشرها الإعلام السوفييتي إلى العالم على لسان تلك الصحيفة المغمورة.
نستعرض في هذا التقرير نماذج توضح آلية عمل الدعاية السياسية وكيفية التحقق من المحتوى المكتوب والمرئي.
تُعرف الدعاية أنها نشر المعلومات من منظور أحادي وتوجيه رسائل مركزة بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص المستهدفين، بخلاف العرض الموضوعي للقضايا.
هذه الحملات ليست عشوائية، بل تخضع لإستراتيجيات ودراسات، فكيف يمكننا اكتشافها؟ التفكير النقدي الذي يتسم بالموضوعية مهم؛ الدعاية الإعلامية لها خصائص بارزة لا سيما إذا كانت ممنهجة، وفيما يلي بعضها في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، كمثال ماذا تفعل الجهات المختلفة كي تدعم حملاتها الإعلامية؟
الدعاية الإعلامية والأخبار الكاذبة تحتاج إلى وازع أخلاقي تبنى عليه. تقول روسيا إنها تغزو أوكرانيا لتحريرها مما أسمته النازية الجديدة التي يمارسها الغرب والولايات المتحدة على الشعب الأوكراني.
الهدف هنا حشد الرأي الداخلي والخارجي؛ مثلا تقول روسيا إن الولايات المتحدة أقامت معامل سرية في أوكرانيا لتصنيع الأمراض، لكنها لم تقدم دليلًا.
كما أن سردية النازية الجديدة تُذّكر الشعب الروسي بزعيم ألمانيا النازية هتلر حينما غزا روسيا، ما يثير خوفهم وبالتالي يرفع تأييدهم للحرب.
غالبًا ما تتضمن الأخبار الكاذبة وحملات الدعاية الإعلامية إثارة النعرات الطائفية التي تستهدف الجمهور بتقسيمه إلى فئات متناحرة، وهو ما يبدو جليًا في نقاشات منصات التواصل الاجتماعي. كان هذا بارزًا قبيل بدء العمليات الروسية في أوكرانيا، باعتراف روسيا باستقلالية إقليمي لوجانسك ودونيتسك الواقعين شرقي أوكرانيا.
أي تقسيم الناس إلى فئتين: إما معنا أو علينا؛ هذه مرحلة متقدمة من الدعاية الإعلامية، وتبدأ عند نجاح الخطوات السابقة في إقناع الجمهور بالخبر الكاذب. قسمّت روسيا الشعب الأوكراني إلى مواطنين من أصول روسية وغيرهم، حتى أنها منحت كثيرًا من الأوكران الجنسية الروسية سابقًا. بالإضافة إلى أن تخلي أوكرانيا عن مبدأ الحياد (لا مع روسيا ولا عليها) وسعيها نحو الغرب من أهم أسباب الحرب.
هذه السمة من أطول سمات التضليل الإعلامي والأخبار الكاذبة استمرارية، وهدفها الطعن في مصداقية الضحية الذي تستهدفه حملة الدعاية الإعلامية لدى الجمهور. الإعلام الروسي يطلق على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي وصف المهرج. كما يعتاد وزير الخارجية سيرجي لافروف إطلاق النكات القبيحة على الزعماء الغربيين،
في المقابل، زعم السيناتور الأمريكي ماركو روبيو أن بوتين مريضًا عقليًا بسبب كبر سنه، رغم أن الرئيس الأمريكي بايدن أكبر منه بنحو 10 سنوات.
هذه السمة أيضًا تكون واضحة في مناقشات مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاق السباب الممنهج على الطرف الآخر.
نشر الصليب الأحمر بيانًا يحذر فيه متابعيه من الأخبار الكاذبة التي تنتشر على لسانه بخاصة عن مساعداته في حرب أوكرانيا ما يمثل عبئًا على العاملين لديه. وهذا الفيديو عن مصرع شاب في لعبة خطيرة تبين لاحقًا أنه فيديو ترويجي. يمكن تقسيم الأخبار الكاذبة إلى 3 فئات:
أرسل إلي أحد الزملاء منذ أسابيع خبرًا، طالبًا مني التحقق منه. يقول الخبر إن محكمة العدل الدولية ألغت البروتوكول الصحي لمنظمة الصحة العالمية!
تحمل الأخبار المضللة تناقضًا كبيرًا ومفاجئًا مع الواقع. فغالب الأمور تسير ببطء نحو مآلات متوقعة؛ ولا يتوقع بعد عامين من جائحة كورونا أن تستيقظ محكمة دولية لتصدر مثل هذا الحكم الخطير. ثم يمكن مراجعة اختصاصات محكمة العدل لمعرفة هل تستطيع إصدار مثل هذا الحكم أم لا. ويمكن أيضًا التأكد من الموقع الإلكتروني المنشور مع الخبر للتأكد هل هو الموقع الرسمي أم لا، وهو كما يبدو رابطًا بسيطًا مرتجلًا لموقع يفتقر إلى المهنية في طريقة عرضه، ولكن كيف أعرف أن الموقع مزيف؟
يمكن التأكد بوضع رابط الموقع في أحد مواقع الإنترنت للتأكد من بيانات مالكيه ومقره وتاريخ إنشائه وطريقة التواصل مع المسؤول التقني للموقع وغيرها من البيانات التي يمكن أن تستشف منها صدق الموقع، ومن أشهر هذه المواقع WhoIs وICAAN و DomainTools. لكن ربما تكون هذه البيانات محجوبة كليًا أو جزئيًا باشتراك صاحب الموقع في خدمة لإخفاء بياناته وإن كان غالب المواقع المزيفة تترك بياناتها متاحة، لتوفير ثمن شراء خدمة حماية البيانات.
بعد ذلك يمكن التأكد من الخبر بمطالعة قسم غرفة الأخبار على موقع المحكمة الرسمي، أو بالتواصل مع المسؤول الإعلامي لها وغالبا يعرض الموقع وسيلة التواصل معه وهي البريد الإلكتروني في معظم الأحوال.
تتسم الأخبار الكاذبة أيضًا بالشحن العاطفي. في هذا الفيديو استغرقت المذيعة كاثي نيومان طوال نصف دقيقة في سؤال وزير الخارجية الروسي عن القصف الروسي لأوكرانيا: «سيد لافروف، أريد أن أسألك عن بولينا زابادينيسكايا. لقد كانت في عامها الأخير في الدراسة الابتدائية. قتلت برصاص الروس وهي في سيارة عائلتها في كييف يوم السبت. سيد لافروف، أعلم أن لديك ابنه. أريد منك أن تنظر إليّ في عينيّ وأن تخبرني ببساطة كيف تنام ليلًا وأنت تعلم أن القنابل والرصاص الروسيين يقتلون الأطفال؟»
لا توجد طريقة موحدة للتحقق من المحتوى المرئي على الإنترنت سوى بعد تشغيل العقل النقدي للبحث عن دلائل أو أخطاء أو علامات وغير ذلك. فحتى الإعلام الراسخ قد يقع في أخطاء النقل دون تحقق. في عام 2015 نشر حساب تويتر مزيف خبرًا عن حادث إطلاق نيران في مدينة سان بيرناردينو بالولايات المتحدة، ونقلته عنه وسائل إعلام رسمية على أنه شاهد عيان.
هذه الصورة لإعصار يضرب مدينة نيويورك أيضًا مزيفة، واستغرق بيان زيفها وقتًا بعدما انتشرت على الإنترنت وصدقها كثيرون.
أو تلك الصورة لتزييف الحرس الثوري الإيراني الصورة التي التقطها وكالة الأنباء الفرنسية لمحاولة إطلاق صاروخ فشلت.
الصحفية والباحثة في مجال التحقق الإخباري كلير واردل تضع إستراتيجية للتثبت من الصور والفيديوهات في 5 محاور رئيسية:
توجد أدوات كثيرة تساعد في عملية التثبت كأدوات مراقبة حركة الملاحة الجوية (مثل FlightRadar24، وFlightAware) والبحرية (مثل MarineTraffic وVesselFinder) وتحديد زاوية طلوع الشمس وأفولها وحالة الطقس واتجاه مرور السيارات وتحديد المسافات وطبوغرافيا المنطقة باستخدام خرائط جوجل والبحث العكسي للصور (مثل Google Reverse Image وTinEye) ومقارنة صور الأقمار الصناعية للأرض قديما وحديثًا باستخدام جوجل إيرث والبحث العكسي للفيديو.
هذه الصورة تقول إن روسيا أطلقت أسود لإجبار الناس على البقاء في منازلها. هل روسيا بها أسود؟ لا، كما أن روسيا لم تفرض حظر تجول.
هل الصورة متلاعب بها؟ نعم؛ التحليل الجنائي من InVid والواضح في الصور الملونة يبين التلاعب في إضافة شعار البث المباشر ومستطيل الأخبار واسم الموقع.
لكن هل الأسد حقيقي؟ نعم؛ لكنه لم يكن طليقا وإنما ضمن طاقم فريق تصوير فيلم في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا بتاريخ 2016.
لقطة شاشة
في هذا الفيديو، يخطف نسر أحد الأطفال من مدرسة بمدينة مونتريال في كندا. حقق الفيديو أكثر من 46 مليون مشاهدة، لكنه في الواقع مزيف أيضًا، صممه طلاب من قسم التصميم ثلاثي الأبعاد في المدرسة. تلك المرة بتقنية الصور التي ينشئها الكمبيوتر CGI - Computer-Generated Imagery. يمكن التحقق من صحة الفيديو بالتدقيق فيه ليس إلا. في الدقيقة 3:01 يظهر بوضوح جناح النسر وكأن مقطوع، وفي الدقيقة 10:29 يختفي ظل النسر فجأة رغم سطوع الشمس. ويمكن هنا تشغيل الفيديو بالإطار (الثانية بها نحو 25 إطارًا) لعرضه ببطء للتحقق منه ومن غيره.
https://catalog.archives.gov/id/10641755
https://en.unesco.org/fightfakenews
اترك تعليق