أخر مرة ذهبت فيها لإفطار جماعي كانت في رمضان 2016، حينها أعتدنا أنا وأصدقائي في الجامعة على الذهاب لسيتي ستارز من بعد العصر حتى بعد صلاة العشاء، واستمرت تلك العادة معنا منذ 2011 (عام تخرجنا)، وحتى 2016، وبعد ذلك أنشغل الجميع بشغله أو أولاده، أو كلاهما.
ولكن قبل منتصف رمضان أتتني دعوة من صديقتي نيرمين على الإفطار، وبما أن كل لقاءاتي بصديقتي لا تخلو من العمل؛ لذا وافقت على مضض، وبالفعل ذهبت إليها في 15 رمضان رغمًا عن اعتيادي على الإفطار مع عائلتي، ورغمًا عن درجة الحرارة، ولكني أقنعت نفسي أن العمل أهم من أيّ شيء وأن الفرصة ستأتي أخيرًا لرؤية القمر بدرًا إلا أن الحياة شيء والأحلام شيء أخر كما يقول الأتراك "Hayaller Ve Hayatlar".
أتذكر أول يوم رمضان بالعام الماضي ما فعلته نيرمين معي الساعة 11 صباحًا، حينها عنفتني على عدم استيقاظي مبكرًا، وطلبت مني فتح صفحة الــ Meet"" على جوجل لمراجعة صفحات كتابي "إمبراطورية زركون" قبل نشره على أمازون، بدأنا قبل الظهر وانتهينا مع أول تكبيرة في أذان المغرب، وقتها لم أتخيل أن رمضان الحالي سيشهد على تلك اللحظات أيضًا.
جمعنا الأسلاك والأجهزة سريعًا، وصلينا المغرب ثم تناولنا الإفطار، وبعدها أكملنا عملنا من حيث توقفنا، أحضرت نيرمين كوب قهوة بلبن لا مثيل له، وفتحت التليفزيون، وهنا بدأت المأساة، مأساة أن يكون لديك وقت في رمضان لتشاهد مسلسلاته، ولحظي الأسوأ من السيئ شاهدت مشهد من أحد المسلسلات أبدعت فيه الفنانة وفاء عامر لدرجة أنها ذكرتني بتلك المرأة المُستبدة التي تستغل قوتها ومالها لفرض سيطرتها على أولادها، وقلت لنفسي المرأة المصرية قوية الشخصية ولكنها ليست مُفترية أو مؤذية؛ لأن طيبتها تطغى على قسوتها إلا أني شعرت باستياء من المسلسل بشكل عام وتذكرت المسلسلات الكلاسيكية التي تتحدث عن الأسر المصرية، وعن شوارع مصر كمسلسل أرابيسك وزيزينيا وعباس الأبيض والضوء الشارد وذئاب الجبل والوتد..الخ تلك الروائع، أعلم أن شخصيتي تحب الأشياء الكلاسيكية ولكن ربما أنا كذلك لأني لا أفُضل أحوال المصريين الآن، وتلك الموجة البشعة التي تتحدث عن البلطجة والأماكن الشعبية التي يظهر فيها بطل أو بطلين يُغيروا مجرى الأحداث بعد انضمامهم للمافيا أو ما إلى ذلك.
لا تقولون أني لا أعرف شيء عن تلك المناطق، وأن تلك المسلسلات هي انعكاس للواقع، وكل تلك المبررات الواهية؛ لأني أسكن في المطرية ولست بعيدة عن واقع المصريين، خاصة بعد أن طوّر عملي في الصحافة مهارة "المراقبة" لديّ، وصدقوني كلما راقبت المصريين كلما شعرت أن تغييرهم نتج عن مشاهدتهم لتلك الأعمال العنيفة والتي لا تعبر إطلاقًا عن معدن المصريين، وحتى أغاني المهرجانات لا تُعبر أبدًا عن أذواق المصريين؛ لأن مع الأسف جميعنا أصبحنا أسرى لتلك الموجة الزائفة التي تدعي خطًأ أن هذا ما يُفضله الجميع، ولو قرأتم مقالتي الماضية "مفارقة أبيلين" ستعرفون أن ما يحدث مع المصريين الآن هو بالضبط ما حدث مع عائلة جيري هارفي حينما ذهبوا في رحلة لمدينة أبيلين ظنًا منهم أن الجميع يرغب في الذهاب في حين أن جميعهم لم يرغبوا في تلك الرحلة منذ البداية.
أتريدون الاستماع لشيء كوميدي في نهاية المقالة؟؟ بعد أذان العشاء بدأ مسلسل المداح، وقتها تبدلت مشاعري من الاستياء والاشمئزاز للرعب والخوف، وحاولت أجذب أطراف الحديث مع صديقتي وأختها لأمنع نفسي من متابعة أحداث المسلسل، ولكن دون جدوى؛ فأثناء حديثي معهم سكتوا جميعًا ونظروا للشاشة، وهنا رأيت أكثر مشهد مُخيف في المسلسل.. أستطيع الآن القول أن حظي في هذا اليوم كان أسوأ من حظ ويل سميث في حفل الأوسكار الأخير.
أخيرًا ودعت صديقتي وقلت لنفسي سأرى مظاهر الاحتفال برمضان، ولكني نسيت أن الأهلى غريمي وعدوي اللدود لن يتركني وشأني، لم أعرف وقتها أن هذا اليوم هو موعد مباراة الأهلي والرجاء المغربي (مباراة الذهاب)؛ لذا تعجبت لِمَ الشوارع خالية وكأنها تحولت فجأة لمدينة أشباح لا يوجد فيها سوى كلاب تجلس بأريحية فوق السيارات.. مشهد يُذكرني بحال الدول في المستقبل، بعد الحرب النووية التي قضت على الأخضر واليابس والجنس البشري بأكمله، ركبت السيارة وكانت حركة المرور هادئة لدرجة أخافتني وسمحت لكل الأفكار المرعبة بالتجول داخل عقلي المشوش.. دقائق بسيطة وسمعت صياح ذكرني بكلمة الإعلامي عمرو أديب "هدف الأهلي يساوي زلزال في مصر بقوة 8 ريختر"، وقتها فهمت لماذا الطرقات خالية، ولماذا أختفى أخوتي وأهلي فجأة وتوقفوا عن الاتصال بي.
الآن فقط أدركت أني لو تركت نفسي لحظي فوقتها لن ينقذني أحد من بين براثنه؛ فها أنا أعشق الزمالك حد النخاع، ولكن منذ أن وطأت قدمي منطقتي أحرز الأهلي هدفين في عشر دقائق، في البداية مررت بجوار مقهى كان يحتفل بهدف السولية، وبعدها مررت بمقهى أخر سمعت صيحاته من بعيد بعد هدف حسين الشحات، وبعد عودتي للمنزل أصابني الاكتئاب، وكرهت أن يدعوني أحد على الإفطار مجددًا، وهكذا أُرهقت روحي.
بقلم - هبه مرجان:
اترك تعليق