أكد د. رضا عبد السلام الخبير الاقتصادي ومحافظ الشرقية الأسبق أن الاقتصاد المصري قوي الأسس متعدد المصادر ومتنوع الموارد وهو ما يمنحه المرونة والقدرة علي الصمود رغم الصعاب لكن بشروط.. ومن ثم فإن ما يشيعه البعض عن إفلاس الدولة هدفه إشاعة الذعر وتخريب الاقتصاد القومي من جانب أبواق أهل الشر وهو ما لن يحدث إن شاء الله.
أوضح د.عبد السلام أن هناك أسباباً عديدة وراء انخفاض الاحتياطي النقدي لمصر من 42 مليار دولار إلي 37 ملياراً في مارس الماضي الذي شهد أحداثاً كارثية» فقد وقعت الأزمة الروسية الأوكرانية وانقلب بعدها العالم رأساً علي عقب وتعرضت الدول لأزمة اقتصادية بدرجات مختلفة. واضطرت الحكومة المصرية أن تسحب من مخزون احتياطيها النقدي لتدبير الاحتياجات المطلوب استيرادها من الخارج وخصوصاً السلع الغذائية التي تضاعفت أسعارها عالمياً.
أضاف د.عبد السلام إن أمريكا رفعت سعر الفائدة فتحول المستثمرون إليها وقاموا بتسوية أوضاعهم في مصر وهاجرت الأموال الساخنة التي تستثمر في البورصة والشهادات وباع أصحابها ما يملكونه هنا وتحصلوا علي قيمته بالدولار للاستثمار في أذون الخزانة الأمريكية» وبالتالي أخذوا معهم جزءاً من الاحتياطي النقدي لمصر.
أكد أن هناك عاملاً آخر مثّل أيضاً ضغطاً علي الاحتياطي الأجنبي لمصر وهو تسديد جزء من أقساط الديون في شهر مارس الماضي.
أوضح د.عبد السلام أن بيان البنك المركزي المصري عقب التحريك الأخير لسعر الدولار الذي تجاوز الــ 18 جنيهاً.. جاء مقتضباً ومقصوراً علي ما حدث فقط في مصر وهو ما أحدث ردة فعل سلبية لدي الناس.. و لو تم تذييل هذا البيان بالحديث عن الوديعة السعودية البالغة 5 مليارات دولار وما ترتب عليها من زيادة الاحتياطي النقدي لمصر من 37 مليار دولار إلي 42 مليارًا وهو ما يعني قدرة الدولة المصرية علي تغطية احتياجاتها الاستيرادية من السلع الأساسية لمدة 6 أشهر بدلاً من 3 أشهر فقط لكان ذلك أفضل.. ناهيك عما أحدثه الكلام عن استثمارات إماراتية وقطرية في مصر بمليارات الدولارات من أجواء إيجابية فهدأت الأسواق وحدث ارتياح في الشارع كان يمكن لذلك أن يحدث لو أن بيان "المركزي" تضمن هذه الأخبار الإيجابية بتفاصيلها من البداية.
أما لماذا تحتفظ الدولة أو البنك المركزي باحتياطي نقدي أجنبي فقد أوضح د.رضا عبد السلام- وهنا اختص بكلامه المواطن البسيط الذي يهمه أن يفهم ويدرك ما يجري حوله وليس المتخصصين- أوضح أن الدولة تدخر مثل هذا الاحتياطي بالعملة الصعبة لتلبي به احتياجاتها أو تغطي وارداتها الأساسية في الأزمات مثلما حدث تماما في مارس الماضي تماما كما يفعل كل فرد منا في حياته العادية حين يدخر شيئاً من راتبه لأي ظرف طاريء.
وفيما يخص طبيعة ووظيفة الاحتياطي النقدي للدول أوضح د.عبد السلام أن الدول تحتفظ به بمختلف العملات و أغلبه عندنا من الذهب واليورو والإسترليني واليوان الصيني والين الياباني والمفروض كما تعلمنا في مباديء الاقتصاد - أن يغطي هذا الاحتياطي 6 أشهر علي الأقل من وارداتنا» يعني لو أننا نستورد شهرياً بنحو 7 مليارات دولار هنا لابد أن يكون لدينا علي الأقل 42 مليار دولار احتياطي نقدي لكن ما حدث أن هذا الاحتياطي انخفض إلي 37 ملياراً يعني يغطي 5 أشهر فقط.
أشار د. رضا عبد السلام إلي أن وجود هذا الاحتياطي يجعل المتعاملين معك من الدول الخارجية والمستثمرين مطمئنين كما يرفع درجة تصنيفك الائتماني ويزيد من صلابة اقتصادك ويجعله أكثر استقرارًا أمام الآخرين.
أضاف د.عبد السلام أن هناك إنجازات جيدة تحققت خلال السنوات الماضية في الدولة المصرية لكن أتت الرياح بما لا تشتهي» فالمواطن تحمل ولا يزال أعباء اقتصادية ضخمة بسبب برنامج التحرر الاقتصادي الذي جري تنفيذه في تلك السنوات بعد تعويم الجنيه ورفع الدعم ثم جاءت أزمة كورونا وتداعياتها السلبية وما تبعها إغلاق مشروعات وبطالة ثم الأزمة الروسية الأوكرانية وموجات التضخم العالمية التي ضاعفت المعاناة بعد التغيرات العالمية .
أكد د.رضا عبد السلام أن هناك مشاكل اقتصادية لا ينكرها أحد ينتمي لهذا البلد وهنا فإن المواطن محتاج يطمئن ويحتاج إلي فكر اقتصادي مختلف وآليات وأدوات مختلفة وأولويات جديدة لأن الأحداث تتلاحق ولا أحد يعلم ما يخبئه الغد وندعو الله ألا يصل بلدنا لما وصلت إليه لبنان» وما يطمئننا أن هناك فارقا كبير بين الحالين.
أوضح عبد السلام أن مصر لم تتوقف عن سداد ديونها ولا انهار سعر صرف عملتها كما حدث في لبنان تماماً » حيث توقف البلد الشقيق عن سداد ديونه من 2019 كما أن عملته "الليرة" انهارت "صار الدولار ب 1500 ليرة والسعر الحقيقي 24 ألف ليرة لكل دولار" حتي بات لبنان عاجزاً عن الاستيراد وغير قادر علي الوفاء بالتزاماته.
أوضح أن الدين العام لمصر "خارجي وداخلي" ارتفع في السنوات الأخيرة ليتراوح بين 6 و7 تريليونات جنيه بينما الناتج المحلي لمصر يدور في إطار الــ 7.2 تريليون جنيه ويبلغ الدين العام المحلي نحو 90% من الناتج المحلي بعكس لبنان الذي يبلغ دينه العام نحو 400% من ناتجه المحلي.
أكد د. رضا عبد السلام أن أغلب الدين العام لمصر هو دين طويل الأجل حيث كان الدين العام الخارجي الشهر الماضي نحو 135 مليار دولار ومع الوديعة السعودية أصبح نحو140 ملياراً أو أقل أو أكثر لكن أغلبه دين طويل الأجل يصل بعضه لنحو 30 سنة.. بينما الديون قصيرة لا تتخطي الــ 13 مليار دولار.
أشار د.عبد السلام إلي أن مصر أسسها الاقتصادية قوية بدليل تدفق الاستثمارات السعودية والإماراتية والكويتية إلي مصر بعد الذي فعلته أمريكا مع روسيا من تجميد الأصول مما جعل أشقاءنا الخليجيين يعيدون ترتيب أولوياتهم فقام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخ 5 مليارات دولار كوديعة في مصر وهناك 10 مليارات دولار سعودية قادمة لمشروعات في مصر كذلك قطر والإمارات والكويت ولا مانع من أن يكون مالنا نحن العرب جوانا كما يقال علي أن يجري ضخ تلك الاستثمارات في مشروعات جديدة وليس في مشروعات قائمة.
يقول د.رضا عبد السلام إن ما أتمناه رؤية اقتصادية » فالمواطن المصري يريد سياسات اقتصادية مختلفة ومبادرات تظهر له جدية الدولة في التحول وتشجيع القطاع الخاص وتقديم تيسيرات وحزم سريعة جداً.
أريد والكلام للدكتور رضا عبد السلام- أن أري فكراً اقتصادياً في الأداء الحكومي » فقد انقضت الفترة الماضية بحلوها ومرها.. أما الفترة المقبلة مع الظروف والضغوط الدولية فهي تحتاج إلي تشجيع الإنتاج والتصنيع المحلي وبجودة أعلي وأسعار منافسة.
أما قرار الاعتمادات المستندية فيؤكد د. عبد السلام أنه جيد علي الورق فهو يعلي المصلحة العامة و يسعي لفلترة الاستيراد وترشيده وهو ما يحسن وضع الجنيه ويوفر له الحماية بتقليل الطلب علي الدولار ويخلق استقراراً في سوق المال. ويشجع التصنيع المحلي ويضمن الرقابة علي جودة السلع المستوردة ويمنع تسرب المنتجات الرديئة إلي البلاد ويحمي المواطن من الغش.. لكنه جاء في ظروف غير مواتية» فآليات وإمكانيات تطبيقه غير متوفرة وبالتالي ما ترتب عليه من إلزام للمستورد بتوفير الدولارات من السوق حتي تتم الموافقة له علي الاستيراد ترتب عليه تدافع التجار لجمع الدولار من السوق ومن ثم زيادة الضغط علي الاحتياطي الأجنبي من العملات الصعبة.. ومن ثم فإننا في حاجة لسماع وجهات نظر بعضنا بعضاً حتي لا يدفع المواطن البسيط فاتورة الغلاء.
اقترح د.عبد السلام تعليق قرار الاعتمادات المستندية مؤقتاً في مقابل أن تفرض الدولة قيوداً وضرائب جمركية خاصة علي الواردات غير الضرورية تحددها بقائمة تضم مثلاً أكل القطط والكلاب ولعب الأطفال وغيرها من البضائع الاستفزازية التي يمكن مجابهتها بفرض ضريبة كبيرة ولتكن مثلاً 500% وهو ما يجعل المستورد يحجم تلقائياً عن استيراد مثل هذا النوع من السلع وبالتالي لن يتكالب علي الدولار.
أما من يستورد مواد أساسية وقطع غيار فيجب مساندته فوراً حتي لا نجد ارتفاعات عالية جداً في الأسعار لا يستطيع المواطن تحملها.. فكيف نخطط للمستقبل ونقيم مشروعات بينما هناك عدم يقين لدي المستثمر الأجنبي في السوق والاستثمار.. وهي أمور ينبغي أن عمل عليها في الفترة المقبلة.
أكد أنه مطلوب أيضاً تسريع إنهاء إجراءات استيراد المواد الأساسية لتحقيق الاستقرار في الأسواق حيث يخلق التراخي سوقا سوداء للعملة كما أنه لابد من تحفيز الصادرات ودعم الإنتاج المحلي لمنع تعطيش السوق والاحتكار والغلاء.
اترك تعليق