بعد ثلاثة أيام من بدء العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا فى الرابع والعشرين من فبراير المنصرم، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوضع قوات الردع فى بلاده - التى تضم أسلحة نووية - في حالة تأهب قصوى.
وقد أثار هذا التصريح مخاوف من أن موسكو يمكن أن تستخدم أسلحة نووية "تكتيكية"، الأمر الذى اعتبرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فى حال حدوثه تطورا دراماتيكيا، لكن ليس حربا نووية شاملة.
الأسلحة النووية "التكتيكية" هي تلك التي يمكن استخدامها على مسافات قصيرة نسبياً. وهذا ما يميزها عن الأسلحة النووية "الاستراتيجية". في الحرب الباردة، كانت هذه القنابل التي يمكن للقوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إطلاقها على مسافات محددة في موطن الآخر.
ومصطلح "تكتيكي" يتضمن مع ذلك العديد من أنواع الأسلحة، بما في ذلك القنابل الصغيرة والصواريخ المستخدمة كأسلحة "ساحة المعركة". ويمكن وضعها على أنواع مختلفة من الصواريخ التي تستخدم عادة لنقل المتفجرات التقليدية. ويمكن حتى إطلاقها كقذائف مدفعية في ساحة المعركة. تم تطويرها أيضا للطائرات والسفن - على سبيل المثال- الطوربيدات والشحنات المصممة لاستهداف الغواصات.
ويعتقد أن هذه الرؤوس الحربية موجودة في منشآت التخزين وليست منتشرة وجاهزة للإطلاق. لكن أحد المخاوف هو أن روسيا قد تكون أكثر استعداداً لاستخدام أسلحة تكتيكية أصغر من الصواريخ الاستراتيجية الأكبر.
وتقول الدكتورة باتريشيا لويس، رئيسة برنامج الأمن الدولي في مركز أبحاث "تشاتام هاوس": "قد لا يرون أن الأمر يتجاوز العتبة النووية الكبيرة. يمكنهم رؤيتها كجزء من قواتهم التقليدية".
ويمكن أن يصل حجم أصغرها إلى كيلوطن واحد أو أقل (أي ما يعادل ألف طن من مادة تي إن تي المتفجرة) - وربما يصل حجمها إلى 100 كيلوطن. ستعتمد التأثيرات على حجم الرأس الحربى، ومدى انفجاره فوق الأرض والبيئة المحلية.
ولكن على سبيل المقارنة، كانت القنبلة التي قتلت حوالي 146 ألف شخص في هيروشيما باليابان، خلال الحرب العالمية الثانية، تزن 15 كيلوطنا. ويعتقد أن أكبر الأسلحة الاستراتيجية لروسيا تبلغ 800 كيلوطن على الأقل.
وقد أشار بوتين في أكثر من مرة إلى الأسلحة النووية الروسية - على ما يبدو لمحاولة خلق شعور بالخوف. ويرى مراقبون في هذا إشارة للغرب لإقناعه بعدم التدخل أكثر في أوكرانيا، وليس كعلامة على أنه يخطط لحرب نووية.
لكن مراقبين آخرين قلقون من أنه رغم أن الفرص منخفضة، فمن الممكن أن تميل روسيا في ظروف معينة، إلى استخدام سلاح تكتيكي أصغر في أوكرانيا. غردت الدكتورة ماريانا بودجيرين، الخبيرة النووية في مركز بيلفر للعلوم والشئون الدولية، في كلية كينيدي بجامعة هارفارد: "بوتين يشعر بالارتياح في عالم (الاستقرار والاضطراب)، بينما يردع الغرب باستخدام صدمته النووية".
وتقول المخابرات الأمريكية إن لدى روسيا نظرية تسمى "التصعيد من أجل خفض التصعيد" إذا كانت فى صراع مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). يتضمن هذا القيام بشيء مثير - مثل استخدام سلاح تكتيكى فى ساحة المعركة - أو التهديد بالقيام بذلك.
والقلق هو أنه إذا شعر بوتين بأنه محاصر وأن استراتيجيته في أوكرانيا تفشل، فيمكنه استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لتغيير قواعد اللعبة، أي لكسر الجمود أو تجنب الهزيمة فعندما كشفت روسيا عن التفاصيل السرية لأسلحتها النووية لأول مرة فى عام 2020، فقد أكدت شيئا لطالما أثار شكوك مخططى الحرب الأمريكيين، وهو رغبة موسكو فى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لتجنب الهزيمة فى الحرب التقليدية.
ويقول جيمس أكتون، الخبير النووي في مؤسسة "كارنيجى" للخطوات الدولية في واشنطن العاصمة: "إنني قلق بشكل مشروع من أنه في هذه الظروف قد يستخدم بوتين سلاحا نوويا تكتيكيا، على الأرجح على الأرض فى أوكرانيا لإرهاب الجميع وشق طريقه. لم نصل إلى هذه المرحلة بعد".
وتقول الدكتورة هيذر ويليامز، الخبيرة النووية في "كينجز كوليدج" لندن، إن إحدى المشكلات هي أنه من غير الواضح كيف سيكون شكل "الفوز" في أوكرانيا بالنسبة لبوتين - وبالتالى ما الذى قد يدفع روسيا إلى استخدام سلاح نووى.
اترك تعليق