كشفت إحصاءات جهاز تنمية التجارة الداخلية عن وجود زيادات كبيرة في استهلاكنا من المواد الغذائية تصل قيمتها إلي ما يتراوح بين 70 و80 مليار جنيه شهريا، بينما يزيد إلي 120 مليار جنيه خلال شهر رمضان المبارك رغم أنه شهر الصوم.
جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية والعقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا لتشعل أسعار البترول، وبالتالي زيادة أسعار السلع الغذائية ليس في مصر وحدها ولكن في مختلف دول العالم، ما أدي إلي مشاكل كثيرة، خاصة لمحدودي الدخل.
خبراء الاقتصاد أكدوا أن ترشيد الاستهلاك هو أفضل طريقة لمواجهة ارتفاع الأسعار، مشيرين إلي أنه عندما ينخفض الاستهلاك تنخفض الأسعار، بينما ترتفع الأسعار مع الإقبال المتزايد على الشراء.
أكد الدكتور محمد عبدالغني رئيس قسم الاقتصاد بكلية سياسية واقتصاد جامعة بني سويف، أن زيادة الاستهلاك الغذائي مرتبط فقط بالهدر أو الافراط أو الانفاق خارج حدود الامكانات المتاحة، مما يسبب مشاكل اقتصادية للفرد ومن ثم فنحن ننصح بالتوعية من خلال ترشيد الاستهلاك أو بالتحديد الانفاق خلال الأشهر القادمة والتركيز على مقارنة بين فائدة السلعة وتكلفتها وأن زيادة الطلب على السلع تؤدي إلي رفع غير مبرر لسعرها وتسبب اختناقات في توفير بعض السلع الضرورية.
أضاف أن زيادة الاستهلاك خاصة في شهر رمضان الكريم تولد دخلاً لبعض الفئات التي تنظر هذا الشهر، كما أن زيادة التبرعات والصدقات من خلال الافراد والمؤسسات في هذا الشهر توسع الحال لدي بعض الطبقات الفقيرة والمحتاجة ويدخل إليهم السرور والبهجة وتصب في مكافحة الفقر وتدعم مفهوم الاتاحة والتيسير على الفقراء.
قال: ننصح بترشيد الاستهلاك من جانب محدودي الدخل والتخلي عن العادات الخاطئة التي تؤدي إلي الافراط في الاستهلاك وعدم تحقيق التوازن بين الدخل والاستهلاك حتي لا نصل لمرحلة محملة بالاعباء والديون، خاصة فيما ينفق على سلع قليلة المنفعة مقارنة بارتفاع أسعارها وأن يراعي ان الفترة المقبلة ليست في حمل للتبذير والافراط في استهلاك كميات كبيرة من السلع، وأيضا ننصح الكرماء وفاعلي الخير ومقدمي الصدقات بدلا من تقديم العزومات الفاخرة والموائد الكبيرة العشوائية وغير المنظمة التي كثيراً ما يؤدي أغلبها في نهاية المطاف إلي هدر كميات كبيرة من الطعام والشراب، ننصحهم بتقديم مساهماتهم من خلال التنسيق مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية المعتمدة التي تقدم برامج من شأنها دعم الاسر الفقيرة والمحتاجة ورفع المعاناة عن المحتاجين والمساهمة في تحقيق حياة كريمة بشكل مدروس ومنظم واقتصادي.
سياسة الانكماش
قال الدكتور محمود عنبر رئيس قسم الاقتصاد كلية التجارة جامعة أسوان ومستشار البنك الدولي، إن الشعب المصري يتميز بزيادة حجم الاستهلاك، خاصة في شهر رمضان والأعياد لاعتبارات ثقافية لدي الشعب المصري، الأمر الذي يؤدي الي ارتفاع معدل الاستهلاك، خاصة مع توتر الأوضاع في أوكرانيا التي تعتمد عليها مصر بشكل كبير في استيراد الحبوب يمكن أن تزداد أهمية الحديث عن ترشيد الاستهلاك.
أضاف: يمكن ترشيد الاستهلاك من خلال رفع مستوي الوعي لدي المواطن نفسه واتباع الحكومة لسياسة انكماشية على المستوي النقدي من خلال البنك المركزي بتقليل الإقراض لأغراض استهلاكية وحفز الأفراد على الادخار بدلا من الإنفاق.
أشار إلي ضرورة نشر الوعي في المجتمع بأن ترشيد الفرد للاستهلاك يحقق له الفائدة والخير ويخدم الفرد والصحة قبل أن يخدم المجتمع والدولة، موضحاً أن مبادرات ترشيد الاستهلاك تحقق الفائدة للجميع إذا ما التزم بها أفراد المجتمع في مختلف مناحي حياتهم.
أوضح ان ثقافة الاستهلاك والترشيد من الأشياء التي يجب على الإنسان القيام بها في حياته اليومية.. ففي كل يوم يمر في حياة الإنسان فإن ما يمكنه أن يتحمله من المسئوليات يزداد يوماً بعد يوم، ولهذا يجب على الإنسان أن يتعلم كيف يمكنه أن يكون من الراشدين في الاستهلاك ويتعلم الطرق المناسبة التي تمكنه من الاحتياط لما قد يمر به من ظروف.
تخفيض الاستهلاك
يقول الدكتور محمد كيلاني أستاذ الاقتصاد المنتدب بالجامعات إنه من الاهمية توضيح أن فاتورة دعم السلع الغذائية في مصر تبلغ 87.2 مليار جنيه مصري، ما يعادل نحو 5.5 مليار دولار، طبقا لموازنة العام المالي الحالي 2022/2020 منها 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، لذا فإن نحو 90% من مواطنين مصر يستفيدون من الدعم الغذائي.
أضاف أن تخفيض الاستهلاك أمر يختلف عن ترشيد الاستهلاك وهناك بدائل للمواطن وهناك فرق بين الهدر الغذائي وبين استغلال الدعم في الموازنة استعمالاً أمثل، فلا يمكن إقناع المواطن بتخفيض استهلاكه إلا إذا شعر بتحسن في نواح أخري.
أشار إلي ضرورة نشر الوعي الديني والصحي بأهمية ترشيد استهلاك الطعام والشراب، خاصة في رمضان لأن كثيراً من الأسر تبدأ في الانشغال بتدبير ما تستهلكه خلال الشهر الكريم أو معظمه على الأقل في ذلك الوقت، فيتكالب الكل على جمع المواد الغذائية من الأسواق والمتاجر وتخزينها في البيوت، ما يؤدي إلي قلتها في الأسواق وارتفاع أسعارها.
أوضح أن نشر الوعي بين أفراد المجتمع بأن ترشيد الغذاء المنزلي له أهمية في علاج الأزمات الاقتصادية المنتشرة في جميع دول العالم، فبعض الأفراد قد يستخفون بدورهم الفردي في حل الأزمة، ولكن عندما يتم إقناعه بأن كل فرد له دور في حل المشكلة، فإنه لن يتواني عن التوفير وعدم الاهتمام بالإعلانات التجارية عند الذهاب لشراء الحاجات المنزلية، وذلك لأن هذه الإعلانات تكون مدروسة بشكل كبير لتؤثر في المستهلك وتجذبه إلي البضاعة.
نشر ثقافة ترشيد الإنفاق والاستهلاك
يقول الدكتور أحمد سمير أبوالفتوح الخبير الاقتصادي، إن الاستهلاك الشهري للمصريين يصل قرابة 70 ملياراً ومتوقع ان يتضاعف ليصل الي 120 ملياراً خلال الأشهر المقبلة، مع زيادة أعداد المستفيدين من الدعم التمويني لنحو 64 مليون فرد يستفيدون من 28 سلعة أساسية و71 مليوناً يستفيدون من الدعم المقدم للخبز مع استمرار جهود الدولة لتوفير مخزون استراتيجي من القمح المحلي والمستورد بتكلفة متزايدة سنويا وتخصيص نحو 70 مليار دولار لاستيراد السلع من الخارج.
أضاف: تأتي في المرتبة الأولي، استهلاك الدواجن واللحوم والاسماك وجميع الأغذية والمشروبات، ثم الملابس والمفروشات، ومن هنا تأتي أهمية نشر ثقافة ترشيد الإنفاق والاستهلاك للحد من فوضي الإهدار والاستهلاك غير المبرر وتوفير النفقات حفاظا على موارد الدولة ومواردنا الطبيعية المحدودة والحد من شكوي قلة الدخل، وذلك بالتوصية بأتباع أنماط وعادات استهلاكية تتصف بالاتزان والرشد، بحيث تكون بقدر الحاجة دون إهدار أو زيادة أو اسراف ووفقا للاحتياج الاسري لخفض الاعباء الاقتصادية والمادية علي الاسرة وتأمين ما يكفي لحاجة أفراد المجتمع باعتبار أن مشكلة الغذاء أمن قومي، خاصة وقت الازمات، أي يجب الاستخدام الأمثل للموارد الغذائية وتحقيق أقصي استفادة وتقليل الفاقد دون مبرر، ولن يتحقق ذلك إلا بتوعية الافراد بحقوقهم وواجباتهم في عمليتي الانتاج والاستهلاك ورفع درجات الوعي والمسئولية مع المشاركة الفعالة لجميع افراد المجتمع لتحقيق التنمية الحقيقة المنشدوة.
البقوليات أفضل
أوضحت الدكتورة شيري انسي نجيب استشاري التغذية العلاجية وعضو الجمعية الأوروبية للتغذية الاكلينكنية، أنه من الضروري مراعاة النسب الصحيحة للمنتجات..حيث يوجد طعام صحي ومفيد وغير مكلف بدلاً من البروتينات الحيوانية والاسماك والدواجن والبيض..حيث ان 25% من الكربوهيدرات والنشويات يمكن أن تكون الخضراوات منها البطاطس، والبقوليات مثل الفول والحمص والترمس الغني بالزنك يوجد بها فيتامينات، فضلا عن الأعشاب والفواكه والزيوت المختلفة والمكسرات مثل الفول السوداني وبعض البذورالمغذية وغير المكلفة.
أشارت إلي أن مثل هذا النظام الغذائي يساعد في التغلب على التوتر ويوفر صحة جيدة ويمنح الطاقة والخضراوات مثل الفلفل الغني بفتامين "سي" والفواكه مثل الجوافة والبرتقال والحبوب ومنتجات الألبان غير المكلفة مناسبة للتغذية السليمة التي تزيد المناعة.
أضافت أنه يجب إضافة الخضراوات الورقية إلي النظام الغذائي وكذلك البنجر والمشمش المجفف والتفاح والجبن سيضمن ذلك نظاماً غذائياً متوازناً ومفيداً غير مكلف.
اترك تعليق