سؤال يفرض نفسه بقوة الآن بعد مرور أكثر من أسبوعين علي الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية.
ماذا يحدث وإذا نجحت حملة الرئيس الروسي بوتين علي أوكرانيا وتمكن من السيطرة عليها وإسقاط رئيسها وحكومتها وتشكيل حكومة جديدة موالية لروسيا.. وماذا سيكون موقف الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا هل يرضون بالأمر الواقع أم تعود من جديد الحرب الباردة بين القوي العظمي في العالم؟!
وماذا لو فشلت الحملة الروسية علي أوكرانيا كما فشلت حرب الاتحاد السوفيتي ضد أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي هل سيؤدي ذلك إلي لحاق روسيا بالاتحاد السوفيتي المنهار وانتهاء عصر بوتين وتولي قيادة جديدة مسئولية الحكم في روسيا قد تكون موالية لأمريكا وأوروبا؟!!
وماذا سيكون موقف الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي. هل تنضم إلي الركب.. الأمريكي الأوروبي أم تكون القوي
العظمي الثانية في العالم بدلا من روسيا؟!
كل هذه التساؤلات طرحناها علي خبراء السياسة فماذا قالوا؟!
قال د.إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن أحداث غزو روسيا لأوكرانيا بالتأكيد العالم سوف يتغير تغيراً كبيراً وأيضاً العلاقة ما بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والعلاقات الأوروبية ستتغير سوف يشهد النظام الدولي لتغيرات كبيرة هامة فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي من 30 سنة كان اسمه نظام الاحادية القطبية بمعني سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية الآن نعود مرة اخري إلي امكانية ظهور نظام دولي جديد اما ان يعتمد علي ثنائية قطبية أو ثلاثية قطبية أو متعددة أقطاب في جميع الاحوال فالشكل الآن تغير عما هو مألوفاً من قبل فيوجد الآن شيء خطير ألا وهي إعلان حالة التأهب في الأسلحة الاستراتيجية النووية فالمقاييس العقلانية لا يمكن قيام حرب نووية فمن ناحية اخري صعود القوي الصينية الاقتصاد الصيني سيصبح القوة الاولي في العالم في تفوق علي الولايات المتحدة وأيضاً جائحة كورونا حيث ستؤثر بشكل كبير علي العالم فروسيا وأوكرانيا من الدول الكبري المصدرة للقمح في العالم وبالتالي فيوجد عدة احتمالات واردة اما ان يتوقف التصدير تماما واما ان يتباطأ التصدير واما ان تقل الكميات التي تصدر إلي الدول المستوردة للقمح فسيرتفع السعر ارتفاعاً شديداً في كل الحالات السابقة فهذه تغيرات ستؤثر علي العالم كله فموضوع الطاقة والغاز أيضاً ستؤثر علي العالم اجمع فخط الغاز نورد ستريم 2 هل سيتم ايقافه ام لا واذا توقف هل يوجد بديل بالنسبة لأوروبا هل ستقوم الولايات المتحدة بتسهيل البديل لأوروبا.
أشار إلي أن رفع أسعار الطاقة عالميا يفتح الفرصة أمام مصر لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلي الخارج إضافة إلي فتح الفرصة أمامها لزيادة جذب الاستثمارات في قطاع النفط والغاز لزيادة الاكتشافات وزيادة الإنتاج بالاضافة إلي أن زيادة الطلب علي البترول سيزيد من حركة مرور السفن التي تعبر قناة السويس.
قال د.حسن سلامة أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية إن العالم بعد حرب روسيا وأوكرانيا سيتغير تغيراً شديداً حيث إن روسيا كانت ترغب في تغيير قواعد النظام الدولي من ناحية القوي العسكرية أو القوي الاقتصادية أو غيره فالعالم قبل الأزمة الروسية الأوكرانية كان احادي القطب تسيطر عليه الولايات المتحدة منفردة فسيختلف ويتجه إلي فكرة التعددية القطبية وعودة التحالفات وان كانت بأشكال مختلفة بمعني انه سوف يوجد تحالف روسي صيني أو قطب روسي وقطب صيني وتوجد أوروبا والولايات المتحدة في اتجاه آخر فتوجد تعددية قطبية ولكن ستختلف الأوزان القطبية وتتوقف هذه الأوزان علي نتيجة الحرب فمن سيتصدر المشهد ومن سيحتل المركز الثاني علي حسب ما ستنتهي اليه المفاوضات بينهم وستتغير موازين القوي في العالم كله بفعل الاقتصاد والقوة العسكرية فالاقتصاد اولا فالصين وروسيا والمانيا فسيكون معياراً حاسم لتغيير موازين القوي في العالم.
أضاف فهذه الأزمة ستكون كاشفة لكثير من الدول فالمنطقة العربية في علاقات وثيقة علي اكثر من مستوي فاستيراد الاقماح يأتي من مصدرها الاول روسيا وأوكرانيا فستتأثر من ارتفاع أسعار الاقماح والنقل عليها علي الكميات والطاقة أيضاً ليس علي المنطقة العربية علي أوروبا أكثر تأثيرها فالمكسب من تصدير الغاز سيذهب إلي استيراد القمح باسعار مرتفعة وأيضاً السياحة والمستوي السياسي فروسيا كانت حليفاً قوياً لكثير من الدول العربية فستتراجع جميع هذه الملفات إلي انتهاء الحرب.
أشار إلي أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا سيكون له تأثير بالسلب علي الاقتصاد العالمي بلا شك خاصة في ظل الأثر السلبي الذي تركته جائحة كورونا إضافة إلي الموجة التضخمية العالمية التي زادت من أسعار السلع الغذائية وغيرها بالإضافة أن هذا الأثر السلبي سيزيد لو زاد التوتر بين روسيا وأوكرانيا وتطور إلي حرب شاملة.
أوضح أن أسعار البترول سترتفع أعلي من 100 دولار للبرميل موضحا أن زيادة سعره سيفيد الدول المنتجة له فقط لكن سيؤثر بالسلب علي بقية دول العالم ما يزيد الموجة التضخمية العالمية هذا بالإضافة إلي بطء حركة الاستثمارات والتجارة العالمية بشكل عام مضيفا أنه بالنسبة لمصر ستؤثر هذه الحرب علي تدفقات السياحة الروسية والأوكرانية لأنها ستتسبب في توقف الوفود السياحية الروسية والأوكرانية والتي تأتي لمصر بأعداد كبيرة وتمثل نسبة كبيرة من الوفود الأجنبية القادمة المصرية.
أكدت د. سهام فوزي أستاذ السياسة بجامعة المستقبل أنه بكل تأكيد العالم ما قبل الأزمة الروسية الأوكرانية مختلف تمام عما بعد الأزمة بمعني العالم كان ثئاني القطبية من عام 1945 إلي 1990 الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ومن 1990 إلي مجييء بوتن كان عالم القطب الواحد الولايات المتحدة والمعسكر الغربي في الفترة هذه استطاع بوتين أن يبني روسيا من جديد فنحن أمام سؤال الآن هل نحن أمام ميلاد عالم جديد متعدد الأقطاب بمعني لو علي هامش الأزمة السابق الاشارة اليها في الصين وتحركها نحو تايوان وبالتالي أصبح لدينا نظام قطبي في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
أضافت أننا نشهد الآن تحالفات كثيرة فالصين والاتحاد السوفيتي بينهما خلاف وايران تتبني المذهب الإسلامي وكوريا ليس لديهم سوي ايديولوجية خاصة بهم فالمصلحة القومية هي الدافع لتشكيل التحالفات وهي أساس التحالف بعد الأزمة الأوكرانية فالعالم اقتصاديا سوف يتأثر وبالاخص دول الشرق الاوسط فنجد الكثير من الدول تستورد القمح وقد سبق الرئيس السيسي هذه الأحداث بالمبادرة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتطوير اقتصاديتنا للتعامل مع أزمات متشابهة فستوجد دول سوف تتعامل مع الأمر بسهولة والبعض سيمر عليه الأمر صعباً للغاية ولن تتكيف وستنهار اقتصاديا فالعقوبات الاقتصادية اكتشفنا أنها ليست السلاح الرادع للقوي العظمي فستطرح الحرب سؤالاً عن مدي فاعلية العقوبات الاقتصادية.
أوضح د.عبدالرحمن عبدالعال أستاذ مساعد بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة بني سويف أن التدخل الروسي في أوكرانيا مفاجأة للكثيرين كنا نتوقع تهديد أو ممارسة الضغوط الدبلوماسية فهو أول حادثة لتدخل روسيا ضد دولة أوروبية منذ انتهاء الحرب الباردة منذ التدخل الاتحاد السوفيتي ضد تشكوسلوفاكيا عام 1968 فالآثار المترتبة علي هذه الحرب هو إعادة حسابات القادة الأوروبيين من جديد في كثير من القضايا والمسائل خاصة في إجراءات وبناء الثقة والأمن واستخدام القوي في العلاقات الدولية وتجريمها فتدخل روسيا هنا تدخلاً غير عادي سوف يعيد حسابات كثير ليس علي مستوي الدول الأوروبية ولكن أيضاً علي مستوي بلدان العالم الثالث كلها فهذا السلوك سيضف نوعاً من أنواع الشرعية علي سلوك بعض الدول ويرجعنا من جديد فيما يتعلق باستخدام الدفاع الشرعي الوقائي.
أضاف أن قضية هيكلة النظام الدولي للقادة الأوروبيين والتعاون في مجال الامن فالتدخل العسكري الروسي سيعيد نوعاً من أنواع الاستقطاب علي مسرح القارة الأوروبية والكتلة الغربية بالتحديد نوع من أنواع التعاون الأوسط ما بين الولايات المتحدة والبلدان الغربية في حلف الناتو من عسكرة الدول الأوروبية بعض الشيء ونظام تسلح جديد وامتلاك السلاح النووي والتشدد العسكري.
قالت د.شيرين جابر باحث أول مركز الدراسات الاستراتيجية مكتبة الإسكندرية إن الأزمة الأوكرانية جاءت لتؤكد أنه مازال الحلم الروسي قائمًا باستعادة مكانتها الدولية التي احتفظت بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتي انهيار الاتحاد السوفيتي وهو ما يدلل علي عودة روسيا بشكلها الجديد لتعيد أمجادها كقوة عظمي تنافس الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة العالم ومن ثم يمكن القول إن العالم ما بعد حرب أوكرانيا سيختلف عن ما قبل ويمكن تحديد أبرز ملامح النظام العالمي الجديد حيث استمرار التشكيك في مصداقية الاعتماد علي الولايات المتحدة الأمريكية خاصةً خارج القارة الأوروبية لأنها فشلت في إدارة الأزمة الأوكرانية منذ بدايتها وهو ما أسهم بدوره في تعقيد الأزمة ووصولها إلي سيطرة روسيا علي أوكرانيا وهو ما يوضح نهاية عصر القطبية الأحادية التي كانت سائدة منذ تسعينيات القرن الماضي وأن روسيا أصبحت مجالًا حيويًا وعلي العالم كله احترامه.
أضافت تمثل الصين هاجسًا كبيرًا للولايات المتحدة وواحدة من القوي الدولية الرئيسية في النظام العالمي وفي ظل الأزمة الأوكرانية والانشغال الأوروبي بالتهديد الروسي قد يقلل ذلك من انشغال واشنطن والدول الأوروبية بالتهديد الصيني وربما قد تتجه أوروبا إلي محاولات من أجل بناء توافق أوروبي - صيني وهو ما سيدفع بطبيعة الحال الصين إلي محاولة استغلال مثل هذه التحولات وهو ما ظهر جليًا في استغلالها للموقف للتأكيد علي أن قضية تايوان تمثل قضية أمن قومي بالنسبة للصين وأن الحسابات الصينية في هذه القضية لا يمكن أن تخضع لآية مقايضات أو مساومات.
أشارت من ناحية أخري سيستمر عجز الأمم المتحدة ومؤسساتها خاصةً مجلس الأمن في اتخاذ أي تدابير أو قرارات ضد القوي الكبري وبالتالي تؤكد الأزمة الأوكرانية علي استمرار فشل الأمم المتحدة في القيام بمهامها الأساسية في حفظ السلم والأمن الدوليين.
اترك تعليق