يتحدث الجميع عن الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها وخطورتها وأسبابها، فالكل يتأهب لحرب عالمية ثالثة، لكن تكمن أسباب جيواستراتجية وثقافية وراء هذه الأزمة. بالنسبة إلى بوتين فالحرب الباردة لم تنته، وعليه إعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي. فما أهداف روسيا وطموحاتها؟!
هدف استراتيجي
يسعى بوتين إلى توجيه رسالة بأن أمان الدول ليس شرطاً بأن يكونوا في معسكر الغرب، وأن روسيا لن تقبل بالنفوذ الغربي على دول شرق اوروبا، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، وشدد الرئيس الروسي مراراً على أن روسيا وأوكرانيا شعب واحد.
تسعى موسكو إلى استعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي والهيمنة على الدول التي كانت تحتلها وإبعادها من المعسكر الغربي، وأول محطة هي الحرب في أوكرانيا، لتعطيل عضوية كييف في الناتو، ما سيعقد الأمور سياسياً وعسكرياً، فمن الأفضل مواجهتها قبل الانضمام إلى الحلف.
وروسيا صرّحت بأنها ضد الانقلاب، الذي حدث في أوكرانيا، والذي خطط له الأمريكان لضم أوكرانيا إلى المعسكر الغربي، خصوصاً أن كييف منطقة عازلة بين أوروبا وروسيا ودول أوروبا الشرقية، وتعتبر موسكو أن دول أوروبا الشرقية، التي كانت تحت الاتحاد السوفياتي، يجب أن تظل تحت الهيمنة الروسية.
وتسعى روسيا عن طريق هذا التدخل إلى توصيل رسالة إلى الغرب، مفادها أن أي تدخل في مناطق تحت نفوذ روسي غير مقبول، وطالبت بسحب القوات الذين انتشروا في حلف 1997. ويؤكد بوتين أن أوكرانيا كانت وما زالت تحت جزء من روسيا، وفي هذا الإطار ضغطت على اوكرانيا في 2013 كي لا توقّع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي.
هدف سياسي
وابتداءً من 2020، بدأ صراع بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين في دونباس شرق أوكرانيا، إذ نشرت روسيا أكثر من 100000 جندي. وترجع الأزمة وأصولها إلى عام 2004 عن طريق حرب باردة بين روسيا والغرب. إذ جرى انتخاب فيكتور يانوكوفيتش، المقرّب من روسيا، الذي أصبح رئيساً، وهو ما ترتب عليه نزول فئات عدة من الشعب للتظاهر ضده، وألغيت الانتخابات، وزاد التقارب بين أوكرانيا وأوروبا والناتو.
وفي 2010، عاد الرئيس إلى السلطة، الذي تقارب من الاتحاد الأوروبي، لكن ضغطت روسيا لوقف التقارب، إلى أن اندلعت الشرارة مرة أخرى في ما يسمى بثورة الميدان التي أدت إلى هروب الرئيس.
رداً على هذا الإجراء، قررت روسيا غزو جزيرة القرم في 2014، بعد استفتاء رُفض من قبل الغرب، وهو ما يفسّر دعم موسكو للانفصاليين حالياً في الدونباس شرق.
هدف ثقافي
لدى أوكرانيا نزعتان ثقافيتان: واحدة تريد الانضمام إلى الغرب والناتو، وأخرى تتجه إلى الشرق. وفي الشرق يوجد سكان ذو أصول روسية، وهي مناطق ثقافية مرتبطة بروسيا، وفيها أغلبية أرثوذوكسية كبيرة، وقرابة نصف السكان يعتبرون الروسية لغتهم الأم.
ويرى بعض المؤرخين، منهم المؤرخة الأمريكية البارزة ديانا باتلر باس، المتخصصة في تأريخ المسيحية، أن العامل الديني لعب دوراً في قرار الغزو.
ومدينة كييف في تاريخ المسيحية الأرثوذكسية لعبت دوراً تأسيسياً، وتعدّ الموطئ الأول للمذهب في الوعي الجمعي الروسي، والأوكرانيون التابعون للكاثوليك 30 في المئة، وهناك مؤشرات أثارت قلقاً لدى المفكرين والقادة هو انفصال الكنيسة الأوكرانية والروسية في 2018، وهو خسارة لقوة روسيا الناعمة، وانتصار للراغبين في الاستقلال عن روسيا.
والكنيسة لديها دور مهم، إذ شيّدت القوات المسلحة الروسية كاتدرائية خاصة في 2020، فالتقارب الديني والثقافي قويّ بين البلدين، وروسيا لا تريد أن تتخلى عن هذه القوة الناعمة.
إنّ الأجراس دُقت لتعلن خطر الحرب الباردة الجديدة، فالتاريخ يُعيد نفسه: معسكرين غربي وروسي. لكن، هل يمكن بعد أن انهار الاتحاد السوفياتي وتفكك أن يعود من جديد، بخاصة في ظل وجود متغيرات كثيرة ثقافية وسياسية، وإلحاق غالبية دول الاتحاد السوفياتي إلى المعسكر الغربي؟
أوكرانيا قد لا تكون المحطة الوحيدة، فإن نجحت روسيا في سياستها قد تنطلق حروب أخرى وغزوات أخرى للدفاع عن السيادة الروسية والحلم الروسي الكبير.
بقلم - مصطفي بهيج ابو الذهب:
مدرس مساعد علوم سياسية جامعة بدر كلية ادارة
اترك تعليق