بقلم: إيمان ماهر منسي
ببالغ الحزن و الأسي.. تلقيت يوم الأحد 9 أبريل 2017 خبر إصابة إحدى زميلات العمل إثر أحداث تفجيرات الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.. و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم إخبارى مع الأسف باستشهاد طفلتها الصغيرة "لوسيندا" التى لم يتعد عمرها بضعة أعوام.. و ما إن تم إبلاغى بذلك الخبر المؤسف الحزين، الذى كان له وقع الصاعقة على مسامعى، حتى انتابتنى قشعريرة و حالة من الحزن الدفين و الانكسار، خاصة و أنى التقيت هذا الكائن الملائكى البرىء قبل بضعة أسابيع و كنت أداعبه و ألعب معه و أتأمل براءته و ضحكته الصافية.. قبل ذلك بساعات شاركت أحد صديقاتى المقربات قلقها البالغ و بكاءها الحاد خوفا على والدها الذى كان يتواجد فى الكنيسة المرقسية و قد حفظته العناية الإلهية و خرج من الكنيسة قبل التفجير ب 15 دقيقة..
و هنا قررت الخروج عن صمتى.. حيث أنى التزمت الصمت منذ الصباح الباكر لذلك اليوم.. ذلك الصباح (عن أى صباح أتحدث) الذى أشرق بالدم على مصر! فبدلا من أن أنفذ ما عقدت عليه النية بالأمس و هو أن أحادث زملائى و أصدقائى كى أهنئهم -كما اعتدت على ذلك- بقدوم حد الزعف وجدت نفسي أهرع إلى هاتفى كى اطمئن عليهم.. هل هم سالمون أم قد أصابهم مكروه إثر انفجار كنيستى مارى جرجس بطنطا و كنيسة المرقسية بالإسكندرية على يد الإرهاب الغادر.. ذلك الإرهاب الذى لا دين له فلم يفرق بين مسلم و مسيحى و عليه فقد لقى عدد لا بأس به من المصريين حتفهم اليوم... يوم العيد.. و بدلا من أن أرسل التهانى بحد الزعف و بدلا من أن أقول لأخوتى "كل عام و أنتم بخير" أصبحت أقول "البقاء لله" "ربنا يعزيكم" "طمنونى أنتم بخير؟" "حصلكم حاجة؟" و قد خيم الحزن و الألم على أرجاء مصر جميعها بمسلميها و مسيحييها.. و تخلل الخوف إلى قلب كل مصرى.. فالكل ينتظر دوره.. و قد عرف الحزن طريقه مجددا إلى كل بيت مصرى.. عواصف من النواح و البكاء تجتاح قلوب المصريين أجمعين..
أعلم أنه لا فائدة من منشورى هذا فى الوقت الحالى و لكننى أردت فقط إخراج شحنات الغضب التى اجتاحت جسدى و كيانى و جعلتني أتساءل (تساؤلات تدور فى ذهنى منذ أن بدأت تلك التفجيرات فى القديسين بالإسكندرية إلى اليوم) ما الهدف من تلك المخططات؟ هلى هى مخططات دينية أم سياسية؟ باسم من تقتلون؟ لم تسلبون الأبرياء حق الحياة يا من تستحقون الموت؟ أهكذا يكافأ الأبرياء؟ فكيف حينئذ يكافأ المذنبون؟ أتريدون نشر الذعر والفتنة الطائفية؟ لو كانت لديكم القدرة على فعلها لفعلتموها منذ القديسين.. فمن دافع عن المرقسية "عم نسيم" حارس الكنيسة المخلص و ضابط مسلم الرائد/ عماد الركايبى و ضابطة مسلمة العميد/ نجوى الحجار و كل منهم مصرى ضحى بروحه فداء للأقباط.. المسلمون يصطفون أمام مراكز التبرع بالدم كى تختلط دماءهم بدماء أخوانهم من المسيحيين.. المسلمون على استعداد لتشكيل دروع بشرية لحماية الأقباط إلى أن تنتهى أعيادهم.. هل سيستطيع إرهابكم تفكيك أواصر المحبة تلك؟ أم أنى أتوهم وجود تلك المحبة؟
تدفعنى أيضا تلك الأحداث أن أفكر فى الوضع المصرى الراهن.. أين يكمن الخلل؟ من أين يأتى التقصير؟ فمنذ حادثة القديسين إلى الآن و نحن نعيش تلك المأساة بالتفاصيل ذاتها.. و لكن ما يثير اندهاشي أنا و شريحة كبيرة من المصريين أننا ننتظر حدوث المصيبة بينما نحن على علم بها.. فما أغبى ذلك المخطط الذى لم يغير خطته من حيث الزمان و المكان منذ سنوات! و عليه فإن تلك التفجيرات تكاد تكون متوقعة و لكننا نتلاقاها و كأنها مفاجأة!! حالنا كحال الطالب الراسب الذى لا يتعلم على الرغم من إعادته للسنة الدراسية أكثر من مره.. ألم يحن الوقت للوقوف على سبب تلك الكوارث التى جعلت رائحة الدماء تفوح من كل فج و صوب؟ ألم يحن الوقت لحقن دماء المصريين مدنيين كانوا لم يرتكبوا جريمة سوى الصلاة أم رجال أمن ينفذون الأوامر و يؤدون واجبهم؟
المأساة هذه المرة تخطت كل معانى الوطنية و التدين و انتهكت معانى الإنسانية فراح ضحيتها المدنيون و وكذلك أفراد الأمن..
و لتنتظر أيها الشعب المصرى العظيم الأيام القادمة مشاركات واهية من رموز الإعلام الذين سيقضون المساء فى رثاء شهداء مصر بعبارات غير مجدية و هم يرتدون أغلى الملابس ال signé و يضعون أفخر أنواع العطور و يتحدثون عن الألم و الحزن مع إضافة بعض الموسيقى التصويرية المؤثرة ليكتمل المشهد التمثيلى.. إن أردتم يا ممثلى الإعلام القيام بدور فعال فعليكم بالمشاركة المجدية.. فبدلا من النحيب "اللى لا حيودى و لا حيجيب" لتتبرعوا بأجر حلقة اليوم لترميم الكنائس أو لتتبرعوا بدمائكم للمصابين... هذه هى المشاركة التى ينتظرها كل من يتابعكم من المصريين..
لا يسعنى سوى أن أدعو الله أن يتغمد شهداءنا برحمته و أن يسكنهم فسيح جناته كما أدعو الله أن تفيق بلادنا من تلك الكبوة التى ألمت بها على جميع المستويات.. لك الله يا مصر و "إنا لله و إنا إليه راجعون"
اترك تعليق