تعتبر المواد الخام ثروات طبيعية تساهم في نهضة الصناعة المصرية إذا أحسنَا استغلالها فنحن نمتلك المصانع والطرق والأيدي العاملة الماهرة لكن يبدو أن الاستسهال وعدم التنسيق الجيد بين هذه المكونات والتدريب على التطور أثر سلبا على سمعة المنتج المحلي.
مما لا شك فيه أن التغيير والمضي قدما نحو التطور ليس سهلا خصوصا بعد أعوام من التراجع مما جعل أصحاب المصانع يستسهلون ويصدرون المادة الخام بأسعار زهيدة مقارنة بأثمان السلع المصنعة المستوردة بالعملة الصعبة وهذا بمثابة تدمير للاقتصاد والصناعة الوطنية.
فنحن نمتلك القطن صاحب السمعة الطيبة في العالم كله ومع ذلك نصدره للخارج ونستورده ملابس وأقمشة جاهزة، لدينا الجلود القيمة ومع ذلك نصدرها ونستوردها أحذية وحقائب، لدينا ايضا جبال من الرمال التي تدخل في صناعات كثيرة أهمها الزجاج ومع ذلك نهدرها،
وقد وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرا بالتأكيد على تعظيم القيمة المضافة للمواد الخام باعتبارها ثروات طبيعية لابد من حسن إدارتها لتحقيق أكبر فائدة اقتصادية واستثمارية فيها.

يري محسن التاجوري نائب رئيس شعبة المستوردين، وأحد مستوردي الأخشاب بغرفة القاهرة التجارية أن تصدير المواد الخام يعتبر حاجة سياسية لحاجتنا إلي الدولار ولكن هناك توجهات رئاسية بالاستثمار في الصناعات الفترة المقبلة، وفتح المصانع ودعمها لتشغيل مزيد من الأيدي العاملة..مشيرا إلي أنه أمامنا وقت حتي نستطيع أن نعتمد على منشآت تصنع منتجات من الألف إلي الياء فعلي سبيل المثال نحن نعاني من مشكلة نقص كوالين وأوكر أبواب المنازل فلدينا ثلاثة مصانع لإنتاجهم وهم غير كافيين لاحتياجاتنا مما نضطر إلي الاستيراد، اذن فنحن بحاجة إلي بناء المزيد من المصانع لانتعاش وتغذية الصناعات المصرية وهذا هو التوجه القادم.

كشف المهندس أحمد عبدالحميد رئيس غرفة صناعات مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية، أننا نعتمد في التصدير على مواد البناء وليست المواد الأولية الصالحة للبناء، فالرخام والجرانيت يتم تصديرهما كسلع مصنعة أما نسبة المواد الأولية المصدرة والمستخدمة في هذه الصناعة 4% فقط.
والرمل الزجاجي نسبة تصديره مقارنة بالزجاج المصنع كسلعة لا تتعدي 20%، ونحن لا نستطيع الاستفادة من هذا الرمل ونصنعه محليا لأننا بحاجة إلي بناء مصنع يسمي "سوداقاش" واستثمارات هذا المصنع تصل إلي 351 مليون دولار لكن حتي لو وجدنا المستثمرين ستقف أمامنا عقبة آخري وهي الغاز الذي يرتفع أسعاره بشكل مستمر وقد لا نستطيع الحصول عليه بتاتا.
ويضيف أنه لا يوجد لدينا "الكلنكي" وهي مادة صلبة تقوم عليها صناعة الأسمنت يتم تصديرها كمادة خام بنسبة 12% فقط من صادرات الأسمنت.
يشير إلي أن سبب استئجار الصينيين لبعض المحاجر المصرية هو عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات العمال نظرا للأعباء الشهرية على المصانع فيما يخص تقنين أراضي شق الثعبان، فما نحتاج إليه هو رفع الأعباء عن المصانع الحالية حتي لا تغلق وتكون الصناعة جاذبة للمستثمرين الجدد.

يقول دكتور رأفت خضر الرئيس الأسبق لمعهد بحوث الصحراء، لابد أن نفصل بين الفترتين ما قبل 2014 وما بعدها فكل المشروعات التنموية التي تتم حاليا في مصر لتنمية الموارد تركز فيها الدولة على المردود الاقتصادي لهذه الموارد، مضيفا أن لدينا جبالا من الرمال البيضاء نصدرها للخارج بالمتر مكعب وتعود إلينا في صورة رقائق من السيليكون التي تدخل في أدق صناعات أجهزة الحاسب الآلي وهذا المضحك المبكي في نفس الوقت.
لكن بدأنا بالفعل الاهتمام بهذا الموضوع مؤخرا بداية من معالجة المياه حتي يتم علاج الكثبان الرملية في المناطق الصحراوية وبالتالي نستطيع الاستفادة منه كمادة خام في أغراض صناعية كثيرة، كذلك لدينا أطنان من الطمي ولم نستفد منها لكن حاليا بدأنا التركيز عليه لأنه مخصب حيوي للمناطق الصحراوية.
ولفت خضر إلي أن هناك أناسا غير وطنيون كانوا يهربون الرمال إلي الخارج بطرق غير شرعية دون رقابة من الدولة لكن الحكومة تنبهت لهذا مؤخرا خصوصا أن مساحة الصحراء الغربية شاسعة، وهناك مخارج كثيرة لكن تم الاحكام والسيطرة على كافة المداخل والمخارج.

يؤكد دكتورهشام مسعد مدير معهد بحوث القطن بمركز البحوث الزراعية، إن إنتاج مصر من القطن حاليا يصل إلي مليون و400 ألف قنطار بزيادة 300 ألف عن العام الماضي لكن بالفعل المشكلة في تصديرنا للقطن لأنه لا توجد لدينا المغازل القادرة على تصنيع المنتجات القطنية والاستفادة من القطن إستفادة كاملة، والموجود من المغازل غير متطور فنستهلك جزءً منه بنسبة 20% والباقي نصدره بنسبة 80% كمادة خام لـ20 دولة في مقدمتهم الهند.
يوضح أن الحل في الطريق، والرئيس تحدث عن تحذيرات بشأن تصدير المواد الخام وهناك سلسلة مصانع تم افتتاحها قريبا، وآخري يتم تطويرها حاليا حتي نستفيد من الخام المصري، وبالنسبة للقطن فسلسلة القيمة المضافة له طويلة وتمر بمراحل عديدة جدا منها الغزل والصباغة والنسيج والخياطة بخلاف المنتج النهائي سواء أقمشة أو ملابس أو مفروشات، قائلا إن المشكلة أننا نستورد القطن ايضا كمادة خام مثل ما نصدره لأن المصانع غير مؤهلة على الاستفادة من القطن المصري الموجود بالمواصفات القياسية فنستورد الأقطان القصيرة الأقل سعرا والتي نستطيع عمل منتج نهائي منها كالملابس.
يشير د.هشام، إلي أن صناعة الغزل والنسيج في الخمسة وعشرين عاما السابقين اعتراها ضعفا شديدا، واعتمدت على الأقطان الرخيصة الأقل تكلفة لأنها غير مطورة وكفاءة عملية التصنيع غير متوفرة بالشكل الكافي كما أن القدرة على منافسة المنتج المستورد غير موجودة بسبب استخدام ماكينات قديمة، موضحا أن القيمة المضافة للقطن تكون في آخر وأهم مرحلة له وهي النسيج فحينما نصدر المادة الخام نقدم دعما للدول المستوردة لأنها حصلت عليها في أرخص حالاتها في حين أن القمية المضافة لو استخدمناها ستضفي على المادة الخام ميزة ويمكن الاستفادة منها جيدة محليا وخارجيا.
أيضا التصدير لابد أن يكون بعد اكتفاء وليس في حالة احتياج لكن نحن 100 مليون فردا وهناك الكثيرين في حاجة إلي منتجات ذات أقطان رخيصة، كما أن صاحب المصنع الأفضل له أن يستورد القطن قليل التكلفة ويصنع منتجا رخيص الثمن ويباع بكثرة من المنتج المصري الذي سوف يمر على ماكينات غير مطورة وسينتج منتجا مرتفع الثمن وبالتالي لن يباع بشكل كبير.
يؤكد مسعد، أن الشركة القابضة حاليا تعمل على بناء علامة تجارية حتي نصنع منتج مصري ينافس الأسماء العالمية، والدولة حاليا وضعت 21 مليار جنيه لتطوير صناعة الغزل والنسيج والمطلوب هو تزويد القيمة المضافة تدريجيا حتي نستطيع الوصول إلي منتج محلي جيد.

أكد شريف يحيي رئيس شعبة الأحذية والمنتجات الجلدية بالغرفة التجارية بالقاهرة ونائب رئيس المجلس التصديري سابقا، أن اعتبار الجلد منتجا نهائيا في حد ذاته خطأ فنياً لأنه معدل التصنيع إذن فهو شكل من أشكال المواد الخام حتي وإن دخلت عليه بعض الصناعات التحويلية، موضحا أن الاستعجال هو سبب عدم الاستفادة من الجلود كمادة خام في الإنتاج المحلي بشكل كبير، وأن التصدير هو الذي يساهم في زيادة دخل وموارد الدولة لكن للأسف التصدير يقلب الهرم فبدلا من تصدير منتجا تام الصنع كأحذية وحقائب وغيرها وبالتالي زيادة القيمة المضافة ومنها تزداد موارد الدولة ويرتفع اسم المنتج المصري في الأسواق الخارجية، يحدث العكس.
يسترجع "يحيي" حقبة الستينيات والسبعينيات، قائلا إن مصر وقتها كانت تتفاوض مع روسيا على السلاح في مقابل الأحذية، وكانت مصر دائما جهة تسويق لمعظم الدول العربية والخليج ثم بدأت دول أوروبية كثيرة تستورد الأحذية ومنتجاتها الجلدية من مصر لكن مع التطور وظهور الجلود المصنعة بالفرو والأحذية المبطنة من الداخل والمعاطف الثقيلة، وقدرة تركيا على التميز بهذه الصناعات استطاعت أن تستقطب هذه الدول منا، فعندما كان يطلب منا أن نصنع جاكت مبطنا بالفرو فهذا كان غريبا بالنسبة لنا وفي الوقت الذي بدأنا نستوعب فيه هذه الصناعات كان الآخرون يسبقوننا فكنا نصدر لهم الجلود وهم يشكلوها بالتصميم الذي يروق لهم.
يضيف أن التصدير حاليا انتقل من المراحل الأولية للدباغة إلي مرحلة "الفنيش" وهي تعتبر خطوة مبدئية جيدة ولكنها ليست المطلوبة، قائلا إن هناك مقترحا بأن تصدير المادة الخام كجلد لأي دولة لابد أن يقابلها تصدير منتج نهائي أيضا فالألف جلد يقابله مثلا ألف حذاء لأن من المؤكد أن هذه الصفقة ستعود على المصنعين المصريين بالاستفادة بمعرفة أحدث التصميمات وكيفية تصنيعها من الدولة المستوردة لكن منع تصدير الجلد تماما لا يجوز فهناك مدابغ تعتمد في دخلها عليه حيث أن طرق التعامل المادي بين المدابغ والمصانع والمحلات المصرية بها جزء من "الآجل".
يقول شريف يحيي، إن ما ينقصنا هو التطوير والتسويق رغم أن لدينا 17 ألف منشأة تقريبا تعمل في التصنيع والمنتجات الجلدية.

يؤكد دكتور يسري طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا، أننا نمتلك الخامات والمصانع ولدينا الخبرات، ما ينقصنا هو التنسيق والتوجيه بينهم وهذا دور الدولة حتي نتأكد من خروج منتج جيد من خلال المرور على كل مرحلة والتأكد أنها تمت بشكل صحيح بالإضافة إلي أهمية البحث العلمي ودراسة مكونات الموارد الطبيعية بدقة فعدم معرفة خواص المادة الخام هو السبب الرئيسي في تصديرها فنحن نمتلك مصانع غزل ونسيج ونستورد القطن من الخارج ونصدر بنسبة قليلة ملابس جاهزة، موضحا إن اهدار الثروات الطبيعية سببه تقديم الدعم لكل من يطلبه ولغير مستحقيه.
يضيف أن العامل الثالث الذي ينقصنا هو التنافسية الدولية أي كيف ننتج بجودة عالية وتكلفة أقل وبالتالي حماية السوق المحلي من خلال التصدير إلي الخارج والاكتفاء ذاتيا.
ايضا هناك بعض الصناعات لدينا نسميها صناعة وهي ليست كذلك بل هي تجميع، ويطلقون عليها في الغرب "تكنولوجيا المفك" من خلال استيراد قطع غيارها من الخارج وتربيطها حتي تصبح منتجا مثل الغسالة والثلاجة، فاذا صنعنا الغسالة أو الثلاجة بشكل كامل ستكون التكلفة قليلة ومن هنا نستطيع تصديرها للخارج بسعر مرتفع فنحن نمتلك الحديد والنحاس وكافة الصناعات المعدنية.
اترك تعليق