ترد إلي دار الإفتاء يوميا آلاف الفتاوي سواء علي موقعها الإلكتروني أو بصفحتها علي فيس بوك ويجيب عن بعضها فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم:
* تعودت كلَّ عام أن أحضر احتفالات الإخوة المسيحيين في الكنيسة ليلة رأس السنة مجاملة لأصدقائي الأقباط. ولكن أحد الأشخاص قال لي: إن ذلك الفعل حرام.. فما حكم الدين؟
** الاحتفال برأس السنة الميلادية المؤرَّخ بيوم ميلاد سيدنا المسيح عيسي ابن مريم علي نبينا وعليه السلام. والتهنئة به جائز شرعًا. ولا حرمة فيه» لاشتماله علي مقاصد اجتماعية ودينية ووطنية معتدّي بها شرعًا وعرفًا» من تذكُّر نعم الله تعالي في تداول الأزمنة وتجدد الأعوام.. والشريعة الإسلامية أقرت الناس علي أعيادهم لحاجتهم إلي الترويح عن نفوسهم. ونص العلماء علي مشروعية استغلال هذه المواسم في فعل الخير وصلة الرحم والمنافع الاقتصادية والمشاركة المجتمعية. وأن صورة المشابهة لا تضر إذا تعلق بها صالح العباد. ما لم يلزم من ذلك الإقرار علي عقائد مخالفة للإسلام. فضلا عن موافقة ذلك للمولد المعجز لسيدنا المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام. الذي خلَّده القرآن الكريم وأمر بالتذكير به علي جهة العموم بوصفه من أيام الله. وعلي جهة الخصوص بوصفه يوم سلام علي البشرية. والنبي صلي الله عليه وسلم أَوْلَي الناس بسيدنا المسيح صاحب هذا المولد المبارك.
* ما حكم الامتناع عن تلقي لقاح كورونا بدعوي أنه مخالف لمشيئة الله وقدره؟
** ما يعيشه العالم في هذه الآونة من انتشار فيروس كورونا وما تسبب فيه من الوفيات الكثيرة يجعل الأخذ بأساليب الوقاية كاللقاحات وإجراءات الاحتراز من الوباء مطلوبًا مرعيًّا. كما يجعل أخذَ دوائه الآمِن مِن الخطر عند توافره واجبًا شرعيًّا. وقد تقرر في قواعد الفقه أن للوسائل حكمَ المقاصد. فما يتوصل به إلي الواجب فهو واجب. وما يتوصل به إلي محرم فهو محرم. وحفظ النفوس من الهلاك واجب شرعًا. بل من يرفض العلاج فضلًا عن الوسائل الوقائية كاللقاحات فهو مضاد لمراد الله ومشيئته.
* ما حكم الشرع في ضرب الأزواج للزوجات بحجة أنه وارد في القرآن؟
** ينبغي استحضار النموذج النبوي في فهمنا للآية الكريمة في قوله تعالي: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" فالنبي صلي الله عليه وسلم لم يضرب أحدًا قط بيده» لا زوجًا ولا خادمًا ولا أحدًا من الناس إلا أن يكون في ميدان الحرب» كما وردت الرواية بذلك.. والضرب الوارد في الآية الكريمة إنما هو أمر رمزي يعبر عن اتخاذ موقف من المرأة. ومن معاني الضرب كذلك اجتناب الخلاف والابتعاد عنه. وأري أن المصير إلي الضرب ليس من شيم الرجال. بل يُعد الضرب جريمة وسلوكًا مشينًا. وحيث لا يُقبل ضرب الرجل لغيره من الرجال فمن باب أولي ألا يضرب زوجته.
وعلي الزوج التماس الحكمة والصبر لأن العنف الأسري يتعارض مع مقاصد هذه الحياة الخاصة في طبيعتها حيث مبناها علي السكن والمودة والرحمة. فحل المشكلات بالضرب وإبراز السلبيات مسلك الضعفاء وغير المنصفين الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة. فضلًا عن تعارضه مع الميثاق الغليظ. بل إن انتشار أو شيوع ظاهرة العنف الأسري مسألة طارئة لم تكن موجودة في قيمنا وعاداتنا وأخلاقنا ولابد من علاجها دون أن نلصقها بالشرع.
* هل تختلف الرضاعة عن طريق غير مباشر "كالببرونة" إذا وضع فيها لبن الأم عن الرضاعة من الثدي مباشرة في حكم النسب؟
** لا فرق بين الرضاع عن طريق "الببرونة" والرضاع المباشر من ثدي المرأة إذا توافرت فيه شروط الرضاع المحرم» وذلك برضاعه خمس رضعات متفرقات خلال عامين من ولادته.
* ما حكم الحج بالنسبة لمريض الزهايمر هل تسقط عنه هذه الفريضة أم أنه مطالبى بها؟
** مريض الزهايمر إن كان مدركًا لغالب وقته فهو مُكَلّفى بأداء الفرائض ومنها الحج. وذلك مرتبط بالقدرة والاستطاعة. وقد يستخدم المصاب في هذه المرحلة بجانب العلاج بعض الوسائل المُعينة له علي التذكر وإتمام العبادات» كالجهاز الإلكتروني.
وإن غلب المرض علي عقله وكان غير مدرك لغالب وقته فهذه درجة من درجات زوال العقل والتي اتفق العلماء علي أن المُصابَ بها تسقط عنه العبادات ومنها الحج. ولكن لو شفي من مرضه لزمه أداء الفرائض. فيجب عليه الحج إذا توافرت به باقي الشروط.
* هل تزايد الطلب علي الفتوي من دار الإفتاء يعني تكريس مفهوم الدولة الدينية؟
** هذا غير صحيح فتزايد الطلب علي الفتوي من دار الإفتاء لا يعني تكريس مفهوم الدولة الدينية» لأن الإسلام لا يعترف أبدًا بالدولة الدينية التي تعني الحكم بناء علي تفويض إلهي والتسلط علي الناس باسم الدين. بل إن الإسلام عرف الدولة المدنية الحديثة الحاضنة للجميع.. فالدين الحنيف يؤمن بقضية الاختصاص ووضع حدود للسلطات. ودساتير وقوانين للمحاسبة وَفق أمر مؤسسي. فالمؤسسية عنوان الدولة المدنية الحديثة» واحترام ولي الأمر احترام لكل السلطات والمؤسسات الرسمية.. كما أن الإسلام يحبذ الدولة المدنية الحديثة القائمة علي العدل والمساواة ولا يوجد في الحضارة الإسلامية ما يسمي بالدولة الدينية أو "الثيوقراطية" كما عرفها الغرب.
* رجل قال لزوجته "أنتِ طالق بالثلاثة" فهل تعد طلقة واحدة أم ثلاث؟
** علي الأزواج إذا ما عزموا الطلاق أن يكتفوا بطلقة واحدة. حتي تكون لديهم الفرصة لمراجعة زوجاتهم إذا صفي الأمر بينهما. والقانون المصري يحتسب الطلاقَ طلقة واحدة إذا لفظه الزوج ثلاثًا» حفاظًا علي الأسرة. كما أن المأذون إذا شكَّ في حالة طلاق فلابد أن يُحيل السائل إلي دار الإفتاء لحل الإشكال.. ونحن من جانبنا إذا وقع الطلاق نقول للزوج: لابد من الذهاب إلي المأذون وتوثيق الطلاق.
وأنصح الزوجين أن يحرصا علي استمرار العلاقة الزوجية ورعايتها وأن يقوما بحل المشكلات التي تواجههما بالحكمة. وألا يستخدم الزوج كلمة الطلاق إلا لعلاج مشكلة يستحيل معها استمرار الحياة الزوجية. وألا يجعل كلمة الطلاق في مواقف عابرة وفي غير موضعها.
اترك تعليق