هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

غضب فرنسي وتوعد صيني

لماذا تخلت أستراليا عن صفقة الغواصات الفرنسية؟

صفقة غواصات تضع أستراليا في مأزق -مع حليفتها فرنسا من جهة، ومع عدوتها الصين من جهة أخرى. فسخت أستراليا عقدًا وقعته لشراء غواصات فرنسية، بالتزامن مع إعلان تحالف أمني جديد مع الولايات المتحدة وبريطانيا (أوكوس) ستحصل بموجبه على غواصات أخرى بتكنولوجيا أمريكية. استشاطت فرنسا غضبًا من فسخ العقد، كما انتقدت الصين الإعلان وتوعدت أستراليا، فلماذا ألغت أستراليا الصفقة؟ ولماذا فرنسا والصين غاضبتان؟


ماذا حدث؟

في عام 2016 وقّعت أستراليا مع فرنسا عقدًا بقيمة تصل الآن إلى 90 مليار دولار أمريكي لشراء 12 غواصة فرنسية هجومية من الفئة باراكودا قصيرة الزعانف بلوك 1A لتحديث أسطولها من غواصات الفئة كولنز. أنفقت أستراليا 1.8 مليار دولار أمريكي على المشروع منذ عام 2016، لكنها أبلغت فرنسا يوم 16 سبتمبر الماضي أنها ستلغي العقد الذي وقعته مع شركة نافال الفرنسية التي تستحوذ فرنسا على الأغلبية في ملكيتها، وذلك بسبب تغير الظروف الإستراتيجية في منطقة المحيط الهادئ آسيا وفقًا لما قاله رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون.

يتوقع موريسون تسليم أولى الغواصات بحلول عام 2040، لكن لم يحدد بعد تكلفة إنشاء الأسطول بيد إنه أوضح أن ميزانية الدفاع ستزيد فوق نسبة الـ 2.2% الحالية من إجمالي الناتج القومي، ما يبدو أنه تدبيرًا لثمن الغواصات الذي كانت فرنسا تتشوق إلى تحصيله.

رد الفعل الفرنسي

أما فرنسا فقد خرجت بتصريحات غاضبة ناقمة على الصفقة الضائعة وما فاتها من ورائها كما سنوضح لاحقًا في التقرير.

وزير الخارجية الفرنسي جانيف لودريان عبّر عن «عدم تفهمه تمامًا» للقرار وانتقد أستراليا والولايات المتحدة، ووصف الصفقة بالـ«طعنة في الظهر»، وأضاف «بنينا علاقة قائمة على الثقة مع أستراليا، لكنها خانت هذه الثقة».

وألغت فرنسا اجتماعا كان مقررا أن يعقد هذا الأسبوع بين وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، ونظيرها البريطاني بين والاس، بناء على طلب باريس.

ولأول مرة في تاريخها، استدعت فرنسا سفيريها لدى حليفتيها الولايات المتحدة وأستراليا للمشاورة يوم 17 سبتمبر بشأن صفقة الغواصات. وألغت احتفالا كان مقررا في سفارتها في الولايات المتحدة تعبيرًا عن غضبها بخاصة تجاه الولايات المتحدة وتجاه الاتفاق الدفاعي الذي جاء على حساب إلغاء صفقة الغواصات الضخمة بينها وبين أستراليا، فما هي دوافع أستراليا؟

تكنولوجيا الغواصات

الغواصات الفرنسية تقليدية ذات محرك يعمل بوقود الديزل لشحن البطاريات الكهربية التي تُسيّر الغواصة، لكن يجب أن تظل الغواصة طافية فوق سطح البحر في أثناء شحن بطارياتها، ما يجعلها عرضة للهجمات والاكتشاف بسهولة. هذا العيب تتلافاه الغواصات الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية. الولايات المتحدة لم تكن تكشف تكنولوجيا تلك الغواصات إلى سوى بريطانيا في عام 2016 حينما وقعت أستراليا عقدها مع فرنسا، لكنها توفر تلك التكنولوجيا لأستراليا الآن. بيد أنه حتى الغواصات الفرنسية التي تعمل بالديزل كانت قادرة على التحول إلى الطاقة النووية، ما يثير تكهنات لدى بعض المراقبين حول ضغط أمريكي محتمل، بخاصة مع وجود ما تراه أستراليا انتهازية اقتصادية في تعامل الولايات المتحدة معها!

الأمن الإلكتروني

لكن ما قد يفسر ذلك التراجع أنه عقب إعلان الصفقة مع فرنسا، وقبيل التوقيع الفعلي على الاتفاقية، اخترق قراصنة إلكترونيون شركة نافال وكشفوا عن 22 ألف وثيقة سرية عن غواصاتها، ما دفع أستراليا إلى أن تطلب من الشركة تأمين غواصاتها على أعلى مستوى، وبالطبع فأي تطمين فرنسي لن يزيل التخوف الأسترالي تمامًا، حتى أن بعض المعارضين الأستراليين حينها طالبوا بوقف الاتفاقية.

تضخم التكلفة

كانت التكلفة الأولية نحو 40 مليار دولار أمريكي، لكنه تضاعف حتى اقترب من 90 مليار دولار أمريكي، هذا بخلاف تكلفة الصيانة التي تحتاج إلى 140 مليار دولار أمريكي تقريبًا طوال عمر الغواصات، وفقًا لوزارة الدفاع الأسترالية.

تأخير التسليم

تحتاج أستراليا عاجلًا إلى تحديث أسطولها لمواجهة التهديدات الصينية، لكن أولى الغواصات الفرنسية كان من المخطط في البداية أن تسلم في عام 2027 ثم أُجِل الموعد إلى عام 2035 أو بعده وحتى عام 2050، كما واجهت أستراليا عدة تأخيرات أخرى بسبب نزاعات حول الضمانات ونقل التكنولوجيا. لذلك أعلنت أستراليا في يونيو الماضي أنها ستقوم بإطالة عمر غواصاتها الست من طراز كولينز بتكلفة تبلغ أيضًا المليارات.

الوظائف

عندما أعلن وزير الدفاع الأسترالي الأسبق مالكولم ترنبل الصفقة مع فرنسا في 2016 شدد على أن الغواصات ستُبنى في أستراليا بنسبة 90% من الأستراليين ما كان ليوفر 2800 فرصة عمل. كانت تلك محاولة لحشد الدعم لحكومته قبيل الانتخابات التي كانت تفصلها عن الإعلان أسابيع قليلة. لكن في عام 2020 قللت شركة نافال النسبة إلى 60%، وفي العام الحالي 2021 كانت تسعى إلى تقليلها أكثر بحجة أن العمال الأستراليين ليسوا على المستوى المطلوب. والآن فغواصات الصفقة الجديدة من المقرر أن تبنى في مدينة أديليد الأسترالية التي كانت سابقًا معقلا لصناعة السيارات، فيما يراه مراقبون محاولة لتوفير فرصة عمل بديلة.

كل تلك الأسباب دفعت أستراليا إلى البحث عن بديل وكانت البيئة التي نشأ فيها التحالف الثلاثي لتسهيل مشاركة المعلومات والتكنولوجيا وتمهيد الطريق أمام أستراليا للحصول على الغواصات الجديدة.

فرنسا غاضبة لكن ما تفسير الغضب الشديد؟

تسعى فرنسا تحت قيادة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى دور عالمي أكبر يتجاوز أوروبا وغرب إفريقيا. كما أن فرنسا ما تزال تحتل العديد من الجزر في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ما يوفر لها منطقة اقتصادية خالصة مترامية الأطراف، ومصالح وحدود تخاف عليها من التوسع الشرس للصين وتنامي قوتها البحرية. فرنسا أيضًا تعد نفسها قوة إقليمية في تلك المنطقة البعيدة عن برها الرئيسي في غرب أوروبا في مقابل انحسار الدور الأمريكي وسعي أوروبا إلى الاستقلال الإستراتيجي عن الولايات المتحدة.

وفي عام 2020 ظهر محور «أستراليا - الهند - فرنسا» إلى النور بدعوة أطلقها ماكرون في أثناء زيارة إلى الهند في عام 2018، ليتشكل تحالف ثلاثي آخر يستهدف تعزيز التعاون بين دوله، لا سيما في المجال البحري، وذلك ردًا على تعاظم قوة الصين في المنطقة.

لكن هذا الدور الجيوسياسي الممزوج بالخوف على المصالح مهدد بسبب الصفقة الأسترالية الجديدة وولادة التحالف الذي لا يشملها، خصوصًا مع تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن التحالف «ركن إستراتيجي جديد يُظهر التزام بريطانيا تجاه الأمن في منطقة المحيطين الهادئ والهندي»، مؤكدًا على التعاون الوثيق القديم بين بريطانيا وأستراليا.

ما التغير الإستراتيجي الذي تقصده أستراليا؟

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن التحالف يوم 15 سبتمبر، ورغم أنه لم يذكر الصين، فالصين رأته خطوة استفزازية. ويقول بيتر جنينجز رئيس المعهد الأسترالي للسياسات الإستراتيجية إن قرار أستراليا بالحصول على الغواصات يأتي ردًا على زيادة الصين لقدراتها العسكرية. أستراليا حدودها بحرية شاسعة، وهذا يتطلب منها أن تضع تطوير أسطولها البحري في المقام الأول، بخاصة مع امتلاك الصين أسطول قوي تسعى إلى تحديثه باستمرار، وبخاصة مع بلطجتها على جيرانها واستزراعها الجزر في بحر الصين الجنوبي (رغم اسمه، فالبحر تتشاركه عدة دول منها الصين) بهدف توسعة حدودها البحرية ما يوسع بالتبعية المناطق الاقتصادية الخالصة ويهدد المصالح والمطامع الفرنسية.

لعل هذا السبب وراء توجيه موريسون الدعوة إلى الرئيس الصيني شي جينبينج لمناقشة التحالف الجديد وتحقيق الاستقرار في منطقة المحيطين الهادئ والهندي واحترام استقلالية الدول وسيادتها، فيما يراه مراقبون محاولة لتهدئة العملاق الصيني.

لكن الحكومة الصينية كانت قد أوقفت منذ زمن طويل التواصل على المستوى الوزاري مع أستراليا بسبب توتر العلاقات بينهما. وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تزاو ليجيان الصفقة ووصفها بأنه تصرف «غير مسؤول للغاية» من الولايات المتحدة وبريطانيا، ملقيًا اللوم على أستراليا في انتكاسة العلاقات الثنائية، وداعيًا إياها إلى إعادة النظر إلى الصين كونها «شريكًا أم تهديدًا».

ضعف جيوسياسي

العلاقات بين أستراليا وحلفائها في الولايات المتحدة وأوروبا من ناحية ومع الصين من ناحية أخرى صعبة. السبب الرئيسي جغرافية المكان؛ تقع أستراليا بعيدًا عن حلفائها وقريبًا من الصين، ما يجعلها تفكر مليًا في أي خطوة تخطوها مع الحلف، نظرًا لأنها «في وش المدفع» مع الصين، وأي مواجهة معها ستكون لها النصيب الأكبر منها، كما أن بين أستراليا والصين -رغم العداء- تعاون اقتصادي.

لم يشمل التحالف الجديد نيوزيلندا، جارة أستراليا والصين، والتي سنت قوانين في الثمانينيات من القرن الماضي تضمن خلوها من الطاقة النووية وتحظر دخول السفن التي تعمل بالطاقة النووية الموانئ النيوزيلندية. وقالت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أردين إن بلادها لا ترغب في الانضمام إلى التحالف ولم تتلق دعوة إليه أصلا، لكنها قالت أيضًا إن التحالف لا يقلل روابطها الوثيقة بدوله الثلاثة.

ما التالي؟

يقول السيناتور الأسترالي ريكس باتريك إن أستراليا ستدفع غرامة، لكنها أقل من تكلفة الاستمرار في الصفقة الفرنسية. فرنسا تضع عراقيل متحججة بالعقود وتحاول إلزام أستراليا العقود التي جاء في أحد بنودها أنه يجوز لأي من الطرفين إلغاء العقد نتيجة لـ «ظروف استثنائية». تحديد تلك الظروف سيظل أمرا تحسمه المحاكم. كما ينص العقد على أنه في حال قرر طرف إلغاء العقد يجب العمل على إيجاد أرضية مشتركة، وإن لم يحدث هذا في غضون 12 شهرًا، يدخل الفسخ حيز النفاذ في غضون 24 شهرًا من استلام الإخطار الأصلي بالفسخ. وفي مقابل ذلك فإن قادة التحالف أعلنوا أنهم سيعملون في غضون الـ 18 شهرًا القادمة على سبل بناء الغواصات.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق