أعلن الجيش الأمريكي أنه انسحب بالكامل من أفغانستان، بعد نحو 20 عاما من غزو البلاد، وبدأ الاختبار الحقيقى لطالبان فى الحكم. وتراقب حكومات العالم عن كثب ما إذا كانت الحركة ستلتزم بوعودها بملاحقة الجماعات الإرهابية التى تعمل من أفغانستان، وللحفاظ على بعض المكاسب التى تم تحقيقها فى العشرين عاما الماضية بضمان الحقوق والحريات الأساسية للنساء.
ويتوقع الخبراء المعنيون بالشأن الأفغانى أن طالبان ستعانى كثيرا كى تحكم، وتعزز قبضتها على مقاليد الأمور فى أفغانستان. ويرى مايكل كوجيلمان الباحث فى شئون جنوب آسيا بمعهد ويلسون البحثى فى واشنطن، أن الهجوم الدامى الذى وقع الأسبوع الماضى قرب مطار كابول الدولى، وأسفر عن مقتل العشرات بينهم 13 جنديا أمريكيا، وتبناه تنظيم داعش الإرهابى، ألقى الأضواء على الكيفية التى يمكن أن تؤدى إلى سقوط حركة طالبان فى أفغانستان.
قال كوجيلمان فى مقال له نشرته مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية مؤخرا، إن مذبحة كابول تسلط الأضواء على التحديات التي تواجه حركة طالبان، عندما تقوم بتشكيل الحكومة الجديدة بشكل رسمي، بعد رحيل القوات الأمريكية.
وبات يتعين على طالبان بمفردها مواجهة التهديد المستمر بالعنف الذي يشكله منافسهم تنظيم داعش الإرهابي عبر فرعه في خراسان، والذي لن يتوقف عن شن الهجمات، لمجرد أن طالبان أعلنت نهاية الحرب، عندما زحفت قواتها إلى كابول في وقت سابق من هذا الشهر.
وأوضح الباحث الأمريكى أن تركيز الكثيرين في الفترة الأخيرة كان على تناول نقاط قوة طالبان، في أعقاب اجتياح كابول، والسقوط السريع للحكومة الأفغانية، حيث تركزت الحوارات على ثروة طالبان، ونفوذها العسكري وقدرتها على استغلال نقاط الضعف العميقة للدولة الأفغانية.
لكن الجماعة المسلحة- والحديث لكوجيلمان- ستتعلم قريبا الدرس القديم، القائل بأن "الحكم أصعب من القتال"، خاصة أن طالبان تفتقر إلى الخبرة اللازمة للتصدي للتحديات السياسية العميقة التي تواجهها، وبالإضافة إلى المشكلات الأمنية، فإن أفغانستان تواجه أزمة اقتصادية، تسبق سيطرة طالبان على الدولة. وتضاعفت التحديات أمام طالبان بعد موافقة مجلس الأمن الدولى على مشروع قرار يطالب الحركة بالالتزام بتعهداتها بتأمين عمليات الإجلاء من أفغانستان.
وأشار كوجيلمان إلى أن نموذج حكم طالبان يؤكد على القمع والعدالة الوحشية، وليس على التحرك وفقا لسياسات اقتصادية رشيدة. وقال إن قرار المجتمع الدولي بفرض عقوبات على طالبان، بما في ذلك تجميد ما يقرب من 9.5 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية. وأشارت معظم الدول، بما في ذلك باكستان والصين، إلى أنها ستراقب سلوك طالبان قبل الاعتراف بالحكومة.
وتوقع الباحث الأمريكى أن طالبان ستعاني كثيرا من أجل الحصول على تأييد المواطنين الأفغان، الذين ربما استاءوا من الحكومات الفاسدة والفاشلة السابقة، ولكنهم سيكونوا أكثر استياءً تجاه حكم طالبان القمعي، خاصة إذا لم يتم تخفيف الضغوط الاقتصادية. يمكن أن تؤدي تلك الأوضاع إلى تآكل أي دعم تحصل عليه طالبان، لإنهاء الحرب والوصول إلى وضع أمني أفضل.
ويقول كوجيلمان إن فى حال فشلت طالبان في ترسيخ سلطتها وشرعيتها، فسوف يزداد الأمن سوءا في جميع أنحاء أفغانستان، كما أظهر الهجوم على مطار كابول. وستعود المعارضة المسلحة لتعزيز وضعها، الذي بدأ حاليا لجبهة مقاومة محدودة ضد طالبان في بنجشير، المقاطعة الوحيدة التي لا تخضع حاليا لسيطرة الحركة المتمردة. وسيستفيد المتطرفون من الاضطرابات المتزايدة، وسيؤدي انعدام الأمن والضغط الاقتصادى المستمر إلى تكثيف نزوح اللاجئين.
اترك تعليق