يعتبر ملف الدعم من الملفات الشائكة والحساسة لأنه يمس حياة الأسر المصرية وخاصة محدودي الدخل والفقيرة التي تعتمد علي الخبز والمواد التموينية بشكل رئيسي في حياتها حتي وصلت ميزانيته إلي 87.2 مليار جنيه وفقا لآخر الاحصائيات عن العام المالي 2022-2021 ويبلغ عدد المستفيدين من دعم رغيف الخبز حوالي 71 مليون فرد مقيدين علي ما يقرب من 18 مليون بطاقة تموينية.
لكن بالرغم من هذه الأرقام الضخمة التي تضعها الحكومة في ميزانيتها، نجد شكاوي مستمرة في منظومة الدعم ومازال البسطاء يعانون. مما يعني ان الدعم لا يصل إلي مستحقيه الفعليين وتهدر مليارات الجنيهات ما بين الطامعين وأصحاب الذمم الضعيفة من جهة والقادرين وأصحاب الدخول المرتفعة من جهة أخري.
علي فاروق
أكد الخبير التمويني هشام كامل سعد الله وكيل أول وزارة التموين السابق انه سبق أن قدم العديد من الدراسات أثناء مدة خدمته لتجنب الاهدار في أموال الدعم وترشيده ولكن لم يعمل بها حتي الآن.. مشيرا إلي أن حجم الإهدار يصل إلي أكثر من 20 مليار جنيه أي حوالي ثلث الدعم.
قال ان تكلفة الطحن المغالي فيها من قبل المطاحن العاملة بالمنظومة بالمقارنة بمطاحن أخري تقدم عروضا بأسعار تقل من 100 و200 جنيه وتعطي نفس الجودة في المواصفات. علما بأننا نطحن بما يتراوح من 800 ألف إلي 850 ألفا شهريا يعني انه هناك الأموال الطائلة التي تذهب لجيوب رجال الأعمال في الغرفة التجارية لصناعة الحبوب وهو فارق كبير في السعر وانعدام الرقابة علي الأوزان والمواصفات والمحاسبة بنسب الاستخراج وهذه أكبر الحلقات التي ينبغي ترشيد الدعم بها. وإنهاء العلاقة التعاقدية الأبدية بينهم وبين الوزارة بل ويجب عمل عقود جديدة وادخال مطاحن جديدة في المنظومة ووضع رقابة صارمة وإلكترونية علي المدخلات والمخرجات من الأقماح والدقيق والنخالة وإعادة النظر في أجور الطحن التي تدفع بصفة احتكارية.
أضاف كامل انه بالنسبة للنخالة فيوجد العديد من أوجه التربح فيها وحرمان المربين للدواجن والمواشي من الأسعار العادلة والتي تنعكس علي السوق مباشرة في زيادة أسعار اللحوم والدواجن والأسماك وتزيد العبء علي المواطنين.
أشار إلي أن هناك بعض السلبيات في تخزين الأقماح في الصوامع والشون وانعدام الرقابة أو ضعفها للغاية حيث تقوم بعض الصوامع والشون باخطار الوزارة بالتصفية الصفرية ولا تقوم الوزارة بالحضور أثناء الجرد وسبق وتم الاشارة إلي أحد الوزراء السابقين بهذه الوقائع بصوامع امبابة والتي أخطرت بتصفية صفرية وعندما انتقل لها الوزير بنفسه وجد بها أقماح بما يعادل 400 طن زيادة عن المنصرف- كانت تذهب لحساب الغير.
وهناك بعض الصوامع تتقاضي مقابل التخزين بها للأقماح لمدة عام كامل في حين ان القمح لا يمكث أكثر من 3 شهور بها.
أشار إلي سلبيات الحلقة الأخيرة من إنتاج الخبز فقال: ان الخبز مازال يذهب للإنتاج الحيواني وهذا غير منطقي بالمرة فبعد ان نقوم بشراء القمح وتخزينه ونقله وطحنه وتسويته إلي الخبز.. يذهب 50% منه كعلف للمواشي. لذا ينبغي سرعة التحول في دعم الخبز إلي الدعم النقدي المشروط حيث انه يوجد العديد من المحافظات الريفية والتي تعلم تماما ان الخبز أفضل من نقاط الخبز التي يحصل عليها بعد التوفير وانه يستخدم الفائض منه كعلف للمواشي والدواجن أرخص من الأعلاف.
أوضح ان شركات الكروت الذكية تحصل علي مقابل كبير في المنظومة يفوق أرباح شركات المحمول. علما أنه يوجد بها العديد من السلبيات وهي التربح في قطع غيار ماكينات الصرف لأصحاب المخابز وعدم احكام المنظومة إلكترونيا والتلاعب في النظام بالفلاشات في اختلاس أموال الدعم.
تطالب د.نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع العائلي بجامعة بورسعيد: بعمل حصر للأسر التي تتقاضي معاش "تكافل وكرامة" من الدولة وإعادة النظر في قيمة المعاش ومدي ملائمته لكي يعيش الفرد حياة انسانية واعطاء الفرق بصورة نقدية وليست عينية وهذا بدوره يحمي من كل أشكال الفساد فالدعم المادي يفيد العائلة أكثر بكثير من الدعم العيني الذي قد يبيعه المواطن بثمن بخس لأنه يحتاج إلي الأموال لتسديد احتياجات أخري أكثر أهمية بالنسبة له.
وتستنكر د.نادية الفجوة الكبيرة بين طبقات المجتمع فالثراء الفاحش والبذخ المبالغ فيه والذي يظهر من خلال إعلانات الفلل والكمباوندات بملايين الجنيهات في مقابل طبقة دنيا تعيش تحت خط الفقر والدعم بالنسبة لها النجاة الوحيد. فهذه الإعلانات مستفزة جدا لمشاعر هؤلاء الناس. كما أن هذا الثراء الفاحش لا يمكن أن يكون جاء عن طرييق حلال حتي لو شخص شريف لكن سنجده سرق حق عماله وموظفينه ولم يسدد الضرائب للدولة بالكامل ومن ثم لا بد من وجود قوانين تحمي البسطاء من الرأسمالية الغاشمة بالاضافة إلي وجود قاعدة بيانات قوية تتقصي بدقة عن المحتاج الحقيقي وأي أموال تصرف في أي مكان لا بد من تسجيلها حيث ان هناك بعض الأعمال مثل السايس الذي يتقاضون أموالا من المواطنين وفي نفس الوقت يتلقون الدعم وهم غير مستحقين فلو كل "قرش" تم تسجيله سنتعرف علي الفئات الحقيقية المستحقة للمساعدة.
ومن ثم تقترح د.نادية تفعيلا أكثر لبطاقات الائتمان وفرض مزيد من الضرائب علي أصحاب الأعمال والأثرياء لدعم الفقراء وحماية العمال والغلابة من جشع رؤسائهم.
يقول د.صلاح الدين فهمي أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: ان الدعم بدأ تطبيقه في الأربعينيات أثناء الحرب العالمية الثانية حيث لم يتواجد الكيروسين حينها فتم عمل كبونات مخفضة من أجل دعم السولار واستمر حتي 25 يناير 2011 وبدأنا نعيد التفكير في الشئون الاقتصادية بجدية حتي تولي الرئيس السيسي سدة الحكم وبدأ التفكير في إعادة تنظيم المنظومة والتفكير في بدائل مثل الدعم النقدي وكيفية الموازنة مع ارتفاع الأسعار بشكل لا يشكل عبئا علي موازنة الدولة إلي أن تم الاستقرار علي تخفيض الدعم بشكل تدريجي وزيادة المرتبات في المقابل وهذا جزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي من ضمن بنوده سحب الدعم من السوق حتي لا يشكل ضغطا علي الموازنة العامة وأصبح المواطن يدفع الثمن الحقيقي للسلعة إلا الخبز لأنه يمس شريحة كبيرة من المصريين لكنه تم اكتشاف ان جزءاً منه يذهب إلي الطيور.. والبعض منه يعاد استخدامه بشكل آخر بعد تنشيفه مما يجعل الدعم يذهب إلي غير مستحقيه.
ويري د.صلاح انه لا توجد أي سلعة ثمنها 5 صاغ فنحن في عهد المصارحة فبدلا من أن تهدر الخبز وتعطيه للحيوانات سأعطيه لك بجودة أفضل ولكن ستدفع أكثر قليلا وفي نفس الوقت ستحافظ عليه ولن تهدره ونفس الأمر في البنزين عندما ارتفع سعر اللتر إلي 6 و8 جنيهات بدأت الناس ترشد الاستهلاك وتستخدم السيارة فقط عندما يحتاجوها وهذا هو إعادة التنظيم وبالتالي سيقل العجز في الموازنة ومنها نستطيع عمل تنمية حقيقية للشبع و تقل السرقة ويختفي الفساد والسياسة لا تدار بواسطة آراء الشعب. فتحسين رغيف الخبز من أفضل الوسائل لحل منظومة الدعم ولكن لا بد أن تدفع ثمنا مقابل أن تحصل علي جودة فالدعم موجود ولكنه سيقل.
ويؤكد د.صلاح فهمي ان ضبط سلوك الناس لا يعني إلغاء الدعم نهائيا بل ترشيده فارتفاع سعر الكهرباء جعل الناس تقتصد في استخدامها للأجهزة الكهربائية كالمراوح والتكييفات في البيوت بدلا من تشغيلها في كل وقت. فتغير سلوك الناس في التعامل مع السلع وأصبحت لديهم ثقافة الترشيد. والترشيد ليس معناه تقليل بالمعني الحرفي بل استخدام الشيء في مكانه بدلا من مليارات الدعم التي تهدر هباء "والمال السايب يعلم السرقة".
يقترح دكتور طلعت عبدالقوي رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية وعضو مجلس النواب تحويل منظومة الدعم من العيني إلي النقدي ويعتبره أفضل وسيلة حتي يصل الدعم إلي مستحقيه فنحن لدينا حصر كامل بالأسر الأكثر احتياجا من خلال قاعدة بيانات قوية وهذا يساعدنا في توصيل المبالغ المالية لهم أما الدعم العيني في صورة سلع تموينية فهي تذهب إلي الجميع للقادر وغير القادر وتعطي مجالا للطمع والتلاعب والاختلاس وبها ثغرات كثيرة.
يضيف: لا بد من عمل دراسة جدوي قبل تطبيق منظومة الدعم النقدي وبحث القيمة المالية للسلع الأساسية بالأسواق أولا حتي يتم تقديرها نقدا بشكل يكفي المواطن لكن المشكلة في ارتفاع الأسعار ونلاحظ ان الفئات متوسطي الدخل وفوق المتوسط تتعامل تقريبا بشكل يومي مع السلع غير المدعمة وإذا نظرنا إلي الدعم سنجده فقط في رغيف الخبز وأنبوبة الغاز وبالنسبة للسلع التموينية المواطن يحصل عليها مدعمة بسعر قريب جدا من أسعار السوق العادية فأكثر ما يلتهم ميزانية الدعم هو "العيش" والمواد البترولية.
ويوضح د.طلعت ان الدولة متوجسة من السير في اتجاه الدعم النقدي حيث ان الدعم العيني هو السائد منذ سنوات ولذلك أدعو الحكومة إلي تطبيقها بشكل تدريجي وتجريبي بالبدء أولا بمناطق وفئات محددة واختبار الايجابيات والسلبيات. مضيفا انه من ناحية الشرع والسنة المال أنفع للفقير مشيرا إلي أن مشكلة المساعدات العينية أن بعض الأسر التي تحتاج إلي مبالغ مالية لاحتياجات معينة تضطر لبيع المادة العينية بثمن بخس للحصول علي أموال بأي طريقة فالمبلغ النقدي أفضل له في هذه الحالة لأنه أدري باحتياجاته. فهناك من تأخرت عليه فاتورة الكهرباء ويريد تسديدها وأخر متعثر في سداد مصروفات المدرسة لأولاده وغيرها.
يري دكتور مصطفي زمزم رئيس مجلس أمناء مؤسسة صناع الخير للتنمية أن وجود قاعدة بيانات علي مستوي الجمهورية لمستحقي الدعم تربط بين كافة الخدمات يتبين منها من المستحقين الفعليين للدعم العيني ومن الدعم النقدي من خلال معاشات "تكافل وكرامة" ومواد تموينية وخدمات صحية وتعليمية وهناك شروط للحصول علي دعم برنامج "تكافل وكرامة" وهي أخذ التطعيمات الواجبة والالتزام ببرامج تنظيم الأسرة وتعليم الأبناء والمراجعات الدورية علي كل هذه الأمور للتأكد أنها تمت بالشكل الصحيح ورأينا الفترة الماضية خروج الكثيرين من برامج الدعم لأنهم ليسوا ملتزمين بالشروط.
ويوضح د.مصطفي ان تقلل الدعم العيني سيكون مقابله دعما نقديا كبيرا ما دام الفرد قادرا علي الإنتاج حيث تساعده الدولة في عمل مشروعا تنمويا فلماذا يحصل علي دعم نقدي وهو قادر علي العمل؟ وإذا كان مريضا أو مصابا وتم علاجه فاذن آن الأوان لأن يعمل وتساعده الدولة علي ذلك.
ويتحدث زمزم عن الخبز المدعم والسلع التموينية وإعادة تنظيمها من خلال البحث في عدد أفراد الأسرة والحالة الاجتماعية لهم "من تزوج واستقل بحياته" لأنه كان هناك عائلات أولادهم متزوجون ويحصلون علي المواد التموينية كاملة لعشرات السنين وحان الوقت للفلترة من خلال قاعدة البيانات حتي يصل الدعم لمستحقيه الفعليين. فهناك من يمتلك سيارات وعقارات وقطع أراضي ومهندسون وأطباء ولديهم بطاقات تموينية ويتقاضون معاشات من الدولة علي اعتبار انهم مرضي أو حدثت لهم إصابات معينة وفي نفس الوقت يمتلكون سجلا تجاريا وهندسيا ورقما ضريبيا فهناك 20 ألف مهندس يتقاضون دعما في صورة معاشات لظروف صحية تم علاجها بعد سنة أو ثلاثة مثلا ومازالوا يتقاضون المعاشات لكن قاعدة البيانات تكشف كل ذلك.
حتي قيم فواتير الكهرباء منها يتحدد مستوي دخل وانفاق الفرد وهل هو مستحق للدعم أم لا فالفرد الذي يدفع فاتورة بقيمة 2000 جنيه شهريا فمن المؤكد ان لديه 4 تكييفات بمنزله. اذن شخص قادر فكيف له أن يحصل علي الخبز المدعم أو يقدم علي بطاقة تموينية؟. لكن تدعم الدولة في اتجاهات أخري كالبنزين والسولار والطاقة والمياه والتأمين الصحي فهذا أحد أشكال الدعم للفئة المتوسطة فمتوسط دخل الفرد الذي يصل إلي 5 آلاف جنيه يختلف عن الذي يتقاضي ألف جنيه فقط فهذا المستحق الأولي للخبز وبطاقات التموين. أما شرائح الدخل المتوسط غير مستحقين لمعاش "تكافل وكرامة" ولا التموين.
اترك تعليق