البارانويا أو ما يعرف بجنون الإرتياب أو جنون العظمة، أو هذيان الإضطهاد هي مرض نفسي وعصبي شائع يتلخص في شك المصاب بشكل دائم بمن حوله، مع رسم السيناريوهات الأسوأ، ناتج عن الشعور الغير منطقي بفقد الثقة بالأشخاص والريبة منهم والاعتقاد بوجود تهديد ما مثل الإحساس بأن هناك أشخاص يراقبونه، أو يحاولون إلحاق الأذى به أو وجود مؤامرة خفيه أو أنهم يتآمرون عليه ويسخرون منه، بالرغم من عدم وجود دليل على ذلك، وهي تطور للشخصية النرجسية، فهو شخص عنيد لا يقبل النقاش والإيضاحات والتفسيرات من قبل الغير، وبأنّ ما يظنّه ليس حقيقة، بل يحوّل من يحاوره بالموضوع إلى متآمر جديد، ما يزيد الأمر تعقيداً، وعلى حسب أطباء النفس هي أقصى مرحلة في النرجسية، يعاني من يصاب به من سيطرة أفكار ومعتقدات لها منطق خاص من اختراعه، ويتسم سلوك مريض البارانويا بالشك والريبة والعناد المبالغ فيه لإثبات صحة معتقداته وأفكاره، وتكون ردود أفعال المريض مبالغًا فيها تجاه أي تصرف وإن كان طبيعيًّا من الأشخاص الآخرين، وتتأثر شخصيته بشدة بالقلق أو الخوف إلى حد التسبب بالوهم واللاعقلانية.
يقول دوستويفسكي: "إن النرجسية وجنون العظمة أو ذهان الشك "البارانويا" هو خليط من الخوف والرغبة بأن نكون محط أنظار الآخرين الذين لا نعرفهم، وينطبق الأمر ذاته على المجتمعات الافتراضية حيث تبرز العديد من المخاوف مثل اكتشافنا على حين غرة أننا غير مهمين والخوف من التخلّف عن ركب هذه المجتمعات".
يشعر مريض البارانويا بأنه عظيم ومميّز وناجح جداً، متفوّق على غيره بدرجات كثيرة، لذلك يغار الجميع منه ويتآمرون عليه ويريدون أذيّته والتخلّص منه، يشكّ البارانويدي دائماً بالمحيطين به، ويعتمد على التحليلات السلبية للأمور، فهو في حالة شك لا تنتهي وكرهٍ للجميع، ما يدفعه إلى الإنعزال والتزام البيت أحياناً، ولا يثق بالمسجّلات الصوتية، ولا بوسائل التواصل الإجتماعي والهواتف والكاميرات، فهو معرّض للتجسّس والملاحقة، وعلى الرغم من أن ما يعتقده مريض البارانويا لا علاقة له بخلفيته الثقافية أو الدينية أو مستوى ذكائه، فمن غير المعروف تمامًا إلى الأن لماذا يصبح عند بعض الأشخاص اضطرابات في الشخصية أو مشاكل عقلية، ولكن من الممكن أن يكون السبب مزيج من العوامل، مثل الجينات، التوتر والضغط العصبي، كيمياء الدماغ، تعاطي المخدرات وإدمان الكحول قد يؤدي إلى الإصابة بمرض البارانويا، وكان أول من تحدث عن البارانويا هم اليونانيين القدامى، وعلى ما يبدو، كانوا يستخدمونها لمعنى مصطلح "الجنون" نفسه، حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث أصبحت بمعنى اختلال عقلي بسبب الأوهام، التي تتطور ببطء حتى تصبح نظاماً معقدًا.
مرض البارانويا يرتبط بثلاثة اضطرابات رئيسية، وهي اضطراب الشخصية المرتابة (Paranoid personality disorder) واضطراب الوهام (Delusional disorder) وانفصام الشخصية البارانويدي (Paranoid schizophrenia) أما الأعراض التي يعانيها مريض البارانويا هي: الشعور المبالغ بأهمية الذات، الإجهاد المستمر، الارتياب وسوء الظن والشك من أفعال وتحركات الآخرين، والاعتقاد الدائم بخداع الآخرين له والترتيب للإيقاع به، القلق مما يعتقده الآخرون، فقدان الثقة بالآخرين، العدوانية، بالإضافة إلى شعوره بالتميّز والتعالي والتفوّق على الآخرين، يعتقد بأنه شخصية مميّزة ونادرة، يجب أن يخضع له الجميع، الشعور بأن لا أحد يفهمه، والاضطهاد وأنه الضحية، حتى عندما لا يكون هناك تهديد، الشعور بتقدير الذات وعظمة مبالغ فيها مما قد يختلط بينه وبين والنرجسيين، الإنعزال عن الآخرين، الاكتئاب، اضطراب النوم، وسوء التنشئة كتسلط أحد الوالدين والعنوسة والإحباطات المتكرره خاصة في العمل وعدم القدرة على تحقيق الأحلام والطموحات، وعدم القدرة على القبول بحلول وسطية، أو المسامحة، أو قبول النقد، والاعتقاد بوجود معانٍ خفية وراء التصرفات العادية للأشخاص، والخوف الشديد من إعطاء الناس أي معلومات عنه، خشية استخدامها في إيذائه، وتناول الفرد جرعة إعلامية كبيرة من أحداث إرهابية وثورات واعتداءات على الأطفال، وأحيانًا يتطور الأمر إلى هلاوس سمعية وبصرية.
وليس من الضروري أن يعاني مريض البارانويا من كلَّ تلك الأعراض مجتمعة، إلا أن نوع البارانويا التي يعاني المريض منها ويشعر أنه مسئول عن نتائجها، فيطارده الشعور الدائم بالذنب، وأنه يستحق العقاب الذي يمكن أن يصل في بعض الأحيان إلى الانتحار، وأن الآخرين مسؤولين بصورة كبيرة عن كل الأحداث السيئة التي مر بها في حياته، و لا يثق المريض بأي شخص يحاول التقرب إليه و يعتقد أن الأصدقاء والأثرياء يحاولون إيذائه فلا يوجد شخص حسن النية من وجهة نظره، والوجه الآخر هو العظمة فهو يظن نفسه شخصية عظيمة مرموقة، وأن الآخرين يحقدون عليه على الرغم من أنه شخصية عادية بالمجتمع، لذلك فهو شخصية فاشله اجتماعيا غالبا لا يستمر في نمط حياه مستقره بل دائما ما يفتعل المشاكل بسبب توهمه بأنه عظيم وأن هناك من يدرون له المكائد.
البارانويا لها أربعة أنواع هما بارانويا الاضطهاد، وهي شعور المريض بأن كلِّ المحيطين به يضطهدونه لأسباب عرقية أو دينية أو غيرها من الأسباب التي يخترعها ويصدقها، وبارانويا العظمة، وأكثر من يصاب به المشاهير الذين يعانون من مشكلات في تكوين شخصيتهم، أو من يتعرضون بالفعل إلى أذى الآخرين ومضايقاتهم؛ فيجعلهم هذا يتمادون في التخيل أنهم عظماء أو أصحاب قوًى خارقة، وبارانويا توهم المرض، والتي تتسبب في الوفاة ، "الموت من الوهم"، وهذا حقيقي، فهذا النوع من البارانويا يتخيل الذي يعاني منه أنه مريض، وأنه يشعر بالآلام في منطقة معينة أو في مناطق متفرقة من جسمه، أو أنه مصاب بداء عضال، وبالرغم من أن الكشف والتحاليل وأراء الأطباء يظهرون أنه سليم معافًى، فإن حالة مريض البارانويا تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، حتى يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، أما البارانويا السوداوية، والتي يشعر المريض فيها بعقدة الذنب الدائمة؛ حيث يعتقد أن كلَّ ما يحدث من كوارث بسببه بشكل أو بآخر.
ولعل من أنجح أساليب العلاج لمريض البارانويا هي عدم إصرارك على إقناع المصاب بالبارانويا بأنّ ما يعاني منه هو حالة مرضية، فهو غير واعٍ لذلك، وسوف يشكّ بأنك متواطئ ضده، أو سيحاول إقناعك دون ملل بصوابيّة شكوكه، وقد يؤذي المصاب بالبارانويا مَن حوله لأنه يدافع عن نفسه، ومحاولة شرح الحقيقة سوف تشعره بالعدوانية والغضب، وسيكون من الصعب قبوله بالتوجّه طلباً للعلاج، وتدريبه إلى عدم الإصغاء إلى الأوهام وأن يستشعر الخلل وأن كل ما يسمعه أو يفسره من أحداث سيئة ليس حقيقيا وأنه ليس المقصود بما يدور حوله، وكذلك تدريبه على عدم تحليله لجميع السلوكيات نحوه أنها سلبية وأن الجميع يقصد الإساءة له، وكذلك تدريبه على زيادة الثقة بالنفس وبالأخرين، والتعبير عن المشاعر بطريقة إيجابية، وتطوير مهارات التواصل.
اترك تعليق