تصدر مسلسل "الطاووس" من بداية عرضه خلال ماراثون رمضان الحالي، تريند مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، وأصبح حديث الناس في الشارع المصري، خاصة في ظل الحديث عن مدى براعة المخرج رؤوف عبد العزيز في تقديم العديد من المشاهد بشكل حرفي، وبطريقة لا تجرح أعين المشاهدين وتحترم عقولهم، وبعيدة كل البعد عن الابتذال والإسفاف كما حدث في مشهد الاغتصاب"أمينة" الشخصية التي تقدمها" سهر الصايغ.
رؤوف عبد العزيز، عمل في البداية مدير تصوير، تم بدأ حياته الفنية كمخرج في مسلسل "ألف ليلة وليلة"، وكان حينها أول مخرج يجمع بين كونه مدير للتصوير والإخراج، وحقق حينها العمل نجاحا كبيرا، ليضع بهذا حجر الأساس في تاريخه الفني في الإخراج، ورغم كونها تجربة الإخراج الأولى ولكنه حقق نجاحا كبيرا في ذلك الوقت ومن ثم بدأ أسمة يتردد في الوسط الفني كمخرج متميز.
ومن بعدها انطلق إلي عالم الإخراج ليضع أسمة بشكل أكثر قوة وفاعلية، ليقدم بعدها مسلسل" أبو البنات"، والذي كان له الفضل حينها في تقديم مصطفى شعبان بشكل جديد ومختلف، خاصة بعدما غضب الجمهور من شعبان بسبب تكرار نفسه في العديد من الأعمال الفنية، ولكن رؤوف استطاع تقديمه بشكل جديد بشهادة الجمهور والنقاد، ومن هنا اثبت رؤوف نفسه كمخرج له مكانة وأسلوبه الخاص وسط مبدعي الإخراج، لينطلق بعدما لتقديم النجم هاني سلامة للبطولة من جديد ويعيد اكتشافه حسبما صرح العديد من النقاد في وسائل الإعلام المخلفة بل وأقرب بذلك هاني في الحديث من الأحاديث الصحفية.
رؤوف عبد العزيز، استطاع بحسه الإخراجي ورغبة في البحث عن الاختلاف والنمطية، والتفكير خارج الصندوق، أن يعيد اكتشاف هاني سلامة في منطق تمثيلية جديدة، قدمها على مدار ثلاث أعمال درامية بداية من مسلسل طاقة نور، مرورا بمسلسل فوق السحاب، وأخيرهم مسلسل قمر هادي، والذي حقق نجاحا كبيراً، ولم يقتصر اختياراته على فكرة البطل فقط بل أنه يسعى دائما لتقديم الشباب وإسناد مهمة البطولة لهم وتقديمه بشكل جديد ومختلف ، هذا بالإضافة إلى اختياراته للموضوعات الهادفة وليس فكرة تقديم عمل درامي من أجل التسلية فقط، ولكنه إلى جانب التسلية والترفيه، يقدم رسالة وهدف للجمهور وجميع أعمال تحمل عظة للمشاهدين.
وهذا العام يقدم لنا المخرج رؤوف عبد العزيز، تجربة درامية جديدة ومختلفة كعادة عن أعماله السابقة، بل يعيد لنا أيضا اكتشاف النجم العربي جمال سليمان وسهر الصايغ بثوب جديد على الجمهور، في تجربة مميز بمسلسل"الطاووس"، والتي تدق ناقوس الخطر تجاه المرآة وتدافع عن حقوقها وقضاياها، وترفع شعار المرآة خط أحمر، والذي استطاع أن يثير الجدل منذ انطلاق أولى حلقاته، ورغم العديد من الأزمات والمشاكل التي مر بها المسلسل، ولكنة غرد بعيدًا عن السرب، نظرا لأن أحداثه مترابطة وتسير في تسلسل متقن وحبكة درامية وتشويق “متزن”، فالمسلسل مصنف بأنه عمل تشويقي اجتماعي ولكنه لم يتمادى في التشويق للدرجة التي ترهق الجمهور، وأيضا خالٍ تقريبا من الحشو الذي أصبح موجودا بكثرة للأسف في أعمال درامية كثيرة.
كما أجاد المخرج رؤوف عبدالعزيز، الجمع بين الأجيال المختلفة بالمسلسل، خاصة أن من أبرز سماته أنه يعرف جيدا كيف يدير موهبة الممثل، بداية من النجم جمال سليمان الذي نجح في خلق حالة خاصة به في الدراما المصرية، مرورا بالفنانة سهر الصايغ، والتي تعد بمثابة مفاجأة من مفاجآت المسلسل، حيث أظهرت قدراتها التمثيلية والفنية في الطاووس وأكدت بالفعل أنها نجمة كبيرة، وموهبة فنية قوية و تستطيع تقديم الأدوار المركبة والصعبة بإتقان كبير ومهارة فنية وصدق في الأداء و التعبير.
كما نجح رؤوف عبد العزيز في خلق صورة بصرية تعبيرية تخدم الخطاب المرئي واستطاع تحقيق الاندماج الكامل للمشاهدين مع المسلسل ومضمونه حيث أن رؤوف لم يقدم صورة فقط للمشاهدين ولكنه قدم الإحساس المغلف بالمعنى واستطاع تجسيد المشاعر والانفعالات والمواقف المختلفة والتوظيف الدرامي وبناء المشاهد بشكل حرفي كبير ينم على الاحترافية والذكاء والمهارة والخبرة التي يمتلكها وبدون اى مبالغات درامية.
واستطاع رؤوف من خلف الكاميرا تقديم رؤية نقدية أبداعية مبهرة تعبر عن مضمون العمل بصورة ذهنية عميقة على الشاشة مخاطبا بها عقل ووجدان المشاهد ضمن خطة عمل منظمة تتميز بالإمتاع والإقناع والإبداع والفن الهادف، وذلك في ظل تسخير كافة العناصر الفنية في العمل للتعبير الدرامي من حيث الصورة المعبرة و الديكورات الممتازة الموظفة بشكل دقيق لمهندس الديكور رامي قدري والملابس المتجانسة والموسيقى التصويرية الرائعة الموحية المعبرة عن الحدث الدرامي ومتناسبة مع الأسلوب التشويقي للحالة الدرامية للرائع خالد حماد والمونتاج السريع الحيوي و إخضاع المناظر والإضاءة والملابس والماكياج والملحقات الفنية الأخرى للتخطيط الدقيق، ومزجها وتوظيفها جميعا بشكل متجانس واندماج مثالي.
ويعد رؤوف عبد العزيز مخرج صاحب منهج اخراجى شديد الخصوصية يمزج بين الإخراج والتصوير ليقدم في النهاية الصدق البصري والاهتمام بإظهار البعد الجمالي والبعد النفسي والتكوينات الجمالية المعبرة للكادر وذلك في تناغم مثير لخلق حالة التأثير البصري النهائي بصورة جمالية فنية و ترك المشاهد يتفاعل مع الأحداث.
اترك تعليق