أروع القص ما يرتبط بقضايا المجتمع , ما يدور حول إظهار خبيئة النفس البشرية، رفع الغطاء عن المستور والكامن، القاصة ( غادة صلاح الدين )، يُحسب لها بعد قراءة سريعة لمجموعتها القصصية "العازف" الصادرة عن دار "أفاتار" للطباعة والنشر 2020، أنها فرّت من الوقوع في الفخ التقليدي الذي تقع فيه الكاتبات، تمرّدت على تلك القضية السردية الوحيدة التي يدرن حولها آناء الليل وأطراف النهار.
وأقصد العلاقة بين الرجل والمرأة، إنتاج ثم إعادة إنتاج نفس المادة القصصية مئات بل آلاف المرات، وإن تباينت الحكايات لكن يظل بينها خيط رفيع، أنها تُعنى بقضية وحيدة لم يملكن منها فكاكًا، إلّا ما ندر منهن. ومن أولئك جاءت مجموعة "العازف" لتطرح (حسب رؤيتي وتذوّقي الشخصي)، قضايا متعددة منها ما يتعلق باللحظة الراهنة وتأثير جائحة "كورونا" اجتماعيًا ونفسيًا، إعادة تشكّل وعي وسلوك الفرد، ومن بين القصص التي أزعم أنها وقعت من نفسي موقعًا خاصًا، وأثّرت بشدة عليّ ودفعتني لقراءتها مرة تلو أخرى، قصة "دم الغزال".
الحدوتة بسيطة، اللغة انسايبة رائقة، القضايا التي أثارتها متعددة منها النسوي التقليدي وأخرى تتعلق بنوازع إنسانية مثل الحسد، الرغبة في الامتلاك، الاستحواز ولو على حساب الغير، الوعي بقضايا التغيير المجتمعي من خلال ممارسة الحق في التصويت وتجشّم معاناة الانتقال للجنة انتخابية بعيدة، ثم المفاجأة بلقاء بين بطلة القصة وبين بنطالها الضائع، لقاء جمع بين ندّين، صاحب الحق وسارقه، ونهاية مفتوحة تجعلنا نقتنع أن الرداء الخارجي ليس هو ما يستر الفرد، بل قدرته على التصالح مع النفس وغض البصر عمّا بيد الغير، وأن التغيير الحقيقي الذي يمكن للفرد الوصول إليه لا يكون إلاّ عبر التغلّب على نقاط ضعفه.
اترك تعليق