الميراث حق شرعه الله عز وجل في كتابه العزيز، وكفله الدستور المصري للمواطنين كافة المسلم وغير المسلم، إلا أن تطبيقه فيه شئ من المحال، وعدم الالتزام من جانب أُولي الأمر، فنجد في محافظات الصعيد وبالتحديد محافظتي سوهاج وقنا، لا يعترفون بأحقية الأنثى في الميراث، رغم التحضر والتعليم والتدين وتوافر كل العوامل الثقافية للتنوير ومحو العادات السيئة التي نشأت عليها العائلات في القرى والمدن بالصعيد، إلا أن حق المرأة والفتاة والطفلة في ميراثها الشرعي عن والدها أو والدتها أو كليهما ضائع لا محال، وعلى الرغم من وجود نص قانوني بالدستور يكفل لها حقها، إلا أن نفس هذا النص القانوني لا ينص على عقوبة رادعة تُطبق على من تسول له نفسه الامتناع عن إعطاء أصحاب الحق في الميراث حقهم الشرعي، أو إخفاء المستندات أو الدلائل الخاصة بممتلكات المتوفى حتى يأخذ كل ذي حق حقه الشرعي في الميراث.
فلا يوجد شئ في الحياة أسوء من زرع العداوة بين الأشقاء والأقارب، ووصول الأمر بينهم إلى ساحات المحاكم، والسبب في ذلك مال زائل وإرث لن يبقى، خاصةً وأنهم لم يتعظوا من أن صاحب تلك التركة التي يتنازعوا على تقسيمها قد أفنى عمره في تكوينها، لكنه رحل ولم يأخذ شيئاً منها... والواقع يُظهر لنا أرقام وقصص معاناة فاقت الخيال، من ظلم الإنسان لبني الإنسان وقتل واعتداء على النساء خاصة والأطفال على يد ذويهم، واتهام النساء في أخلاقهن لمجرد أنهن طالبن بحقوقهن في ميراثهن، أو قررن الذهاب للمحاكم للمطالبة بحقهن الشرعي في الميراث، وتطبيق شرع الله الغائب عن عقول أقل ما يُقال عنها بأنها" عقول مريضة"، لتقدر الأرقام المتداولة لدعاوى النزاع على الميراث وفق" وزارة العدل"، أمام المحاكم بما يتجاوز 144 ألف قضية نزاع على الميراث سنوياً، جاء ذلك وفق الدراسات المعلنة.
حرمان الأنثى
حسب الإحصائيات تتعرض 35% من السيدات اللاتي حُرمن من ميراثهن للإيذاء جسدياً، و15% للابتزاز المادي، و50% يضطررن للتنازل عن حقوقهن عبر الابتزاز وخوفهن من الخلافات الأسرية، وغضب الأهل وقطع صلة الأرحام، وأشارت النسب وفق أصحاب الدعاوى المقدمة للمحاكم إلى أن 32% من الحرمان من الميراث يكون عن طريق الأشقاء الذكور، و25% عن طريق الأقارب من جهة الأم أو الأب، و19% بسبب تعنت الأمهات ورفضهن حصول بناتهن على حقوقهن، تلك الأمهات التي هي في الأساس امرأة وقع عليها نفس الظلم والحرمان من الميراث، لكنها العادات السيئة التي سيطرت على فكر وعقول الكثير من الناس هي من تحكم وتنفذ، و24% عن طريق الآباء الذين يكتبون وهم على قيد الحياة كل شئ لأبنائهم الذكور.
كما شمل الحرمان من الميراث مآسي كثيرة من الزوجات اللواتي خرجن من رحلة الحياة بورقة طلاق، بعد أن غدر بهن الأزواج وطلقوهن وهم على فراش الموت، خشية مشاركتهن أبنائهن الميراث، وأغلب هذه السيدات تكونن زوجات ثانية لزوج لدية أولاد من أخرى، لتبلغ نسبة الدعاوى سنوياً ما يزيد عن 1400 سيدة، وفق سجلات محاكم الأسرة، وأكدت الأرقام أيضاً داخل أروقة محاكم الأسرة، وفق مكاتب تسوية المنازعات أن الأطفال هم أيضاً ضحايا لكارثة الحرمان من الميراث، حيث تبلغ نسب الدعاوى المقامة من الأمهات المطالبة بحقوق أبنائها، ما يزيد عن 5 آلاف دعوى سنوياً.
معاناة التقسيم
وبحسب دراسة أعدتها دكتورة سلوى محمد المهدي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة قنا، بعنوان" ميراث المرأة في صعيد مصر بين الواقع والمأمول"، رصدت خلال ظاهرة معاناة المرأة وحرمانها من الميراث بمحافظتي قنا وسوهاج بصعيد مصر، كما ذكرت بدراستها العُرف السائد بين العائلات في الصعيد عند تقسيم تركة المتوفى بالنسبة للنساء، حيث تلجأ أغلب العائلات إلى ما يُسمى بعُرف" الرضوى"، وفيه تتم ترضية الأنثى بمبلغ مادي عوضاً عن الميراث، وكشفت الدراسة أن حوالي 95% من النساء بمحافظتي قنا وسوهاج لا يرثن، وفق العُرف والتقاليد، خوفاً من استيلاء زوجها وأبنائها على الميراث، ولا يحق للفتاة أي ميراث بعدما قام والدها بتعليمها وتجهيزها بكل متطلبات الزواج.
وعد الرئيس
وجاء حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن ميراث المرأة، في منتدى شباب العالم في نوفمبر 2017، بمثابة بارقة أمل وطاقة نور فتحت أبوابها أمام الآلاف من النساء حُرمن من حقهن في الميراث، حيث ناقش خلال المنتدى أزمة عدم منح عدد من القرى المصرية للمرأة حقها في الميراث، مؤكداً أن هذا يخالف الشريعة، واعداً بتغيير تلك المفاهيم.
فقد كان هذا الوعد بمثابة إشارة من سيادته للبدء في تعديل قانون المواريث، حينها عكف مجلس النواب في ديسمبر 2017، على مناقشة التعديلات المقدمة من النواب على القانون رقم 77 لسنة 1943، الخاص بالمواريث، حيث جاءت تعديلات القانون بعد مناقشة المشاريع الثلاثة التي تم تقديمها، " مشروع النائبة نادية هنري، ومشروع النائبة غادة صقر والمشروع المقدم من الحكومة"، بعدها أقر المجلس التعديلات في شكلها الجديد.
ومع بداية 2018، صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على تعديلات مجلس النواب على القانون، وتم نشر القانون في الجريدة الرسمية لبدء العمل به رسمياً.
وجاء في نص تعديلات القانون أنه" يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة 20 ألف جنيه، ولا تتجاوز المائة ألف جنيه، لكل من امتنع عن تسليم أحد الورثة نصيبه من ميراثه الشرعي، أو حجب سنداً يؤكد نصيبه في الميراث، أو الامتناع عن إظهار أو تسليم مستند خاص بالميراث حال طلبه منه، ويجوز للورثة أو من ينوب عنهم التصالح بعد ذلك أمام المحكمة أو النيابة، ولكن بشرط عدم صدور أي أحكام، أي أن الصلح يكون قبل صدور حكم، وأضافت" يترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية، ولو كانت مرفوعة بطريق الدعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها، ولا يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة"
وعقب إصدار القانون والتصديق عليه بشكل رسمي، أعرب المجلس القومي للمرأة، برئاسة الدكتورة مايا مرسي، عن سعادته بالقرار الجديد، واعتبرته انتصاراً جديداً للمرأة المصرية وإنصافاً لها.
وفي 6 يناير 2018، أصدرت النيابة العامة تعليماتها بالبدء في تطبيق العقوبات الواردة بتعديلات قانون الميراث، بالحبس لمن يمتنع عن إعطاء وارث ميراثه الشرعي.
اترك تعليق