تعد مسألة هيكلة الأجور في الدولة وتوحيد المرتبات. وإزالة الفوارق الضخمة الموجودة بين موظفي كل وزارة وأخري من القضايا المهمة التي يعانيها كثير من شرائح وفئات الموظفين وطالما نادي أصحابها بضرورة تحسين رواتبهم واعانتهم علي مطالب الحياة ورفع الظلم عنهم حيث إن الموظفين ببعض الوزارات المحظوظة يتقاضون اضعاف رواتب زملائهم علي نفس الدرجة بالوزارات المتعوسة. وأحيانا يكون صاحب المرتب الأدني هو الأعلي في الدرجة العلمية.
"الجمهورية اون لاين" طرحت قضية الاجور في الوزارات والتفاوت الواضح بين موظفي بعض الوزارات وأقرانهم في الوزارات الأخري علي خبراء الاقتصاد فماذا قالوا؟!
د.وائل النحاس. خبير الاقتصاد. أكد أنه يجب علي كل وزارة ان يكون بها كود وظيفي تقدر من خلاله حجم إنتاجية العامل لديها حتي تقرر له الراتب المناسب المطابق لهذا الكود الوظيفي ورؤية المجهود المبذول وعدد ساعات العمل. لافتا إلي أن الموظفين بوزارة الخارجية تظل مرتباتهم ضعيفة حتي يتم سفرهم للعمل بالخارج وكذلك مرتبات العاملين بوزارة الصحة ضعيفة.
أضاف انه يجب علي الدولة ممثلة في الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وضع كود وظيفي أو وصف دقيق للوظيفة وعدد ساعات العمل اليومي بها أو الاسبوعي لتحديد الراتب المناسب وبشكل واضح لمعالجة الخلل الواقع في مرتبات الموظفين بوزارات الدولة.. مشددا علي أنه يجب وضع دراسة واقعية لإظهار الموقف الحقيقي لمرتبات الموظفين بالدولة من خلال ربطه بحجم الانتاج.
أضاف "عندما أرادت وزارة قطاع الأعمال تطبيق ربط الراتب بحجم الانتاج. لم يرض موظفوها وهاجوا حتي تراجعت الوزارة عن مخططها. وكذلك الأمر في وزارة الاتصالات فموظفيها يختلف راتبهم عن موظفي الشركة المصرية للاتصالات بسبب حجم التعامل والأداء. فموظفو الوزارة يتعاملون مع 11 مليون عميل للخطوط الأرضية وعدد ساعات عملهم 8 ساعات. بينما موظفو الشركة المصرية للاتصالات يتعاملون مع 45 مليون مشترك ويتراوح عدد ساعات عملهم بين 10 و12 ساعة. وهنا تظهر ضرورة توضيح الكود الوظيفي لأنهاء الجدل.
أشار إلي أن د.صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء سابقا كان قد اعد دراسة ولكنها لم تكتمل. ويجب العودة إليها مرة أخري واحيائها. لافتا إلي أن القانون الجديد للضرائب سوف يظهر كل شئ خاص بالوظائف وكيفية عمل الدولة وموظفيها.
الشركات التابعة
د.بسنت فهمي خبيرة الاقتصاد وعضو سابق باللجنة الاقتصادية بمجلس النواب. أكدت أن جميع موظفي الدولة متقاربون في رواتبهم. وذلك لأنه يتم تعيينهم علي درجات مالية محددة. لافتة إلي أن التفاوت في رواتب الموظفين يكون بالشركات التابعة للوزارات وليس بالوزارات نفسها.
أشارت "فهمي" إلي ضرورة أن تكون هناك مواصفات للعمل في أي وظيفة حتي يتم تحديد الراتب المناسب لها. لافتة إلي أن رواتب الموظفين بالحكومة علي "قدها" وكذلك جميع حكومات العالم مرتبات موظفيها ضئيلة. لدرجة ان الحكومة الأمريكية أوقفت مرتبات موظفيها لمدة 3 شهور بسبب ظروف طارئة وعدم استطاعتها توفير رواتب موظفيها!!
أوضحت ان جميع الوزراء في الوزارات المختلفة ووكلائهم يحصلون علي نفس الرواتب ولكن الاختلاف يظهر في الشركات التابعة لهذه الوزارات فمثلا العاملون بالبنك المركزي يتقاضون رواتب تعتبر ضئيلة مقارنة بالعاملين بالبنوك الخاصة التي تحتاج إلي مواصفات خاصة للعمل بها مثل إجادة أكثر من لغة والعمل طوال اليوم اذا تطلب الأمر. لذلك تظهر الحاجة إلي ربط المرتبات بحجم الانتاج.پ
قضية صعبة جداً
يري د.وليد جاب الله. الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع والإحصاء. أن قضية الأجور صعبة جدا في العالم كله. لأن الأمر يتعلق بالأجر هل هو علي قدر العمل ام علي قدر الانتاج. مشيرا إلي أن قضية التساوي بين الأجور تهدر فرصة تحفيز العاملين علي العمل. وهو ما يؤدي إلي أن هناك جهات تعمل علي تحفيز العالمين لديها لبذل طاقة اكبر وهذا الأمر يتغير من مكان إلي آخر.
قال: من المؤكد ان الأجر الاساسي لجميع العاملين بالدولة متقارب بصورة كبيرة ولكن الاختلاف يكون في الأجر المتغير حسب طبيعة كل نشاط. فمثلا في قطاع البنوك تجد العاملين بها دوام عملهم أطول لبعد الخامسة مساء وهو الامر الذي لا يمكنهم من القيام بأي نشاط إضافة لتحسين دخولهم. ونجد في قطاع التعليم ان المدرس له جدول حصص محدد في اليوم يمكن له ان يأخذ استراحة فضلا عن انتهاء مواعيد العمل في الثانية ظهراً ليتيح له فرصة القيام بأعمال أخري. وهذه هي القضية حيث تجد قطاعات مثل الأطباء والمعلمين تكون دخولهم الحقيقية من العمل الخاص سواء بفتح عيادات خاصة أو العمل بالدروس الخصوصية.
أوضح انه يجب التحدث بمعيار العدالة وليس بمعيار المساواة لعلاج الخلل في رواتب الموظفين بالدولة. ويجب أن تكون في البداية جميع الأنشطة رسمية بعيدا عن غير الرسمية. ويتم وضع نظام محدد للأجور يربط بين الأجر والإنتاج. بجانب تقنين مجال العمل الاضافي الذي يمكن للعامل القيام به بجانب عمله. وإذا كان الطبيب يمكنه فتح عيادة خاصة بصورة مشروعة فيجب ان تكون هناك مساواة للمدرس واتاحة العمل في الفترة المسائية.
أكد د.جاب الله ان الخلل في رواتب الموظفين ناتج عن عدم وضوح الرؤية بين كل ماهو مسموح للوظيفة وغير مسموح. مشددا علي ضرورة ربط العمل بالانتاج والاعتماد علي الأبحاث والدراسات الدولية حول قضية الأجور. حيث إن هناك العديد من الأبحاث قدمت الكثير من الحلول وهناك تجارب دولية قامت بخلق توازن بين العدالة في الأجور والتحفيز في العمل. مشيرا إلي أن قانون الخدمة المدنية تناول الأجر ونظمه ولكن لن يتم تحقيق تقدم فعلي الا اذا تمت إدارته بشفافية تقنع الجميع بعدالة المنظومة.پ
آراء خبراء التخطيط
يقول د.محمد فريد عبدالعال استاذ التخطيط والتنمية الاقليمية ان الفجوة في الدخل هي مشكلة مزمنة ومتراكمة منذ سنوات طويلة وذلك نتيجة لاتباع سياسات اقتصادية خاطئة. وللاسف الجيل الحالي يتحمل عبء اصلاح اخطاء الماضي والأمر ليس بالسهل ولكن يحتاج لمزيد من الوقت فهي عملية تتسم بالصعوبة لانه لا يمكن أن نقلل الدخول للموظف الذي اعتاد علي مستوي معين من المعيشة.
يضيف أنه لابد من إعادة البحث وذلك في ضوء الامكانات والموارد المتاحة للدولة ووضع جدول زمني لعملية الوصول للمساواة المطلوبة. والملف قيد البحث بوزارة المالية لانها المنوط بها وضع آليات التنفيذ وهل يتم الحل تدريجيا أم علي فترات متباعدة.
يسلط د.فريد الضوء علي أولي خطوات الحل وأهمها وذلك بتقليل الفجوة بين الحدين الأدني والأقصي في الدخل وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب فمن يعمل أكثر يحصل علي حوافز أفضل.
يوضح د.صلاح هشام أستاذ التنمية والتخطيط بجامعة الفيوم ورئيس المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة اسباب التفاوت في الأجور والذي يحدث كما يقول عندما تكون الادارة الحكومية أو الوزارة لها موارد استثمارية. فالوظائف ذات الطابع العام تختلف في الأجور ذات الطابع الخاص. فعلي سبيل المثال قطاع الكهرباء والقابضة لمياه الشرب والغاز الطبيعي والصرف الصحي والبترول. ولذلك تجد تكالباً للتعيين بها والتوظيف. مما أدي لارتفاع معدلات الفساد والرشاوي والوسطاء لتسهيل فرص العمل بهذه القطاعات. أما الهيئات ذات الطابع العام فهم ملزمون بدرجات مالية ثابتة.
يطالب د.صلاح بضرورة تقارب الفجوة بين الدخول لموظفي الدولة. والبداية كانت في محاولات رفع الحد الأدني لمجمل أجر الدرجات الوظيفية بالدولة. ولكن يكتمل الأمر لابد من وضع حد أقصي للأجور لانه يوفر الكثير من الأموال.
يقول د.وليد مدبولي خبير الإدارة والاقتصاد ان الفجوة في المرتبات ما بين موظفي الهيئات الحكومة والوزارات تراكمية وممتدة منذ سنوات. ويرجع هذا التفاوت لسوء الادارة منذ البدايات لعملية التوظيف. فيتم تحديد أو تخصيص مرتب ضعيف لا يتناسب مع الاحتياجات الشخصية والاسعار المرتفعة.
يشير د.وليد إلي ان العامل يذهب للعمل حتي يحصل في النهاية علي مرتب يساعده علي تدبير نفقات أسرته ولكن اذا لم يحدث ذلك فتصبح هناك حالة من التراخي والكسل والقبول علي العمل وهناك احصائيات تشير إلي ان العامل يقدم انتاجاً في 28 دقيقة فقط من 8 ساعات أساس عمله. واتجه للبحث عن عمل اضافي يساعده في اعباء المعيشة. وهناك بادرة أمل قامت بها الدولة وهي وضع ملف الأجور علي طاولة البحث لتغيير القيمة للمرتبات للأفضل.
الحكومة الإليكترونية الحل
ويضيف د.أدهم المحرزي. خبير الادارة. ان التباين في المرتبات نتيجة لاخطاء الأنظمة السابقة واعضاء مجلس الشعب. فكل هؤلاء ساعدوا في تفاقم المشكلة مما أحدث نوعا من الاستياء والشعور بالحزازيات بين الطبقات العاملة بالمؤسسات الحكومية.
يحدد المحرزي أهم الحلول التي يجب تنفيذها لضمان المساواة. وأهمها تطبيق الحكومة الالكترونية الشاملة. والخدمات العامة الالكترونية لضمان ان تكون الحركة المالية التي تتم بأي قطاع من قطاعات الدولة والمرافق تحت مراقبة حكومية وذلك لمحاربة الاقتصاد الموازي. وتفعيل دور المجتمع المدني وإعادة هيكلة الجمعيات الأهلية. وتفعيل قانون الخدمة المدنية الذي نص علي تقليل التفاوت بين أجور الموظفين الذين يؤدون نفس المهمة في الجهات الحكومية.
أكد عدد من الموظفين ببعض الوزارات المحظوظة مثل الكهرباء والبترول انهم علي الرغم من ارتفاع مرتباتهم الشهرية فإنهم يدفعون مقابل ذلك من مجهودهم بالاضافة إلي المخاطر التي يتعرضون لها والمسئولية الكبيرة الملقاة علي عاتقهم بسبب تلك الوظائف.
أشاروا إلي أنه بالنظر إلي مرتباتهم التي يراها البعض كبيرة فإنهم يطالبون بزيادتها لأنها مع الوقت تصبح بالنسبة لهم عادية نظرا لصعوبة القيام بها والمخاطر التي يتعرضون إليها أثناء القيام بها او اشتراط عدم القيام بمهام أخري بجانبها.
في نفس الوقت.. أوضح عدد من الموظفين بالوزارات المنحوسة مثل التربية والتعليم والتضامن والصحة ان ضعف رواتبهم يضطرهم للقيام بمهام أخري والعمل بوظائف أخري لتحسين دخولهم المتدنية ولا تناسب حالة الغلاء التي يعيشونها وارتفاع مصروفات المدارس لابنائهم.
أشاروا إلي ضرورة العدل في رواتب العاملين بالوزارات فلايصح وغير المنطقه ان يتحصل صاحب الدبلوم علي راتب أعلي من صاحب البكالوريوس او شهادة أعلي لانضمامه فقط إلي إحدي الوزارات الغنية.
قال أحمد عبدالرحيم. موظف بوزارة الكهرباء. هناك الكثير من المواطنيين وزملائهم الموظفين بوزارات أخري لايعلمون مدي المخاطر التي نخوضها وإمكانية الاصابات التي تلحق بهم جراء الصعود إلي شبكات الكهرباء المرتفعة والعمارات السكنية لتركيب الخطوط ومد الشبكات. ناهيك عن عدم تحديد وقت معين للعمل حيث احيانا نعمل لمدد طويلة أثناء اليوم وأحيانا نسافر إلي مناطق بعيدة وأحيانا لا نأخذ اجازات لفترة طويلة لحين انتهاء المشروعات الجاري تنفيذها وكل ذلك بعيدا عن أسرهم وابنائهم.
حسين فيصل. موظف بشركة بترول. قال إن صعوبة طبيعة عملهم تقتضي توفير رواتب عالية كما يراها البعض ولكننا نراها مناسبة للمشقة والجهد المبذول فيها. فمثلا عندما نسافر لأكثر من شهر ونظل بموقع الحفر في عرض البحر فلابد من توفير راتب يكفي تكاليف المهنة وخطورتها والتزاماتها بجانب الصرف علي أسرهم وابنائهم. مشيرا إلي انهم يسافرون ولايضمنون العودة مرة أخري وكل هذا له ثمن.
قال: "هناك بعض الموظفين بوزارات أو قطاعات أخري لا يتقاضون رواتبنا ولكنهم أيضا لا يعيشون نفس الظروف حيث انهم لا يستطيعون العمل بأي وظيفة أخري بجانب عملهم.
قال محمود الشريف. مدرس إعدادي: يجب علي الدولة النظر في تحسين أجور الموظفين حيث ان الراتب لايكفي اسبوعا ونضطر إلي العمل بإحدي المكتبات مساء لتوفير دخل إضافي نكمل به التزامات الشهر. وهناك بعض زملائنا فوجئنا بهم يعملون علي "تكاتك" و ميكروباصات لتوفير احتياجاتهم وسداد التزاماتهم والكثير منهم في الوقت الحالي يعمل سائقاً علي سيارات "اوبر".
أعرب طارق عبدالله. موظف بالري. عن استيائه من تدني مستوي الرواتب لديهم وعدم انتظامها فبعد التخرج في كلية الزراعة الصعبة نجد ان فرد الأمن صاحب المؤهل الأقل يحصل علي راتب أكبر بسبب عمله في وظائف أخري مثل السنترال والبريد والمحكمة.
أشار إلي أنه يحمد الله علي فضله وستره ولكنه يلجأ كثيرا للعمل بإحدي الصيدليات لتحسين دخله ومواجهة أعباء الحياة.. مطالبا الدولة بالنظر إلي أصحاب المرتبات الضعيفة لأنهم لديهم أيضا التزامات يجب الوفاء بها.
اترك تعليق